تمنح الجزائريين أفضلية.. لماذا تطالب فرنسا بإلغاء اتفاقية 1968 للهجرة؟

12

طباعة

مشاركة

تشهد الساحة السياسية في فرنسا حراكا غير مسبوق مع تزايد المطالبين بمراجعة اتفاقية الهجرة الموقعة مع الجزائر في 27 ديسمبر/كانون الأول 1968.

وتأتي المطالبة بمراجعة الاتفاقية بحجة أنها "تقوض جهود الحد من الهجرة"، بسبب ما تتضمنه من تسهيلات تمنح أفضلية للجزائريين للإقامة والعمل والدراسة.

وتنظم "اتفاقية 1968" دخول وإقامة وتوظيف الجزائريين في فرنسا، حيث يلقى الجزائريون –في بعض النقاط- معاملة تفضيلية مقارنة بالأجانب الآخرين، كما تمنح لهم الحرية في تأسيس الشركات أو ممارسة مهنة حرة.

إدوارد فيليب رئيس الوزراء الفرنسي السابق في الولاية الأولى للرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، أكد في مقابلة مع مجلة "ليكسبريس" الفرنسية الأسبوعية، ضرورة إعادة النظر في "اتفاقية الهجرة" مع الجزائر التي يعود عمرها إلى 55 عاما.

وفي 5 يونيو/حزيران 2023، قال فيليب، إن هذه الاتفاقية "تحدد بشكل كامل القانون المطبق على دخول وإقامة الرعايا الجزائريين، بشروط أفضل بكثير من النظام المعمول به، وهي ميزة كبيرة لا يتمتع بها أي مواطن من دولة أخرى".

وشدد على أن هناك، بالطبع، علاقات تاريخية قوية للغاية بين فرنسا والجزائر، مستدركا: لكن الحفاظ على مثل هذا النظام اليوم مع بلد لدى باريس علاقات معقدة معه لم يعد مبررا.

وعبّر عن دعمه الشديد للمقترحات التي قدمها وزيرا الداخلية والعمل في الحكومة الحالية جيرار دارمانان وأوليفييه دوسوبت في مشروع قانون بشأن الهجرة، معتقدا أنه "ضروري، وإن كان غير كافٍ".

وأبدى فيليب، تأييده للمبدأ الذي اقترحه وزير العمل الفرنسي، والمتمثل في السماح للأشخاص بممارسة الأنشطة المهنية في القطاعات التي تتطلب فيها المصلحة الوطنية القدرة على الاستمرار في القيام بذلك.

 

وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، كشف وزيرا الداخلية والعمل في مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، عن الخطوط العريضة لمشروع قانون بشأن الهجرة.

يتضمن المشروع الجديد قرارا يسمح بمنح تصريح إقامة خاص لـ"المهن المطلوبة" لتسوية وضعية المهاجرين غير النظاميين الموجودين على الأراضي الفرنسية العاملين في القطاعات التي تعاني نقصا في اليد العاملة. 

أزمة دبلوماسية

وإضافة لموقف رئيس الوزراء السابق بشأن ضرورة مراجعة اتفاقية الهجرة الموقعة مع الجزائر سنة 1968، سبق أن انتقد السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر كزافييه درينكور، هذه الاتفاقية.

وفي 24 مايو/أيار 2023، رأى  درينكور، في مقابلة مع مجلة "لو بوان" الفرنسية، أن هذه الاتفاقية لا تفي باحتياجات بلاده، مطالبا بإعادة النظر فيها "حتى لو أدى هذا إلى أزمة دبلوماسية".

وأشار إلى أن بنود الاتفاقية لها تكلفة "باهظة" على فرنسا، مضيفا أنها وضعت المهاجرين الجزائريين في خانة مميزة مقارنة بنظرائهم من جنسيات أخرى، "وكأن قوانين الهجرة لا تنطبق عليهم".

بدوره، طالب رئيس حزب الجمهوريين اليميني إيريك سيوتي، بمراجعة الاتفاقية، مبررا ذلك برفض القنصليات الجزائرية إصدار تصاريح سفر لمواطنيها المرفوضين على الأراضي الفرنسية.

