دعوات الإفراج عن المعتقلين في تونس.. كيف وحدت المعارضة وأحرجت السلطة؟
لا يزال ملف "المعتقلين السياسيين" في تونس، أحد أهم ملفات الصراع المفتوح بين نظام الرئيس قيس سعيد والمعارضة المنقسمة بين تيارات وأحزاب وجبهات.
واستجابت مجموعة من القوى السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لدعوة أطلقتها عائلات المعتقلين من مختلف التيارات لتنفيذ وقفة احتجاجية وسط العاصمة في 13 يوليو/تموز 2023؛ للتضامن معهم والمطالبة بإطلاق سراحهم
ورأت القوى المتضامنة أن المعتقلين يعيشون "مَظلمة مستمرة" منذ أشهر بالإضافة إلى التنكيل الذي يتعرضون له داخل السجون.
موقف موحد
وأعلنت عائلات المعتقلين خلال مؤتمر صحفي في 10 يوليو 2023، أنها ستواصل نصرة القضية والدفاع عن المسجونين إلى "حين خروجهم من المعتقل".
ولم يتم إطلاق سراح سوى القيادية في جبهة الخلاص شيماء عيسى والمحامي والوزير السابق محمد لزهر العكرمي، من إجمالي 39 معتقلا سياسيا في تونس.
وهو ما أكّد أسباب غياب التفاؤل لدى معظم الناشطين حول نتائج جلسة 13 يوليو 2023، رغم الدعوات المطالبة للسلطة بإحداث انفراج في المشهد السياسي في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
وتعد قضية المعتقلين السياسيين في تونس من القضايا القليلة التي تمكّنت المعارضة من تجاوز خلافاتها المتراكمة والاتفاق على خطة نضالية مشتركة لمحاولة التعريف بملفهم داخليا وخارجيا والعمل على الضغط على نظام سعيّد لإطلاق سراحهم.
وجاءت المبادرة التي أعلنت عنها عائلات المعتقلين السياسيين لتمهّد نحو حراك وطني جامع للمطالبة بإطلاق سراحهم وإنهاء المحاكمات السياسية في تونس لمعارضي انقلاب 25 يوليو/تموز 2021.
وتشهد تونس أزمة سياسية منذ بدأ سعيد "قرارات انقلابية" في 25 يوليو/ تموز 2021، شملت حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة وإقرار دستور جديد عبر استفتاء.
وأكدت الناشطة السياسية، منية إبراهيم، زوجة المعتقل السياسي عبد الحميد الجلاصي، أن "عائلات المعتقلين لن تترك الدفاع عن السجناء المعتقلين والدفاع عن الحريات".
وأشارت في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "القادة السياسيين محالون وفق فصول تقود إلى الإعدام، وهم إلى غاية اليوم لا يعرفون لماذا أُحيلوا وما هي تهمهم ولا العائلات أيضا تعرف شيئا".
وأضافت أن "هنالك تنسيقا مع أحزاب وطنية وتيارات سياسية ومنظمات حقوقية وكل من يرى نفسه مازالت له القدرة للدفاع عن الحقوق والحريات في تونس".
وتوجّهت زوجة الجلاصي بخطابها إلى الرئيس سعيّد، قائلة "نحن عائلات المعتقلين السياسيين في سجون الاستبداد لن نصمت كصمتك وصمت مؤسساتك، وانتظر انتفاضتنا".
وفي نفس السياق، أصدرت عدة شخصيات ومنظمات وجمعيات من المجتمع المدني التونسي، في 11 يوليو 2023، بيانا مشتركا طالبت فيه القضاء "بلعب دوره في حماية الحقوق والحريات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من سجون الاستبداد".
تنكيل مستمر
وبحسب هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، فإن القضاء نظر في ثلاثة ملفات، الأول هو استئناف النيابة العمومية قرار الإفراج عن القيادية بجبهة الخلاص الوطني، شيماء عيسى.
