رغم مرور 3 سنوات عليه.. لماذا ما تزال العدالة بعيدة عن تحقيقات انفجار بيروت؟
في الذكرى السنوية الثالثة لانفجار مرفأ بيروت، استنكرت صحيفة إيطالية عرقلة رجال السياسة والقضاء في لبنان للتحقيقات بشأن هذا الحادث المأساوي.
وأسفر الانفجار الذي لا يزال تاركا أثرا كبيرا في نفوس اللبنانيين، عن مقتل 215 شخصا وإصابة 6500 آخرين، فضلا عن أضرار بقرابة 50 ألف وحدة سكنية، وقُدرت خسائره المادية بنحو 15 مليار دولار.
ذكرى مؤلمة
وقالت صحيفة "إيل بوست"، إن "ثلاث سنوات مرت على تاريخ 4 أغسطس/ آب 2020 حين دمرت واحدة من أكبر التفجيرات غير النووية التي حدثت على وجه الأرض ميناء وجزءًا من مدينة بيروت اللبنانية".
ووقع الانفجار بسبب وجود ما يقرب من ثلاثة آلاف طن من نترات الأمونيوم مخزنة في مستودع بالميناء، كانت قد وصلت إلى بيروت عام 2013 على متن سفينة تجارية روسية.
وأشارت الصحيفة إلى علم السلطات المحلية وبعض كبار المسؤولين في الحكومة اللبنانية منذ سنوات بوجود كمية هائلة من المواد المتفجرة في الميناء لكن دون أن تتخذ أي إجراء للتخلص منها.
واستنكرت أنه إلى اليوم، لم يتم تحميل المسؤولية إلى أي طرف عن هذا الحادث المأساوي وعدم خضوع أي شخص للمحاسبة بتهمة الإهمال.
وتابعت: في هذه السنوات الثلاث، تمت عرقلة التحقيقات والقضاة المختلفين الذين أشرفوا عليها، وإبطائها وتعليقها نهائيا من خلال التدخلات الملحة المتزايدة من قبل السياسة والقضاة الآخرين.
وانتقدت الصحيفة مرور البلد بأزمة سياسية مستمرة منذ عقود "تشل في الواقع أي مبادرة أو محاولة إصلاح في البلد".
وبينت أن جزءا من المسؤولية ينسبها الخبراء والمحللون إلى الطبقة السياسية، الفاسدة في كثير من الأحيان وغير المؤهلة.
ويعتمد ذلك جزئيا على نظام الحكم اللبناني الغريب، القائم على التقسيم الطائفي والديني، حيث يتم ضمان المناصب السياسية ومجالات الاهتمام وقطاعات الإدارة لأتباع طوائف دينية معينة.
وأضافت أن "سلطة الأمر الواقع يمارسها زعماء مختلف الطوائف، كل منهم يركز على الدفاع عن المصالح الخاصة"، مستنكرة أن "هذه الانقسامات أثرت على التحقيق في الانفجار، ما أدى إلى فشلها".
وقائع عالقة
وذكرت "إيل بوست" أن نترات الأمونيوم التي ظلت مخزنة في ميناء بيروت لمدة سبع سنوات، جاءت على متن سفينة روسية غادرت جورجيا وكانت متجهة إلى موزمبيق.
وفقا للوثائق الرسمية، طلب البنك الوطني المحلي الشحنة نيابة عن شركة "فابريكا دي إكسبلوسيفوس" التي تتعامل مع المتفجرات الصناعية في مجالات التعدين والبناء.
لأسباب لم يتم توضيحها بشكل كامل، تستغرب الصحيفة الإيطالية، لم تصل السفينة مطلقا إلى موزمبيق وتوقفت في بيروت وبعد فترة من الوقت تم نقل النترات إلى مستودع في الميناء.
وذكرت بأنه في عشر مناسبات على الأقل، حذرت الجمارك والسلطات العسكرية والأمنية اللبنانية، وكذلك القضاء، الحكومة من خطورة المتفجرات دون أن يتم اتخاذ أي إجراء.
وفي 4 أغسطس 2020، اندلع حريق في المستودع تسبب بعد نصف ساعة، حوالي الساعة 18:08 بالتوقيت المحلي، في انفجار كبير خلف حفرة بعمق 43 مترا، ودمر أكثر من سبعة آلاف منزل بينما وصل صدى الموجة الصدمية إلى جزء كبير من المدينة.
فيما بلغت قوته ما يعادل زلزلا بقوة 3.3 درجات وشعر به الناس في أماكن بعيدة مثل قبرص.
حدث الانفجار، تقول الصحيفة الإيطالية، "في مرحلة بالغة التعقيد بالفعل بالنسبة للبنان، الذي كان يكافح مثل بقية العالم لاحتواء فيروس كورونا".
كما كان يمر أيضا بأزمة اقتصادية ذات أبعاد هائلة، وصفها البنك الدولي بأنها الأكثر خطورة في العالم في العصر الحديث.
بحلول صيف عام 2019، فقدت العملة اللبنانية 80 بالمائة من قيمتها وانهار اقتصادها، وتسبب ذلك في إغلاق البنوك وتم على إثر ذلك منع المودعين من سحب مدخراتهم.
اندلعت على إثر ذلك احتجاجات كبيرة دون أن تحدث تغييرات جذرية في الطبقة الحاكمة أو في السياسات الاقتصادية للبلاد، تنتقد الصحيفة.
تقاعس وفساد
وقالت إن "نفس التقاعس والإفلات من العقاب شملا أيضا المسؤولين عن الأخطاء والإهمال الذي أدى إلى الانفجار في الميناء".
وتذكر بأنه في البداية عُهد بالتحقيقات إلى فادي صوان، وهو قاض غير معروف كان في الماضي رئيسا للمحكمة العسكرية.
وجه صوان أصابع الاتهام إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين هم علي حسن خليل وزير المالية السابق، وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، وكلاهما وزير الأشغال العامة السابقين بتهمة "الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة مئات الأشخاص".
ذكرت الصحيفة أن الأربعة امتنعوا عن حضور جلسات المحاكمة ولم يخضع جميعهم للاستجواب وتمسكوا بالحصانة البرلمانية.
بعد بضعة أشهر، تمت تنحية القاضي صوان ورأت محكمة النقض أنه لا يمكنه الإشراف على التحقيقات بموضوعية لأنه يعيش في شقة تضررت من الانفجار.
أثبت بديل صوان، طارق بيطار البالغ من العمر 49 عاما، "أنه حازم بنفس القدر باتباعه نفس المسار الذي انتهجه سلفه وواجه نفس المقاومة"، على حد تعبير الصحيفة الإيطالية.
اتخذ العديد من الشخصيات السياسية 25 إجراء قانونيا مختلفًا للمطالبة بإقالة بيطار مما تسبب في تعليق متكرر للتحقيقات قبل أن يتم تعليقها فعليًا.
وفي يناير/ كانون الثاني 2023، استأنف بيطار التحقيق بعد 13 شهرا وأُدرج النائب العام غسان عويدات بين المتهمين بجرائم القتل والحرق العمد وجرائم أخرى.
وردا على ذلك ندد عويدات بـ"العصيان ومحاولة اغتصاب السلطة"، وأمر بالإفراج عن جميع المتهمين في القضية.
في الختام، ذكرت الصحيفة مطالبة أقارب الضحايا وجمعيات غير حكومية محلية ودولية بإنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة، لافتة إلى أن الطلب جرى تجديده بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة برسالة إلى مجلس حقوق الإنسان الأممي.