جهود كبيرة.. هل ينجح "دا سيلفا" في إعادة البرازيل إلى الساحة الدولية؟
استعرض مركز بحثي هندي تطورات السياسة الخارجية للبرازيل، منذ عودة لولا دا سيلفا، إلى رئاسة البلاد، في يناير/كانون الثاني 2023.
وقال مركز "أوبزرفر ريسيرش فاونديشن (ORF)" إن "السياسة الخارجية الفعالة التي يتبعها لولا تهدف إلى رفع مكانة البرازيل على المستوى العالمي".
وأضاف أنه بعد فترة وجيزة من انتخابه رئيسا للبرازيل للمرة الثالثة، هتف لويز إيناسيو لولا دا سيلفا في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27)، الذي انعقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قائلا: "لقد عادت البرازيل".
وأكد أن "بلاده خرجت من الشرنقة التي حبست فيها على مدى السنوات الأربع الماضية"، لتستكمل الانخراط في قضايا متنوعة مثل إزالة الغابات، وتغير المناخ، والفقر، ونقل التكنولوجيا، والسلام، والتعددية.
بدوره، أشار المركز الهندي إلى أن "مثل هذه الشعارات مألوفة في عالم السياسة، وأكثر منها يُقال عند الحديث في الجغرافيا السياسية".
وتساءل: "إذن، هل عادت البرازيل حقا، وإذا كان الأمر كذلك، فما أبعاد الدور الذي ستلعبه؟".
وتابع أن "الإشارة الأكثر دلالة على عودة البرازيل هي جولات لولا الخارجية إلى مناطق جغرافية عديدة، والتي يُجريها بوتيرة منتظمة نوعا ما منذ عودته إلى السلطة".
جولات نشطة
ففي فترة قصيرة، وخلال سبعة أشهر فقط، زار "لولا" 15 دولة، وغطى جميع القارات الرئيسة، حيث زار الأرجنتين وكولومبيا وأوروغواي في أميركا الجنوبية، والولايات المتحدة في أميركا الشمالية.
كما زار الرئيس البرازيلي بلجيكا وفرنسا وإيطاليا واليابان والبرتغال وإسبانيا والمملكة المتحدة والفاتيكان في قارة أوروبا، والصين واليابان والإمارات العربية المتحدة في آسيا، وأخيرا جمهورية الرأس الأخضر في إفريقيا.
وأشار المركز إلى أن "هذه السياسة على قطيعة تامة، من عدة جهات، مع ما جرى خلال عهد الرئيس السابق، جايير بولسونارو".
فـ"بولسونارو" لم يزر إفريقيا قط طوال فترة ولايته التي استمرت أربع سنوات، كما أن عدد الدول الأوروبية التي زارها "لولا" خلال السبعة أشهر الماضية، يتجاوز تلك التي زارها سابقه طيلة عهده، وفق المركز.
وتابع: "أجرى بولسونارو ثماني زيارات قياسية إلى الولايات المتحدة، حيث كانت واشنطن -وفي القلب منها الرئيس السابق دونالد ترامب- تلعب دورا محوريا في حساباته للسياسة الخارجية".
ومن ناحية أخرى، "في حين أن حكومة لولا تضع علاقاتها مع الولايات المتحدة في أولوياتها، فإن الأخيرة ليست شريكها الثنائي الأكثر أهمية بحال من الأحوال".
وهناك إشارة أخرى على الاختلاف التام بين لولا وبولسونارو، وهي حضور الرئيس الحالي القمم العالمية متعددة الأطراف، في محاولة لإسماع صوت البرازيل، في الحوارات العالمية والإقليمية، التي تتماشى مع أولويات بلاده.
فعلى مدى الأشهر السبعة الماضية، حضر "لولا" قمة مجموعة دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (CELAC)، التي تضم 33 دولة، منها البرازيل والأرجنتين وباراغواي وأوروغواي.
فضلا عن قمة مجموعة الدول الصناعية السبع (G7)، التي انعقدت في مايو/أيار 2023، ومؤتمر "Power Our Planet"، وقمة "ميثاق مالي عالمي جديد" في فرنسا، في يونيو/حزيران 2023.
كما حضر "لولا" أيضا قمة الأمازون التقنية العلمية في كولومبيا، ومن المفترض أن يزور جنوب إفريقيا لحضور قمة البريكس الخامسة عشرة، في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس/آب 2023.
"نظرية لولا"
هذه السياسة الخارجية النشطة، وصفها بعض صناع القرار والمراقبين بأنها "فعالة وحازمة"، كما أطلق عليها آخرون اسم: "نظرية لولا".
