حريق ساروجة في دمشق.. لماذا يتهم السوريون إيران ومليشياتها بإشعاله؟

12

طباعة

مشاركة

أمضى السوريون لحظات عصيبة، وأصابتهم حالة من الحزن والغضب بعد أن شب حريق في حي ساروجة التاريخي بالعاصمة السورية دمشق، صباح 16 يوليو/تموز 2023.

واتهم المواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي نظام بشار الأسد بتعمد إشعال الحرائق، أو على الأقل التقصير في حماية هذه الأماكن التاريخية وعدم التعامل بشكل صحيح مع مثل هذه الحوادث التي تتكرر منذ فترة، وفق ما قالت صحيفة كيهان الإيرانية المعارضة.

وعن تفاصيل هذه الواقعة، أفادت وسائل الإعلام السورية التابعة للنظام، أن حريقا اندلع في أحد المنازل القديمة في الحي التاريخي بالقرب من منزل عبد الرحمن يوسف (بيت اليوسف)، ثم امتدت ألسنة النيران إلى البيوت المجاورة للمنزل التاريخي.

ودمرت النيران منازل وأجزاء من المباني التاريخية في حيّ ساروجة القديم بدمشق، ومنها قصر أمير الحج، الواقع في منطقة عبدالعزيز رحمن باشا يوسف، وبيت اليوسف التاريخي، وأجزاء من منزل خالد العظم، أو بيت التراث الدمشقي.

وأدى الحريق إلى إلحاق أضرار جسيمة بالتراث الحضاري في منطقة الحرملك التاريخية، حيث يقع أيضا مركز الوثائق التاريخية السوري.

ونظرا للأهمية التاريخية والعاطفية والوجدانية لهذه المنطقة عند آلاف السوريين الذين غادروا مدينة دمشق التاريخية منذ سنوات، بسبب قمع النظام البعثي السوري، وكذلك أولئك الذين ما زالوا يعيشون هناك، فإن حادثة الحريق تسببت في غضب عارم في أوساط الجماهر، وهو ما انعكس بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي.

تدمير "ممنهج"

وفي تعليقه على الحدث، غرّد أحمد معاذ الخطيب، وهو شخصية سياسية معروفة، وأول رئيس للائتلاف السوري المعارض: "تدمير ممنهج لسوريا ومحو لهويتها أرضا وشعبا، رجالا ونساء وأطفالا، شجرا وحجرا".

وتابع أن هذا يشمل: "تدمير الغوطة إلى إحراق نصف حي سوق ساروجة مع شوامخ معالمه وأهمها مركز الوثائق التاريخية وبه نصف تاريخ البلاد (خمسة ملايين وثيقة) ومنزل عبد الرحمن باشا اليوسف أمير الحج في الدولة العثمانية".

وهذه الوثائق تحتوي على معلومات تاريخية مهمة عن العائلات القديمة في دمشق، وهو ما جعل بعض الناشطين يطالبون الأمم المتحدة بوضع إستراتيجية دولية لحمايتها من التخريب.

وأيضا اتخاذ إجراءات لمنع المزيد من الضرر للتراث الثقافي السوري من قبل نظام الأسد والمليشيات الطائفية.

وكانت الأسواق والأحياء القديمة في دمشق قد تعرضت في السنوات الأخيرة لحرائق مدمرة، ومنها سوق العصرونية، الواقع بالقرب من مرقد السيدة رقية، والذي اشتعلت النيران في أكثر من ثمانين محلا به.

بالإضافة إلى سوق الحميدية الشهير، ومنطقة باب الجابية، وساحة البزورية في الحي القديم، وهو ما أدى إلى أضرار مادية كبيرة ودمار واسع بهذه الأماكن.

وكتب المعارض السوري أسامة القاضي، في تغريدة له بهذا الصدد: "قصر أمير الحج ووجيه دمشق (عبد الرحمن باشا اليوسف) في حي ساروجة يحترق ويزول عن بكرة أبيه، طمس معالم عاصمة الأمويين، بالصدفة طبعا! سلسلة حرائق في أسواق ومعالم (العاصمة) منذ أكثر من عقد".

كما أكد عبد الهادي العاني، وهو شخصية سورية بارزة أخرى في الإعلام، أن حريق "دار الوثائق التاريخية" في ساروجة كان مقصودا.

 وطرح سؤالا في تغريدة له، وهو: "مِن مصلحة مَن أن تحترق كل هذه الوثائق؟ مِن مصلحة مَن أن تندثر كل هذه المعلومات التاريخية لأهل الشام؟".

استهداف الهوية

وحاولت صحيفة كيهان اللندنية المعارضة الإجابة على هذا السؤال في حوارها مع عماد الحمد، وهو أحد الكتاب والمترجمين السوريين البارزين في أبو ظبي.

