حتى زعيمهم "الدالاي لاما".. فضائح جنسية بالجملة تعصف بمجتمع البوذيين

12

طباعة

مشاركة

في 10 أبريل/ نيسان 2023 انتشر فيديو شاذ لزعيم البوذيين في إقليم التبت "الدالاي لاما" وهو يقبل طفلا من شفتيه ثم يخرج لسانه، ويطلب من الصبي أن يمتصه!

وبعدما أثيرت عاصفة غضب من فعلته، قال مكتب "الدالاي لاما" إنه اعتذر للطفل وعائلته عن "الأذى الذي ربما تسبب به"، وفق هيئة الإذاعة البريطاني "بي بي سي".

وأعاد هذا التصرف "غير اللائق" للأذهان العديد من التصرفات الشاذة لزعيم البوذيين الدالاي لاما (88 عاما)، الذي يعيش في الهند منذ 1959 بعد أن قاد انتفاضة فاشلة على السلطات في الصين.

جرائم بيت بوذا 

بعدما فضح "وثائقي" بثه تلفزيون دويتشه فيله الألماني في 25 مايو/ أيار 2023 تفاصيل الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة الكاثوليكية، وحمل 32 من الراهبات من أصل 50 في دير واحد.

عاد التلفزيون الألماني يوم 2 يوليو/ تموز 2023 ليبث وثائقيا جديدا لفضح ما أسماه "جرائم في بيت بوذا"، يدور حول الاستغلال الجنسي داخل المجتمع البوذي واغتصاب رهبان بوذيين راهبات وأطفال.

الوثائقي كشف كيف يستخدم الرهبان ما يزعمون أنه "الطاقة الروحية" في الاعتداء على الأطفال، ومعرفة زعيم البوذيين "الدلاى لاما" بهذه الفضائح، وتغاضيه عنها وتغطيته عليها، تماما كما فعل بابا روما مع جرائم الكهنة داخل الكنائس.

تحدث عن جرائم تم التستر عليها بالأرقام، ومن بينها اغتصاب الكهنة البوذيين فتيات وأطفال بدعاوي "الطاقة الروحية".

وأشار التحقيق الوثائقي إلى مراكز بوذية في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وإسبانيا، ودارامسالا في شمال الهند، والدار البيضاء في المغرب، ارتكب فيها الرهبان البوذيون جرائم جنسية.

وكشف أنه في أغسطس/ آب 2017 هزت فضيحة استغلال جنسي المجتمع البوذي، وشكلت صدمة عنيفة للدالاي لاما.

حيث تكشف أن المعلم البوذي المعروف عالميا "سوغيال رينبوتشي" قام بالاعتداء الجنسي على تلاميذ وتلميذات على مدى سنوات.

وأظهرت التحقيقات معه أنه قام بضرب تلاميذه وتلميذاته واستغلالهم جنسيا طوال عقدين من الزمن (20 عاما) خلال عمله في دول غربية.

وكانت صحيفة " ذا صن" ذكرت في 22 سبتمبر/ أيلول 2018 أن "رينبوتشي"، عرض بعضا من دائرته الروحية الداخلية "لإساءات جسدية وجنسية وعاطفية خطيرة".

وقالت إن الحكومة الإنجليزية تحقق أيضا في اتهامات أنه اتخذ ما يسمى "حريم رينبوتشي"، التي أطلق عليها اسم "داكينيس"، وتضم نساء اعتدى عليهن.

وأنه كان يقنع الفتيات أن "كل ما يخرج منه مقدس"، ويقبلهن وهو يمضغ طعامه، وتركيزه الأساسي كان على الجنس والمتعة الحسية ".

أيضا قالت فتاة في الفيلم الوثائقي "باسم التنوير" الذي عرض عام 2011، وكان يدور حول الفضائح الجنسية في الأديان، أن "رينبوتشي استغلها جنسيا".

الفتاة، وهي أحد أتباعه السابقين، قالت إنه مارس الجنس معها بدعوى أن ذلك "اختبار للإخلاص"، وقال لها: "هذه هي اللحظة التي تتواصلين فيها مع سيدك"!!.

وأضافت: "طلب مني ألا أتحدث عن ذلك أبدا لأي شخص وإذا تحدثت عن ذلك، فسيقطع هذا الاتصال، في حين أنه أفقدني نفسي ضمن مجموعة من الفتيات اللائي فقدن أنفسهن أكثر ".

