مقابل الموقف من الصحراء.. هكذا غض المغرب الطرف عن تحرشات ممثل إسرائيل 

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في تطور ضبابي بعيد عن الأعراف الدبلوماسية، أعلن الممثل الأسبق لإسرائيل في المغرب، ديفيد غوفرين، من جانب واحد عن العودة إلى منصبه، في استفزاز للشارع الشعبي المغربي.

وأعلن غوفرين، في 9 يوليو/تموز 2023، عودته إلى العاصمة الرباط لـ"إتمام مهامه"، وذلك بعد اتهامه بالتحرش الجنسي ضد مغربيات في مكتب الاتصال إلى جانب قضايا فساد.

هذا الإعلان أثار استفزازا لدى المغاربة وطرح تساؤلات حول أسباب صمت الرباط والإمعان في الاستهانة بالمغاربة، خاصة أن من بين ضحايا غوفرين المحتملات مغربيات ما يقتضي فتح تحقيق من الجانب المغربي أيضا.

إهانة وإذلال

ويأتي هذا الإعلان بعد أشهر من استدعاء غوفرين من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية إثر حديث عن ممارسته الفساد والتحرش الجنسي، وفق تقارير إعلامية عبرية زعمت فيما بعد تبرأته من تلك الاتهامات.

وفي مايو/ أيار 2023، جرى تعيين شاي كوهين رئيسا لمكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب، خلفا لألونا فيشر التي انتهت أعمالها في أبريل/نيسان 2023، عقب تعيينها بديلا لغوفرين.

وبعد عودته مباشرة، قال غوفرين في تغريدة: "أنا جد سعيد بالعودة إلى بلدي الثاني المغرب الغالي، لإتمام مهامي النبيلة التي تسعى لتقوية وتثمين الروابط بين الدولتين".

وأضاف "إن لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل"، في إشارة إلى تعاطي وسائل إعلام محلية مزاعم اتهامه بالتحرش الجنسي وقضايا فساد.

ووصفت هيئات مغربية مناهضة للتطبيع مع إسرائيل، عودة غوفرين إلى منصبه بأنها "إهانة وإذلال" للمغرب والمغاربة.

وأدانت المبادرة المغربية للدعم والنصرة "عودة غوفرين رئيسا لمكتب الاتصال الصهيوني بالرباط، بعد قرار تجميد عمله لما يقارب السنة على إثر اتهامه بالمسؤولية عن فضيحة وجريمة التحرش الجنسي والاعتداء على نساء مغربيات بالمكتب الذي كان يرأسه".

واستنكر بلاغ المبادرة المغربية للدعم والنصرة هذه العودة التي عدها "خطوة جديدة من التحدي والإهانة لبلادنا".

وقالت “اليوم بعد مجموعة من تصريحاته المستفزة والمرفوضة والمواقف الصهيونية المسيئة لكرامة وسيادة بلادنا يتم السماح لهذا المجرم بالعودة وتدنيس أرضنا".

وعد عودته بمثابة عنوان احتقار وإهانة لكرامة وشرف النساء المغربيات اللواتي تم الاعتداء عليهن في مكتب "العار الصهيوني"، مجددا طلبه إغلاق مكتب الاتصال الذي قال إنه "يشكل وصمة عار في تاريخ المغرب المساند دوما لفلسطين".

ودعا بلاغ المبادرة، "السلطات المعنية المختصة لملاحقة ومتابعة غوفرين حتى لا يفلت من العقاب"، مطالبا المسؤولين "للتراجع عن كل أشكال وإجراءات التطبيع، وإلى دعم نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، إلى حين تحرير أرضه وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".

المرصد المغربي لمناهضة التطبيع تفاعل أيضا مع القضية، وقال في بلاغ له، إن قرار إعادة تعيين غوفرين رئيسا لمكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط "إمعان في إهانة المغرب كدولة، وانتشاء بإذلال المغاربة".

وأشار المرصد إلى أن إعادة تعيين غوفرين جاء "رغم كل ما سبق أن قام به بحق الدولة المغربية ومؤسساتها وسيادتها وقضاياها الوطنية، بل ورغم جرائمه بحق مواطنات مغربيات من استغلال جنسي".

وناشد مسؤولي وقيادات الهيئات المدنية والحزبية والنقابية بالمغرب، بـ"تنسيق عمل مشترك للتصدي لهذا التحدي الأكبر الذي يسائلنا جميعا كمغاربة أحرار يرفضون التطبيع وكل ملحقاته المهينة للوطن والشعب".

