تهافت شركات السلاح الروسية إلى السعودية.. لماذا تغضب واشنطن؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

كل حرب لها تجارها، والحرب الروسية الأوكرانية ليست استثناء، فقد زادت أرباح شركات تصنيع السلاح الروسية بشكل حاد، واتجهت نحو العديد من الأسواق في الشرق الأوسط، على رأسها  السعودية.

وفي 26 مايو/ آيار 2023، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن 7 شركات روسية للصناعات الدفاعية توافدت إلى السعودية، في إطار مهمة لزيادة الأعمال التجارية مع الدولة الخليجية.

وكشفت أن شركات السلاح الروسية المتعاونة مع الرياض، خاضعة للعقوبات الأوروبية والأميركية، بسبب جرائم الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك شركة تصنيع طائرات هليكوبتر عسكرية تشارك آلياتها وأسلحتها في قصف المدن الأوكرانية. 

وفي تعليقه على ذلك التعاون، أعلن نائب وزير الصناعة والتجارة الروسي "أليكسي جروزديف" أن الشراكة تهدف إلى تعزيز العلاقات العسكرية والاقتصادية بين روسيا والسعودية، والسعي إلى إقامة شراكات طويلة الأمد.

ولطالما أثار التقارب الروسي السعودي قلق العواصم الغربية، خاصة واشنطن، لتقديرات تتعلق بنفوذهم الدائم والممتد في تلك المنطقة، وإشكاليات تتعلق بالأمن القومي، وخطورة أن يحصل الروس على التكنولوجيا الدفاعية الأميركية. 

7 شركات

وبالنظر إلى شركات السلاح الروسية التي ذهبت إلى المملكة، فيأتي على رأسها "روستك" وهي شركة روسية للأنظمة الدفاعية والتكنولوجيا مملوكة للدولة، وهي أكثر مزود لموسكو بالأسلحة المستخدمة في غزو أوكرانيا.

ووصفت "الغارديان" البريطانية شركة "روستك" بأنها أهم مشارك في الاجتماعات على طاولة السعوديين.

حتى إن وزارة الخزانة الأميركية وصفت شركة "روستك" بأنها "حجر الزاوية" لقطاعات الدفاع والصناعة والتكنولوجيا والتصنيع في روسيا، وذلك خلال لائحة العقوبات التي أصدرتها على القطاعات العسكرية الروسية في يونيو/ حزيران 2022.

ومن أبرز الشركات المنخرطة في التعاون السعودي، تأتي "Ka-52  Alligator" الروسية المصنعة للطائرة المروحية، وقد أسقطت القوات الأوكرانية ما لا يقل عن 35 طائرة منها، خلال المعارك الدائرة.

وكذلك تشارك في الفعاليات السعودية، شركة "كاماز" الروسية المصنعة للمركبات المدرعة، والتي تمت معاقبتها من قبل واشنطن أيضا، لدورها في مساعدة المجهود الحربي الروسي، خلال اجتياح أوكرانيا. 

ومن بين الحاضرين أيضا شركة "روساتوم" للطاقة النووية الحكومية الروسية، وهي شركة تتفاوض بشكل خاص مع حكام السعودية منذ 30 مارس/ آذار 2023، لإنشاء مفاعل نووي سعودي "منخفض القدرة".

قلق أميركي 

وذكر مصدر خاص "للغارديان" أن وزارة الاستثمار السعودية تدرس إمكانية فتح مكتب في موسكو.

وأضاف: "أن ما يحدث إعادة توجيه رئيسة للسياسة السعودية تجاه روسيا والصين، بعيدا عن الولايات المتحدة وأوروبا الغربية". 

وقد خلقت علاقة الرياض مع موسكو توترات مع واشنطن، خاصة خلال العام 2022، عندما انحازت الرياض إلى موسكو ضد المصالح الأميركية، وقررت خفض إنتاج النفط قبل فترة وجيزة من الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، ما أغضب الرئيس الأميركي جو بايدن. 

ووصل الأمر أن طلبت أصوات في مجلس الشيوخ الأميركي بتجميد مبيعات الأسلحة الأميركية للسعودية لمدة عام واحد، ردا على قرار "أوبك+" بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا (لمدة شهر).

لكن ثمة قلق من نوع خاص في التقارب العسكري والدفاعي بين روسيا والسعودية، وهو ما عبر عنه عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، "ريتشارد بلومنتال"، الذي شدد في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، على ضرورة التأكد من عدم مشاركة السعودية التكنولوجيا الدفاعية الأميركية الحساسة، مع روسيا.

وقال: "إن لجنته سوف تتشاور مع وزارة الدفاع (البنتاغون) حول هذا الأمر، واستطرد: "سوف نتحدث إليهم بصراحة شديدة حول تقييمهم للمخاطر في نقل التكنولوجيا في أنظمة الأسلحة المتقدمة التي تم صنعها بالفعل وصدرت إليهم".

