"تخسر سكانها الشباب بسرعة هائلة".. هل تحقق تركيا هدف الـ100 مليون نسمة؟
سلط موقع "فكر تورو" التركي الضوء على ما عدها "مشكلة تركيا السكانية" ومخاطرها، مقدما حلولا مقترحة للحد من هذه الظاهرة.
وقال الموقع في مقال للأكاديمي محمد علي إريورت: "في تركيا، بلغ إجمالي عدد السكان -بعد أن كان 13 مليونا في سنة تأسيس الجمهورية-، 85 مليونا و279 ألفا و553 وفقا لنتائج نظام التسجيل السكاني القائم على العنوان (ADNKS) لعام 2022".
وذكر أن "مع هذا الحجم السكاني، احتلت تركيا المرتبة 18 من بين 194 دولة في ترتيب الدول الأكثر اكتظاظا بالسكان".
100 مليون
وأشار الكاتب إلى أن "الحديث يتم عن هدف الـ100 مليون تركي لفترة طويلة".
ولفت إلى أنه "وفقا لنتائج توقعات معهد الإحصاء التركي (TÜİK) للفترة ما بين 2018-2080، فمن المتوقع أن يتجاوز عدد سكان تركيا 104 ملايين بحلول عام 2050، وأن يتجاوز 107 ملايين بحلول عام 2080".
وذكر أن "الأمم المتحدة أيضا تجري توقعات سكانية لجميع البلدان".
وبالنسبة لتركيا، من المتوقع أن يقترب عدد سكانها من 96 مليونا بحلول عام 2050، ثم يبدأ في الانخفاض إلى 92 مليونا في 2075، وإلى 82 مليونا عام 2100.
واستطرد الكاتب: "بالطبع، فهناك سيناريوهات مختلفة لكل من توقعات معهد الإحصاء التركي والأمم المتحدة، وأنا أتحدث هنا عن نتائج السيناريو الأكثر احتمالا".
وأوضح أن "الاختلاف بين توقعات الإحصاء التركي والأمم المتحدة يرجع بشكل رئيس إلى افتراضات نسبة الخصوبة المختلفة، ولأن الإحصاء التركي تتوقع أن مستوى الخصوبة سيكون أعلى في المستقبل مما افترضته توقعات الأمم المتحدة، فهي تصل إلى عدد أكبر من السكان في نتائجها بطبيعة الحال".
وحتى في توقعات الأمم المتحدة، التي تمتلك افتراض خصوبة أقل مقارنة مع معهد الإحصاء التركي، فإن معدل الخصوبة الإجمالي المقدر لعام 2022، أي متوسط عدد المواليد لكل امرأة، هو 1.88، بينما يبلغ معدل الخصوبة الإجمالي 1.62، حسب إحصائيات المعهد التركي.
وشدد الكاتب على أنه "لا يزال من السابق لأوانه معرفة إذا ما كان مستوى الخصوبة هذا مؤقتا أم دائما".
وأشار إلى أنه "يجب وضع احتمالية حدوث انخفاض مؤقت بسبب الآثار الدورية، كتأجيل الزيجات والولادات نتيجة لتأثيرات مثل جائحة كورونا والأزمات الاقتصادية، لذا يجب على مستويات الخصوبة أن تَثبت في هذه المستويات لمدة عام أو عامين آخرين".
واستدرك: "مع ذلك، فإن حقيقة أن مستوى الخصوبة يميل إلى الانخفاض يشير إلى أن هدف 100 مليون في تركيا لن يتحقق في ذات السيناريو الذي لا تظهر فيه الهجرة من الخارج زيادة كبيرة".
نسبة الشباب
وقال الكاتب: "سواء عددنا نسبة الشباب هم الفئة التي تقل أعمارهم عن 15 عاما، أو الفئة التي تقل أعمارهم عن 18 عاما، أو حتى الفئة التي تقل أعمارهم عن 24 عاما، فيمكننا أن نقول بوضوح إن السكان الشباب في تركيا سينخفضون نسبيا وعدديا في الفترة القادمة".
وبحسبه، فإن عدد الشباب الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما، والذي كان حوالي 20 مليونا منذ التسعينيات، سينخفض إلى أقل من 17 مليونا عام 2035، ويصبح أقل من 16 مليونا في 2050.
وعند النظر في النسبة المئوية، فمن المتوقع أن تنخفض نسبة الشباب من 22 بالمئة إلى 17 بالمئة من إجمالي السكان في تركيا.
