فتح الجروح.. لماذا ترفض سلطات الجزائر عودة "علي بلحاج" إلى النشاط السياسي؟

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على الجدل الذي أثير خلال الفترة الأخيرة في الجزائر، بعد نشر نائب رئيس الجبهة الإسلامية، علي بلحاج، مقاطع فيديو ينتقد فيها سياسات النظام القائم.

وقال الموقع بنسخته الفرنسية إنه "بعد أكثر من 20 عاما على انتهاء الحرب الأهلية، بدأ خطاب حاد يطفو على السطح في الجزائر، مما أدى إلى إحياء جراح عقد من العنف، وإجبار قائد الجيش الجزائري على إصدار تحذير علني للإسلاميين".

ففي 20 أبريل/ نيسان 2023، ألقى رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق السعيد شنقريحة، كلمة أمام عدد من الضباط المجتمعين في قاعة قيادة قوات الدفاع الجوي بالعاصمة.

واستخدم قائد الجيش نبرة حادة، وانتقى كلماته بعناية، حيث حذر بشكل قاطع ممن وصفهم بـ"الأصوليين والمتطرفين".

وأشار إلى "تسجيل عودة بعض الصور لنشاطات بعض الأصوليين، الذين يتبنون خطابا دينيا متطرفا يذكّرنا بسنوات التسعينيات"، وفق وصفه.

انتقادات علنية

وأكد شنقريحة أن "هؤلاء المتطرفين يجب أن يعلموا أن ذلك الزمن ولّى إلى غير رجعة، وأن مؤسسات الدولة الراسخة لن تسمح بأي حال من الأحوال بعودة هؤلاء المغامرين الذين كادوا أن يدفعوا بالبلاد للهاوية".

ووفق الموقع، فإن قائد الجيش لم يُشِر في خطابه إلى أي جهة محددة، ولكن حديثه عن تسعينيات القرن الماضي تذكرنا بالحرب التي نشبت بين الجيش وجماعات إسلامية مسلحة، وهذا لا يترك الكثير من الشك حول الخصوم المستهدفين.

وبخاصة أنه أشار إلى أن هذه "المشاريع التخريبية" تخرج الآن إلى العلن، "بعدما كانت تجري في السر وفي فضاءات مغلقة".

وحسب الموقع، فإن الحديث واضح للغاية أنه موجه إلى علي بلحاج، المؤسس المشارك للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهي "حزب إسلامي حلته المحاكم عام 1992".

وأوضح التقرير أن "الرجل الذي كان يحتل المرتبة الثانية في جبهة الإنقاذ الإسلامية، والذي يتابعه 185 ألف شخص على فيسبوك، يستمر في تكثيف ظهوره العلني على مدار الأشهر العديدة الماضية".

ففي تجمعات عقدها في المساجد وبيانات عامة نشرها، شنّ السجين السياسي السابق هجوما علنيا على الجيش والرئيس عبد المجيد تبون. 

والجدير بالذكر أن "بلحاج" قضى فترة في السجن خلال التسعينيات بعد "اعتذاره عن الإرهاب"، ثم اعتقل مرة أخرى عام 2010 بتهمة "تقويض أمن الدولة والتحريض على التمرد المسلح".

وفي الآونة الأخيرة، تحدّى بلحاج قائد الجيش بمواجهته في انتخابات حرة، وشن اتهامات بمنعه من ممارسة حقوقه في التنقل والتعبير.

وتعرّض بلحاج لسلسلة من القيود منذ إطلاق سراحه عام 2003، بما في ذلك حظر مشاركته في الأنشطة السياسية.

وفي مقطع فيديو تداولته منصات التواصل الاجتماعي خلال شهر رمضان، يظهر بلحاج وهو يغادر مسجدا وسط حشد من المؤيدين يهتفون بشعار جبهة الإنقاذ الإسلامي: "لا إله إلا الله محمد رسول الله، عليها نحيا، وعليها نموت، وفي سبيلها نجاهد، وعليها نلقى الله".

"وتعيد هذه المشاهد إلى الواجهة قضية توقف العملية الانتخابية في 12 يناير/ كانون الثاني 1992"، حسب "ميدل إيست آي".

العشرية السوداء

وقبل 31 عاما، حققت الجبهة الإسلامية للإنقاذ -التي تؤمن بالمنهج السلفي وتدعو إلى تطبيق صارم للشريعة الإسلامية- فوزا في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية.

ولكن المجلس الأعلى للأمن، المكون من مسؤولين حكوميين وعسكريين، ألغى الجولة الثانية من التصويت التي كان من المقرر عقدها في 16 يناير من العام نفسه.