وكشفت التحقيقات مع "رينبوتشي"، استغلاله للتبرعات لتمويل أسلوب حياة فخم له عبر شراء النبيذ الفاخر والسيجار الكوبي وسيارة مرسيدس يقودها سائق. 

وكشف وثائقي التلفزيون الألماني أن حالة الراهب البوذي "رينبوتشي" ليست حالة فردية، وتساءل: لماذا سمحت السلطات البوذية التبتية بحدوث مثل هذه الأفعال؟

ولماذا لم يتم الكشف عن هذه الفضائح وإبقاء حالات مشتبه بها طي الكتمان لفترة طويلة، حتى تمكن الجناة من الإفلات من المحاسبة؟

ويركز الفيلم على جرائم تم التستر عليها لفترة طويلة في "بيت بوذا"، منها الاغتصاب والتلاعب النفسي واختلاس الأموال، ويستضيف حالات تعرضت للاغتصاب والاستغلال من رهبان البوذية.

الكاهن الأعظم يعترف

بعد تكثيف صحف غربية النشر حول فضائح الرهبان البوذيين وتصرفات "الدالاي لما" الشاذة، اعترف الكاهن الأعظم أنه يعلم بوقوع العديد من الجرائم الجنسية من قبل الكهنة البوذيين بحق المؤمنين بالبوذية.

خلال زيارة لهولندا يوم 19 سبتمبر/ أيلول 2018 قال إنه "علم بوقوع اعتداءات جنسية من قبل المعلمين البوذيين منذ التسعينيات"، والتقى بضحايا انتهاكات جنسية ارتكبها المعلمون البوذيون، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

اعتراف الكاهن الأعظم جاء بعدما طلب العشرات من ضحايا انتهاكات الرهبان البوذيين الجنسية لهن، بلقائه في هولندا لشرح معاناتهن مع البوذية والرهبان، وأطلقن عريضة تحدد مطالبهن.

قالت الضحايا في العريضة: "وجدنا ملاذا في البوذية بعقل متفتح وقلب متفتح، حتى تعرضنا للاغتصاب باسمها".

ومع هذا اكتفى الدالاي لاما ردا على سؤال من التلفزيون الهولندي العمومي بقوله: "لقد علمت بالفعل هذه الأشياء، لا شيء جديدا، وأعتقد أن الزعماء الدينيين يجب أن ينتبهوا أكثر".

ما اضطر "الدالاي لما" للاعتراف أيضا بهذه الجرائم الجنسية التي قام بها الرهبان البوذيون مع أتباع الطائفة هو اعتراف مجموعة بوذية بالاعتداء الجنسي من قبل المعلمين البوذيين في 5 مارس/ آذار 2018، أي قبل خمسة أشهر من اعترافه بهذه الجرائم.

وكانت الراهبة البوذية الشهيرة "بيما تشودرون" قد أعلنت تقاعدها وهجرها البوذية عام 2020 وبررت ذلك بسوء السلوك الجنسي من جانب زعيم مجموعتها معها، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" في 17 يناير/كانون الثاني 2020.

وسبق أن قال الدالاي لاما لمذيعة بموقع "واشنطن إيجذامينر" في 28 يونيو/ حزيران 2019: "إذا كانت خليفتي امرأة فيجب أن تكون جذابة!"، ما أثار استياء أيضا وتساؤلات حول التلميح الجنسي في الكلام وأصدر مكتبه أيضا اعتذارا حينئذ.

نماذج من الاعترافات

وفي 12 فبراير/ شباط 2018، اعترفت جماعة بوذية تُسمي "شامبالا الدولية"، وهي إحدى أكبر المنظمات البوذية في الغرب، بارتكاب أساتذة ورهبان اعتداءات جنسية، وأعلنت أنها ستتخذ إجراءات عاجلة لمعالجة المشكلة.

قادة الجماعة، التي لديها أكثر من 200 مركز للتأمل في جميع أنحاء العالم، اعترفوا بـ "الفشل الكبير في كيفية التعامل مع السلوك الجنسي المقيت للرهبان".

قالوا إن حركة #MeToo (أنا أيضا) التي انتشرت في الغرب لفضح الانتهاكات الجنسية ضد النساء، شاركت فيها النساء بقصص عن تعرضهن لاعتداء وتحرش جنسيين قام بها رهبان بوذيون.

