الرابع في عهده.. لماذا جلب قيس سعيد رئيسا جديدا لحكومته وأطاح بالمطيعة بودن؟

12

طباعة

مشاركة

في وقت تشهد فيه تونس أزمة اقتصادية ومالية وسياسية غير مسبوقة، أعلنت الرئاسة التونسية عن إقالة رئيسة الحكومة نجلاء بودن وتعيين أحمد الحشاني خلفا لها في ساعة متأخرة من مساء الأول من أغسطس/ آب 2023. 

وكعادتها لم توضح رئاسة الجمهورية الأسباب والدوافع لقرار إقالة بودن كما لم يجر الرئيس قيس سعيد أي مشاورات من أجل تعيين رئيس جديد للحكومة.

وتعد هذه الإقالة، هي الأبرز منذ انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، إذ أعفى سعيد قائمة طويلة من المسؤولين والوزراء ممن سبق وعينهم في فترات سابقة.

كبش فداء 

يجمع طيف واسع من التونسيين ومن بينهم أطراف مساندة لانقلاب 25 يوليو، أن حصيلة الحكم منذ سنتين يمكن تقييمها بالفاشلة نظرا لما وصلت إليه البلاد من أوضاع صعبة اقتصادية واجتماعية.

وأكدت منظمة "أنا يقظ" (منظمة مختصة في الحوكمة ومكافحة الفساد)، في 24 يوليو 2023، أن قيس سعيد لم يحقق 90 بالمئة من الوعود التي قطعها طيلة السنتين الماضيتين منذ إقرار ما سماها "التدابير الاستثنائية" والتي عدتها المعارضة انقلابا.

وبعد سنتين من تجميع سعيد كل السلطات بيده وتعطيل المسار الديمقراطي في البلاد، تقف تونس أمام مفترق طريق في ظل تراكم الأزمات.

إذ إن على البلاد الاختيار بين البقاء في ظل سياسة اقتصادية  قائمة على التقشف أو الرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بـ 1.9 مليار دولار لسد جزء من العجز في الموازنة.

ومنذ فترة كرر الرئيس التونسي خطابا يحمل أشكالا من الانتقادات لحكومة نجلاء بودن، معتبرا في 1 يونيو/حزيران 2023 أنه "لا يمكن لأي وزير أن يتصرف خارج السياسة التي يضبطها رئيس الدولة وأن الانسجام مطلوب بين أعضاء الحكومة".

ومنذ تشكيل حكومة نجلاء بودن في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلنت رئاسة الجمهورية التونسية عن 8 إقالات في مناصب حكومية مختلفة، دون الإفصاح عن أسباب الإقالة أو معايير تعيين خلفهم.

وهي خطوة قرأها البعض على أنها محاولة من سعيد للتضحية ببعض المسؤولين لتجنب "الغضب الشعبي". 

وكان آخر هذه التعديلات إنهاء مهام وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي، في 5 مايو/أيار 2023، بحسب ما أعلنه بيان للرئاسة التونسية.

وجاءت إقالة القنجي بعد ساعات قليلة من تصريحات إعلامية أدلت بها حول اقتراب حكومة نجلاء بودن، من وضع اللمسات الأخيرة في خطة توجيه الدعم نحو مستحقيه بما في ذلك الدعم الطاقي.

إقالة بودن أثارت الاستغراب في تونس وخارجها، كونها توصف في أوساط المتابعين للوضع التونسي بـ "المرأة المطيعة" نظرا لالتزامها بالدور الذي حدده لها قيس سعيد منذ تعيينها.

إذ فوجئ التونسيون باسم خلفها أحمد الحشاني الذي لا يعرف له أي تاريخ سياسي أو إداري بارز في تونس.

ولم تبد الأكاديمية التونسية التي لم يكن لها ماض سياسي، أي رغبة في لعب دور مهم في المشهد السياسي المتحرك، حيث التزمت بعدم الظهور الإعلامي أو التوجه بخطابات للتونسيين.

كما اقتصر ظهورها فقط في لقاءاتها مع قيس سعيد في مقاطع الفيديو التي تنشرها الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على فيسبوك محتكرا للحديث.

ظروف مشابهة

ويعد الحشاني رئيس الحكومة الرابع الذي يختاره منذ وصوله إلى رئاسة الجمهورية عام 2019.

فبعد فشل حركة النهضة في حشد الدعم البرلماني لمرشحها لرئاسة الحكومة الحبيب الجمني، أسند الاختيار بحكم دستور العام 2014 للرئيس قيس سعيد.

ووقتها اختار الرئيس، إلياس الفخفاخ الذي استقال بعد عام من توليه المنصب، ليعين بعدها هشام المشيشي الذي أقاله سعيد لاحقا ضمن إجراءات انقلابية عديدة عطل بموجبها عمل الدستور وجمد أشغال البرلمان.

وتأخر تعيين حكومة نجلاء بودن 11 أسبوعا كاملا منذ إقالة سعيد لحكومة هشام المشيشي وتجميده عمل البرلمان وفرض أحكام استثنائية مساء 25 يوليو 2021.

وهي فترة استأثر فيها سعيّد بكل القرارات لتشهد أجهزة الدولة حالة من الفراغ بعد شغور عدد من الوزارات. ولكن ورغم تشكيل الحكومة لم يتغير شيء في إدارة الشؤون العامة.

وكانت ظروف اختيار بودن مشابهة لما جرى مع أحمد الحشاني، حيث لم يكن للمرأة أي نشاط سياسي أو مدني سابق، ولم يجر سعيد أي مشاورات مع أحزاب أو منظمات وطنية أو الكتل البرلمانية في مجلس نواب الشعب الجديد الذي انتخب بداية العام 2023.

