هربوا من الأسد وصاروا طعاما للحيتان.. مأساة قارب اليونان تزيد أوجاع السوريين
سلط حادث غرق مركب يقل مهاجرين قبالة السواحل اليونانية بينهم عشرات السوريين، الضوء على التسهيلات التي تسمح لهؤلاء بالخروج من بلدهم إلى ليبيا التي كانت نقطة انطلاق الرحلة المأساوية التي غرقت في 14 يونيو/ حزيران 2023.
وانطلق قارب الصيد المنكوب من طبرق الليبية متوجها إلى إيطاليا، وعلى متنه أكثر من 700 شخص، بحسب منظمة "هاتف الإنذار/ ألارم فون" الحقوقية، وهم سوريون وفلسطينيون ومصريون وباكستانيون وغيرهم، قبل أن ينقلب مركبهم قبالة شبه جزيرة بيلوبونيز اليونانية.
رحلة الموت
وعلى الفور انتشل خفر السواحل اليونانيون 79 جثة من البحر بينهم نساء وأطفال، فيما تتضاءل آمال العثور على ناجين مع استمرار عمليات البحث بسبب عمق المياه في منطقة الغرق والتي تصل إلى 5 كيلومترات.
كما جرى إنقاذ نحو 104 أشخاص، ووفق خفر السواحل اليوناني، فإن الناجين جميعهم رجال، وهم 49 من سوريا بينهم فلسطينيون سوريون، و43 من مصر و12 من باكستان، رغم أنهم لم يكونوا يرتدون سترات نجاة.
وبحسب وسائل إعلام سورية محلية فإن نحو 300 سوري كانوا على متن القارب المتهالك والبالغ طوله بين 20 إلى 30 مترا، ويقال بأنه أبحر فارغا من مصر إلى ليبيا.
وباتت ليبيا راهنا منصة لرحلات الهجرة السرية عبر سواحها والتي عادة ما تنطلق من بنغازي وطبرق ودرنة ومدن برقة الأخرى، رغم اعتراض خفر السواحل الليبي للقوارب المنطلقة.
وكان قد حذر موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي، مما وصفها بـ"قنبلة الهجرة الليبية" التي تهدد بلاده، في إشارة إلى مخاوف من موجات هجرة بالآلاف انطلاقا من السواحل الليبية نحو الجنوب.
وبين الموقع في تقرير نشره في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أن المتاجرين بالبشر يستطيعون تنفيذ أنشطة غير قانونية، وفي بعض الأحيان ينتحلون صفة خفر السواحل.
ومن بين الركاب السوريين أيضا، 35 شخصا من مدينة عين العرب بريف حلب، إحدى أبرز المدن الواقعة تحت سيطرة "الإدارة الذاتية" الكردية، وفق ما قال شقيق أحد الناجين لوكالة فرانس برس، والذي أشار إلى نجاة خمسة منهم حتى الآن فقط.
ومن اليونان، ينتظر رجل ينحدر من درعا خبرا عن شقيقه (21 عاما) بعدما أطمأن أن شقيقه الآخر (26 عاما) نجا من الغرق. وقال لوكالة فرانس برس، إن شقيقيه توجها إلى درعا من دولة خليجية بعدما تواصلا مع "سمسار" تكفل بكافة الوثائق الضرورية لوصولهم إلى ليبيا.
وأضاف نقلا عن شقيقه الناجي، طالبا عدم الكشف عن اسمه، "قال لي أخي إنهم طلبوا النجدة، وقد أتت سفينة ربطت المركب بحبل لكن عملية جره تمت بشكل خاطئ فانقلب".
وفي السياق نقل "تلفزيون سوريا" المعارض، عن مصدر تحدث إلى الناجين، أن المركب توقف في المياه الإقليمية بين اليونان وإيطاليا ومالطة لمدة يومين.
وأضاف أن سفينة لخفر السواحل الإيطالي كانت على مقربة من المركب وسفينة أخرى لمالطا، لكن من زودهم بالمياه هي ناقلة نفط كانت تبحر بقربهم.
وفي اليوم الثاني زودهم خفر السواحل المالطي بماء وطعام وتسبب تجمع المهاجرين على جانب واحد من المركب بميلانه وكاد يغرق، وفي نهاية اليوم اقتربت منهم سفينة عسكرية يونانية أقنعهم طاقمها بتشغيل محرك المركب واللحاق بهم إلى السواحل اليونانية.
وذكر المصدر أن "خلافا نشب بين المهاجرين على الوجهة التي يجب أن يبحر باتجاهها المركب.. اليونان أم إيطاليا؟! لأن هناك ناشطين من منظمات في إيطاليا يتواصلون معهم عبر الهاتف وأقنعوهم بأن الخفر الإيطالي سيأتي لإنقاذهم".
وبعد تحرك المركب خلف السفينة اليونانية لمسافة قصيرة تعطل، فرمى طاقم السفينة الحربية الصغيرة (بحسب ما وصفها الناجون) حبلا جرى ربطه بالمركب وجره بقوة ما تسبب بقلبه وغرق معظم من كان على متنه.
