تبون يطمح لاقتصاد جديد لا يعتمد على المحروقات.. هل ينجح في خطته؟
في سعيها للتخلص من الاعتماد "شبه الكلي" على صادرات المحروقات، تستهدف الجزائر إيجاد وتنمية قطاعات غير نفطية في البلاد، للخروج باقتصادها من تبعية مفرطة للنفط والغاز الطبيعي.
وتمثل صادرات الجزائر من الطاقة نحو 90 بالمائة من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، ما دفع البلاد أخيرا لبحث طرق تقليل الاعتماد المفرط على إيرادات المحروقات (نفط وغاز).
وفي 11 يوليو/تموز 2023، أبرز الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في كلمة بمناسبة إشرافه على افتتاح النسخة الأولى لحفل "الوسام الشرفي للتصدير"، الأهمية الكبرى التي يوليها لرهان تعزيز الصادرات خارج المحروقات.
وأكد تبون، حرصه على توفير الدعم المستمر للمتعاملين الاقتصاديين الخلاقين للثروة وخاصة المصدرين منهم، معتبرا أنهم يعدون "سفراء للاقتصاد الوطني".
وأمر الحكومة بتنصيب المجلس الأعلى لترقية الصادرات "في أقرب وقت" للمساهمة في تحسين التكفل بانشغالات المصدرين والمستثمرين وتحفيزهم.
نموذج تنموي جديد
وأشار تبون إلى أن قيمة الصادرات خارج المحروقات لم تتعد منذ بداية الاستقلال سنة 1962 إلى سنة 2018 /2019، نسبة 3 بالمئة.
وبين أن صادرات المحروقات كانت تشكل 97 بالمئة من مجموع الصادرات الجزائرية.
وبعد أن أوضح أنه مع إطلاق سياسة جديدة بدأت نسبة الصادرات خارج المحروقات تتصاعد بشكل تدريجي، قال "لقد تجاوزنا نسبة 11 بالمئة بالنسبة لسنة 2022 وهو ما يعد معجزة أي ما يقارب 5 مرات ما كنا نُصدره منذ أزيد من أربعين سنة".
وتابع أن هذه "بداية ونطمح في نهاية 2023 وبداية 2024 أن نصل إلى 19 أو 20 وربما 22 بالمئة من قيمة الصادرات خارج المحروقات".
وأعرب عن أمله في أن تصل قيمة الصادرات الجزائرية خارج المحروقات إلى نسبة 30 أو 35 بالمئة في يوم من الأيام.
فما خلفيات خطة الرئيس الجزائري للخروج من تبعية الاقتصاد الوطني للمحروقات؟ وهل ينجح في تخليص الاقتصاد من التبعية، وما العوائق التي تقف في وجه تحقيق هذا الهدف؟
المستشار في التنمية الاقتصادية والرئيس السابق لغرفة التجارة والصناعة لولاية المدية (جنوب العاصمة الجزائر) عبد الرحمن هادف، قال إن السياق الجيوسياسي العالمي يبين بأن هذه المرحلة تعد فرصة للبلاد التي باشرت مشروع تحول اقتصادي، لوضع أسس نموذج تنموي جديد مستدام وأيضا متنوع.
وأضاف هادف، في حديث لـ"الاستقلال"، أن الهدف من مشروع التحول الاقتصادي الجزائري هو "تنويع هذا النموذج التنموي وتعزيز مساهمة القطاعات الاقتصادية الأخرى في هيكلة الناتج الخام المحلي والابتعاد عن هيمنة قطاع المحروقات".
وأكد أنه أصبح من الضروري اليوم تفعيل كل المقومات واستغلال كل الثروات الموجودة في الجزائر لتنويع الاقتصاد الوطني خاصة تعزيز القطاع الصناعي الذي لا يتجاوز مساهمته في الناتج الخام المحلي 5 بالمئة إلى ما يفوق 10 بالمئة في السنوات القادمة.
من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، زهير بوعمامة، أن ما قاله رئيس الجمهورية بخصوص الخروج من تبعية المحروقات، يشير إلى أن "هناك رؤية حقيقية تتجسد وأحلاما تتحقق".
وفي 15 يوليو 2023، رأى بوعمامة، في تصريح ليومية "أفريكا نيوز" المحلية، أن "الجزائر الآن في مرحلة أخرى بعيدة عن مجرد الخطاب الخاص بالخروج من الارتهان للريع والمحروقات".
وأضاف أن "هذا الخطاب سُمع منذ أربعين سنة على الأقل أو ربما أكثر، ولكن في هذه السنوات الأخيرة لوحظ عمليا بالأفعال، بالأرقام، وبالدلائل، وبالمؤشرات".
وأوضح أن نسب الصادرات خارج المحروقات ارتفعت بشكل مهم، مبرزا أن هناك رهانا من قبل الرئيس الجزائري على أن يوصله إلى أزيد من 20 بالمائة في بنية الصادرات.