والثاني طلب الإفراج عن بقية المتهمين المذكورين في الملف، من بينهم جوهر بن مبارك، وخيام التركي، وعصام الشابي، وغازي الشواشي، وعبد الحميد الجلاصي، ورضا بلحاج، والأزهر العكرمي.
وسيتم النظر كذلك في ملف ثالث، هو موضوع منع التداول الإعلامي في "قضية التآمر على أمن الدولة" الذي اتخذه قاضي التحقيق، بعدما اعترضت عليه هيئة الدفاع.
وبعد ساعات طويلة من الانتظار، قررت دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس، في 13 يوليو 2023، رفض استئناف النيابة العمومية لقرار قاضي التّحقيق بالمكتب 36 القاضي بالإفراج عن شيماء عيسى، كما استجابت لطلب هيئة الدفاع بخصوص الإفراج عن المحامي لزهر العكرمي.
ويعني ذلك أنّ الناشطين المعارضين شيماء عيسى ولزهر العكرمي في حالة سراح.
مقابل رفض الإفراج عن كل من خيام التركي (التكتل من أجل العمل والحريات)، وعبد الحميد الجلاصي (قيادي سابق في حركة النهضة)، ورضا بالحاج (جبهة الخلاص)، وغازي الشواشي (الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي)، وجوهر بن مبارك (جبهة الخلاص) وعصام الشابي (الأمين العام للحزب الجمهوري).
ولا يوحي السياق العام الذي تعيشه البلاد عن أي مؤشر لإحداث انفراجة في ملف المعتقلين السياسيين، حيث يواصل سعيد في جميع بلاغاته توجيه مجموعة من الاتهامات للمعارضة وتواصل أجهزة الدولة شن اعتقالات في صفوف الناشطين والمدونين المعارضين.
وأصدر القضاء قرارا بمنع السفر بحق 120 نائبا من أعضاء مجلس نواب الشعب المنحل المشاركين في جلسة افتراضية للبرلمان في 30 مارس/ آذار 2022 في تحد لقرار سعيد تعليق أعماله.
وفي 13 يوليو 2023، أعلن الوزير السابق والناشط السياسي المعارض، محمد الحامدي، عن إبلاغه باستدعاء للمثول أمام فرقة مكافحة الإرهاب في تونس العاصمة، لأسباب مجهولة.
ومنذ فبراير/شباط 2023، طالت حملة توقيفات في البلاد، سياسيين وإعلاميين ونشطاء وقضاة ورجال أعمال، واتهم سعيّد بعض الموقوفين بـ"التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار".
وبلغ عدد المعتقلين من القيادات السياسية للأحزاب 39، من المنتمين لحركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني وأحزاب التيار والتكتل والجمهوري وائتلاف الكرامة.
بالإضافة إلى عشرات الملاحقين من صحفيين ونقابيين ومدونين في قضايا مختلفة تم إثارتها على خلفية نشاطهم أو تدويناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويدخل القضاة في تونس في عطلتهم السنوية التي تستمر من 15 يوليو إلى 15 سبتمبر/أيلول 2023، وهذا يعني أن أي مطالب جديدة للإفراج عن المعتقلين لن يتم تقديمها إلا بعد هذا التاريخ.
وتتهم هيئة الدفاع رئيس الجمهورية ووزيرة العدل بالسيطرة على القرار القضائي، وتوظيفه لضرب خصومهم السياسيين.
ففي 13 فبراير 2022، أصدر سعيد مرسوما يقضي بحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب واستبداله بمجلس جديد من تعيينه يدعى المجلس الأعلى المؤقت للقضاء.
وسبق ذلك قرار بعزل 57 قاضيا من مختلف التخصصات والرتب في إجراء وصفته نقابة القضاة التونسيين بـ"المجزرة"، كما تم ملاحقة عدد منهم قضائيا وسجن بعضهم بتهم وصفت بـ"الكيدية" في محاولة من السلطة لضرب استقلالية القضاء وترهيب القضاة.