وأكد ناجون لوسائل إعلام دولية أن القارب المكتظ حينما تعطل غادر ستة أشخاص من الطاقم عبر قوارب مطاط وتركوا بقية الركاب خلفهم.
خيار السوريين
وتواجد الجزء الأكبر من أفراد الجنسية السورية والمنحدرين من محافظة درعا مهد الثورة المتفجرة عام 2011، على متن القارب الغارق يرجع لتقديم النظام السوري تسهيلات كبيرة لخروج هؤلاء نحو ليبيا.
إذ كان لافتا أن غالبية المتوفين والمفقودين والناجين هم من أبناء محافظة درعا جنوب سوريا.
A Syrian man found his brother among shipwreck survivors in Greece in a tearful reunion pic.twitter.com/GURWTsqIB7
— Reuters (@Reuters) June 16, 2023
ومنذ سيطرة نظام بشار الأسد على محافظة درعا التي تبعد عن العاصمة دمشق 120 كم بشكل شبه كامل أواخر أغسطس/آب 2021، بقيت المحافظة على صفيح ساخن، لعاملين أساسيين.
وهما رغبة أجهزة مخابرات الأسد للقضاء على أي صوت معارض هناك، ورفض الكثير من شباب درعا الدخول في تسويات أمنية طالت المقاتلين والناشطين بوساطة روسية.
كما فشل نظام الأسد منذ مطلع عام 2022 بحصر سلاح بعض مقاتلي المعارضة بدرعا تحت قبضته، في ظل وجود عمليات عسكرية ضد النظام السوري في درعا.
الأمر الذي ينسف معادلة "التسوية الصفرية" التي حاولت روسيا المسؤولة عن جنوب سوريا المحاذي لإسرائيل، تطبيقها من خلال إبرام التسوية الأولى والثانية مع فصائل المعارضة، وفق خبراء عسكريين.
وهذه المعادلة الأمنية مع وضع معيشي صعب وانتشار البطالة وقلة الدخل، دفع الكثير من أبناء درعا للتفكير بالهجرة.
اللافت أن نظام الأسد عمد إلى تسهيل خروج هؤلاء نحو ليبيا من خلال تسهيل استصدار جوازات سفر لشباب درعا بما في ذلك أصحاب التسويات الأمنية.
وأمام ذلك، بات خيار ليبيا للسوريين كمنصة للوصول إلى أوروبا أقل تكلفة مادية وأسهل من ناحية المسافة.
ورغم ذلك فإن هناك من يغادر سوريا إلى لبنان ومنها إلى مصر ثم إلى ليبيا للبدء برحلة اللجوء.
لعبة الأسد
وفي هذا السياق، يوضح أيمن الحراكي وهو خال أحد ضحايا غرق المركب قبالة سواحل اليونان، لـ "الاستقلال" سبب أن أهالي درعا باتوا يختارون ليبيا كوجهة للوصول إلى أوروبا.
وقال إن خيار المرور عبر اليونان وتركيا بات يشكل صعوبة كبيرة وبحاجة للمرور بعدة دول قبل الوصول للوجهة النهائية، كألمانيا وهولندا، فضلا عن الخشية من فشل المحاولة وإلقاء القبض عليهم.
وأضاف: "كما أن فكرة الذهاب إلى بيلاروسيا من سوريا تحتاج لفيزا لشهور حتى تصدر وهي غير مضمونة أيضا فضلا عن صعوبة اجتياز الحدود الأوروبية بعد ذلك بسبب التشديد والرقابة من قوات الاتحاد الأوروبي".
واستدرك الحراكي قائلا: "بينما اختيار ليبيا يأتي من كون التكلفة المادية أقل والتي تتراوح بين 6 إلى 7 آلاف دولار أميركي تقريبا، والرحلة قصيرة جدا للوصول إلى إيطاليا عبر باخرة أو قارب".
ولفت الحراكي، إلى "أن تأشيرة ليبيا للسوري تصدر خلال يومين، حيث يحجز الشخص فورا في رحلة طيران ويخرج من درعا نحو مطار دمشق الدولي دون أي مشاكل أمنية أو عوائق".
من جهته، ربط الناشط الميداني إبراهيم المحمد بين تسارع موجة السفر إلى ليبيا بغية الوصول إلى أوروبا من قبل شباب درعا، بتسهيلات النظام السوري لخروج هؤلاء "بهدف إفراغ المحافظة من الشباب بشكل ممنهج".
وقال لـ"الاستقلال"، إن "النظام فشل في لي ذراع المقاتلين السابقين الرافضين للتسويات الأمنية، ولذلك هو يستفيد من خروج الشباب من درعا خاصة من قرى التسويات التي ما تزال تشكل هاجسا أمنيا له".