نحو السلاح الروسي

وما بين التباعد الأميركي والتقارب الروسي، فإن استراتيجية الرياض لم تتغير بين ليلة وضحاها، لكن الحادثة المؤثرة بقوة في توجه السعودية إلى السلاح الروسي، بدأت عند مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر 2018، داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية. 

حينها تعهد فيه كبار قادة مجلس الشيوخ بتجميد تصدير السلاح للسعودية، وهو الأمر الذي واجهه آنذاك الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الحليف الوثيق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. 

واصطدم ترامب والبيت الأبيض، بالأصوات المنادية بمعاقبة السعودية عن طريق وقف شحن الأسلحة الأميركية التي تم الاتفاق عليها مسبقا، ورأى في ذلك تهديدا للأمن القومي الأميركي.

لكن ابن سلمان لم ينس هذه الفترة ولا تلك التوجهات، وقرر بدلا من الاعتماد الكامل على السلاح الأميركي، أن يتوجه أكثر نحو روسيا والصين. 

وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، نشرت مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية، تقريرها عن صفقات السلاح المتصاعدة بين الرياض وموسكو. 

وقالت إن "الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، عبر عن رغبة بلاده في مساعدة السعودية على حماية شعبها، ولطالما أكد أنهم بحاجة لاتخاذ قرارات ذكية كما فعلت إيران، التي اقتنت منظومة إس 300، وتركيا التي اقتنت منظومة إس 400".

وذكرت أن شركة الصناعات العسكرية السعودية (SAMI) قد وقعت عقدا كبيرا مع الوكالة الروسية الرئيسة لتصدير الأسلحة، لإنتاج راجمة الصواريخ TOS-1A بشكل محلي، وتستعمل الراجمة TOS-1A ضد الدروع الخفيفة. 

وكذلك قامت نفس الوكالة بالحصول على الصاروخ الروسي "كورنت"، وهو صاروخ مهم ومطلوب في الشرق الأوسط، لأنه موجه للدبابات القتالية.

وعقبت المجلة الأميركية، أن روسيا استغلت القيود الأميركية على الأسلحة في الشرق الأوسط، وتحديدا السعودية لتوسيع مبيعاتها.

خاصة وأن موسكو تستفيد من البساطة النسبية لأسلحتها، وبساطة عقود التسليح، وقلة الشروط الأمنية.

والأهم عدم وجود اشتراطات لحماية حقوق الإنسان ومراقبة استخدام الأسلحة، كما تفعل الولايات المتحدة والدول الأوروبية. 

 

بوتين وابن سلمان 

ومع الواقع القائم، والتقارب الروسي السعودي لا سيما العسكري، لا يمكن إخفاء أن علاقة مميزة جمعت بين الطرفين، وظهرت بعدما اغتيل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول عام 2018 على يد فرقة قتل سعودية بأمر ابن سلمان.

أقيمت بعدها مباشرة قمة العشرين في الأرجنتين، وبينما ابتعد قادة الدول عن ولي العهد السعودي، وحرصوا على عدم الظهور معه، فعل بوتين العكس.

وفاجأ بوتين الجميع وقتها وكسر عزلة الأمير المنبوذ، وصافحه بحرارة، بل وبطريقة خارجة عن "بروتوكول" السلام بين الرؤساء وزعماء الدول، وهو الموقف الذي حفظه ابن سلمان للرئيس الروسي طوال الوقت. 

وعلى العكس نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في نفس التوقيت، حديث ابن سلمان مع جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وكبير مستشاريه، أنه لن ينسى انقلاب الغرب عليه.

وكان ذلك إشارة واضحة إلى الانتقادات الغربية للرياض ولروايتها بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

وعلى النقيض، قال ابن سلمان في مقابلة مع مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية في 3 مارس 2022، ردا على سؤال بأن الرئيس الأميركي جو بايدن يسيء فهمه، "ببساطة لا أهتم، الأمر يرجع له في التفكير في مصالح أميركا".

وأضاف أنه ينبغي للبلدين ألا يتدخلا في الشؤون الداخلية لبعضهما.

ومع كل ذلك لا يمكن إغفال أن التعاون الدفاعي الأميركي السعودي يظل الأكبر رغم محاولات جميع القوى مثل روسيا والصين. 

وهو ما أكده موقع "الحرة" الأميركي في 13 نوفمبر 2021، عندما أورد أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، أصبحت السعودية أكبر مستورد للأسلحة في العالم، حيث استحوذت على 11 بالمئة من واردات الأسلحة العالمية، 79 بالمئة منها مصدرها الولايات المتحدة.