"منافسة خطيرة".. من يكسب بين واشنطن وبكين في سباق السيارات الكهربائية؟
سلط منتدى بحثي دولي الضوء على المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في مجال السيارات الكهربائية، مؤكدا أن هذا السوق "سيشهد تحولا كبيرا خلال الفترة المقبلة".
وقال "منتدى شرق آسيا"، إن "قانون خفض التضخم الأميركي (IRA) يعد علامة فارقة في الطريق نحو عصر السيارات الكهربائية، إذ يُعد تحولا هائلا، يمكن أن يعيد تشكيل صناعة السيارات، ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن في العالم بأسره".
وأوضح أن "واشنطن تعمل على إنشاء بدائل لسيطرة الصين على الموارد المعدنية المهمة داخل منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مما قد يؤدي إلى إعادة ضبط صناعة السيارات الكهربائية على المستوى العالمي".
وأفاد بأنه "من خلال الحوافز المستهدفة، بما في ذلك الائتمان الضريبي لإنتاج البطاريات، وحوافز الشراء للمركبات الكهربائية المجمعة في الولايات المتحدة، فإن قانون خفض التضخم يدل على التزام إدارة الرئيس جو بايدن، بتحفيز النمو المستدام وتعزيز التصنيع المحلي".
مناورة إستراتيجية
وشدد المنتدى على أن "قانون خفض التضخم ستكون له تأثيرات عالمية بعيدة المدى، كما يتضح من اتفاقية الولايات المتحدة واليابان في مارس/ آذار 2023".
ورأى أن "الاتفاقية من شأنها تعزيز مرونة سلسلة التوريد للمعادن الهامة المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية، والتي ستسمح لليابانيين بالحصول على إعفاءات ضريبية من الحكومة الأميركية".
فبموجب قانون خفض التضخم الأميركي، فإنه يجب الحصول على كمية معينة من المعادن الهامة في البطاريات أو معالجتها -إما محليا أو عبر شركاء اتفاقية التجارة الحرة- للحصول على ائتمان السيارات النظيفة.
وقال وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني، ياسوتوشي نيشيمورا، إن "المركبات الكهربائية التي تستخدم معادن مهمة، جُمعت أو عولجت في اليابان، ستفي بمتطلبات الإعفاءات الضريبية الأميركية".
ووصف منتدى شرق آسيا هذه الاتفاقية بأنها "مناورة إستراتيجية".
وأفاد بأنه "يمكن أن تمثل هذه الاتفاقية نقطة انطلاق لسلسلة من التحالفات الإستراتيجية التي تتشكل عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
فهناك أستراليا، وهي دولة أخرى غنية بالموارد، قفزت إلى مبادرة دعم قانون خفض التضخم الأميركي، ويبدو أن إندونيسيا -التي تمتلك احتياطيات هائلة من معدن النيكل- مستعدة لأن تحذو حذوها.
وأشار المنتدى إلى أن "هناك تغييرات أخرى حدثت أخيرا في السياسة الأميركية، ستؤدي إلى تعزيز أثر قانون خفض التضخم".
واستطرد: "إذ تعمل خطة بايدن الطموحة لخفض انبعاثات السيارات والشاحنات، جنبا إلى جنب مع التوجيهات المقترحة في قانون البنية التحتية، على تسريع الانتقال إلى وسائل نقل أكثر مراعاة للبيئة، وهو أحد أهداف قانون خفض التضخم الأميركي".
وأشار المنتدى إلى أن "السيارات الكهربائية شكلت 5.8 بالمئة فقط من مبيعات السيارات الجديدة في الولايات المتحدة عام 2022".
وأوضح أن "التوقعات الحكومية تشير إلى أنه في ظل التوجه الكامل لإطار السياسة متعدد الأوجه هذه، فإنه يمكن للسيارات الكهربائية أن تصل إلى نحو 67 بالمئة من مبيعات السيارات الجديدة في الولايات المتحدة بحلول عام 2032".
عالية المخاطر
وبصورة أكبر، فإن "هذه التدابير هي بمثابة إستراتيجية شاملة لرعاية سلسلة التوريد المرنة، والتي تشمل كلا من الولايات المتحدة وحلفائها في آسيا والمحيط الهادئ".
فبموجب هذه الإستراتيجية، فإن "سلسلة التوريد هذه ستكون في وضع مثالي لتلبية الطلب المتزايد على المعادن الهامة، التي تُعد الركيزة الأساسية لتقنيات الطاقة النظيفة الناشئة"، حسب "منتدى شرق آسيا".
وقال التقرير: "بينما تشرع بلدان العالم في الانتقال إلى السيارات الكهربائية، تلوح في الأفق منافسة عالمية عالية المخاطر".
