دعوى لأسر تونسية ضد قيس سعيد في محكمة إفريقية.. ما أثرها وخلفياتها؟

12

طباعة

مشاركة

بعد أن أصبح صوتها بلا صدى، توجهت عائلات معتقلين سياسيين بتونس، إلى المحكمة الإفريقية، للاعتراض على ظروف وأسباب حبس أبنائها، في ظل حكم الرئيس قيس سعيد.

وقدم أفراد خمس عائلات لمعتقلين تونسيين بارزين، وعضو معارض متوفى دعوى أمام المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في أروشا- تنزانيا ضد النظام التونسي.

قضية عاجلة

ووفق ما ورد في بلاغ نشره راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي المنحل، والمعتقل منذ 20 أبريل/نيسان 2023، على صفحته بفيسبوك، في 24 مايو/أيار 2023، فإن الدعوى تطالب المحكمة باتخاذ تدابير مؤقتة عاجلة لإصدار أمر للحكومة التونسية بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين.

والمعتقلون الذين قدمت عائلاتهم الدعوى، هم راشد الغنوشي وهو أيضا زعيم حركة النهضة الإسلامية، وسيد الفرجاني، عضو برلماني معارض بارز، غازي الشواشي، الأمين العام السابق لحزب التيار ووزير سابق، نور الدين بحيري، نائب برلماني ووزير سابق.

ويدعو الطلب أيضا إلى التحقيق في وفاة المعارض رضا بوزيان، ويطالب بإجراءات عاجلة لمعالجة الاعتقالات غير القانونية والتحقيق في الوفاة التي حصلت، والحرص على عدم تكرر الانتهاكات.

وقُتل بوزيان على أيدي الشرطة في 14 يناير/كانون الثاني 2022 بشارع الحبيب بورقيبة خلال مظاهرة في ذكرى الثورة التونسية، وفق ما تقول أحزاب المعارضة.

كما جرى تقديم ملف فردي منفصل نيابة عن القاضي الشهير والمدعي العام السابق، بشير العكرمي، يطالب بالإفراج عنه على الفور وإعادته إلى منصبه.

ووفق المصدر ذاته، جرى رفع القضية في المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (ACHPR) بواسطة المحامي البريطاني رودني ديكسون Rodney Dixon KC  نيابة عن أفراد عائلات المحتجزين والفقيد بوزيان.

فيما سافرت يسرى ابنة راشد الغنوشي وكوثر ابنة الفرجاني إلى أروشا-تنزانيا لتقديم الطلب، والذي يأتي بعد أيام من صدور حكم بالسجن لمدة عام على رئيس حركة النهضة في محاكمة جرت في غيابه.

وتعد تونس واحدة من ست دول إفريقية فقط وقعت بشكل كامل على المحكمة، وهذا يعني أنه يمكن للأفراد منها تقديم طلبات وقضايا مباشرة لها، وتعد قراراتها ملزمة للدولة العضو.

ومنذ الإجراءات الاستثنائية التي أقرها الرئيس قيس سعيد، في يوليو/تموز 2021، انزلقت تونس إلى الحكم الاستبدادي.

إذ أقال سعيد الحكومة وأغلق البرلمان واستولى على جميع السلطات، مما أدخل البلاد في أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة.

ومنذ بداية عام 2023، اعتقل أكثر من 20 عضوا معارضا من مختلف الأطراف السياسية.

وأكد البلاغ المنشور على صفحة الغنوشي أن "كل مواطن تونسي ينتقد الوضع، يمكن أن يتعرض للاعتقال التعسفي وغير القانوني، بالإضافة إلى الشخصيات السياسية وأعضاء النقابات والصحفيين والمحامين وممثلي المجتمع المدني".

وفي الفترة الأخيرة، يقول المصدر ذاته، "جرى أيضا استهداف عدد من القضاة، وفصل العشرات منهم لرفضهم إصدار أحكام لصالح سعيد ونظامه، بل إن بعضهم يواجه عقوبة الإعدام".

وبعد تقديم الدعوى في المحكمة الإفريقية، سيكون للحكومة التونسية الحق في تقديم ردها لها.

وقد حث مقدمو الدعوى المحكمة على النظر في القضية بصورة مستعجلة، ومن المؤمل أن يحدث ذلك عندما تستأنف جلساتها في يونيو/حزيران 2023.

وقالت يسرى الغنوشي متحدثة من أروشا: "نحن هنا نسعى للحصول على حق آبائنا وكل من يكافحون من أجل استعادة الديمقراطية في تونس".

وأضافت، "نأمل أن تفعل المحكمة الإفريقية ذلك"، مؤكدة "أن اعتداءات نظام قيس سعيد على حقوق وحريات التونسيين لا يمكن أن تفلت من العقاب وأنه وشركاءه سيواجهون قريبا عواقب انتهاكاتهم".

وخلصت إلى القول بأن "تونس جزء لا يتجزأ من إفريقيا، ونتطلع إلى المزيد من الدعم والتضامن من إخواننا الأفارقة".

فقدان الثقة

في تحليله لأسباب الخطوة وتداعياتها، قال المحلل السياسي التونسي نصر الدين السويلمي، إن رفع المعنيين لهذه الدعوى القضائية خارج القضاء المحلي، يدل على فقدان الثقة بشكل كامل، وغير منقوص في هذا القضاء.

وأضاف السويلمي لـ "الاستقلال"، الطبقة السياسية التي تتصدى للانقلاب أصبحت على يقين أن القضاء في صف النظام، وأنه ليس في وضع مائل أو محايد أو مترنح، بل عصى في يد قيس سعيد.