ونشر مجلس الرهبان (كالابا) رسالة مفتوحة على الإنترنت، اعترف فيها بأنه "كانت هناك حالات من الأذى الجنسي والعلاقات غير الملائمة بين المعلمين البوذيين والطلاب".

اعترف بأن الأعضاء المعتدى عليهن اشتكين من عدم الاستماع لهن ومعاملتهن كما لو أنهن يمثلن مشكلة عندما حاولن التقدم بشكوى رغم أنهن ظلمن".

وجاءت الرسالة بعد أن نشرت "أندريا وين"، وهي عضو نشط في مجتمع شامبالا في الولايات المتحدة، تقريرا لزيادة الوعي حول "العنف الجنسي".

قالت إنها تعرضت للإساءة الجنسية بنفسها، وتم التحقيق في الموضوع لمدة عام، لكن تم حجب الإعلان عن ذلك لفترة طويلة.

 

وقد ذكرت إحدى النساء (رفضت كشف هويتها) في الفيلم الوثائي إنها "تعرضت للإيذاء الجنسي من قبل عدة رجال بوذيين في مجتمع شامبالا ما أثر على حياتي على مدى عقود".

جاء في الفيلم أيضا أن "المعتدين من رجال بوذا على الأطفال، معروفون وينشطون بحرية في مجتمع شامبالا البوذي، وبعضهم من كبار معلمي تعاليم بوذا، وتُركوا العديد من الذين تعرضوا لسوء المعاملة دون أي إهتمام".

ضمن كشف جرائم الرهبان البوذيين، قالت سوزان نيوكومب، الباحثة في مؤسسة "إينفورم" الخيرية، ومقرها كلية لندن للاقتصاد، إن "العديد من الجماعات البوذية كانت تجري مناقشات حول الرضا والاختلالات الجنسية في ضوء حركة #MeToo".

وأضافت "نيوكومب" أن الجماعات الأخرى التي كانت تبحث في هذا تشمل طائفة "تريراتنا" البوذية، التي فضحها ​​أحد أتباعها السابقين وأكد أنه أُكره على ممارسة الجنس مع أحد كبار شيوخها الكهنة.

وتقول "إيمي باريس لانغنبرغ"، وهي أستاذة في الدراسات الدينية في كلية "إيكيرد" الأميركية، ومتخصصة في البوذية في جنوب آسيا، إن "البوذية لديها مشكلة في الأخلاق الجنسية"، وهو ما اعترف به الكاهن الأعظم عام 2018.

أكدت في دراسة نشرها موقع tricycle في 23 فبراير/شباط 2021، أنه بينما بدأت الجماعات البوذية في العالم تكشف تورطها في مشكلة الاعتداء الجنسي، لا يزال النكران هو ما يفعله الكثيرون ممن في مناصب السلطة الروحية البوذية.

قالت لانغنبرغ إن البوذية لم تحدد الجنس الأخلاقي بين البالغين، ولم تتضمن تعاليم بوذا أخلاقيات مناسبة للرد على حالات الاعتداء الجنسي.

وأضافت أن الرغبة الجنسية ليست متوافقة مع الأهداف العليا للمسار البوذي، لكن بعض أنواع البوذية، مثل "بوذية ماهايانا للكائنات المتقدمة روحيا"، تسمح باستخدام الجنس كأداة لتحقيق التنوير!

وذكرت أن مدونة الأخلاق للمدرسين البوذيين التي تركز على المبدأ الثالث للبوذية تشير إلى أن "العلاقة الجنسية ليست مناسبة أبدا بين المعلمين والطلاب"، وتتبنى سياسة عدم التسامح مطلقا مع العلاقات أو المغازلة بين المعلمين والطلاب أثناء الخلوات".

لكن الصيغ المبكرة لمبدأ توجيه البوذيين العاديين بعيدا عن ارتكاب الآثام الجنسية فشلت في معالجة الاعتداء أو الأذى الجنسي بحزم. 

وكشفت لانغنبرغ أن الصدمة التي يلحقها العنف الجنسي بالضحايا لم تكن مصدر قلق كبير للرهبان، وبعضهم يرى أنه طالما لم تصل للعلاقة الكاملة فلا ضرر منها أخلاقيا!

وخلصت إلى القول بـ"تشابه الفكر البوذي مع المسيحي في أنه يمكن اعتبار إجبار الراهبات على ممارسة الجنس مع الرهبان انتهاكا لقانون العزوبة لدى الرهبان فقط، لا الفعل نفسه".