وبُرر هذا القرار بـ"الخطاب المتشدد" لقادة الحزب الإسلامي، الذين يشككون بالديمقراطية ويصفونها بأنها "بدعة غربية" و"مخالفة للشريعة".

وقال الموقع إن "بلحاج نفسه شجع أنصاره على تسليح أنفسهم في حال عدم اعتراف السلطات بفوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ونتيجة لذلك، اندلعت اشتباكات بين المتعاطفين مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ وقوات الشرطة".

وتصاعدت الهجمات، وتفشى العنف على نطاق واسع لمدة 10 سنوات، مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 ألف شخص - وفقا لمصادر غير رسمية – وتكبدت البلاد خسائر بمليارات الدولارات.

"وبالنسبة للعديد من المراقبين، فقد كان الحزب الإسلامي في الواقع يستعد للكفاح المسلح قبل وقت طويل من انتهاء العملية الانتخابية، فالمعسكرات التدريبية كانت موجودة منذ سنوات عديدة، وتم توزيع كتب ذات طابع تحريضي في أحياء مختلفة بالبلاد"، وفق التقرير.

ففي الكتاب الذي يحمل عنوان "Coups d'éclats" (رشقات نارية)، الصادر في فرنسا عام 2020، قام الصحفي عامر ولي بتتبع التصريحات والأفعال المختلفة للقادة الإسلاميين الذين أشاروا إلى اللجوء للسلاح قبل انتخابات عام 1991.

وتم سجن قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ومن بينهم بلحاج الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 12 عاما، ثم أُفرج عنه عام 2003.

"ومنذ ذلك الحين، يعيش بلحاج تحت رقابة صارمة من قبل الأجهزة الأمنية، مما يمنعه من التحدث علنا"، حسب الموقع.

وفي عامي 1999 و2005، أصدر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مراسيم بـ"مصالحة وطنية"، كان من المفترض أن تضع حدا للعنف.

وعلى سبيل المثال، تحظر أحد مواد هذا القانون على وسائل الإعلام والسياسيين مناقشة تلك الفترة (العشرية السوداء) خوفا من إعادة فتح الجروح.

ويرى الموقع أن "الهدف قد تحقق بتوقف العنف، لكن لا يزال القادة الإسلاميون السابقون غير مستسلمين لطي هذه الصفحة إلى اليوم".

نصر انتخابي ضائع

وحذر المحلل السياسي، محمد هنا، في تصريح لموقع "ميدل إيست آي" من أنهم "لن ينسوا أبدا النصر (الانتخابي) الذي حرموا منه قبل أكثر من 30 عاما".

وأضاف: "يُلاحَظ أنهم يُعيدون توجيه موازين القوى لصالحهم بطرق غير عنيفة، من خلال التركيز على إدارة المجتمع".

وأردف: "بالفعل، يلاحظ أن ساعة مجتمعنا تبدو منضبطة بشكل متزايد وفقا للتقديرات الدينية بدلا من الضوابط العملية للحياة، ونرى ذلك بشكل خاص من خلال الانتشار المتزايد للرموز الدينية في المجتمع الجزائري خلال السنوات الأخيرة".

ومع ذلك، يرى الصحفي طارق حفيظ، الذي عمل على دراسة الحركات الإسلامية المسلحة، أن بلحاج ليس "مجرد سياسي".

حيث نوّه إلى أن بلحاج هو أيضا "والد جهادي"، حيث انضم أحد أبنائه إلى الجماعات المسلحة في القبائل قبل أن يُقتل على يد الجيش الجزائري في يوليو/ تموز 2011.

وبعد إصدار بيان يهاجم فيه بشدة الجيش والرئيس تبون، منكرا أي شرعية له، تم وضع بلحاج تحت الرقابة القضائية في 30 أبريل/ نيسان 2023، ويتضمن ذلك وضع قيود على إقامته وإدلائه بتصريحات عامة.

وأشار "ميدل إيست آي" إلى أن هناك خلافا حول هذا القرار، بين معارض له، مقدرا أن ذلك تقييد لحرية الرجل، ومؤيد له بتقدير أن العدالة كانت متساهلة معه.

وفي مقاطع فيديو حديثة، وعد بلحاج بعدم الصمت وعدم الانصياع للتقييدات المفروضة عليه، مؤكدا أن له الحق في "التعبير عن نفسه".

ولاحظ عدلان ميدي، الصحفي الذي رصد مسيرة السياسي الجزائري، أن "السلطات لا تعرف بالضبط ما يجب فعله حيال بلحاج".

لكن رأى ميدي أن بلحاج "ليس لديه تأثير كبير حاليا، حتى بين النشطاء الإسلاميين".