 

وفي 27 مايو 2023، أعرب سيوتي، خلال حلقة تلفزيونية على قناة "سي 8" الفرنسية عن استغرابه من "منح امتيازات للجزائريين الذين يقومون بشتمنا كل يوم"، على حد قوله.

ومع تكرار محاولات توجيه الرأي العام إلى مطلب مراجعة اتفاقية 1968، سرعان ما تحول هذا الموضوع إلى قضية رأي عام بعد أن انضم برلمانيون وأحزاب يمينية إلى النقاش. 

رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي (الغرفة الثانية للبرلمان) جيرار لارشي، أكد في حوار لإذاعة "فرانس أنتر"، على ضرورة إعادة النظر في هذه الاتفاقية التي تنظم دخول وإقامة وتوظيف الجزائريين بفرنسا.

 

وفي 7 يونيو 2023، رأى لارشي، أن "الظروف تغيرت" بعد 55 عاما من توقيع هذه الاتفاقية، التي تنظم دخول وإقامة وتوظيف الجزائريين في فرنسا، وأنه حان الوقت لإعادة النظر فيها.

وفي تعليقه على دعوة رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب لمراجعة هذه الاتفاقية، عبّر لارشي، عن أسفه لعدم تجسيده لهذه الدعوة حينما كان رئيسا للوزراء.

بدورها، تستعد الكتلة البرلمانية لحزب "الجمهوريين" (يمين وسط)، وفق تقارير إعلامية، للتقدم إلى الجمعية العامة (الغرفة الأولى للبرلمان) بمقترح قانون لإلغاء اتفاقية 1968، على اعتبار أن مزايا الاتفاقية صارت "محل استغلال" رغم تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والدواعي السياسية التي أفرزتها.

مضمون انتخابي

ومقابل المطالب والدعوات الفرنسية لمراجعة أو إلغاء اتفاقية الهجرة بين الجزائر وفرنسا لسنة 1968، يرى خبراء وإعلاميون جزائريون أن هذه الضجة عبارة عن "تسخينات انتخابية" لاستمالة الناخبين الفرنسيين.

مدير الهجرة السابق بوزارة الداخلية الجزائرية والخبير في شؤون الهجرة حسان قاسيمي، رأى أن خلفيات الحملة الفرنسية المغرضة ضد اتفاقية الهجرة لسنة 1968 بين البلدين، لها "مضمون انتخابي خالص".

وفي 16 يونيو 2023، أوضح قاسيمي، في تصريح لوكالة "الأناضول" التركية، أن فرنسا تواجه أزمة اقتصادية وسياسية خانقة، مشددا على أن الدولة التي تحكم هذا البلد الأوروبي حاليا ضعيفة وغير قادرة على الإمساك بزمام الأمور في البلاد.

وأوضح أن اتفاقية 1968 منبثقة عن اتفاقيات إيفيان (مفاوضات أفضت إلى استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962)، وهي معاهدة صادق عليها البرلمان الفرنسي وغير قابلة للمراجعة.

وخلص قاسيمي، إلى أن هذه التطورات توضح جليا أن العلاقات بين البلدين لا تزال في مرحلة متأزمة، تتسم بجو مشحون وحملات ضد الجزائر، ربما ستكون من الأسباب الرئيسة التي ستمنع تنقل رئيس الجمهورية في زيارة إلى باريس. 

وجرى تأجيل زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس التي كانت مقررة في مايو 2023 إلى النصف الثاني من يونيو 2023، لكن يبدو أن هناك أزمات صامتة بين البلدين ستؤجل هذه الزيارة مرة أخرى إلى ما بعد الصيف.

من جهته، أكد الصحفي والمعارض الجزائري وليد كبير، أن إثارة موضوع مراجعة أو إلغاء اتفاقية 1968 يأتي في سياق وجود بوادر أزمة بين الجزائر وفرنسا خاصة أن تبون لم يزر باريس مثلما كان مقررا في يونيو 2023.