وتابع: "الدليل هو التحول الذي وقع على مستوى اللجوء إلى المحاكمات العسكرية، والتي تراجعت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وأصبح الرئيس يحاكم معارضيه عبر القضاء المدني، ويزج بهم في السجون كيف يشاء وبأي تهمة أراد".

وعن الهدف من الخطوة، قال السويملي إنه يكمن في البحث عن حلول، عن ضوء في آخر نفق، عن القشة التي تعطي الأمل.

وأردف: لذلك يتم البحث عن سبل لإسقاط الانقلاب، أو على الأقل رده إلى طاولة الحوار".

ولم يخف السويملي اعتقاده بأن الخطوة لن يكون لها تأثير، قائلا: "اللجوء إلى المحكمة الإفريقية قد لا يكون فتحا كبيرا للمعارضة، ببساطة لأن الأخيرة تبحث عن أي فجوة للظهور، ولذلك تتحرك نحو بدائل إقليمية ودولية".

وأردف: "اكتشفت المعارضة متأخرة، أن هذا البدوي في السياسة، الفاقد لكل إمكانية للقيادة، الذي ليس له أي تاريخ، استحوذ على المؤسسات الصلبة"، وفق تعبيره.

واسترسل: "كما اكتشفوا أنه أصبح خطرا على السياسة، حيث ظهر أنه قادر على الحياة إلى المستوى المتوسط، مما دفعهم لهذا التحرك وسيشكل الدافع لهم لتحركات أخرى مقبلة".

وبدوره، قال المحامي رودني ديكسون، إنه تقدم بطلب للمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، من أجل إصلاح "الأخطاء" التي ارتكبتها المحاكم التونسية بحق مجموعة من القيادات السياسية في البلاد.

وأضاف ديكسون في تصريح لـ "الجزيرة مباشر"، 25 مايو 2023، أن المحكمة أمامها 15 يوما لتحريك الدعوة القضائية وانتظار ردود الدولة التونسية، "وإذا أحجمت هذه الأخيرة عن الرد فسيتم رفع القضية لمجلس الاتحاد الإفريقي، ليقول كلمته".

وتابع: "طالبنا المحكمة باتخاذ إجراءات عملية وسريعة لحماية المعتقلين السياسيين في تونس وإطلاق سراحهم".

وأشار إلى أن المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب جهاز قضائي إقليمي يمتلك صلاحيات الدفاع عن المعتقلين والناشطين السياسيين الذين لم يحظوا بالمحاكمات العادلة في بلدانهم.

بدورها، قالت سلسبيل شلالي، مديرة منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تونس، إن "السلطات تستخدم قانون مكافحة الإرهاب وتؤثر عليه ضد المعارضين السلميين والنقاد".

وأضافت شلالي، وفق ما نقل موقع "نهضة تونس" المحلي، 24 مايو 2023، "هناك تهم غامضة في معظم الحالات، لذلك فإنها تستخدم حقا شاملا يستهدف أولئك الذين ينتقدونها، ثم يتم التحقيق فيهم للعثور على أي مشكلة، وهنا العملية تتم بطريقة عكسية".

وتابعت شلالي: "إننا نعود إلى الأساليب القديمة للنظام الاستبدادي كما كانت في عهد (زين العابدين) بن علي".

وقال وزير الخارجية التونسي الأسبق رفيق عبد السلام، إن هذه الدعوى القضائية، تهدف لإطلاق سراح المساجين السياسيين دون قيد أو شرط، والتحقيق في ملابسات وفاة رضا بوزيان.

وتهدف أيضا، إلى تسليط عقوبات على المسؤولين السياسيين والأمنيين من فريق قيس سعيّد المتورطين في المس بالحريات وانتهاك حقوق الإنسان، وفق ما قال عبد السلام لـ "العربي الجديد"، 24 مايو 2023. 

واسترسل أن على رأس هؤلاء المسؤولين "وزيرة العدل ليلى جفال، ووزير الداخلية السابق رضا شرف الدين، والحالي كمال الفقيه، وعدد من القيادات الأمنية المتورطة في إعطاء الأوامر بالاختطاف والاعتقال والتعذيب ومداهمة بيوت المعارضين".

وتابع: "لقد تحولت تونس في عهد قيس سعيد من دولة ديمقراطية ناشئة، تتمتع بمساحة كبيرة من الحريات، رغم وجود بعض الصعوبات الاقتصادية، إلى ديكتاتورية كاملة ودولة فاشلة". 

من جانبه، قال المحلل السياسي نصر الدين السويلمي لـ "الاستقلال"، إن هذه الخطوة لن تكون الأخيرة من قبل المعارضة.

وأوضح السويملي أن الدعوى خطة تحفيزية، أو جس نبض، للخروج إلى المجتمع الدولي، ولذلك كانت البداية مع مؤسسة إفريقية، لامتصاص تداعيات رد فعل النظام، لأنه يملك آلة إعلامية كبيرة، ستشوه المعارضة إن جرى التوجه للآليات الدولية.

وذلك بخلاف البداية بالمؤسسات القارية، لأنه ليس لها سوابق مع تونس، وعليه، فإن القضية أمام المحكمة الإفريقية ستكون بمثابة نفق عبور إلى مؤسسات دولية أخرى لمتابعة نظام قيس سعيد عبرها، خلال الفترة المقبلة، بحسب تقديره.