مع ارتفاع الحرارة بالعراق.. لماذا تنتقل المعارك السياسية للمنشآت الكهربائية؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في كل موسم صيف لاهب يكون العراق على موعد مع أزمة في إنتاج الطاقة الكهربائية، تعود أسبابها في الغالب إلى قطع إيران إمدادات الغاز الذي يشغل المحطات، إضافة إلى الاستهداف المتعمد لأبراج وخطوط النقل (الضغط العالي) التي تنقل التيار من محافظة إلى أخرى.

أصابع الاتهام في استهداف الكهرباء كانت توجه رسميا إلى تنظيم الدولة، فيما تتحدث وسائل إعلام عن تورط مليشيات إيران أيضا.

لكن ما يثير الاستغراب حاليا هو استمرار الأزمة في وقت يمسك حلفاء طهران بالسلطة عبر حكومة محمد شياع السوداني، مع انتهاء حضور التنظيم منذ 2017.

وأعلن رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، عام 2017 إعلان النصر على تنظيم الدولة وطرده من البلاد بعد سيطرته على ثلث مساحة العراق في عام 2014.

سلسلة هجمات

وشهد العراق في 29 يوليو/تموز 2023 انهيارا شبه تام في منظومة الطاقة الكهربائية، وذلك بعد تعرض محطة البكر في البصرة إلى حريق ما تسبب في انطفاء تام للتيار الكهربائي، بالتزامن مع خروج محافظات عدة عن الخدمة إثر أعمال "تخريبية" تعرضت لها أبراج نقل الطاقة.

وفي اليوم ذاته، شهدت محافظة صلاح الدين عملا تخريبيا لأبراج نقل الطاقة الأمر الذي تسبب بسقوط عدد من الأبراج المتجهة من صلاح الدين نحو مدينة حديثة (غرب البلاد)، ليعقب ذلك تعرض محطة "جميلة" التحويلية شرق مدينة الصدر ببغداد لعمل تخريبي كذلك.

وقال بيان لوزارة الكهرباء العراقية في 29 يوليو 2023، إنه "حصل حادث حريق بمحطة البكر التحويلية بمحافظة البصرة، ما أدى إلى انفصال الخطوط الناقلة كارتباطات المنطقة الجنوبية بالمنطقة الوسطى، وبالتالي صعود ترددات المنظومة وانفصال الوحدات التوليدية بمحطات الإنتاج".

ووجه وزير الكهرباء زياد علي فاضل، بتشكيل لجنتين تحقيقيتين؛ الأولى حول حريق محطة البكر في البصرة، والثانية بشأن الاستهدافات التي تطال أبراج وخطوط نقل الطاقة، والتي أدت الى انفصال ارتباطات الخطوط الناقلة للمنطقة الجنوبية عن الوسطى، وتسببت بالانطفاء التام للمنظومة، حسب بيان منفصل للوزارة في 29 يوليو 2023.

توجيهات الوزير شملت "التحقيق بالاستهدافات التخريبية التي طالت أبراج وخطوط نقل الطاقة (صلاح الدين الحرارية – حديثة) في منطقة القناطر بمحافظة ‍صلاح الدين".

وينتج العراق نحو 25 ألف ميغاوات، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد نحو 36 ألف ميغاوات حاليا، في ظل اعتماد محطات التوليد الغازية على الغاز الإيراني المستورد.

ويتعرض هذا الغاز دائما لتوقفات في الضخ بسبب التراكمات المالية على الحكومة العراقية وعدم إمكانية تسديد مستحقات طهران على إثر العقوبات الأميركية المفروضة عليها.

في السياق ذاته، أوضح المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى العبادي أن وزارته شكلت فريقا للوقوف على أسباب حريق محطة البكر، مؤكدا أن القوات الأمنية استطاعت في 30 يوليو 2023 إبطال مفعول 15 عبوة ناسفة كانت معدة لاستهداف خطوط نقل الطاقة في محافظة صلاح الدين.

وعن جهود الحد من عمليات التخريب، أوضح العبادي خلال تصريح لموقع "الجزيرة نت" في 31 يوليو 2023 أن هناك غرفة عمليات بين وزارات الداخلية والدفاع والكهرباء.