دعوة للتعقل
ودعا المناضل السياسي، عز الدين الحزقي، والد المعتقل السياسي جوهر بن مبارك، كل المسؤولين في تونس "للرجوع إلى العقل والتوقف عن الفوضى والتيه والجنون الذي تعيشه البلاد منذ 25 يوليو 2021".
وطالب الحزقي في حديث لـ"الاستقلال"، القضاة "إلى إعمال العقل وتحكيم ضمائرهم حتى يفتخر بهم أبناؤهم، فالسلطة لن تدوم لأحد وكما رحل من كان قبل سعيّد فإنه هو أيضا راحل إن طال الزمن أو قصر".
وأكد أن "كل الاحتمالات واردة ببقاء المعتقلين في السجن أو مغادرتهم حيث لا يمكن توقع قرار السلطة السياسية في ظل هذه الفوضى التي تعيشها تونس وفي غياب المنطق".
ورأى الحزقي أن "المعتقلين وعائلاتهم وكل المعارضين يدفعون فاتورة نضالهم لاسترجاع الديمقراطية والدفاع عن الحقوق والحريات التي اكتسبها التونسيون بفضل نضالاتهم لعقود، لذلك سنستمر في النضال وندعو الجميع للوقوف في وجه الانقلاب واغتصاب السلطة".
ويجمع طيف كبير من المتابعين في تونس على صعوبة التنبؤ بإمكانية حدوث انفراجة في ملف المعتقلين السياسيين، الذي يعد القضية الأشد إيلاما للمعارضة منذ 25 يوليو 2021، والملف الأكثر إحراجا للسلطة.
وتواترت المواقف الدولية المنددة باعتقال الناشطين المعارضين والتضييق على حرية الرأي والصحافة في تونس.
ووصف مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عبر بيان صادر في 23 يونيو/ حزيران 2023، الأمر بـ"المقلق للغاية أن نرى تونس، تلك الدولة التي كانت تحمل في السابق الكثير من الأمل، تشهد انتكاسة وتراجعا في مجال حقوق الإنسان وتفقد المكاسب التي تحقّقت بشق الأنفس خلال العقد الماضي".
وتخشى السلطة في تونس أن يؤثر السجل الحقوقي على مفاوضاتها الجارية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بـ1.9 مليار دولار، وكذلك في علاقة بالوعود التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لتقديم دعم بقرابة المليار دولار.
وعقد عدد من البرلمانيين الأوروبيين ندوة صحفية في "البرلمان الأوروبي" بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، في 12 يوليو/تموز 2023، للحديث عن أوضاع حقوق الإنسان في تونس.
وتداول على الحديث فيه كل من البرلماني عن حزب الشعب الأوروبي، مايكل غالر، وعضو البرلمان الأوروبي، ماتياج نيميتش، عن التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين، والنائب الفرنسي منير ساطوري عن التحالف الأوروبي الحر، بالإضافة إلى كارين ملكيور وسارة بريستاني عن "كتلة تجديد أوروبا".
وخلال الندوة الصحفية، قال الساطوري إنه ليس من العدل أن تحصل تونس على "مليار يورو على طبق من الفضة"،
وشدد على أنه "لا يمكن أن يحدث ذلك"، مشيرا إلى "دور البرلمان الأوروبي كمشرع مشارك في الاتحاد الأوروبي".
أما النائب عن يسار الوسط، نيميتش، فذكر أن "البرلمان يقف إلى جانب الشعب التونسي والمهاجرين الذين يواجهون الانتهاكات".
ويواجه إصرار سعيّد على مواصلة تعميق الأزمة السياسية بدعوات صادرة حتى من مؤيدين له على ضرورة تهدئة الأوضاع، لمواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي وصلت مرحلة تنذر بالخطر من اندلاع حراك شعبي، في ظل غلاء الأسعار واستمرار أزمة شح المواد الأساسية، بالإضافة إلى أزمة المحروقات وانقطاع الكهرباء والماء الصالح للشرب.