وبذلك ستكون النتيجة الطبيعية لانخفاض عدد الشباب هو أن السكان في سن الدراسة سيبدؤون أيضا في الانخفاض، وسيكون هذا الوضع ساري المفعول من سن ما قبل المدرسة إلى التعليم الجامعي.
وقال الكاتب إن "الحل يكمن في أن تكون الأولوية الرئيسة للمنهج التعليمي هي زيادة جودة التعليم بدلا من زيادة عدد المباني والفصول الدراسية، وتوجيه الشباب إلى المجالات والمهن المناسبة بالتخطيط الصحيح".
ونبه الكاتب إلى أن "عدد السكان الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما، والذين كانوا في اتجاه متزايد لفترة طويلة، سيستمر في الزيادة عددا وتناسبا، ويرجع ذلك أساسا إلى انخفاض الخصوبة وارتفاع متوسط العمر المتوقع".
ووفقا لنتائج "نظام التسجيل السكاني القائم على العنوان"، والذي أعلنه معهد الإحصاء التركي لعام 2022، فقد بلغ معدل السكان المسنّين 9.9 بالمئة، وبحسب توقعات الأمم المتحدة، كان من المفترض الوصول إلى هذا المعدل عام 2026.
ويظن الكاتب أن "الانخفاض في معدل الخصوبة بشكل أسرع مما كان متوقعا هو ما أدى إلى زيادة نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما في إجمالي السكان".
وبحسب توقعات الأمم المتحدة، فمن المتوقع أن تتجاوز نسبة السكان ما فوق الـ65 عاما 14 بالمئة عام 2035، وتتجاوز 21 بالمئة في 2050، وتستمر في الزيادة حتى تصل إلى 33 بالمئة عام 2092.
وتُعرِّف منظمة الصحة العالمية المجتمع الذي تبلغ نسبة المسنين فيه (ما فوق 65 عاما) أقل من 4 بالمئة من إجمالي السكان على أنه "مجتمع السكان الشباب"، وتستخدم تعريف "السكان البالغين" إذا كانت هذه النسبة تتراوح بين 4-7 بالمئة، و"السكان المسنّين" إذا كانت تتراوح بين 8-10 بالمئة، و"السكان المسنين جدا" إذا كانت تزيد عن 10 بالمئة.
نافذة تُغلَق
وبذلك علَّق الكاتب: "يبدو أننا بالفعل ضمن فئة السكان المسنين جدا".
وأضاف "تركيا تعد بلدا يعاني من عملية شيخوخة سريعة، ومع أن زيادة نسبة السكان المسنين أمر شائع في البلدان المتقدمة، إلا أنها تزداد بشكل أسرع وعلى نحو ملحوظ في تركيا".
وتابع: "ففي حين أن نسبة السكان المسنين في فرنسا قد يستغرق 115 عاما في الوصول من 7 بالمئة إلى 14 بالمئة، فمن المتوقع أن يستغرق وصول هذا المعدل في تركيا من 7 بالمئة إلى 14 بالمئة في 27 عاما فقط".
وحسب الكاتب، فإن البلدان التي يتزايد فيها عدد السكان العاملين بينما الخصوبة منخفضة، فإن عملية التنمية الاقتصادية بإمكانها التسارع إذا تم توفير فرص عمل كافية.
وتوصف هذه الفترة، حيث يكون مجموع نسبة السكان المعالين أقل من نصف السكان العاملين، بأنها "نافذة ديمغرافية للفرص".
ويمكن القول إن "نافذة الفرص الديمغرافية لتركيا فتحت في النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث تظهر نتائج الاستطلاعات أن نافذة الفرص ستغلق في النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الحالي".
واستطرد الكاتب: "باختصار، إن تركيا تخسر سكانها الشباب بسرعة هائلة".
وفقا لنتائج "نظام التسجيل السكاني القائم على العنوان" لعام 2022 من معهد الإحصاء، فإن متوسط عمر سكان تركيا، والذي يبلغ اليوم 33.5، سيتجاوز 35 في بداية 2030.
بينما تضع توقعات الأمم المتحدة أمامنا أن هذا المتوسط سيتجاوز 40 في منتصف أربعينيات هذا القرن، والـ45 في النصف الأول من الستينيات، بينما تبلغ الـ50 في أواخر تسعينيات القرن ذاته.
واختتم الكاتب مقاله قائلا: "حتى لا تتحول نافذة الفرص الديمغرافية إلى أزمة ديمغرافية، فإنها تتطلب عملا مخططا، والاستثمار في جودة التعليم، وخلق فرص عمل كافية، وزيادة الكفاءة في الاقتصاد، واتخاذ الخيارات القطاعية الصحيحة".