ولفت المحمد إلى أن "محافظة درعا فيها ترويج بشكل كبير للمخدرات حاليا من قبل أجهزة مخابرات الأسد لإفساد الشباب وتشويه صورة المحافظة التي تعد مهد الثورة".
وذهب للقول: "نظام الأسد هو المستفيد الأول من إفراغ درعا من شبابها بالتعاون مع إيران عبر تسهيل منح وثيقة التأجيل عن الخدمة الإلزامية للشباب المتخلفين عن تأديتها عقب الثورة، ورفع الملاحقة الأمنية للشخص المطلوب من قبل أفرع الأمن مقابل مادي لتسهيل سفره للخارج".
وحملت "هيئة التفاوض" السورية المعارضة، نظام الأسد المسؤولية غرق عشرات الشبان السوريين حسبما قال رئيس الهيئة، بدر جاموس، في بيان له نشر بتاريخ 17 يونيو/ حزيران 2023.
وقال جاموس إن "هؤلاء الشباب هاجروا من سوريا بحثا عن حياة آمنة وكريمة، هربا من الخدمة الإلزامية بجيش النظام السوري ومشاركتهم بقتل السوريين"، مطالبا بـ "التحقيق ومحاسبة المتورطين بهذه الجريمة وكل من يتاجر بالبشر".
وأشار جاموس إلى أن "إنهاء حالات الهجرة واللجوء يكون من خلال وجود حل سياسي وبيئة آمنة واستقرار داخلي يدفع السوري للاستقرار في بيته ووطنه".
مأساة مزدوجة
وأوقف في اليونان تسعة أشخاص يحملون الجنسية المصرية ويشتبه بأنهم مهربون بينهم قبطان المركب، بعد غرق مركب المهاجرين قبالة السواحل اليونانية.
وذكرت وكالة الأنباء اليونانية، أن الأشخاص أوقِفوا في كالاماتا، ميناء شبه جزيرة بيلوبونيز الذي نقل إليه الناجون، ويشتبه بأنهم مارسوا "التهريب غير القانوني" للبشر.
وأمرت المحكمة العليا اليونانية بإجراء تحقيق لتحديد أسباب المأساة، علما أن منظمات غير حكومية ووسائل إعلام دولية تتهم منذ سنوات أثينا بإبعاد المهاجرين الذين يطلبون اللجوء في الاتحاد الأوروبي.
كما أعلنت اليونان الحداد ثلاثة أيام بعد المأساة التي وقعت قبيل الانتخابات التشريعية في 25 يونيو/ حزيران 2023.
لكن عددا من الصحف لم تخف غضبها من هذه المأساة الجديدة. وكتبت صحيفة "إفسين" ذات الخط اليساري الوسطي على صدر صفحتها كلمة "عار" بست لغات.
وفي أثينا وتيسالونيكي، ثاني مدن اليونان، تظاهر نحو خمسة آلاف شخص، وفق الشرطة رافعين شعارات مثل "الحكومة والاتحاد الأوروبي يقتلان" و"لا لأوروبا قلعة محصنة. تضامن مع اللاجئين".
وكانت عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتاريخ 12 يونيو 2023، عن قلقها إزاء "الاعتقال التعسفي" لآلاف المهاجرين وطالبي اللجوء داعية إلى وقف هذه الإجراءات ومعاملة المهاجرين بـ"كرامة" و"إنسانية".
ويحتجز العديد من هؤلاء المهاجرين، بينهم نساء حوامل وأطفال، في ظروف مكتظة وغير صحية. فيما يتعرض آلاف آخرون بشكل جماعي، بمن فيهم مهاجرون دخلوا ليبيا قانونيا، للطرد بدون تدقيق أو اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، وفقا للبعثة الأممية.
وكان موقع "مهاجر نيوز" نقل عن مهاجرين سوريين خرجوا من مركز احتجاز "المايا"، غربي العاصمة الليبية طرابلس، تحدثوا عن فظاعات ارتكبت بحقهم وبحق آخرين.
المهاجرون أكدوا للموقع في 16 يناير/ كانون الثاني 2022، وجود أطفال في المركز، كما شهدوا على عدة وفيات هناك، منها ما هو مرتبط بسوء التغذية أو إطلاق النار أو الضرب.
ومفوضية اللاجئين تعلم بوجود ذلك المركز، لكنه لا يقع ضمن نطاق صلاحياتها كونه لا يدار من قبل جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وأكد المهاجرون وجود أطفال في مركز الاحتجاز، وهو عبارة عن سجن أو مركز احتجاز جديد نسبيا، افتتحته السلطات الليبية لاحتجاز المهاجرين الذين تعترضهم في البحر، ويشرف عليه جهاز أمني يعرف باسم "جهاز دعم الاستقرار".
وبحسب بيان لمنظمة الدولية للهجرة نشر في 16 يونيو 2023، فإن ما يقرب من 3800 شخص لقوا حتفهم على طرق الهجرة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط في عام 2022، وهي أعلى حصيلة منذ 2017.