أشبه بالمستعربين الإسرائيليين.. عباس يطلق مسلحين بلباس مدني لتنفيذ اعتقالات في الضفة

12

طباعة

مشاركة

ملثمون ومسلحون، يأتون في الليل بسيارات مدنية، يضربون ويختطفون طلبة جامعيين وناشطين ثم يقتادونهم لسجون السلطة الفلسطينية.

هذه الصورة التي تشبه ممارسات قوات المستعربين الإسرائيلية ذات الملامح والملابس العربية التي تقتحم المدن الفلسطينية لتنفيذ اغتيالات مباغتة، تتكرر كثيرا في الآونة الأخيرة.

وانتشر المستعربون أخيرا بكثرة، مع تصدر الكتلة الإسلامية، الذراع الطلابية لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في انتخابات مجالس الطلبة في أكبر جامعات الضفة الغربية.

مستعربون أم سلطة؟

ويعتمد جهاز المخابرات الفلسطينية على عناصر أمنية بلباس وسيارات مدنية، ويتركز نشاطهم ضد حركة حماس وتشكيلات المقاومة في الضفة المحتلة.

ينشطون في مناطق الضفة الغربية المصنفة (أ – ب)، وهي ذات نفوذ للسلطة حسب اتفاقية أوسلو لعام 1993.

في حين ينسقون مع قوات الاحتلال عندما ينفذون مهام ضد الناشطين في المناطق (ج)، وهي مناطق السيطرة الإسرائيلية الكاملة وتشكل 60 بالمئة من الضفة.

وسبق للسلطة أن نسقت مع الاحتلال للدخول لمنطقة (ج) من محافظة الخليل لقتل الناشط نزار بنات، 24 يونيو/حزيران 2021، من خلال قوة مشتركة من المخابرات والأمن الوقائي.   

واعتقلت قوة من المخابرات الفلسطينية،  في 18 يونيو 2023، الطالب ورئيس مجلس طلبة جامعة بيرزيت عبد المجيد حسن.

وأظهرت مقاطع فيديو، نشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي، لحظة اعتقال حسن من أمام منزله في مدينة رام الله بعد الاعتداء عليه بالهراوات وغاز الفلفل من قبل عناصر من الأجهزة الأمنية بلباس مدني. 

وقال والد عبد المجيد في تصريحات له، إن الأجهزة الأمنية اختطفت نجله عبد المجيد من أمام المنزل بعدما نصبت كمينا له.

وأوضح أن عملية اختطاف عبد المجيد مدبرة ومخطط لها مسبقا، و"هي جريمة لا يتكفلها قانون".

وذكر أن الأجهزة الأمنية "تعاقب الطلبة على إثر نجاح الانتخابات في جامعة بيرزيت للتأثير على المشهد داخل الجامعة، وحذر من تعرض نجله لتعذيب شديد قد يؤدي إلى استشهاده.

وأدانت جامعة بيرزيت 18 يونيو 2023،  ما أسمته "الاعتقال العنيف" للطالب عبد المجيد حسن من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية من أمام منزله.

وطالبت السلطة بإطلاق سراحه فورا ووقف الاستدعاءات التي تستهدف طلبة الجامعة بطريقة غير قانونية، ودعت للإفراج عن جميع الطلبة المعتقلين على خلفية سياسية.

وبدأت أجهزة السلطة حملتها منذ فوز الكتلة الإسلامية بالانتخابات الطلابية في جامعة النجاح 16 مايو/أيار 2023، واشتدت بعد فوزها في جامعة بيرزيت بالخامس والعشرين من ذات الشهر.

وشملت الحملة اعتقال عشرات الطلاب من رام الله ونابلس وجنين وطولكرم وغيرها من المدن، وسط تنديد واسع في الشارع الفلسطيني.

