حمامة السلام مع الدول العربية.. لماذا أطاحت صقور إيران بعلي شمخاني؟
رغم أنه كان مهندس تطبيع العلاقات الخليجية الإيرانية، لكن الجميع تفاجأ باستقالة الأدميرال علي خامنئي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في 22 مايو/ أيار 2023، وتعيين الأدميرال علي أكبر أحمديان مكانه، بقرار من الرئيس إبراهيم رئيسي.
مغادرة شمخاني منصبه بعد أن شغله لمدة 10 سنوات، أثار العديد من التساؤلات بخصوص الأسباب الحقيقية وراء الاستقالة، وهل ثمة دلالات بخصوص ابتعاد "مهندس العلاقات" الإيرانية، عن الأضواء بعد التسوية التي حصلت بين طهران والرياض.
وشمخاني المولود في عام 1955 بمدينة الأحواز بإيران، ينتسب إلى عشيرة الشماخنة التابعة لقبيلة بني ربيعة العربية.
يعد من آخر القيادات العسكرية التي تمثل الجيل المؤسس في حرس الثورة، ومن الذين لعبوا دورا محوريا في بنية النظام الإيراني ومؤسساته العسكرية والأمنية والسياسية، كما أنه كان من آخر الذين لا يزالون في مواقع متقدمة في النظام من هذا الجيل.
دعوة زفاف
وبخصوص أسباب مغادرة شمخاني المفاجئة، راجت العديد من الروايات في وسائل إعلام محلية ودولية، فقال موقع "نور نيوز" المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي، إن شمخاني هو من قدم استقالته إلى المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي، يوم 21 مايو.
بينما أورد موقع "أمواج ميديا" نقلا عن مصادر إيرانية (لم يكشف هويتها)، أن إقالة شمخاني كانت نتيجة دعوته الرئيس الأسبق محمد خاتمي لحضور عقد زواج ابنته، حيث يقاطع النظام الأخير منذ أكثر من عقدين.
وبحسب التقرير الذي نشره الموقع الإيراني في 30 مايو 2023، فإنه بعد أن دعا شمخاني محمد خاتمي، بإصرار من ابنته، منع رجال الأمن الرئيس الإيراني الأسبق من حضور مراسم الزفاف.
ولفت الموقع إلى أن "شمخاني كان مترددا بالبداية في دعوة خاتمي، ولكن بسبب إصرار ابنته، وافق على الاقتراب من هذه الشخصية السياسية، المعروفة بزعامة الإصلاحيين".
ونقل الموقع الإيراني عن مصدر مقرب من التيار الأصولي (المحافظ) في إيران (لم يكشف هويته)، قوله إن "هذا الفعل أغضب المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، وكان بمثابة حافز لقراره عزل شمخاني".
وينتمي شمخاني إلى التيار المحافظ الذي يوصف بالمتشدد كونه يضم قادة الحرس الثوري، فيما يعد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي من التيار الإصلاحي في البلاد.
وقد اعترف المسؤول الأصولي السابق للموقع بأن العوامل السياسية لعبت دورا رئيسا في إقالة شمخاني، قائلا إن اتخاذ قرارات سياسية مهمة بحجة أحداث تبدو "تافهة وشخصية" ليس بالأمر غير المسبوق في النظام الإيراني.
وكان شمخاني قد تعرض لانتقادات بداية الاحتجاجات الشعبي بإيران في سبتمبر/ أيلول 2022، وتصاعدت الدعوات بشكل كبير من قبل تيار الأصوليين الذي ينحدر الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي منه، بضرورة إقالته من منصبه كونه لم يقمع المظاهرات بشكل أفضل.
وكان حميد رسائي، أحد الشخصيات الراديكالية في التيار الأصولي، من بين الأشخاص الذين طالبوا بإقالة شمخاني من أجل إدارة أفضل لقمع الاحتجاجات، حسب تسريب صوتي تداوله ناشطون في عام 2022.
وقال رسائي إن المسؤولين في جميع المؤسسات الأمنية، والذين تحدّث إليهم، يرون أن سبب عدم قمع الاحتجاجات الشعبية للإيرانيين ضد النظام هو بسبب تصرفات علي شمخاني.
ولفت إلى أن أمانة “المجلس الأعلى للأمن القومي” غير فعالة في إدارة قمع الاحتجاجات، لذلك يجب أن يحاسب شمخاني إلى جانب روحاني (الرئيس الإيراني السابق).
واندلعت الاحتجاجات بإيران في 14 سبتمبر/ أيلول 2022، عقب وفاة الشابة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما، وهي قيد الاحتجاز لدى "شرطة الأخلاق".
