اعتداءات على الشرطة ونفوذ في المؤسسات.. ماذا وراء "فشينستات" العراق؟

12

طباعة

مشاركة

فتح اعتداء امرأتين عراقيتين على ضابط مرور في العاصمة بغداد، باب التساؤل واسعا عن أسباب تصاعد مثل هذه الحالات، ولاسيما من النساء المشهورات على وسائل التواصل الاجتماعي المعروفات بـ"فشينستات" (موديلات موضة)، ومدى تغولهن في مؤسسات الدولة العراقية.

وبات هؤلاء النسوة يشكلن حرجا واضحا للحكومة العراقية وقادتها سواء في الأجهزة الأمنية أو الوزارات الأخرى، ولاسيما الحساسة منها، وذلك بعد انتشار مقاطع الفيديو على مواقع التواصل، والتهديدات التي يطلقنها ضد رجال المرور والشرطة في النقاط الأمنية.

اعتداء بالأحذية

ولعل آخر تلك الحوادث، كان الاعتداء الذي نفذته الفاشينستا العراقية، شهد الطائي، ووالدتها على ضابط في المرور، وذلك بضربه بالأحذية بعد احتجازه سيارتهن كونها كانت متوقفة في مكان ممنوع وتسبب بعرقلة السير، وتوعدت بفصله من سلك الشرطة و"إقعاده في البيت مع أخواته".

الحادثة التي وقعت في 27 يوليو/تموز 2023 تطورت وأصبح قضية رأي عام بعد نشر مقاطع الاعتداء على مواقع التواصل.

إضافة إلى حديث مديرية مرور الكرخ ببغداد في بيان لها عن تدخل، بهاء النوري، البرلماني عن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، ومحاولة منع اصطحابهن إلى مركز الشرطة لتسجيل شكوى رسمية بحقهن.

وإزاء الغضب الشعبي الذي أثارته الحادثة وحماية البرلماني للمرأتين المعتديتين، أعلنت وزارة الداخلية "استمرار الإدارات المختصة في الوزارة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المرأتين المعتديتين على أحد ضباط المرور في منطقة الحارثية ببغداد".

وأشارت الداخلية في بيان لها في 28 يوليو 2023 إلى حرصها "على حفظ هيبة المؤسسة الأمنية والعسكرية وترفض بشدة أي اعتداء على العاملين فيها خاصة أثناء أدائهم الواجبات والمهام الموكلة إليهم".

وعلى إثر ذلك، اضطر ائتلاف دولة القانون إلى فتح تحقيق بشأن ورود اسم أحد نوابه بحادثة الاعتداء على ضابط مرور، مؤكدا أنه "عند ثبوت ذلك سنحاسب النائب المذكور لتجاوزه على القانون وهيبة الدولة وندعم تكريم الضابط المعتدى عليه لالتزامه بتأدية واجبه"، حسب بيان له في 28 يوليو.

وفي 30 يوليو 2023، قررت كتلة ائتلاف دولة القانون البرلمانية، فصل النائب بهاء النوري وإبعاده من صفوفها على خلفية الحادث الذي حصل مع السيدتين، مشيدا بتكريم وزير الداخلية، عبد الأمير الشمري، لضابط شرطة المرور المعتدى عليه وحرصه على تأدية واجه في تطبيق القانون.

وبعد ذلك بيوم واحد، صرّح النائب بهاء النوري، خلال مقابلة تلفزيونية أن قرار فصله من ائتلاف دولة القانون كان متسرعا، وأنه لا تربطه أي علاقة شخصية مع السيدتين، وإنما تدخله كان بدافع إنساني بعد اتصال من صديق، مشيرا إلى أنه لم يكن يعرف حدوث اعتداء على ضابط المرور.

سطوة أمنية

لكن الاعتداء هذا لم يكن الأول من نوعه، ففي مايو/أيار 2020 تداول ناشطون ووسائل إعلام عراقية، مقطعا مصورا لامرأة تعرف باسم "عسل دولار" و"أم فهد" وهي واحدة من المشهورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تتوعد عناصر في الشرطة بدعسهم بـ"النعال".

وخلال المقطع ذاته، قالت "عسل دولار" إنها اتصلت بوزير الداخلية السابق (عثمان الغانمي)، لكنها أكدت بعد ذلك أنها تواصلت مع طالب شغاتي (رئيس جهاز مكافحة الإرهاب السابق) ووعدها بمعاقبتهم، مضيفة: "لن أكون امرأة إذا ما أدعس (أطأكم) عليكم بالنعل".

ولم يصدر في حينها أي شيء عن شغاتي أو وزير الداخلية السابق عثمان الغانمي، لكن في اليوم التالي، ظهرت "عسل دولار" في مقطع آخر تنفي أنها اعتدت (لفظيا) على رجال الأمن.

وادعت أن من قابلتهم أشخاص مدنيون أرادوا سرقة سيارتها، وأن حديثها عن تدخل "طالب شغاتي" كان مجرد كلام لإخافتهم، مقدمة اعتذارها للمسؤولين العراقيين.

وأظهر مقطع آخر لها في مايو 2021، اتصالها بمدير نجدة بغداد اللواء عبد الكريم إسماعيل لتخليصها من زخم السيارات في أحد شوارع العاصمة، ليقدم الأخير على رفع النقاط الأمنية وإعادة انسيابية السير وفك الاختناق، ليصدر بعدها قرار من وزير الداخلية بإعفائه من منصبه.