وبين أن الجهد الأمني أسفر أخيرا عن إبطال العديد من الأعمال التخريبية مع تسيير أفواج طوارئ واستخدام كاميرات حرارية لمراقبة خطوط الضغط العالي.

أبعاد سياسية

وبخصوص الجهات التي تقف وراء عمليات التخريب، اتهمت البرلمانية العراقية عن قوى الإطار التنسيقي (الشيعي) عالية نصيف، رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، بالعمل على استهداف الكهرباء وإلحاق الضرر بهذه المنظومة وبالتالي استهداف حكومة خلفه محمد شياع السوداني، وذلك عبر "أذناب له في العراق".

وأضافت نصيف خلال مقابلة تلفزيونية في الأول من أغسطس/ آب 2023، أن "هناك  عدد من الإعلاميين المرتبطين بالصهيوني إيدي كوهين (إعلامي إسرائيلي)، يعملون على (التطبيل) للكاظمي، إضافة إلى أن هناك نحو ألفي منصة إعلامية تستهدف السوداني وتحاول إسقاطه"، لافتة إلى أنها راسلت الأخير ونبهته بشأن ذلك.

لكن حوادث تعرض أبراج الطاقة للاستهداف كانت أيضا تقع في عهد الكاظمي، ففي 12 أغسطس/ آب 2021 وجّه الأخير عندما كان رئيسا للوزراء الجهات الأمنية بحماية أبراج الكهرباء في البلاد، وملاحقة المخربين والقصاص منهم، كما هدد بقطع يد من يستهدف مقدرات الشعب.

وقال الكاظمي في بيان حكومي وقتها إن إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق ارتفع إلى أعلى مستوى له، لكنّ هناك أياد تخريبية وإرهابية، لا تريد للبلد الاستقرار وستتم ملاحقتهم والقصاص منهم.

وشدّد خلال ترؤسه اجتماعا أمنيا طارئا على "ضرورة أن تضع القيادات الأمنية والاستخبارية خططا جديدة لحماية أبراج نقل الطاقة الكهربائية، والحد من تكرار استهدافها، لما يشكله ذلك من تأثير كبير في تجهيز المواطنين بالتيار الكهربائي".

ووجه الكاظمي وقتها باستنفار القطاعات الأمنية والعسكرية، والاستخباراتية كافة لتأمين حماية الأبراج، وتعزيز أعداد القوات المكلفة بحمايتها، وإعادة انتشارها.

وبعدها، كتب الكاظمي على حسابه بموقع "تويتر" في 13 أغسطس 2021 إن "يد الإرهاب والأطراف التي لا تريد للعراق الخير تحاول خلط الأوراق بضرب أبراج نقل الكهرباء بعد الزيادة غير المسبوقة بإنتاج الطاقة، وهذا دليل على يأس الإرهاب أمام إرادة شعبنا".

تزامن ذلك مع إعلان وزارة الكهرباء، في 11 أغسطس 2021 تعرض خطين لنقل الطاقة في بغداد إلى استهداف بعبوات ناسفة، مشيرة إلى أن الخطين يغذيان مشروع ماء الكرخ في الطاقة.

إحراج السوداني

وفي المقابل، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي المساري، إن الإطار التنسيقي يقف وراء استهداف منشآت الطاقة الكهربائية، لإرضاء إيران وإدامة استيراد الغاز والكهرباء منها.

وأوضح المساري لـ"الاستقلال" أن "قوى الإطار التنسيقي تحكم الآن، لكنهم لصوص، يعرفون السرقة وليس البناء، فهم يبيعون النفط ويأخذون موارده، ثم يجرون عمليات غسل الأموال في بناء المولات والمجمعات السكنية وشراء البيوت باهظة الثمن".

وتابع: "الإطار يريد إجهاض مشروع الربط الشبكي الكهربائي سواء مع دول الخليج أو الأردن، وبقاء البلد يشتري الغاز من إيران لتشغيل المولدات، وعدم توفر البيئة الهادئة لإنهاء أزمة الطاقة الكهربائية في العراق".