ودعا المصدر ذاته إلى "تعبئة مواقف وإصدار بيانات الغضب في الموضوع، تصعد إلى ما يستحقه مستوى هذه الإهانة الجديدة من الغضب على هذا الكيان الصهيوني الإرهابي، ومن كل المطبعين المسؤولين عنها".

ليس بريئا

وبدوره، قال الناشط المغربي، عزيز هناوي، إن "المغرب الرسمي البوريطي (يقصد وزير الخارجية ناصر بوريطة) يستمر في الهرولة الطافحة بنكهة الإهانة العظمى بقبول عودة غوفرين المتورط في فضائح استغلال جنسي بالمغرب إلى إدارة مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط".

وأضاف في تدوينة نشرها عبر فيسبوك في 11 يوليو: "بغض النظر عن رفض التطبيع كيفما كان... فإن قبول بوريطة لعودة غوفرين المتورط في فضائح استغلال جنسي لموظفات مغربيات.. سيكون بمثابة فضيحة أكبر".

وتابع: "الإهانة العظمى لسيادة المغرب، عن أي براءة يتحدث الصهيوني.. وهل كان هناك تحقيق مغربي أصلا إنها البوريطية.. في قاع الذل"

وتأسف أنه "في سبيل استمرار الهرولة البوريطية الصهيوتطبيعية بلا حدود.. تهون كرامة وشرف المغربيات بين أفخاذ غوفرين".

من جانبه، قال الباحث الإسلامي، إبراهيم الطالب: "لنا أن نتخيل لو تحرش مسؤول دبلوماسي مغربي بفرنسا أو ألمانيا بأوروبية كيف ستنتفض الصحافة، وكيف ستقوم ولا تقعد حتى يحاكم بالسنين العديدة، لكن يبدو أن شرف المغربيات يحتاج من يصونه، فأين المنظمات النسائية؟؟".

وأضاف الطالب في تدوينة نشرها على فيسبوك "ثم إن دولة هذا المأفون على الأقل لو كانت تحترم دولتنا لما أعادته إلى وظيفته، وأمعنت في الاستهانة بالمغاربة".

ورأى أن "لا تقنعنا العبارات الواردة في تحقيق الكيان الغاصب، ونرى أن عرض المغربيات قد انتهك ونخوة المغاربة جميعا قد أزري بها".

وأشار إلى أن "قناة "كان" العبرية الرسمية قالت في وقت سابق للتحقيق: إن تل أبيب تعلم منذ نحو عام باتهامات لاحقت رئيس بعثتها الدبلوماسية في المغرب، غوفرين بالتحرش بنساء مغربيات".

واستطرد الطالب مستنكرا: "ثم من غير المعقول أن يكون الخصم هو الحكم، فوالله إن هذا لقمة الذل".

شامة درشول المستشارة الإعلامية السابقة لغوفرين، كتبت "أقولها، وأرددها، ديفيد ليس بريئا، استفاد من مجتمع لا يزال لا يحمي النساء، بما فيه المجتمع الإسرائيلي… ديفيد استفاد من رفض الإسرائيليات والمغربيات متابعته قضائيا تفاديا للصحافة الصفراء في المغرب وإسرائيل…. ديفيد هو الباطل بعينه".

وأضافت في تدوينة نشرتها على فيسبوك: "ديفيد شخص محظوظ، يستفيد من أن (الكبار) لديهم حساباتهم الخاصة، والتي ليس من بينها الانتفاض لكرامة النساء".

من جانبه، أبدى الناشط زكريا النويني استغرابه من "الصمت الرسمي على الأخطاء الدبلوماسية لغوفرين وعدم الاعتراض على إعادته لمنصبه، وهذا يسيئ للدولة في أنها غائبة عن اتهامات وقعت داخل أراضيها، ويفترض أن تفتح بدورها ملف التحقيق مع ممثل إسرائيل بالرباط".

وأضاف النويني في حديث لـ"الاستقلال" أن "هناك انتصارا قاتلا للدبلوماسية الإسرائيلية على حساب المغرب، وأنها وجدت المملكة ساحة تجرب فيها كل نظرياتها وأخطائها وعلى مواطناتها ضحايا التحرش،

وشدد على أن "التسريبات الإعلامية التي تقضي بإعادة غوفرين لمنصبه دون اعتراض من المغرب مقابل اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء أكدت هذه الأنباء مع البلاغ الملكي (في 17 يوليو 2023)".

وفي 17 يوليو 2023، أعلن الديوان الملكي المغربي، أن إسرائيل اعترفت بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، حسب رسالة تلقاها الملك محمد السادس من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وأكد نتنياهو، أن "موقف بلاده هذا سيتجسد في أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية كافة ذات الصلة"، بحسب ذات البيان.