وتابع: "في خضم المنافسة على الحصة السوقية للمركبات الكهربائية وقيادة هذه الصناعة، فمن المتوقع أن يتردد صدى العواقب الاقتصادية لهذه المنافسة على المستوى العالمي".
ووفق المنتدى، فإن "الديناميكيات التنافسية المتزايدة قد تجبر الشركات العريقة في صناعة السيارات وبلدانها التي تنتمي إليها -بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية- على مواجهة دوامة من التحديات".
وتشمل هذه التحديات -حسب التقرير- ارتفاع احتياجات الاستثمار في البحث والتطوير، وتقلُّص هوامش الربح بسبب المنافسة الشرسة من اللاعبين الجدد والماهرين، هذا فضلا عن تشديد اللوائح، وشبح القيود التجارية.
ومع ذلك، فإن "هذه التطورات المتلاحقة قد تخلق أيضا فرصا، تستفيد منها، مراكز التصنيع مثل تايلاند، والدول الغنية بالموارد مثل أستراليا وإندونيسيا"، حسب "منتدى شرق آسيا".
وتابع: "فمن خلال الاستفادة من الطلب المتزايد على الموارد، يمكن لهذه البلدان تحفيز نموها الاقتصادي وتوسيع نفوذها العالمي، شريطة أن تستفيد من مزاياها النسبية وتقوم باستثمارات إستراتيجية في البنية التحتية والابتكار".
لكن نتائج ذلك تتوقف على مجموعة من المتغيرات التي تنطوي على مخاطر محتملة -وفق التقرير- مثل تقلب الأسعار، واضطراب العرض، والآثار البيئية أو الاجتماعية، والتوترات الجيوسياسية.
وأضاف التقرير أن "المتغير الأكثر فاعلية في هذا المشهد هو الصين، التي لها جذور عميقة في سلسلة توريد السيارات الكهربائية".
وشدد على أننا "نجد هذه السيطرة الصينية مترسخة بشكل عميق في مراحل التصنيع المبكرة والوسطى، أي من المعادن الخام إلى مرحلة إنتاج البطاريات".
واسترسل: "مع ذلك، فإن سوق السيارات الكهربائية الواسع والمتنامي باضطراد في الصين، هو الذي يمكن أن يعزز هذه القبضة".
وأكد المنتدى أن "هذه السيطرة الشاملة ستستمر في تمكين بكين من توجيه الأسواق العالمية في صناعة السيارات الكهربائية، حتى وسط الاضطرابات المحتملة وتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين".
وتابع: "وعبر الاستثمار في تأثيرها الكبير على سلسلة توريد السيارات الكهربائية وقدرتها على الاستفادة من الضغط السياسي، فإن الصين تتمتع بوضع جيد يمكِّنها من استغلال التحولات في ديناميكيات العرض والطلب ببراعة".
إستراتيجيات الصين
وبالاستناد إلى السوابق التاريخية، فإن الإستراتيجيات التي قد تستخدمها الصين في هذا السياق، تشمل التحكم في الأسعار، والتحكم في المعروض في السوق، أو حتى الانخراط في الدبلوماسية التكتيكية.
ويعني ذلك -وفق المنتدى- التأثير الإستراتيجي على الاتفاقيات التجارية، أو فرض عقوبات اقتصادية بهدف ممارسة الضغط.
وأشار "منتدى شرق آسيا" إلى أن "الولايات المتحدة تسعى -من خلال مبادراتها السياسية الأخيرة- إلى السيطرة على سوق عالمية مشتتة جغرافيا، ومتكاملة رأسيا، وهذه مهمة شاقة".
وفي هذا المسعى، "من المرجح أن تواجه أي محاولة أميركية إستراتيجية للانفصال عن الصين معارضة شديدة"، وفق التقرير.
واستطرد: "وقد يؤدي هذا التراجع -جنبا إلى جنب مع قدرة بكين على تصعيد إستراتيجياتها- إلى خلق فرص للصين بشكل غير مباشر، تعزز وجودها في السوق".
وأشار التقرير إلى أن "هذه السردية تؤكد أن المنافسة العالمية عالية المخاطر، وتتسم بالتعقيد، كما أنها تتطلب توازنا دقيقا ممن يطمح لقيادة مستقبل السيارات الكهربائية".
وقال إن "إجراءات إدارة بايدن يمكن أن تقود إلى إعادة تشكيل ديناميكيات السوق، وإعادة تشكيل المشهد التنافسي للصناعة".
وأشار إلى أن "الرحلة نحو عصر السيارات الكهربائية ستكون مليئة بالتعقيدات الاقتصادية والسياسية".
واستدرك المنتدى: "مع ذلك، فإن كل خطوة إستراتيجية تُتخذ حاليا تقربنا من الرؤية الرامية إلى إيجاد توازن في صناعة السيارات الكهربائية عالميا، بحيث نرى مستقبلا نكون فيه أقل اعتمادا على لاعب واحد".