صحيفة عبرية: لماذا يتعين على إسرائيل إعادة ضبط علاقاتها مع الصين؟
تحدثت صحيفة "ماكور ريشون" العبرية عن إمكانية نشوب صراع واسع بين القوى العظمى وخاصة الولايات المتحدة الأميركية والصين على خلفية عدة أحداث متسارعة.
وذكرت الصحيفة من بين هذه "التوترات المتزايدة" قضية تايوان، الجزيرة التي تدعمها واشنطن وتعدها بكين جزءا من أراضيها.
كما تطرقت إلى زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إلى الجزيرة وإطلاق صواريخ (صينية) فوق تايوان سقطت في المياه الاقتصادية لليابان في أغسطس/آب 2022.
وألقت الضوء أيضا على زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن "غير الناجحة" للصين في يونيو/حزيران 2023، ودعم بكين لحرب موسكو في كييف.
ومن بين التوترات التي ترى أنها تقربنا لحرب واسعة بين القوى العظمى، ذكرت الصحيفة العقوبات الأميركية على إيران وبرنامجها النووي.
وفي هذا الإطار، توضح أنه "رغم كون إسرائيل ليست معنية بالصراع، لكن من الضروري أن يكون موقفها في التنافس بين القوى واضحا".
وجاءت هذه النظرة المتشائمة، على الرغم من محاولة الطرفين تهدئة العلاقات المتوترة، خاصة بعد زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إلى بكين في 6 يوليو/تموز 2023.
الزيارة التي استمرت 4 أيام، نتج عنها تعهدات مشتركة بتحسين الحوار على الرغم من "الخلافات الكبيرة" بين أعظم قوتين اقتصاديتين في العالم.
وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين في 9 يوليو، إن 10 ساعات من الاجتماعات مع كبار المسؤولين الصينيين في الأيام الأخيرة كانت "مباشرة" و"مثمرة"، مما ساعد على استقرار العلاقات المتوترة.
وقبل مغادرتها الصين في اليوم التالي، أوضحت يلين أن الولايات المتحدة والصين ما زالا على خلاف بشأن عدد من القضايا، لكنها أعربت عن ثقتها في أن الزيارة قد دفعت الجهود لوضع العلاقة على "أسس أكيدة".
خطوة حكيمة
وفي زيارة أجراها يعقوب ناجل، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى تايوان (لم يحدد زمنها)، وفي اجتماعات متعمقة مع كبار المسؤولين في الجيش ووزارتي الخارجية والدفاع، تشير الصحيفة إلى أن إسرائيل أظهرت الاستعداد لمواجهة "التهديد الصيني".
وتقول الصحيفة العبرية إن "الدرس الرئيس المستفاد من هذه الزيارة هو أن إسرائيل وتايوان، وهما نظامان ديمقراطيان تهددهما الديكتاتوريات، يجب أن يعملا على تقوية علاقاتهما في مجموعة متنوعة من القضايا، بما في ذلك الأمنية"، وفق قولها.
ففي أي صراع بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان، ترى الصحيفة أنه يجب أن تكون الرسالة واضحة مفادها أن "إسرائيل تقف إلى جانب حليفتها الرئيسة" واشنطن.
وتشير إلى أنه "من المحتمل أن يبدأ الصراع بين واشنطن وبكين في منطقة المحيط الهادئ في أعقاب النشاط الصيني ضد تايوان، أو حتى -كما يتجلى في المناورات الحربية الصينية- في الهجمات الأولية التي تشنها الصين على قوات الولايات المتحدة واليابان وتايوان".
وبحسب الصحيفة، من المؤكد أن الصراع سيؤثر على جميع دول المنطقة، مع احتمال انتشاره إلى مناطق أخرى. وتتوقع واشنطن، أن تقف إسرائيل إلى جانبها في هذا الصراع دون تحفظات.
وتلفت "ماكور ريشون" إلى أن "المنافسة والمواجهة المتوقعة بين الصين والولايات المتحدة ستكون قوية وحاسمة، بما لا يقل عن الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن في ذلك الوقت، وربما أكثر من ذلك".
ولذلك، ترى أنه "من المهم للغاية أن تعيد إسرائيل النظر في معادلة العلاقات بينها وبين تايوان ومحاولة تغييرها ولو جزئيا".
وفي الوقت نفسه، تعتقد الصحيفة أن "توطيد العلاقات بين الحكومتين الديمقراطيتين في إسرائيل وتايوان سيكون خطوة حكيمة، ولكن في حال تحقيق هذه المعادلة بشكل حذر للغاية".
ليست صديقة
وفقا للأنباء، فقد دُعي رئيس الوزراء نتنياهو لزيارة الصين، وترى الصحيفة أنه "من المهم جدا أن يوضح أن الزيارة لا تنقل أي رسالة تحد لرئيس الولايات المتحدة".
