مخرجات مؤتمر روما لمكافحة الهجرة غير النظامية.. تنمية حقيقية أم مقاربات أمنية؟ 

جمال خطابي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في ختام مؤتمر أجري في العاصمة الإيطالية، جرى الإعلان عن إطلاق ما سُمي "عملية روما" لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية.

واتفق مسؤولو دول مطلة على البحر الأبيض المتوسط ​​وأخرى من الشرق الأوسط وإفريقيا، خلال المؤتمر الذي عُقد بالعاصمة الإيطالية روما على خطوات لمواجهة تدفق الأعداد المتزايدة من المهاجرين باتجاه أوروبا.

أبرز النتائج

وفي 23 يوليو/تموز 2023، قال البيان الختامي لمؤتمر روما للهجرة والتنمية، إن المشاركين توافقوا على توفير التمويل اللازم لتنمية دول انطلاق طالبي اللجوء وكذلك دول العبور.

كما اتفقت الأطراف المشاركة في المؤتمر على تضييق الخناق على تهريب البشر وتحسين التعاون بين الدول الأوروبية والإفريقية في مجالات مثل الطاقة المتجددة. 

وأسفر المؤتمر عن الاتفاق على عدة خطوات لمحاولة إبطاء وتيرة الهجرة غير النظامية ومعالجة بعض الضغوط التي تدفع المهاجرين إلى الخروج من بلادهم في سبيل الوصول إلى أوروبا.

وعُقد مؤتمر روما، بمشاركة 20 دولة، بهدف الحد من الهجرة غير النظامية عبر مساعدة دول أفريقيا، وبناء شراكات لمشاريع في قطاعات الزراعة والبنية التحتية والصحة.

وحدد المؤتمر الخطوط العريضة لصندوق تمويل للمشاريع الاستثمارية ومراقبة الحدود بهدف التنظيم المعزز لعمليات تدفق المهاجرين على المدى المتوسط. 

مؤتمر روما لمكافحة الهجرة غير النظامية الذي عُقد تحت رعاية الحكومة الإيطالية، أعلنت خلاله رئيسة وزراء روما جورجيا ميلوني عن تنظيم مؤتمر للمانحين قريبا.

 وأوضحت ميلوني، أن أولويات "عملية روما" تشمل "محاربة الهجرة غير النظامية، وإدارة تدفقات الهجرة القانونية، ودعم اللاجئين، والتعاون الواسع النطاق لدعم تنمية إفريقيا خصوصا بلدان المغادَرة".

 وشدّدت على وجوب إعطاء الأولوية في التمويل لـ"الاستثمارات الإستراتيجية والبنى التحتية لأن هذه هي الطريقة الأكثر استدامة للتعاون".

وقالت إن "مبادرة اليوم ليست مجرد كلام، ونسميها مسار روما، والدول التي لم تتعاون (بموضوع الهجرة) حتى الآن تدرك الآن أن المصالح متقاربة وأنه يجب التعاون".

ووصفت ميلوني "مؤتمر روما" ببداية مسار إستراتيجي وأنه سيحظى بمشاركة دول أخرى للعمل لسنوات طويلة حول مكافحة الهجرة غير النظامية.

وإذا كانت ميلوني عدت مؤتمر روما خطوة أولى في مسار طويل للحد من الهجرة غير النظامية، فإن مراقبين يرون أن ما طغى على مخرجاته هو المقاربة الأمنية عوض التوجه نحو إيجاد حلول حقيقية لهذه الإشكالية.

مقاربة أمنية

الباحث الاجتماعي والناشط في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خالد طبابي، رأى أن هناك مقاربة أمنية في مخرجات مؤتمر روما أكثر منها تنموية.

وفي 24 يوليو 2023، رأى طبابي، في حديث لقناة "العربي" القطرية، أن هذا المؤتمر لم يأت بسردية يمكنها القطع مع الأزمة التي اجتاحت البلدان الإفريقية والمغاربية التي تطل على البحر المتوسط.

وتابع أنه إذا كان العنوان الكبير لهذا المؤتمر هو مكافحة الهجرة غير النظامية فإنه يشير إلى مقاربة أمنية وليست حقوقية ديمقراطية.

وأكد طبابي، أن المفاوضات المالية لمكافحة الهجرة غير النظامية صارت تجري على حساب آلام الإنسانية وعبر مزيد من تضييق الخناق على المهاجرين.

وسجل أن الشعارات والعناوين والمفردات الكبرى التي رفعت خلال هذا المؤتمر جاءت كغيرها في العديد من المؤتمرات السابقة التي سعت لمكافحة الهجرة غير النظامية.

وأضاف طبابي، أن الخلفيات الحقيقية لهذا المؤتمر هو أن السلطة السياسية الإيطالية بقيادة جورجيا ميلوني تبحث عن تحقيق شرعيتها المجتمعية، لأنها تعهدت في حملتها الانتخابية بوقف تدفق المهاجرين. 

وخلال حملة الانتخابات التشريعية التي أوصلتها إلى السلطة في 2022، وعدت ميلوني "بوقف تدفق" المهاجرين على إيطاليا، ومنذ ذلك الحين تعرقل حكومتها نشاط السفن الإنسانية من دون أن تنجح في وقف وصول اللاجئين.