فعلى سبيل المثال، أوضح وزير خارجية البرازيل، ماورو فييرا، في مقابلة أجريت معه أخيرا أن "نظرية لولا"، تتمحور حول استعادة صورة البرازيل وعلاقاتها، "ليس فقط مع جيراننا في أميركا اللاتينية، ولكن أيضا على جميع الصعد العالمية، سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف".
وأشار المركز البحثي الهندي إلى أنه "خلال الفترة المتبقية من ولايته، سيوسع الرئيس البرازيلي دبلوماسيته عالميا، لتشمل المزيد من البلدان في إفريقيا وآسيا وأوروبا".
وأردف: "كما ستعلي البرازيل صوتها خاصة في الموضوعات التي تحوز اهتماما دوليا، سواء كانت الحرب في أوكرانيا، أو الفقر والجوع، أو تغير المناخ، أو القيود على العملات، أو الهيئات متعددة الأطراف، أو إصلاح المؤسسات الدولية الرئيسة".
لكن أشار المركز إلى أنه "على الرغم من أن جهود لولا لرفع مكانة البرازيل العالمية صادقة، لكنها تحظى حتى الآن بنجاح متفاوت".
وأضاف أن "محاولة لولا الفاشلة في التوسط بين أوكرانيا وروسيا، وتعليقاته التي دافع فيها عن زعيم فنزويلا الاستبدادي نيكولاس مادورو، هما مثالان على أن البرازيل ربما تكون أقل تسرعا، وربما تعيد ضبط مواقفها في بعض القضايا خلال الفترة المقبلة".
وأكد أن "لولا تعلم بالفعل من أخطائه في محاولة التوسط بين روسيا وأوكرانيا، إذ أشار أخيرا إلى أنه لا يريد أن يتورط في الحرب الدائرة بينهما، وبدلا من ذلك اختار خوض حربه في الداخل ضد الجوع والفقر والبطالة".
وخلال مؤتمر صحافي في أبوظبي، أعرب الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في 16 أبريل/نيسان 2023 عن أمله في التحاق الإمارات والصين، التي زارها في وقت سابق، إلى "مجموعة عشرين" سياسية لمحاولة إنهاء الحرب التي بدأت بالغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وفي فبراير 2023 أكد الرئيس البرازيلي، عزمه جمع مجموعة من الدول للعمل من أجل إطلاق مفاوضات سلام بين روسيا وأوكرانيا. وقال الرئيس البالغ 77 عاما وقتها عبر "تويتر": "من الملح أن تتحمل مجموعة من الدول غير الضالعة في النزاع مسؤولية إعادة السلام".
وسبق أن أثار لولا فكرة "مجموعة السلام" بعد اجتماع مع المستشار الألماني أولاف شولتز في 30 يناير/كانون الثاني من نفس العام في العاصمة برازيليا، لكن أيا من هذه الجهود لم تفلح في تقريب وجهات النظر بين كييف وموسكو.
نظام عالمي جديد
وشدد المركز البحثي الهندي "أوبزرفر ريسيرش فاونديشن" على أن "البرازيل لديها بالتأكيد القدرة والإمكانيات لتصبح قوة رائدة كبرى على مستوى العالم".
وربما أكثر ما تتكئ عليه البرازيل في هذا السياق هو "هالة السلام"، التي تتوق كثير من الدول لها، حيث لم تخض البرازيل أي حروب خارجية كبرى منذ أكثر من 150 عاما.
كذلك، فإن "البرازيل لديها علاقات سلام ممتدة، ولا توجد بينها وبين الدول العشر المجاورة لها نزاعات حدودية بارزة، كما أنها بلد خال من الإرهاب، والصراعات الداخلية الكبرى".
وأردف المركز: "على عكس البلدان الآسيوية، كالهند والصين، التي تواجه باستمرار تهديدات أمنية، تأتي في شكل إرهاب، أو نزاعات إقليمية، أو حرب من حين لآخر، فإن لدى البرازيل في الغالب قضايا داخلية تحاول التعامل معها".
وكما لاحظ الباحث البرازيلي برايان وينتر، فإن لولا وفريقه يعتقدان أن "العالم يتجه نحو حقبة متعددة الأقطاب، ستكون أكثر إنصافا".
"فبدلا من وجود دولة واحدة على رأس الطاولة، سيكون هناك -على سبيل المثال- ثماني دول جالسة على طاولة مستديرة، البرازيل واحدة منها، إلى جانب الصين والهند، ودول أخرى من جنوب الكرة الأرضية الصاعد".
ومع ذلك، فإنه "على الرغم من هذا الحماس المتجدد لوضع البرازيل على الطاولة العالمية، فلا يزال من الممكن أن تعود البلاد أدراجها".
"ذلك أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كانت هذه السياسة ستؤتي ثمارها، كما يظل من الصعب بمكان إنجاز هذا الهدف في فترة قصيرة، قوامها أربع سنوات فقط"، وفق المركز.