وبين النويني أن "المتابع لملف غوفرين منذ تعيينه في منصبه يجد أنه يسعى للتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، في تحركات تعيد للذاكرة الجماعية مرحلة الحماية الفرنسية (1912-1956)"، في إشارة إلى الاستعمار الفرنسي حيث كانت يتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة.

ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

فضائح متتالية

قضية غوفرين التي أثيرت لأول مرة في 5 سبتمبر/أيلول 2022 عبر وسائل إعلام عبرية أبرزها قناة "كان" التابعة لهيئة البث الرسمية، جاء فيها أن محور التحقيق هو "سلوك" رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط.

وكشفت قناة "كان"، أن "وزارة الخارجية تحقق في الشكاوى الواردة بشأن أعمال يزعم أنها نفذت في الممثلية (مكتب الاتصال) في المغرب".

وأوضحت أنه "على خلفية تلك الادعاءات وصل وفد كبير من وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الرباط على عجل ضم المفتش العام للوزارة حجاي بيهار".

وقالت "كان" إن "أكثر ما يزعج مسؤولي وزارة الخارجية (الإسرائيلية) هو الادعاءات الخطيرة باستغلال نساء محليات ومضايقتهن من قبل مسؤول إسرائيلي".

وبينت أنه "إذا ثبتت صحة هذه المزاعم فقد يكون هذا حادثا دبلوماسيا خطيرا في العلاقات الحساسة بين إسرائيل والمغرب".

وتقول القناة في ذات السياق، إن هناك سيدة مغربية، رفضت كشف هويتها، أرسلت في 25 أكتوبر 2021، شكوًى إلى المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية للإعلام العربي حسن كعبية، حول “سلوكيات غير مقبولة من قبل غوفرين".

وجاء في نصّ الشكوى، أنه "كان يتعين على إسرائيل أن تنتقي دبلوماسييها وسفراءها بعناية".

وأضافت أنه "من غير المنطقي أن ترسل إسرائيل مهووساً بالنساء إلى حدّ التحرش بهن، هذا أمر مهين ويجب أن يتوقف".

وجرى تعيين غوفرين في يناير/كانون الثاني 2021، بعد شهر واحد فقط من التطبيع الرسمي للعلاقات بين تل أبيب والرباط.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت إسرائيل والمغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد توقفها عام 2000 إثر تجميد الرباط العلاقات، جراء اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى).

ومن المقرر أن يكمل غوفرين مهمته حتى عام 2024، ثم سيحل محله ممثل معين من قبل الائتلاف الحاكم الحالي.

غوفرين ومنذ وصوله المغرب، لاحظ المتابعون تحركه الأحادي في إعلان قرارات وتصريحات أبرزها تغريدته عن تعيينه "سفيرا" لإسرائيل.

ودون علم الرباط، وفي 10 أكتوبر 2021 غرد غوفرين قائلا: "أتشرف أن أشارك متابعي وأصدقائي من جميع أنحاء العالم خبر تعييني كسفير رسمي لدولة إسرائيل بالمغرب".

وأضاف "أشكر بهذه المناسبة كل شركائنا بالمغرب وخارجه على مجهوداتهم لإرساء السلم والسلام، سنتابع عملنا للسير نحو تطوير العلاقات المشتركة لصالح البلدين الشقيقين".

لكن بعد ثلاثة أشهر من تغريدته وفي حوار مع المجلة المغربية الناطقة بالفرنسية (Le Maroc Hebdo)، نشرته في 14 يناير 2022، سأل الصحفي، غوفرين: "بداية لا نعرف كيف نناديك، السيد المدير القائم بالأعمال أم السفير؟".

وأجاب: "وصلت إلى المغرب في يناير 2021 لتولي منصب رئيس مكتب الاتصال في الرباط، والذي أعيد افتتاحه بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل ذلك بشهر".

وأضاف "في أغسطس/آب 2021، اتفق وزيرا خارجية البلدين على رفع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى السفارات، وبعد شهرين، وبناء على هذا الاتفاق عينتني تل أبيب رسميا سفيرا".

واستدرك غوفرين موضحا: "يجب أن أقدم نسخا من أوراق الاعتماد الخاصة بي إلى السيد (وزير الخارجية ناصر) بوريطة في الأسابيع المقبلة، والنسخ الأصلية إلى الملك بعد ذلك. نحن نتحلى بالصبر والهدوء حيال ذلك".