وخلص بوعمامة، إلى أن الجزائر تعيش مرحلة نوعية، مستدركا: "لكن لا شك أيضا أن هناك عملا كثيرا مازال أمام الجزائريين لأن إمكانيات البلد كبيرة وجبارة والأرقام التي قالها الرئيس يمكن أن تُضرب على الأقل في اثنين في السنوات القادمة".
كلام سياسي
ومقابل تفاؤل زهير بوعمامة، بخصوص رؤية الرئيس الجزائري للتخلص من تبعية المحروقات، يرى الصحفي والمعارض الجزائري وليد كبير، أن حديث عبد المجيد تبون عن ارتفاع صادرات البلاد خارج المحروقات "كلام لا ينبع عن المنطق والعقلانية".
ورأى كبير، في حديث لـ"الاستقلال"، أن ما صرح به الرئيس الجزائري أخيرا من أرقام بخصوص ارتفاع الصادرات خارج المحروقات "كلام سياسي بالدرجة الأولى".
وتساءل: "كيف لنا أن نصدق بأن الصادرات خارج المحروقات ارتفعت من أقل من ملياري دولار في 2021 إلى 7 مليارات دولار في 2022، ثم يقول إنه مع نهاية سنة 2023 ستكون في غضون 13 مليار دولار أي ارتفاع بنسبة 85 بالمئة في سنة واحدة".
وأكد أن "كلام عبد المجيد تبون لا يصدقه عاقل وله أسبابه"، مبينا أن أهم سبب لهذا الحديث هو الشروط التي وضعتها مجموعة "بريكس" لانضمام الجزائر إليها.
ومجموعة "بريكس" هي منظمة دولية مستقلة، يقول أعضاؤها إنهم يشجعون على التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي فيما بينهم، وتشكلت النواة الأولى لها عام 2001، من طرف البرازيل وروسيا والهند والصين، وكانت تسمى حينها دول "بريك"، ثم انضمت لها جنوب إفريقيا.
وأوضح كبير، أن من أهم شروط الانضمام لمنظمة "بريكس"، رفع قيمة الصادرات خارج المحروقات والرفع من نصيب الفرد من الثروة.
وهو الأمر الذي لم يستطع النظام الحاكم في الجزائر إثباته أمام المنظمة مما أدى إلى استبعاد ترشيح أو انضمام الجزائر إليها في الوقت الحالي، وفق تقديره.
وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، نقلت وسائل إعلامية محلية أن المبعوثة الخاصة المكلفة بالشراكات الكبرى بوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أعلنت عن طلب الجزائر رسميا الانضمام إلى منظمة "بريكس".
وعن أسباب عدم التخلص لحد الآن من تبعية الصادرات للمحروقات، يرى كبير، أن "الأمر يتعلق بالدرجة الأولى بعدم وجود خطة اقتصادية محكمة يروم من ورائها تنويع الاقتصاد".
ورأى أن عدم جدية النظام في بناء اقتصاد حقيقي وصياغة قانون استثمار جذاب يستقطب الاستثمارات الأجنبية هو الذي أدى بالأساس إلى بقاء الجزائر حبيسة صادرات المحروقات.
وسجل أن التحرر من تبعية المحروقات يبقى أمرا صعبا ما لم يتم إصلاح قوانين الاستثمار والمنظومة البنكية المهترئة والنظام الضريبي المتخلف، مبينا أن كل هذه العوامل تقف حاجزا أمام تنويع الصادرات خارج المحروقات.
وأشار إلى أن هناك أيضا عوائق تتعلق بتدخل السياسة في الاقتصاد، إضافة إلى انغلاق الجزائر عن محيطها الإقليمي بالدرجة الأولى.
كبوة المحروقات
وأمام العوائق التي تواجه خطة الرئيس الجزائري لتنويع الاقتصاد والخروج من كبوة النفط والغاز، يُطرح سؤال: ما المطلوب لتفكيك هذه العقبات وتحقيق هدف التحرر من تبعية المحروقات؟
الأمين العام للاتحاد الجزائري للاقتصاد والاستثمار عبد القادر سليماني، رأى أن المطلوب هو "رفع العراقيل البيروقراطية التي تواجه المستثمر بالجزائر".
وفي 10 يوليو 2023، أكد سليماني، في تصريح لموقع "المستثمر" المحلي، ضرورة التوجه للاستثمار في المشاريع المهيكلة للاقتصاد.
ولفت إلى أن هناك قطاعات إستراتيجية خارج المحروقات يمكن أن تخلق الثروة وتسهم في بلوغ الصادرات بدونها إلى ما يفوق 24 مليار دولار.
ومنها قطاعات الطاقات المتجددة، الفلاحة، والصناعات بكل شعبها، والسياحة، والتكنولوجيا واقتصاد المعرفة والشركات الناشئة.