قال الحمد: "لا أستبعد (تورط) نظام الأسد وحلفائه الطائفيين (في الحريق)، أولئك الذين دمروا المساجد التاريخية في إدلب وحماة وآثارا عمرها أكثر من ألف عام في وضح النهار، فقط بسبب الأفكار الطائفية والتعصب الشيعي".

وأردف: "أولئك الذين أشعلوا النار في هذه الآثار التي تحتوي على شهادة ميلاد العائلات الدمشقية القديمة، ولكن لا يوجد لدي ما يثبت ذلك حتى الآن".

ومع ذلك، يرى الحمد أنه من المحتمل أن يكونوا قد تعمدوا إشعال النار في هذه الآثار، ويستند في ذلك إلى ما يصفه بتاريخهم الأسود.

ويقول إن هذه هي الحالة العاشرة لإشعال النيران في المعالم والأماكن التاريخية في سوريا، وخاصة المساجد ودور العبادة التي شيدت في العصر الأموي وما بعده، والتي يزيد عمرها عن ألف عام.

ويعتقد الحمد أن هذه الآثار تعرضت للتدمير بسبب العصبية الطائفية لأنها تحمل هوية سُنيَّة، "فروحها وطبيعتها لا تتفق مع تفكير الأقلية الحاكمة في سوريا أو الخطاب الرجعي لولاية الفقيه الخمينية".

وأضاف: "الآثار التاريخية في سوريا ضحية خطاب طائفي مناهض للهوية منذ أكثر من عقد، أي منذ عام 2011، عندما دخلت المليشيات المدمرة والإرهابية التابعة لنظام الجمهورية الإسلامية (إيران) البلاد وحتى اليوم".

ووصف نظام إيران وتنظيم الدولة بأنهما وجهان لعملة واحدة، لأن الأخير دمر الآثار القديمة في مدينة تدمر أو هربها من أجل البيع.

كما نقّب الحرس الثوري الإيراني عن الآثار القديمة في تدمر أيضا، وسرقها، وهو ما نقلته وسائل إعلام عالمية، وفق الحمد.

سرقة الآثار

في هذا الصدد، نقلت كيهان عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية اتهام المرصد السوري لحقوق الإنسان للمليشيات الموالية للنظام الإيراني بسرقة الآثار السورية في محافظة دير الزور.

وقالت الصحيفة إنه بعد تعقيد الوضع الاقتصادي والمالي للنظام الإيراني، بدأ الحرس الثوري والمليشيات التابعة له والمتمركزة في سوريا بتهريب آثار هذا البلد، وخاصة من محافظة دير الزور (شرق)، من أجل تأمين مواردهم المالية.

ونقلت عن منظمة هيومن رايتس ووتش، أن المسلحين نهبوا وسرقوا أخيرا العديد من الأماكن الأثرية من أجل كسب المال وتمويل شؤونهم.

ومن أبرز الأماكن التي نهبتها وما زالت تنهبها هذه المليشيات الآثار القديمة في القرى القريبة من محافظة دير الزور.

ومن المعروف أن مئات الآثار التاريخية تنتشر في المدن القديمة والكهوف والتلال والمقابر وغيرها على ضفاف نهري الخابور والفرات شمال وشرق سوريا.

وتتمتع هذه المعالم التاريخية والثقافية جميعها بخصائص آرامية ورومانية وإسلامية أو تنتمي إلى عصور ما قبل التاريخ.

وقد جرى إهمالها وتخريبها بشكل منهجي من قبل جميع القوات التي تواجدت في سوريا خلال العقد الماضي وأثناء الحرب السورية، بما في ذلك الجيش الخاضع لسيطرة نظام الأسد والحكومة والمليشيات التابعة للنظام الإيراني.

وقبل سيطرة المليشيات الطائفية التابعة للنظام الإيراني، كانت هذه المناطق أيضا تحت سيطرة تنظيم الدولة، الذي سرق أيضا العديد من الآثار التاريخية أو نهبها ودمرها.

وقالت المنظمة السورية لحقوق الإنسان إن المليشيات التابعة للنظام الإيراني سرقت جميع آثار تل العشارة، التي تعود إلى زمن البابليين الأوائل، وتقع في الريف الشرقي من البلاد. 

وتؤكد أنهم نقلوا هذه الآثار إلى العراق عبر الحدود البرية بالشاحنات ثم باعوها كآثار مهربة.

ولم تسلم منهم آثار الصالحية في البوكمال، والتي تعود إلى العصر البابلي الأول، وآثار تل طابوس، التي تقع على مقربة من قرية الشميطية في الضاحية الغربية من دير الزور.

ومن المناطق القديمة الأخرى التي دمرتها وخربتها المليشيات التابعة لإيران، تل قلعة الرحبة، بالقرب من الميادين، والتي يعود تاريخها إلى العصر البابلي الأول. 

كما تعرض السوق المقبي في مدينة دير الزور والعديد من الأماكن الأخرى على الأطراف الشرقية للمحافظة للنهب من قبل المليشيات الطائفية.