الميزانية الجديدة بالعراق.. هل تشكل ضربة للوضع الراهن لحكومة إقليم كردستان؟
بعد نحو ثلاثة أشهر من المفاوضات في العراق، جرت الموافقة في 12 يونيو/حزيران 2023، على مشروع الموازنة العامة الاتحادية التي تغطي الأعوام 2023 و2024 و2025 بنفقات سنوية تبلغ 153 مليار دولار.
لكن، أثارت المادتان 13 و14 من عائدات النفط وحصة حكومة إقليم كردستان في الميزانية اعتراضاتٍ كثيرة بعد تحديدها بنسبة 12.67 بالمئة في أكبر ميزانية جرت الموافقة عليها منذ عام 2003.
ووفقاً للمادة 13، يجب الآن الإشراف على صادرات النفط لحكومة إقليم كردستان من قبل الشركة الحكومية العراقية لتسويق النفط (سومو)، وفق ما يقول مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط في مقال للكاتب التركي محمد ألاجا.
وتابع المركز التركي: "يجب على أربيل تسليم ما لا يقل عن 400 ألف برميل من النفط يومياً إلى بغداد، في حين سيجري إيداع عائدات حكومة إقليم كردستان من صادرات النفط في حساب مصرفي تفتحه وزارة المالية العراقية في البنك المركزي العراقي".
وفي المادة 14، ستتمكن محافظات حكومة إقليم كردستان من الاتصال ببغداد مباشرة بشأن تخصيص الميزانية في حالة حدوث نزاع على الميزانية مع أربيل.
وفي حين عارضت الأحزاب الكردية الأخرى المادة 14 وخاصة الحزب الديمقراطي تبنى الاتحاد الوطني موقفاً معاكساً، مما أدى إلى تصاعد التوترات في السياسة الداخلية الكردية.
ومن المرجح أن يتعرض الوضع الراهن الهش أخيرا للأكراد، الذين كانوا نشطين في السلطة وآلية صنع القرار في البلد بعد عام 2003، لمزيد من الضرر اقتصادياً وسياسياً إلى جانب الضرر الواقع على الميزانية.
زيادة التوتر
واستدرك ألاجا: عملية الموازنة، التي أظهرت أن الحكومة المركزية قادرة على لعب دور فاعل في الشؤون الداخلية لحكومة إقليم كردستان وفي التوتر بين حزبيها الرئيسين؛ الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، كشفت عن أبعاد التوتر بين الجانبين.
وأشار الكاتب إلى حقيقة أن الاتحاد الوطني الذي يدعي أن الإيرادات في حكومة إقليم كردستان لا توزع بالتساوي على السليمانية وحلبجة، قد يتصل ببغداد مباشرة بشأن تخصيص الميزانيةفي حال نشوب نزاع على الميزانية مع الحزب الديمقراطي، وبالتالي فإنَّ ذلك قد يسرع من التوتر الحالي.
وعلق: إذا تبنى الاتحاد الوطني هذا المسار في منافسته مع الحزب الديمقراطي الذي يهيمن على حكومة إقليم كردستان، فقد يعني ذلك أن الأخيرة تفقد نفوذها المالي.
وبين أن الحكومة تفقد نفوذها بهذا الشكل في المناطق التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني. وقد أدى ذلك إلى مناقشات حول إمكانية تقسيم المنطقة إلى إدارتين.
في الواقع، اتهم رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني الاتحاد الوطني بـ "الخيانة" دون تسميته بسبب موقفه من بنود الميزانية.
وأعطى رسالة مفادها أن دوافع بغداد في الميزانية تشكل تهديداً لوضع حكومة إقليم كردستان وإيراداتها المالية.
ورفضاً للادّعاءات المتعلقة بتقسيمهم لإقليم كردستان، أعرب الاتحاد الوطني عن عدم ارتياحه للحزب الديمقراطي، قائلاً إن المادتين 13 و14 من قانون الموازنة ستضمنان الحقوق المالية للموظفين والمتقاعدين العاملين في الإقليم والقضاء على التمييز بين المحافظات.
ولفت الكاتب النظر إلى أنَّ التحولات في ميزان القوى بسبب المنافسة مع بغداد والسليمانية قد تجبر الحزب الديمقراطي الكردستاني على مراجعة حساباته.
وقد يؤدي إضعاف يد الحزب الديمقراطي في الفترة التي تسبق الانتخابات إلى الحد من فعاليته وتعزيز الاتحاد الوطني لتمثيله بعد الانتخابات.
ولفت المركز إلى أن "فشل الحزب الديمقراطي في التخلي عن موقفه الحالي قد يدفع الاتحاد الوطني الذي يحكم تحت قيادةٍ لا يمكن التنبؤ بها مثل (رئيسه) بافل طالباني، إلى استخدام ورقته الرابحة لإنشاء منطقة جديدة تشمل السليمانية وحلبجة بدعم من حلفائه الشيعة في بغداد".
