محاكمة ضابط سني بتهمة قتل متظاهرين بالعراق.. ماذا عن زعماء المليشيات؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت محاكمة الضابط برتبة مقدّم في وزارة الداخلية العراقية، عمر نزار الجبوري، بالسجن المؤبد، على خلفية قتل متظاهرين، تساؤلات عدة عن مصير باقي المتهمين في قمع الاحتجاجات الشعبية عام 2019، والتي راح ضحيتها نحو 800 شخص وإصابة أكثر من 30 ألفا آخرين.

وفي 25 يونيو/حزيران 2023، أصدر القضاء حكمه بحق الضابط الجبوري، المتهم بارتكابه "مجزرة الزيتون" التي راح ضحيتها نحو 70 شخصا، في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوب العراق، بإصداره أمرا بإطلاق النار خلال الاحتجاجات الشعبية في 2019.

وأدت المجزرة في وقتها إلى إقالة الفريق جميل الشمري من رئاسة خلية الأزمة المُكلفة بمعالجة الأوضاع في المحافظات الجنوبية، واستقالة محافظ ذي قار عادل الدخيلي، وقائد الشرطة فيها محمد زيدان القريشي، لكن ذلك لم يسهم في تهدئة المتظاهرين.

"كبش فداء"

رغم أن الضابط الجبوري يحمل تاريخا إجراميا منذ المعارك ضد تنظيم الدولة الذي اجتاح العراق عام 2014 وسيطر على ثلث مساحته، بتهم تتعلق بقتل أبرياء واغتصاب نساء، فإن مراقبين عدوا محاكمته منفردا دون عن باقي قتلة المتظاهرين ليس سوى "كبش فداء" لهم.

اعتقاد المراقبين نابع من كون، عمر نزار الجبوري، هو الضابط السني الوحيد من بين المتهمين بقتل المتظاهرين خلال مرحلة احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، والآخرين ينتمون إلى المذهب الشيعي الذي يدير الحكم في البلاد منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.

وقال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي إن "رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني يحاول كسب ود الشارع، وبالتالي لا بد من تقديم كبش فداء يفي من خلاله بوعد كان قد أطلقه حين تولى رئاسة الحكومة بمحاكمة قتلة المتظاهرين والناشطين".

ويعد هذا الحكم هو الثاني من نوعه في فترة حكم رئيس الوزراء الحالي، بعد حكم بالإعدام في 7 مايو/أيار 2023، الذي صدر بحق منتسب أمني أدين بعملية اغتيال الباحث العراقي البارز هشام الهاشمي.

وأضاف المهداوي لـ"الاستقلال" أن "رئيس الوزراء عندما تأخر في تنفيذ برنامجه الحكومي، وتوفير الخدمات، فإنه يتجه للمحاكمات كنوع من الإنجاز، وبذلك يصرف النظر عن الواقع المتردي، واستمرار تدهور سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي وغيرها من الملفات".

واستبعد الباحث أن يقترب السوداني من باقي المتهمين بقتل المتظاهرين، ومنهم: عبد العزيز المحمداوي المعروف بـ"أبو فدك" رئيس أركان الحشد الشعبي،  وحسين فالح مسؤول الأمن في "الحشد" الملقب بـ"أبو زينب اللامي"، والفريق جميل، شقيق وزير الداخلية الحالي عبدالأمير الشمري.

وأكد المهداوي أنه "لم يثبت بعد عام 2003 وحتى اليوم محاكمة ضابط شيعي كبير بتهم القتل، سوى قائد العمليات الأمنية في محافظة نينوى الفريق الركن مهدي الغراوي، الذي حكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص عام 2017، ثم أفرج عنه بشكل مفاجئ".

وفي أغسطس/آب 2020، أفرجت السلطات العراقي عن الغراوي الذي أدين بتهمة الخيانة العظمى بعد أن تسبب بسقوط المدينة في قبضة تنظيم الدولة.

وجاء ذلك بعد مدة حبس استمرت عامين، ولم يصدر أي توضيح في حينها عن تفاصيل الحكم وسبب الاكتفاء بسجنه هذه المدة فقط.

"ورقة محروقة"

وعن أبعاد محاكمة عمر نزار الجبوري، قال الناشط أسعد الحسني عبر "تويتر" في 26 يونيو 2023، إن "الأخير ورقة جرى إحراقها بسهولة لإسكات الشارع الشيعي من جرائم الدولة بحق ثوار تشرين لكونه سنيا بالرغم من أنه خدم المشروع الفارسي".

وتابع: "في حين هناك مجرمون من عصائب (أهل الحق) وكتائب (حزب الله) (مليشيات شيعية) يجري حمايتهم لأنهم رجال إيران، فلن يسمحوا بمحاكمتهم"، مؤكدا أن "قاتل هشام الهاشمي تم تهريبه إلى طهران".

من جهتها، تساءلت الناشطة العراقية، هبة النائب، عن الحكم الصادر بحق (الضابط) حيدر علي الملقب بـ"كوبرا" شريك عمر نزار الجبوري في الجرائم والاغتصابات والتهجير والإعدام الميداني في نينوى وديالى وتكريت (محافظات عراقية ذات غالبية سنية).