ومثل ذلك، ظهرت الفاشينستا والإعلامية العراقية، رائدة فاضل، خلال أحد برامج الكاميرا الخفية، الذي بث على قناة محلية عام 2019، وهي تتوعد كادر البرنامج بأنها في اتصال واحد قادرة على جلب مسؤولي وزارتي الداخلية والدفاع إلى المكان التي هي فيه.

وعلى الوتيرة ذاتها، هددت فتاة الإعلانات العراقية المعروفة، همسة ماجد، محامية عراقية تدعى، سمية الكبيسي، بعدما رفعت ضدها قضية، قائلة إنها محمية من جهاز المخابرات والمليشيات في العراق، وكل هؤلاء يقفون في ظهرها، حسب مقطع صوتي تداوله ناشطون في سبتمبر/ أيلول 2022.

وفي المقابل، هناك من يجزل الهدايا من المسؤولين على هذه النسوة، إذ أعلنت الفاشينستا العراقية، داليا نعيم، خلال مقابلة تلفزيونية في يونيو 2022، زواجها من برلماني عراقي أهداها 3 بيوت، وسيارات، رافضة التصريح عن اسمه كونه شخصية معروفة، وأنها زوجة ثانية له.

تحكّم ونفوذ

وبخصوص نفوذ المشاهير من النساء في مؤسسات الدولة، قال الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي إن "الفاشينستا هي من تتحكم بعدد من المسؤولين الكبار في البلد، بل وتتدخل حتى في التعيين وبيع الدرجات الوظيفية في بعض الوزارات لقربها من الوزير وعلاقته به".

وأضاف المهداوي لـ"الاستقلال" أن "فتيات الإعلانات نافذات بقوة في الدولة العراقية، وبإمكانهن إهانة أكبر رتبة عسكرية في الوزرات الأمنية، لأنهن يتزوجن ويرتبطن مع كبار المسؤولين".

ولفت إلى أن "في عهد نظام صدام حسين الذي أطاح به الاحتلال الأميركي عام 2003، مثل هذه الحالات كانت موجودة لكن بشكل محدود، لكن هناك أجهزة أمنية رادعة في حينها، وفي تلك المرحلة أشيع أنهن وكيلات في الأجهزة لجهاز الأمن العام".

وتابع: "لكن في عام 2001 أقدم جهاز فدائيي صدام برئاسة عدي النجل الأكبر للرئيس الراحل صدام حسين على إعدام المومسات، حينما انطلقوا إلى الكثير من بيوت الدعارة ليصفوهن ويقطعوا رؤوسهن بالسيوف".

ولفت إلى أنه "في مرحلة ما بعد 2003 وشيوع الفساد المالي في البلد، ساهم المال الحرام أيضا في انتشار نفوذ الفاشينستا بجميع مفاصل الدولة العراقية، حتى أصبحت الهدايا بمئات آلاف الدولارات على شكل سيارات وبيوت وشقق سكنية داخل وخارج العراق، بل وصل الأمر إلى منحهن جوازات سفر دبلوماسية".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، فجّرت النائبة في البرلمان العراقي سروة عبد الواحد في لقاء متلفز مفاجأة بشأن منح جوازات دبلوماسية لـ "عارضات وفتيات تيك توك" ملوحة إلى تورط شخصيات نافذة بالقضية.

وقالت النائبة: "الجواز العراقي الدبلوماسي أصبح لا يساوي شيئاً في دول العالم، بسبب تمليكه لفئات وشخصيات لا تستحقه"، لافتة إلى أن الجهات المختصة لم ترد على استفساراتها حول الآلية المتبعة في وزارة الخارجية لمنح الجواز الدبلوماسي.

وأردفت أنه جرى تقديم كتاب لوزير الخارجية فؤاد حسين، لتوضيح مسألة الجوازات الدبلوماسية الممنوحة لغير مستحقيها، ولم تأت إجابة عليه خلال 15 يوما حسب ما ينص قانون مجلس النواب.

وطبقا لما جاء في طلب الادعاء، فإن معلومات لجنة النزاهة تؤكد وجود 45 ألف جواز دبلوماسي حاليا، وقد عدّت اللجنة الرقم هائلا.

وكانت وزارة الداخلية العراقية التي تصدر الجوازات أقرّت بمنح ما بين 4 آلاف إلى 4200 جواز سفر دبلوماسي خلال عام منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2021، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) عن مدير شؤون الجوازات العامة في الوزارة العميد الحقوقي ماجد أحمد.

وأوضح العميد أحمد أن محصلة الجوازات الدبلوماسية الصادرة هي ما مُنِح لنواب الدورات السابقة والدورات الحالية والاستثناءات الممنوحة حصرا من جانب وزير الخارجية وفقا للقانون.

وينص القانون العراقي على منح الجواز الدبلوماسي لرؤساء الجمهورية والحكومة وأعضاء البرلمان، إضافة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى ورؤساء إقليم كردستان ومجلس وزراء الإقليم، وأصحاب الدرجات الخاصة العاملين في الدولة، مع وجود استثناءات يقرّها حصرا وزير الخارجية أو رئيس الوزراء.

واحتل الجواز العراقي المرتبة قبل الأخيرة في ترتيب جوازات السفر العالمية، حسب تصنيف شركة الاستشارات السويسرية (هينلي وبارتنس) لعام 2022، وذلك بناء على مؤشر حرية التنقل بحصوله على 28 تأشيرة حرة فقط، أي بالمرتبة 110 من أصل 111 دولة مدرجة في الجدول.