وأشار إلى أن "السعودية تريد مد شبكة الربط الكهربائي مع العراق وغيره من البلدان المجاورة، لكن إيران تسعى إلى تخريب ذلك بشكل أو بآخر".

وبين أن تسوية طهران الأخيرة مع الرياض (تطبيع العلاقات بوساطة صينية في مارس/آذار 2023) لا تمنع طموحها العنصري والطائفي للسيطرة على المنطقة.

ورأى الباحث أن "تدمير الأبراج ومحولات الطاقة في الوقت الحالي من أطراف داخل الإطار التنسيقي يأتي لزيادة الهيجان لدى الشارع العراقي، كونهم يتعرضون إلى ضغوط كبيرة من الولايات المتحدة الأميركية".

وأردف: "لذلك فإن حكومة السوداني في الوقت الحالي ترزح تحت ضغط هائل من الخليج وأميركا ومن الإطار التنسيقي، بل حتى من الاتحاد الأوروبي، فلكل مصلحته التي يسعى إلى تحقيقها".

واستبعد المساري أن "يكون التيار الصدري يقف وراء استهداف منشآت الطاقة الكهربائية، وإنما أطراف داخل الإطار غير راضية على حكومة السوداني، وتتخوف من اتخاذ الأخير قرارات ضدهم، لأنه يختلف عن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الذي كان ضعيفا".

وشدد الباحث العراقي على أن "هناك محاولات تتصاعد لإضعاف السوداني وصولا لإحراجه، تزامنا مع خطاب إعلامي معارض بدأ يروج لصورة معاكسة لحكومته وما أنجزته حتى الآن".

من جهته، قال الخبير في الشأن العراقي علي البيدر، إن "الأزمات التي يعيشها قطاع الكهرباء في العراق معقدة ومركبة، وهي ليست وليدة اللحظة بل إن تراكماتها الطويلة تشكل ضغطا على جهود حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لتحسين الواقع الكهربائي، الذي يعاني من العجز والتخلف".

وأضاف البيدر لموقع "سكاي برس" في 30 يوليو 2023 أن "تحريك ملف الكهرباء غالبا ما يأخذ أبعادا سياسية كذلك، ويغدو مادة للصراعات والمناكفات وتصفية الحسابات، حتى إن بعض الأعمال التخريبية ضد المنشآت والشبكات الناقلة للكهرباء تكون مقصودة، والهدف منها إحراج الحكومة وتعريضها للنقمة الشعبية".

ولفت إلى أن "الصيف عادة هو فصل الاحتجاجات والسخط المجتمعي من تردي واقع الخدمات ولا سيما الكهرباء، رغم أن الحكومة الحالية ليست مسؤولة لوحدها عن ذلك، بل هي تركة ثقيلة تتحملها مختلف الحكومات السابقة".

وتابع: "نجح العراق هذا العام في رفع طاقته الإنتاجية من الكهرباء بصورة واضحة، وهو ما سيزداد مع بدء التطبيق العملي لمشروعات الربط الكهربائي مع الدول العربية في الخليج ومصر والأردن، والسعي نحو تطوير خيارات الطاقة النظيفة لإنتاج الكهرباء".

ويعاني العراق من أزمة تردي الطاقة الكهربائية منذ عام 2003، رغم تخصيص عشرات المليارات للملف الذي شكل تحديا لكل الحكومات التي توالت على إدارة السلطة خلال هذه المرحلة، وهو ما يعزوه مسؤولون عراقيون إلى الفساد المالي الذي ينخر مؤسسات الدولة.

وفي 21 يوليو 2021، قال رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، إن العراق أنفق ما يقرب من 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء منذ عام 2003، لكن الفساد كان عقبة قوية أمام توفير الطاقة للناس بشكل مستقر.

وأضاف الكاظمي خلال اجتماعه مع كبار مسؤولي وزارة الكهرباء، أن "التحقيقات مستمرة في مواطن الفساد ضمن عمل الوزارة، وقبضنا بالفعل على عدد ممن صدرت بحقهم مذكرات قضائية إثر هذه التحقيقات".