وأردفت هبة النائب عبر "تويتر" في 26 يونيو 2023، قائلة: "هل ستتم محاكمته هو، وجميل الشمري (قائد العمليات الأمنية في محافظة ذي قار عام 2019) أم يتم التغاضي عنه لأنه شيعي؟".

وعلى الصعيد ذاته، قال الناشط العراقي، أحمد ذياب خلال تغريدة على "تويتر" في 2 يوليو/تموز 2023، إنه "بعد القصاص من عمر نزار الجبوري، نطالب من عوائل الشهداء رفع دعوى أخرى ضد باقي الأسماء والمشاركين في الجريمة".

وأرفق ذياب تغريدته بوثيقة تضم أسماء 20 ضابطا قال إنهم متورطون في قتل المتظاهرين بمدينة الناصرية في محافظة ذي قار جنوب العراق.

وفي المقابل، دافع مدير إعلام هيئة الحشد الشعبي، مهند العقابي عن الجبوري، والذي وصفه بأنه ضابط مغوار وشهم في فرقة الرد السريع البطلة في المعارك ضد تنظيم الدولة.

وتساءل العقابي خلال تغريدة على حسابه بموقع "تويتر" في 25 يونيو 2023 كيف يكون عمر نزار "سببا في جريمة كهذه تُنسب إليه زورا؟"، مضيفا: "ألتمس من القضاء العراقي بأن يعيد النظر في الاتهامات والاعترافات الكيدية المنسوبة إليه".

دعاية حكومية

وعلى صعيد آخر، قال الكاتب والصحفي العراقي رضا الشمري إن مطالبات منظمات حقوقية دولية بمحاسبة نزار هو الذي "حفز حكومة السوداني على تحريك هذا الملف قضائيا"، مبينا أن اتجاه الحكومة لإدانته وسجنه ربما يؤشر لرغبتها في "المغازلة أو الانصياع لشروط معينة لتعزيز موقفها أمام المجتمع الدولي".

وأوضح الشمري في حديث لصحيفة "إندبندنت عربية" في 27 يونيو 2023، أن "ملف ضحايا التظاهرات بات غير فعال شعبيا، إذ لم تفكر أي من الحكومات في أوج الأزمة بإغلاقه أو اتخاذ إجراءات حازمة في هذا الشأن".

ورجّح الكاتب العراقي أن تكون غاية السوداني "استخدام الملف والإدانات للشخصيات الهامشية، كإنجاز لحكومته التي طالما روجت لنفسها بأنها حكومة إنجازات من دون سجل حقيقي يدعم هذه الدعاية".

واستبعد أن تقدم الجهات المعنية بملف ضحايا الاحتجاجات على "أي ملاحقات جادة لمخططي ومصدري أوامر القتل"، مشيرا إلى أن "الالتفاف على القانون وتبرئة نزار أو غيره أو العفو عنهم أقرب من إمكان الإقدام على خطوات أكبر".

وأكد الشمري أن "هناك شواهد عدة على الالتفاف على الأحكام بعد تسجيل مكاسب سياسية، إذ ألغيت الأحكام ضد مدانين بقتل المتظاهرين بعد صدورها والانتفاع منها في الدعاية، كما تم العفو عن تجار مخدرات بأوامر رئاسية فقط بسبب صلاتهم بمسؤولين ثانويين".

وعلى النسق ذاته، قالت منظمة "إنهاء الإفلات من العقاب" العراقية خلال بيان لها في 26 يونيو 2023 إن "محاكمة عمر نزار كانت نتيجة للعمل الدؤوب والنضال الحثيث في سبيل إنصاف شهداء تشرين".

ووصفت المنظمة الحكم بأنه عدالة منقوصة، وأن "المجرم المدان عمر نزار لا يمثل حالة فردية، بل إنه تجسيد للقاتل بثياب رسمية وما جريمته إلا حلقة في مسلسل الجريمة المنظمة التي أصبحت حالة ملازمة للنظام السياسي الفاسد في العراق".

وكانت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، نشرت تقريرا مفصلا، في مايو 2017، يحتوي على لقطات مصورة من المصور العراقي علي أركادي الذي رافق مجموعة الضابط عمر نزار ضمن فرقة الطوارئ التابعة لوزارة الداخلية العراقية.

واشتملت المواد المصورة على عمليات قتل متعمد وتعذيب ومحاولات اغتصاب اقترفها جنود وضباط فرقة الطوارئ في مدينة الموصل.

وفي فبراير/شباط 2022 نشرت "هيومن رايتس ووتش" تقريرا مع انطلاق إجراءات محاكمة نزار، قالت فيه إن القضية "لا تقتصر أهميتها على كونها إحدى الحالات القليلة التي تلاحق فيها السلطات ضابطا أمنيا كبيرا لارتكاب جرائم ضد المدنيين، بل هي مهمة أيضاً لأن الحكومات السابقة تقاعست عن التحرك".

وكانت قوات الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية، قالت حينها إن التحقيقات أثبتت عدم تورط نزار بتلك الأفعال.

ورغم المطالبات الدولية بفتح تحقيق بقضية نزار، لكنه ظهر إلى الواجهة مرة أخرى كقائد لإحدى مجموعات قوات الرد السريع المكلفة بالتعامل مع التظاهرات في مدينة الناصرية، وهي القوة التي أظهرتها المقاطع المصورة وهي تطلق النار على المحتجين في ما عرف بـ"مجزرة الزيتون" عام 2019.