بل على العكس من ذلك، تعتقد أنه "من الممكن استغلال هذه الزيارة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة".
وهنا تشير الصحيفة إلى أنه حتى قبل الأزمة بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان، نشأت أزمة حادة بين واشنطن وتل أبيب نتيجة التعاون الأمني للأخيرة مع بكين.
ومن الجدير بالذكر أن التعاون بين إسرائيل والصين تجسد في بيع المعدات العسكرية والتكنولوجيات الحساسة وأنظمة الإنذار.
وعلى إثر هذا التعاون، استغرقت استعادة العلاقات الأمنية بين إسرائيل والولايات المتحدة وقتا طويلا، وتضمن إنهاء الأزمة بينهما "بناء نظام تفاهمات وآليات متفق عليها لحصر الصادرات الأمنية إلى الصين"، وفق الصحيفة العبرية.
ومن ناحية أخرى، تلفت الصحيفة الأنظار إلى مصدر قلق آخر، وهو "توطيد العلاقات في مثلث إيران وروسيا والصين، لا سيما بعد دفء العلاقات بين طهران والرياض بوساطة وتشجيع من بكين" في مارس/آذار 2023.
بالإضافة إلى ذلك، فقد وقعت الصين اتفاقا في مارس 2021، تستثمر بموجبه، خلال الـ 25 عاما القادمة، نحو 400 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني مقابل النفط الإيراني وتوثيق التعاون العسكري.
وتبعا لذلك، توضح الصحيفة أن "الأموال التي ستتدفق لإيران ستتيح لها الوصول إلى التقنيات الصينية الحساسة والمتقدمة، وستساعدها في إنشاء صناعة الدفاع الإيرانية وستدعم برامج تطوير الأسلحة التقليدية والنووية".
فضلا عن أن الأموال الصينية "ستمول الحركات التي تشكل تهديدا على أمن إسرائيل، الحرس الثوري وحزب الله و(حركة المقاومة الإسلامية) حماس"، وفقا للصحيفة.
الانفصال عن الصين
بناء على ما سبق، تعتقد الصحيفة أن "المعطيات تشير بوضوح إلى أن الصين ليست صديقة لإسرائيل، وقد حان الوقت لتغيير العلاقة بين الأخيرة وبين تايوان".
وأكد على ذلك ناجل، رئيس مجلس الأمن السابق، بعد زيارته تايوان، حيث قال: "إن الوضع أكثر خطورة بالنسبة للولايات المتحدة".
فالرئيس الصيني شي جين بينغ يبحث عن طرق لتحدي الهيمنة الأميركية، في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وفي العالم، وفق قوله، لافتا إلى أن "أي ضرر يصيب الولايات المتحدة يؤثر على إسرائيل".
خلال زيارة تايوان، يذكر ناجل أنهم رأوا اقتصادا تايوانيا متقدما للغاية، يبلغ ناتجه المحلي الإجمالي حوالي 800 مليار دولار، ويحتل المرتبة 22 على مستوى العالم، بحسب الصحيفة العبرية.
ووصف ناجل الاقتصاد التايواني بأنه "حر وعالي التقنية، رائد عالميا في بناء الرقائق والمكونات المتقدمة، التي تشارك على نطاق واسع في تطوير وإنتاج القدرات الدفاعية".
ولذلك، في رأي "ماكور ريشون" العبرية، إذا تصرفت إسرائيل بالحكمة والحذر اللازمين في علاقتها مع تايوان، فقد ينفتح سوق غني بالموارد للصناعة الإسرائيلية، سواء من خلال التعاون المستقل والمباشر أم عبر الولايات المتحدة.
وتطمح تل أبيب إلى توسيع التعاون التكنولوجي مع واشنطن بشأن هذه القضايا، وكما توضح الصحيفة: "لن يتم هذا التعاون إذا كانت الولايات المتحدة غير مقتنعة بأن إسرائيل فصلت نفسها تماما عن الصين".
ولذلك، تعتقد الصحيفة أن "التعاون مع تايوان، بتشجيع من الولايات المتحدة، هو الاتجاه الصحيح".
وفي نهاية التقرير، تذهب إلى أنه "من المحتمل أن تكون زيارة رئيس الوزراء للصين فرصة مناسبة للقيام بذلك، من خلال اتخاذ خطوة الانفصال عن الصين".
وتوضح أنه "يجب على إسرائيل أن تقدم للصين مطلبا لا لبس فيه لوقف ومساعدة أعداء (تل أبيب) بالتكنولوجيا المتقدمة وأنظمة الأسلحة، وإلا ستفكر في تغيير سياستها الحالية تجاه تايوان".