"من النهر إلى البحر فلسطين حرة".. صحيفة ألمانية تندد بمساعي طمس "النكبة"
منعت شرطة برلين مظاهرات خلال مايو/ أيار 2023، لإحياء ذكرى النكبة الـ75، بحجة “ترديد شعارات معادية للسامية وتشجيع العنف”.
ويُطلق مصطلح "النكبة" على عملية تهجير الفلسطينيين من أراضيهم عام 1948، على يد عصابات صهيونية مسلحة.
وفي ذلك العام الذي شهد تأسيس الكيان الإسرائيلي، اضطر نحو 800 ألف فلسطيني إلى مغادرة ديارهم، هربًا من مذابح ارتكبتها عصابات صهيونية، أدّت إلى مقتل نحو 15 ألف فلسطيني، بحسب بيانات فلسطينية رسمية.
ودعا بعض النشطاء اليهود في برلين، نهاية مايو 2023، إلى مسيرة باسم "سكان برلين اليهود يطالبون بحق الذكرى للفلسطينيين أيضا"، للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين وتقديرهم وتفهمهم لمخاوفهم.
وفي هذا الإطار، سلطت صحيفة "تيليبوليس" الألمانية الضوء على قلق هؤلاء النشطاء تجاه موقف الحكومة الألمانية الذي يحظر إحياء ذكرى النكبة.
ذكرى النكبة
تقول الصحيفة الألمانية إنه في 15 مايو/ أيار 1948، بعد يوم واحد من إعلان "الدولة اليهودية" استقلالها، شنت وحدات من الجيوش النظامية العربية، هجوما على إسرائيل؛ منطقة الانتداب البريطاني السابق.
وانتهت هذه الحرب بانتصار عسكري واضح لإسرائيل، أسفر عن أن 800 ألف عربي فلسطيني تقريبا أصبحوا لاجئين.
لكن بعد ذلك استمرت الأساطير التأسيسية المختلفة حول الحرب في إسرائيل لفترة طويلة، مثل أن جميع الفلسطينيين فروا طواعية.
وابتداء من عام 1987، تشير الصحيفة إلى ظهور ما يسمى بالمؤرخين الجدد في إسرائيل، وكانوا ينتقدون هذه الادعاءات التي تمنح الشرعية الذاتية.
حيث يوضح أحد المؤرخين أن الحرمان الممنهج من الحقوق والمذابح العديدة حدثت أثناء حرب التأسيس.
ويؤكد المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف في رسمه لتاريخ الحرب والنكبة قائلا: "ذات مرة كانت هناك فلسطين، (يهود وعرب) قبل تأسيس إسرائيل".
وفي هذا السياق، تذكر الصحيفة أن شبكة العلاقات المعقدة بين اليهود والعرب والقوة الاستعمارية البريطانية في فلسطين لا بد أن تثير صراعا دائما على الأرض، وتنكأ جروحا عميقة في الفلسطينيين.
تصف الصحيفة الألمانية برلين بـ"مدينة الهجرة"، حيث يعيش فيها أحفاد العرب الفلسطينيين الذين طُردوا من بلادهم عام 1948.
كما تشير إلى الفلسطينيين الذين هاجروا إلى ألمانيا في سياق النزاعات المسلحة السابقة، مثل حرب لبنان في الثمانينيات.
وحول هوية هؤلاء المهاجرين، تقول الباحثة السياسية سارة البلبيسي: "بالنسبة للفلسطينيين في المنفى، يبدو أن كونك فلسطينيا قد اتخذ شكلا جديدا للهوية، وذلك بسبب التجربة العنيفة المتمثلة في تجاهل العنف ومحو الهوية".
ومع ذلك، تلفت الصحيفة إلى نجاح العديد من الفلسطينيين في إنشاء مجتمعات وشبكات مستقرة ضد العنصرية اليومية والمؤسسية، في مدن مثل برلين.
في نفس الوقت، توضح الصحيفة أن برلين تُعد نقطة جذب لليهود والإسرائيليين.
وتعزو ذلك إلى أن "سياسات الائتلاف الحكومي اليميني في إسرائيل والنزاع المتصاعد باستمرار حول الأراضي المحتلة، فضلا عن ظواهر الأزمة الاجتماعية، يجعل العديد من الإسرائيليين يديرون ظهورهم لبلدهم".
وترى الصحيفة أن هذا الوضع "سيجعل برلين أكثر تنوعا في المستقبل، حيث إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو الآن أكثر من مجرد صراع على الأرض، بل إنه يُظهر ملامح حرب فلسفية وحرب دينية في بعض الأحيان".
إحياء النكبة
على هذه الخلفية، تلفت الصحيفة إلى أن المسيرة، التي كانت تحت شعار "سكان برلين اليهود يطالبون بحق التذكر للفلسطينيين أيضا"، لها أهمية خاصة.
وفي هذا السياق، تذكر أن "التفكير في تجربة المعاناة الفلسطينية لا يحدث بشكل كافٍ في ألمانيا، ويعد ذلك لأسباب تتعلق بإحياء الذكرى السياسية المحرقة وأسباب كاذبة تتعلق بالدولة".
ويتجلى ذلك، كما تقول "تيليبوليس"، في مؤتمر الكنيسة الإنجيلية الألماني، الذي أصدر حظرا على معرض النكبة.
وتشير الصحيفة إلى الانتقادات الواسعة التي وُجهت للكنيسة، واصفة فعلتها بأنها "صمت قسري".
وتلفت إلى أن "هذا التجمع كان مليئا بالحيوية متنوعا ما بين اليساريين اليهود الألمان وغير الألمان، الفلسطينيين والأشخاص ذوي الجذور في الجنوب العالمي الذين شعروا بالتضامن معهم".
وتنهي الصحيفة تقريرها بذكر خطاب ألقاه ناشط فلسطيني شاب، حيث قال: "رفاقنا من سوريا، الذين يعانون حاليا من ألم ووحدة خاصين، في عالم يقوم مرة أخرى بتطبيع جرائم نظام الأسد، إخوتنا من مصر ولبنان والصحراء الغربية وأرمينيا، رفاقنا من السودان وأفغانستان واليمن والجزائر وإيران، ومن كل العالم".
وأكمل: "سماع صوتك هنا هو العلامة الحقيقية الوحيدة على التضامن في بلد يحاول كل يوم خنق بلدنا".
وتذكر الصحيفة أن الخطاب كان عبارة عن مسار سياسي ضد الاستيطان الصهيوني وأجهزته العسكرية، كما أنهى الناشط الشاب كلمته بشعار "من النهر إلى البحر فلسطين حرة".