وشدد على أن كل هذه القطاعات ستسمح لنا بالتخلص من التبعية الاقتصادية للمحروقات.
واقترح الأمين العام للاتحاد الجزائري للاقتصاد والاستثمار، عدة حلول لرفع قيمة الصادرات خارج البترول، منها إدخال الرقمنة للقضاء على البيروقراطية، وكذا إحصاء العقار الصناعي.
ودعا إلى التوجه للمناطق التجارية الحرة الحدودية وتعزيز التبادل البيني مع الدول الإفريقية ودول الجوار، وبعدها الذهاب للمناطق الحرة بالموانئ الجزائرية، معربا عن أمله في الوصول لمناطق حرة استثمارية، مثل ما يوجد في الصين ودول شرق آسيا.
وعد أن السعي نحو التحرر من تبعية المحروقات تقف وراءه "رغبة سياسية حقيقية" جرت ترجمتها عبر عدة إصلاحات خاصة في التشريع من قبيل قانون الاستثمار الجديد وقانون المقاولاتي الجديد.
وأيضا قانون الصفقات العمومية وقانون النقد المصرفي، وكذا قانون الشراكة بين القطاع الخاص والعام.
وتابع أن "كل هذه القوانين هي ورشات مفتوحة لتسهيل وتحرير الاستثمار من البيروقراطية التي تعششت في الاقتصاد الوطني منذ الاستقلال".
ثلاثية سيادية
أما المستشار الدولي في التنمية الاقتصادية عبد الرحمان هادف، فرأى أن مشروع النهضة الاقتصادية والتحول الاقتصادي الجزائري فيه فرص كثيرة للنهوض بالاقتصاد الوطني.
وأوضح لـ"الاستقلال" أن هذا المشروع يرتكز أساسا على محورين: الأول هو ضرورة تثمين الثروات الجزائرية محليا في كل القطاعات.
والمحور الثاني يتعلق بضرورة الانفتاح على الأسواق العالمية والاندماج في سلسلة القيم العالمية من خلال تحالفات وشراكات دولية وعبر تعاون بمقاربة جديدة يكون فيها البعد الاستثماري أكثر حضورا من المقاربة التجارية التقليدية.
وقال هادف، إن التحول الاقتصادي الجزائري يرتكز على ما سماه بـ"الثلاثية السيادية" التي تتشكل من الأمن الغذائي والطاقوي والرقمي.
وأبرز أن هذه "الثلاثية السيادية" أصبحت تحظى بأولوية بالنسبة للحكومة الجزائرية، مبينا أنه "إذا وفرنا الظروف المناسبة لها فسنصل بالاقتصاد الجزائري إلى الأهداف المرجوة".
وفي تناوله لكيفية تجاوز عوائق وتحديات التحول الاقتصادي بالجزائر ورفع نسبة الصادرات خارج المحروقات، أوضح هادف، أن "السلطات الجزائرية باشرت العديد من الإصلاحات الهيكلية في كل ما يتعلق بمناخ الأعمال وخاصة بيئة الاستثمار من خلال قانون استثمار جديد".
وتابع أنه جرى أيضا العمل على إصلاح كل ما يتعلق بالمنظومة المالية والبنكية عبر قانون مصرفي ونقدي جديد يعطي صلاحيات أكثر لحوكمة البنك المركزي ويسمح بعصرنة المنظومة البنكية من خلال تعميم التكنولوجيا الرقمية وإدراج المالية الإسلامية.
ولفت إلى أن هناك قوانين جديدة تتعلق باقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة وتشجيع الشباب لولوج عالم المقاولات الذي سيكون من بين الدوافع ونقاط القوة في هذا المشروع النهضوي للجزائر.
وذكر أن هناك أيضا إصلاحات تتعلق بالتجارة الخارجية من خلال إعادة النظر في كل آليات مساندتها وخاصة دعم الصادرات خارج المحروقات.
وشدد على ضرورة تحسين الخدمة العمومية والإدارة من خلال عصرنة شاملة لتمكين الاقتصاد الجزائري من تجاوز عراقيل البيروقراطية.
ونبه إلى ضرورة تثمين ما يسمى بالاقتصاد الرقمي وجعله قطاعا مدرا للثروة وخلاقا لفرص العمل و"في نفس الوقت نجعل منه رافدا لرفع مردودية إنتاجية وتنافسية القطاعات الاقتصادية الأخرى".
وأفاد هادف، أن من بين العوائق التي تعمل الجزائر على مواجهتها هي "المقاومة ضد التغيير الموجودة على مستوى الهيئات الإدارية أو حتى على مستوى المؤسسات الاقتصادية من القطاعين العام والخاص".
وخلص إلى أن من بين التحديات التي ينبغي ربح رهانها تشجيع الكفاءة والتميز على كل المستويات لتعزيز الحوكمة بغية بلوغ الأهداف المسطرة ووصول الجزائر إلى مستوى جديد من التنمية.