وبدوره، قال الطالب الناشط في الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح يحيى (21 عاما)، والذي رفض ذكر اسمه كاملا خوفا من الملاحقة الأمنية، إن السلطة جن جنونها بعد نتائج الانتخابات الأخيرة في جامعات الضفة الغربية، وبدأت حملات قمع ضدهم في المناطق كافة واعتقلت وعذبت عددا كبيرا منهم.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "سجنت في سجون السلطة مرتين على خلفية نشاطي الطلابي، وكانت تجربة صعبة، حيث تبدأ الإهانات والضرب فور دخولك مركز الاعتقال، ويبدأ التعذيب مع التحقيق عن باقي الناشطين، وينتهي الاعتقال بتهديد ووعيد".

وأوضح الشاب الجامعي أنه مع كل انتخابات أصبح يقيم خارج منزله لأنه يعلم أنه سيجري مداهمته واعتقاله.

وبعد فوز الكتلة في جامعة النجاح أتت قوة من جهاز المخابرات لاعتقاله وعندما لم يجدوه تعهدوا لوالدته بأن يجري سجنه في "مسلخ أريحا" أسوأ سجون السلطة من حيث التعذيب.

كما سجن شقيقه الأكبر لمدة 84 يوما هناك بتهمة الانتماء لحركة المقاومة الإسلامية حماس.

وتابع "تساند الأجهزة الأمنية كوادر الشبيبة الإطار الطلابي لحركة (التحرير الوطني) فتح، وهناك تنسيق لحظي بينهم".

وأردف: "مع كل نشاط طلابي، لا نتفاجأ عندما نرى أحد أعضاء الشبيبة يصور وجوهنا ونحن نعلم أن هذه الصور ستذهب للأجهزة (الأمنية) لاعتقالنا، بل ويكون مسؤول هذا الإطار الطلابي ضابطا في جهاز أمني".

وكشف يحيى أن الأجهزة المكلفة بمتابعة ملف الكتلة الإسلامية هي الأمن الوقائي والمخابرات وفي بعض الأحيان تشارك الشرطة، وتتعامل معها على أنها تنظيم محظور وأي نشاط لها مخالفة قانونية.

وأكد الطالب الجامعي أن السلطة تستخدم شتى وسائل الترهيب أمام الطلبة المنتمين للكتلة الإسلامية، كالحرمان من المنح ومنعهم من الوظائف الحكومية بعد التخرج، وكذلك الضغط على ذويهم للابتعاد عن هذا الإطار الطلابي.

وأضاف "جرى إبلاغ عمي الموظف في وزارة التربية والتعليم بأن نشاطي في الكتلة الإسلامية سيؤثر على عمله – رغم أنه غير منتمٍ لأي فصيل-  وأنه يجب عليه أن يمنعني من الاستمرار في هذا النشاط النقابي".

تعليمات إسرائيلية

وتتزامن الحملة الأمنية ضد الكتلة الإسلامية في الوقت الذي يشن فيه قطعان المستوطنون هجمات دموية على قرى الضفة الغربية، في حين لم ترسل السلطة أي عنصر أمن لحماية القرى.

وخلال زيارة رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية لإحدى القرى قرب رام الله، حمل أحد السكان المسؤولية لحكومته وأجهزتها الأمنية قائلا: "يا بتحمونا أو بتسلحونا، عندكم 70 ألف عسكري شو بعملوا!".

ويتخوف الاحتلال من ظاهرة تزايد التأييد الشعبي لحركة حماس وأطرها الطلابية والنقابية في الضفة الغربية.

وأرسل خلال عام 2022، رسائل على هواتف آباء طلبة جامعة بيرزيت يهددهم فيها من انتخاب ممثلي حماس في الجامعة أو المشاركة في أنشطتهم وأنها تعد جريمة.

ويشن الاحتلال بشكل شبه يومي اعتقالات بحق أعضاء الكتلة الإسلامية، وسبق أن اعتقل المتحدث باسمها معتصم زلوم، عام 2022، وعددا من أعضائها قبيل الانتخابات، ووجه لهم تهم التحريض.

وفي 4 ديسمبر/كانون الأول 2019، نشر جيش الاحتلال فيديو لأنشطة الطلبة المحسوبين على الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت، واتهم حركة حماس بمحاولة تجنيدهم لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، متهما الجامعة بتنظيم فعاليات "تحريضية" وهي بذلك تسمح "بأنشطة إرهابية"، وفق تعبيره. 