وأضاف كبير، في حديث لـ"الاستقلال"، أن مطالب مراجعة الاتفاقية أو إلغائها محاولة من بعض السياسيين خاصة من اليمين الفرنسي لاستعمالها كورقة لاستمالة الناخبين.

ولفت إلى أن اتفاقية الهجرة التي جرى توقيعها بين الجزائر وفرنسا جاءت بعد 6 سنوات من اتفاقية "إيفيان" لملء فراغ قانوني باعتبار أن فرنسا كانت تعد الجزائر ملحقة إدارية تابعة لها وليس بلدا مستعمَرا.

سحابة صيف

وتعد اتفاقية 27 ديسمبر 1968، استمرارية لمعاهدة "إيفيان" التي انتهت باستقلال الجزائر في 1962، وتهتم بالعمال الجزائريين في فرنسا والذين استعانت بهم بكثافة بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) لتعويض نقص اليد العاملة لديها.

وأشار كبير، إلى أن النظام الحاكم بالجزائر يرفض مراجعة هذه الاتفاقية أو إلغاءها لأنها تعد تعويضا عن المآسي التي عاشها الجزائريون خلال الفترة الاستعمارية. 

وسجل أن اتفاقية 1968 تعد معاهدة دولية أي أنها أسمى من التشريعات الوطنية الفرنسية، مبينا أن تعديلها يلزمه تفاوض بين الجزائر وفرنسا.

وبعد أن رأى كبير، أن من حق الفرنسيين المطالبة بمراجعة هذه الاتفاقية، نبه إلى أن ذلك قد يسبب اضطرابات بفرنسا.

وتابع أن الجالية الجزائرية تعد بالملايين بفرنسا، مضيفا أن أي مس بهذه الاتفاقية قد يعمق من الخلاف بين البلدين ويدفع إلى اضطرابات داخلية. 

ويرى كبير، أن اتفاقيتي 1968 وإيفيان تؤطران العلاقات بين الجزائر وفرنسا والمس بهما قد يحدث تغييرات جوهرية. 

وأمام مطالب مراجعة أو إلغاء الاتفاقية، يُطرح سؤال عن مدى تأثير هذه المطالب على العلاقات الحساسة بين باريس والجزائر، خاصة مع الحديث عن تأجيل زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لقصر الإليزيه والتي كانت مقررة في يونيو 2023.

الباحث في مجال الهجرة رشيد المدني، رأى أن العلاقات الجزائرية الفرنسية "صلبة" لا يمكن أن تؤثر فيها بعض التقديرات والدعوات أو إثارة "غبار ما" من قبل اليمين الفرنسي أو من غيره من التيارات السياسية.

وأضاف المدني، في حديث لـ"الاستقلال"، أن ما يجمع الجزائر بفرنسا أقوى من ذلك وتتضمن أمورا دخلت في إطار المبادئ التي شُيدت عليها العلاقات بين البلدين.

وأكد أن إثارة موضوع اتفاقية 1968 يأتي "من باب الضغط أو من أجل كسب سياسي معين" لجهة معينة قد تكون من الأغلبية الحكومية أو من المعارضة، وهي "سحابة صيف عابرة".

وأوضح أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تاريخية على اعتبار أن الجزائر كانت تسمى فرنسا الثانية لطول مدة الاستعمار، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن نتحدث عن سياسية خارجية لا تستحضر العلاقات التاريخية التي نُسجت لمدة طويلة من الزمن.  

وذكر المدني، أن الجالية الجزائرية بفرنسا تشكل قوة كبيرة على المستوى الانتخابي، مسجلا أن هناك معطيات سياسية واجتماعية تفرض مستوى معينا من العلاقات والتعاون وتفرض أيضا تجاوز تداعيات إثارة بعض القضايا الخلافية بين البلدين. 

وأشار إلى أن الوضع الاجتماعي في فرنسا لا يسمح بإثارة قضايا جديدة قد تزيد من إرباك وضعها السياسي الشديد الحساسية على المستوى الاقتصادي.