وفي حديث لـ"الاستقلال" عبّر زعيم جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي عن "استهجانه واستنكاره لطريقة اختيار رئيس الحكومة الجديد، وللاختيار نفسه"، وذلك خلال ندوة صحفية عقدتها الجبهة وسط العاصمة تونس.

ورأى زعيم جبهة الخلاص أن "السيرة الذاتية لأحمد الحشاني لا تبعث على أدنى تفاؤل، ونحن نرفض هذا الأسلوب، فمن اختار سعيد لتعويض بودن؟ اختار شخصا نكرة لم يسمع به أي تونسي من قبل".

وأضاف الشابي "في الأصل رئيس الحكومة يجرى اختياره بناء على مقاييس سياسية، لكن ما هي الكفاءة السياسية للحشاني؟ وكيف يمكن أن يجمع الناس ويقودهم؟ ما رؤية الحشاني للبلاد التونسية؟ ما برنامجه؟"

وأردف: "لا أحد يعلم بما فيهم هو نفسه، إذا كان التونسيون يتطلّعون إلى حكومة قادرة ذات كفاءة، فقد خاب أملهم بتعيين أحمد الحشاني خلفا لنجلاء بودن".

وأكد أن "تطلعات التونسيين نحو حكومة مقتدرة خابت مرة أخرى بحسب السيرة الذاتية لرئيس الحكومة الجديد"، مؤكدا أن الحشاني "سيكون مجرد منسق للعمل الحكومي لا غير كما كانت نجلاء بودن".

وجدد الشابي دعوته لتشكيل حكومة إنقاذ وطني لإخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها على كل المستويات، مضيفا أن "تونس ذاهبة نحو الهلاك كلما تأخرت حكومة الإنقاذ التي تقع على عاتق من هدد بتطهير الإدارة من آلاف الموظفين بدعوى الولاء والتصفيات السياسية".

من هو الحشاني؟ 

مع صدور بلاغ رئاسة الجمهورية، تصدر اسم رئيس الحكومة المعين قائمة الأكثر بحثا في تونس على محركات البحث ومواقع التواصل الإجتماعي، من أجل الحصول على معلومات عن سيرته الذاتية.

ولم يجد التونسيون سوى حسابه على فيسبوك الذي كان يدون الحشاني من خلاله ناشرا بعض النكت التي تحولت سريعا إلى مادة للسخرية بين التونسيين.

وكذلك تدوينات باللغة الفرنسية عبّر فيها عن مواقفه من بعض القضايا مثل المساواة في الميراث ورفضه النظام الجمهوري، حيث يرى أن الحل في تونس يكمن في إقامة نظام ملكي دستوري على شاكلة النظام الإسباني.

ومع اكتشاف مجموعة من المعطيات حول الحياة الخاصة والمهنية للحشاني، تبين أن موقفه من النظام الجمهوري يعود لسببين مهمين.

الأول أن أصول الرجل تعود إلى سلالة البايات (ملوك تونس قبل إقامة الجمهورية في العام 1957) من خلال الجد علي شقيق محمد الصادق باي، الذي أمضى معاهدة الحماية الفرنسية في مايو/أيار 1881.

والثاني أن والده هو صالح الحشاني الضابط بالجيش التونسي وقائد حامية ولاية (محافظة)  قفصة جنوب غرب البلاد، وحُكم عليه بالإعدام سنة 1963 ضمن مجموعة (عرفت باسم الأزهر الشرايطي) تتكون من 9 ضباط ومدنيين بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب على الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

أما عن السبب الأقرب لمعرفة الحشاني من قبل الرئيس قيس سعيد، فيعتقد أغلب المتابعين أنه يعود لمرحلة سنوات الدراسة بالجامعة.

فالرئيس التونسي درس في كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس وهي الجامعة نفسها التي تخرج فيها رئيس الحكومة سنة 1985.

لكن ومع التدقيق في خطاب سعيد يوم تنصيب رئيس الحكومة الجديد وفي لقائه الثاني به يوم 7 أغسطس/آب 2023، يلاحظ التركيز على قضية "تطهير الإدارة".

إذ أوصى في المناسبتين "بتطهير الإدارة ممن تسللوا إليها وتحولوا إلى عقبة أمام إنجاز أي مشروع اقتصادي أو اجتماعي أو غيره، في حين أن عديد المشاريع جاهزة والأموال المرصودة لها متوفرة ولا تنقص سوى الإرادة الصادقة لتحقيقها".

ووهو ما يراه البعض سببا لاختيار الحشاني لرئاسة الحكومة، بعد أن شغل لسنوات قبل تقاعده منصب مدير عام الموارد البشرية في البنك المركزي التونسي.

وهو ما يؤكد توجه السلطة لتنفيذ عملية طرد واسعة لعدد من الموظفين قد تنال البيروقراطية الإدارية التي يحملها سعيد مسؤولية الفشل الحاصل في أجهزة الدولة وتأثيره السلبي على حياة المواطنين.

لكن في المقابل تخشى المعارضة أن يتحول هذا الإجراء إلى عملية ملاحقة للمنتمين للأحزاب السياسية داخل مؤسسات الدولة واستهدافهم في رزقهم وترهيب بقية الموظفين ضمن سياسة لتكميم كل الأفواه المنتقدة للسلطة وتطويع أجهزة الدولة لخدمة النظام الجديد الذي أرساه سعيد منذ 25 يوليو 2021.