وما عزز النظرة الإسرائيلية المتخوفة من الكتلة الإسلامية، هو تنفيذ اثنين من ناشطيها، الشهيدين مهند شحادة وخالد صباح، عملية فدائية في 20 يونيو 2023، قرب بلدة حوارة، جنوب نابلس، شمال الضفة، راح ضحيتها 4 مستوطنين وجرح 4 آخرين.

وأعلنت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، أن العملية أتت ردا على مجزرة جنين التي وقعت قبل العملية بيومين، وراح ضحيتها 7 فلسطينيين.  

ومن جانبه، قال القيادي في الكتلة الإسلامية والرئيس السابق لمجلس طلاب الجامعة الإسلامية في غزة، عز الدين العايدي، إن سلطات الاحتلال والسلطة يشعرون بخطر من تصدرنا العمل الطلابي في حين تتهاوى الأطر الطلابية المنبثقة عن أوسلو والتنسيق الأمني. 

وأوضح في حديث لـ "الاستقلال" أن "وجود قوة لحماس وتنظيمها بالضفة الغريبة، ينعكس على الاحتلال بتعاظم العمل المقاوم، وشهدنا خلال العامين الماضيين سلسلة عمليات لكتائب القسام كان منفذوها من أبناء الكتلة الإسلامية".

وأردف: "كان آخرهم الشهيد مهند شحادة أحد أبناء الكتلة في جامعة النجاح والشهيد القسامي خالد صباح".

وتابع "اعتدنا على بطش وسلطوية السلطة في عموم الأوقات وخاصة بعد فوز الكتلة الإسلامية في أي انتخابات، فالعلاقة بين الحملة ونتائج الانتخابات وثيقة".

وأوضح أن الأجهزة الأمنية تحاول أن ترسخ للطالب صورة ذهنية مفادها أن فوز الكتلة الإسلامية بالانتخابات يعني حالة من عدم الاستقرار بالجامعة، من خلال القمع والاعتقالات السياسية التي تنفذها السلطة، وما ينتج عنها من اعتصامات وإضرابات مستمرة داخل الحرم الجامعي.

وأكد العايدي أن الاحتلال شريك في حملات السلطة وهذا بسبب معرفته أن وجود عمل طلابي حمساوي مُنَظَّم يعني أن هناك بيئة خصبة للعمل المقاوم والذي يصل إلى حد العمل العسكري المُنَظَّم، ولهم علاقة تاريخية في هذا الشأن.

وأضاف "يتعرض ناشطو الكتلة للمطاردة والملاحقة وتضييق الحركة في التنقل بين المدن والحواجز وكذلك الخطف والاعتقال سواء من السلطة أو الاحتلال أو على طريقة الباب الدوار (تبادل الاعتقال بين الطرفين)".

وشدد على أنه يجري أيضا "الحرمان من الوظائف أو حتى شهادة حسن السير والسلوك التي تحرمه من الكثير من الفرص عدا عن المنع من السفر".

وبدوره، قال رئيس الكتلة الإسلامية في فلسطين محمد فروانة إن هذا الإطار الطلابي بات يشكل حالة ثورية شبابية ترسم خارطة طريق للشباب الفلسطيني في الجامعات، وهو ما يؤرق الأطراف كافة التي تسعى لتخدير الطاقات الشبابية في مواجهة الاحتلال.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "بات هذا أكثر وضوحا مع حالة التقدم للكتلة في الانتخابات، وهو ما عكس التفافا طلابيا وشبابيا حول خيارات الكتلة الإسلامية، وزرع جدارتها في نفوس الطلاب".

وأوضح فروانة أن دور السلطة والاحتلال تكاملي في منع الحالة الشبابية المقاومة (في الضفة الغربية) ويعلمان دور الكتلة الإسلامية فيها.

ولذلك يتبادل الأدوار مع الأجهزة الأمنية في ملاحقة كوادر وناشطي الكتلة ومنع أنشطتها ومصادرة مقتنياتها، وتهديد الناشطين وذويهم ومنعهم من إكمال مسيرتهم التعليمية.