وقال طبابي، إن وصول 82 ألف مهاجر إلى أوروبا عبر البحر المتوسط لا يعني شيئا أمام استقبال القارة العجوز 3 ملايين أوكراني في إطار الحرب الروسية.

وأشار إلى أن هناك "إستراتيجيات شعبوية يمينية" تقف خلف هذا المؤتمر، مبينا أن هناك نقاط التقاء وتقاطع اليوم ما بين ميلوني والرئيس التونسي قيس سعيد، حيث إن كلاهما يعمل على إنتاج عقلية تكره وتنبذ المهاجرين.

ونبه إلى أن المسؤولين يخاطبون اليوم العواطف بدل العقول من أجل المحافظة على الديناميكية الشعبية والمجتمعية في إطار الحملات الانتخابية.

وخلص طبّابي إلى أن المؤتمر لم يطرح بشكل مباشر وديمقراطي مسألة التنقل الآمن ما بين دول الشمال ودول الجنوب.

أبعاد سياسية

وإذا كان طبابي يرى أن ما طغى على مؤتمر روما هو الجانب الأمني لا الحقوقي والإنساني، فإن الكاتب والمحلل السياسي مهدي نمر، رأى أن هذا المؤتمر ذو أبعاد وخلفيات سياسية داخلية بالنسبة لإيطاليا وحكومة ميلوني.

وفي 23 يوليو 2023، أوضح نمر، في حديث لقناة "الغد" الإماراتية، أن رئيسة الوزراء الإيطالية تُلوح اليوم بنهج جديد لمكافحة الهجرة غير النظامية بعدما فشلت في احتواء هذه الظاهرة التي وعدت في حملاتها الانتخابية بوقفها. 

وأشار إلى أن مؤتمر روما للهجرة هو "رسالة للداخل الإيطالي ولجمهور ميلوني بأنها تفي بوعودها لحل إشكالية الهجرة غير النظامية".  

ورغم خلفياته السياسية، قال نمر، إن مؤتمر روما لوقف الهجرة غير الشرعية يعد الأول من نوعه في المنطقة، لبحث نهج جديد لحل هذه الظاهرة.

وخلص إلى أن هذا المؤتمر هو في الحقيقة نداء أو دعوة ولن يحل في الوضع الحالي شيئا، مستدركا: ربما يكون بداية لاستكشاف سبل وطرق ومناهج جديدة للتعامل مع الهجرة بشكل شامل وليس كظاهرة أمنية من الدرجة الأولى.

أما عضو المجلس الأعلى للدولة بليبيا علي السويح، فيرى أن ميلوني تحاول وبكل جدية الوقوف على وضع جديد لحل ملف الهجرة غير الشرعية.

وأضاف السويح، في حديث لـ"الاستقلال"، أن ميلوني سبق واتهمت في تصريحاتها دولا أوروبية بعينها بالتسبب بشكل رئيس في إفقار هذه الشعوب وسلب خيراتهم، وبالتالي لجوء مواطني هذه الدول للهروب من الفقر والاتجاه شمالا لعلهم يجدون فرصة لعيش أحسن.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو لرئيسة الوزراء الإيطالية، تتهم فيه فرنسا بالوقوف خلف الفقر بإفريقيا، معتبرة أن "الحل لحياة كريمة للشعوب الإفريقية ليس عبر نقلها إلى أوروبا بل تحريرها من بعض دول القارة ودعمهم ليعيشوا حياة كريمة بثرواتهم".

 

وعد السويح، أن اتفاق الدول المطلة على البحر المتوسط على إيجاد حل جذري لهذه المشكلة الضخمة التي تفوق قدرات الدول منفردة أمر يدعو إلى التفاؤل.

وأكد أنه يجب على الدول المعنية سواء الأوروبية أو دول العبور مثل ليبيا أو الدول المصدرة للهجرة، أن تضاعف جهودها في سبيل إيجاد حل قريب وجذري للهجرة غير الشرعية.

وتابع مستدركا: لكن إلى حين الوصول إلى هذا الحل فإن دول العبور تعيش العديد من الإشكاليات من قبيل ليبيا التي تشهد تزايد عدد المهاجرين مع ما يصاحب ذلك من مشاكل سواء للمهاجرين أنفسهم أو للمواطنين الليبيين وخاصة في ظل هشاشة الوضع الأمني.

وسجل أن من يقف وراء عملية الهجرة غير الشرعية "عصابات منظمة على المستوى الدولي"، داعيا الحكومة بليبيا إلى أن تضع هذا الملف في أولوية اهتماماتها وأن تحاول إيجاد الحلول لحين الوصول إلى حل على مستوى الدول المذكورة.

وخلص السويحي، إلى أن إيقاف تدفق المهاجرين غير النظاميين عبر دول العبور يتطلب مساعدة هذه الدول في عملية التنمية.

وأضاف أن الأهم هو الوقوف في وجه من ينهب خيرات الدول المصدرة للهجرة وخاصة من تسبب في فقرها ولمدة عقود من السنين ومساعدتها في الاعتماد على نفسها وعدم التدخل في شؤونها.