لكن من الواضح أن هذه الخطوة ستجعل الحزب الديمقراطي الكردستاني في موقفٍ صعبٍ للغاية حتى لو لم يبدُ هذا الخيار واقعياً في الوقت الحالي بسبب الثقل الذي ستضعه الأزمة الناجمة عن إيجاد منطقة جديدة على السياسة العراقية.
لذلك، من أجل الحفاظ على مكاسب المنطقة، يحتاج الحزب الديمقراطي إلى بذل المزيد من الجهود لجذب الاتحاد الوطني إلى المركز.
مساعي السيطرة
ويوضح الكاتب أنه "يمكن القول إن دافع الحكومة المركزية في الموازنة هو تعزيز سعيها للسيطرة على وضع حكومة إقليم كردستان وإيراداتها المالية".
وتتزايد المخاوف من أنّ أربيل، التي تستند بالفعل إلى تقليد التسوية السياسية مع بغداد بشأن القضايا المادية، سيجري دمجها بشكل أكبر في بغداد إلى جانب الميزانية الاتحادية.
وأردف التقرير أن أربيل، التي اختارت أن تكون مستقلة اقتصادياً عن بغداد من خلال تصدير النفط، ستمتثل الآن لقرار الميزانية أو تختار طريقة أخرى.
ولكن من المفهوم أن هذا الوضع سيضع حكومة إقليم كردستان ضد المحكمة الاتحادية وسيستمر مناقشته على أنه أزمة سياسية وقانونية على حد سواء.
وأضاف: قد يدفع تصاعد التوتر في حكومة إقليم كردستان، المجزأة والضعيفة سياسياً بشكل خاص، إلى التركيز على الاقتصاد غير الرسمي.
وقد يكون تهريب النفط وتنويع الإيرادات الاقتصادية على الحدود على جدول الأعمال، لكن الحكومة المركزية ستراقب كمية النفط والإيرادات التي تصدرها أربيل بعد الميزانية.
وهذا الأمر يمكن أن يعزز ميلها للسيطرة على المعابر الحدودية التي تسيطر عليها حاليا حكومة إقليم كردستان.
لكن استمرار القرارات ذات الدوافع السياسية قد يدفع أربيل وبغداد، اللتين لم تتفاعلا مع مناقشات الموازنة كما هو متوقع بسبب الضغوطات الداخلية، إلى مزيد من المواجهة، وفق التقرير.
زيادة الإيرادات
وتابع: يحتاج رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والذي يسعى جاهداً إلى تطبيع السياسة العراقية، إلى تخفيف الأزمة مع حكومة إقليم كردستان، ولكن يبدو أنَّه من الصعب إدخال كلمته في إطار التنسيق الشيعي.
ورأى أن السوداني واثق من أن الأكراد سينتقمون من هذا الوضع على المدى المتوسط.
وعلى الرغم من أن التحريض على التوتر مع الأكراد يجعل حكومة إقليم كردستان تخسر اليوم أكثر من غيرها، فإن التغيير المفاجئ في ميزان السياسة بالعراق قد يعكس المسار.
ولهذا السبب، يعتقد بعض الناشطين الشيعة أنه لا ينبغي لنا أن ندفع أربيل إلى أبعد من ذلك.
إذ إن هناك قلقا من عودة التيار الصدري إلى الساحة السياسية بعد أن كان يراقب التطورات بهدوء، وبذلك ستختل التوازنات.
وقد يقف الحزب الديمقراطي الكردستاني وبعض السنة إلى جانب رئيس التيار المذكور مقتدى الصدر، بحسب الكاتب.
وعلق قائلا: لا يبدو من المعقول بالنسبة لبلد ذي اقتصاد هش مثل العراق أن يصعد التوترات باستمرار مع الأكراد، لأن ذلك قد يؤدي إلى أزمات جديدة.
وبين أن فشل الشيعة الموالين لإيران في التفاوض بشكل كاف مع السنة والأكراد خلال عملية الميزانية قد يتسبب في انغلاق وتأزم شديد في السياسة العراقية على المدى المتوسط.
ومن وجهة نظره، فإن هذا الوضع غير مستدام سياسيا، حيث ينتشر التشرذم والعداء. بل يمكن أن يكون ذلك مفيداً لجميع المجموعات التي تخسرها السياسة الكردية المنفصلة باستمرار.
وعلى الرغم من الضعف الأخير لنفوذ أربيل وسمعتها، يمكن لقانون الموازنة أن يحسن إيرادات الإقليم وشفافيته، حيث كان النفط الكردي يباع بأقل من القيمة السوقية، ولكن في الفترة الجديدة، سيجري بيعه بنفس معايير العراق.
بالإضافة إلى ذلك، ستخصص الميزانية أموالاً لمشاريع وخدمات البنية التحتية لحكومة إقليم كردستان.
وبدلا من الغرق في الخلافات بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني يمكن لأكراد العراق حماية مكاسبهم من خلال تحويل ذلك إلى فرصة. بخلاف ذلك، يبدو أنه لا مفر من أنها ستستمر في الضعف، وفق تقدير الكاتب.