فضيحة التجسس
ومن الروايات التي تبنتها صحيفة "نيويورك تايمز " الأميركية عن إقالة شمخاني من منصبه، هي علاقته الوثيقة بجاسوس بريطاني رفيع المستوى، واصفة مسؤول الأمن القومي السابق الذي أقصي من منصبه بأنه أحد أقوى الرجال في البلاد.
وفي 14 يناير/ كانون الثاني 2023، أعلنت إيران تنفيذ حكم الإعدام بالجاسوس علي رضا أكبري، الحامل للجنسية البريطانية، الذي عمل نائبا لشمخاني في وزارة الدفاع إبان عهد الرئيس محمد خاتمي بين عامي 1997 و2005.
ونقلت الصحيفة عن قيس قريشي، المحلل السياسي المقرب من الحكومة، قوله: "كان هناك ضغط متزايد على خامنئي من الفصيل المتشدد والرأي العام لعزل شمخاني. قاوم لفترة لكن الضغط أصبح صاخبا للغاية".
في إعلانه عن الإقالة، قال خامنئي في 21 مايو 2023 إنه عين شمخاني مستشارا سياسيا له، وعضوا في مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي يقدم المشورة للمرشد الأعلى إلى حد كبير.
ويُنظر إلى التعيين على أنه احتفالي إلى حد كبير؛ ففي السنوات الماضية، تم تعيين مسؤولين آخرين اختلفوا مع خامنئي، بمن فيهم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، في المجلس لحفظ ماء الوجه، وفقا للصحفية الأميركية.
وأشارت إلى أن قدرة شمخاني على الصمود في وجه عاصفة فضيحة التجسس طيلة هذا الوقت ربما كانت نتيجة لاتفاق بين خامنئي ورئيسي، للسماح لمسؤول الأمن القومي باسترداد مكانته العامة في الصفقة السعودية، بعد فضيحة أكبري.
وعلى نحو مماثل، لفت الناشط الإصلاحي البارز محمد علي أبطحي رئيس مكتب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، إلى محاولات صقور التيار المحافظ للإطاحة بشمخاني خلال الفترة الماضية، لأن الأخير لم يتفق مع توجه المحافظين على صعيدي السياسة الداخلية والخارجية.
وأشار أبطحي خلال تصريح لموقع "الجزيرة نت" في 22 مايو 2023 إلى "رغبة التيار المحافظ بتجانس جميع مفاصل السلطة وجعلها من لون سياسي واحد، هي أحد أسباب إبعاد شمخاني من مراكز اتخاذ القرار في البلاد.
ورأى أبطحي أن "سياسة البلاد لن تتجه نحو الانفتاح إثر إبعاد الشخصيات التي تؤمن برأي آخر".
وبحسب قول الناشط الإصلاحي، فإن "شخاني لم يقترب يوما من التيار المتطرف وصقور السياسة بالجمهورية الإسلامية، مما يجعل من الإطاحة به هدفا مشروعا لهم وهذا ما تحقق بالفعل.
وأكد أبطحي أنه "رغم ما يشاع من ملازمة الجاسوس علي رضا أكبري لشمخاني واقترابه منه خلال توليه وزارة الدفاع، فإن الأخير هو الذي تمكن من استدراج المدان من بريطانيا إلى طهران".
دلالات الاستقالة
وبخصوص توقيت الإطاحة بشمخاني، قالت رانيا مكرم، الخبيرة في مركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية إن "استقالته تشير في مجملها إلى أن ثمة اتفاقا على الإطاحة بالرجل، الذي وصف بعرّاب العلاقات الإيرانية - العربية، ومهندس العلاقات الإيرانية – السعودية".
وعزت ذلك إلى "دوره البارز في عقد وتوقيع اتفاق عودة العلاقات بين طهران والرياض بوساطة صينية، ذلك الاتفاق الذي أعقبه بجولة مكوكية للمنطقة شملت زيارة الإمارات مرتين، ثم زيارة العراق، وقع خلالها اتفاقيات مهمة مع مسئولي البلدين".
في 10 مارس/آذار 2023، رعت الصين اتفاق السعودية وإيران لاستئناف العلاقات المشتركة، وذلك بعد قطيعة بينهما منذ عام 2016 جرّاء حرق سفارة الرياض في طهران بعد إعدام الأولى رجل الدين السعودي الشيعي نمر النمر بتهمة الإرهاب.
ورأت الخبيرة في استقالة شمخاني في الوقت الحالي أنها جاءت نتيجة "محاولات الأصوليين السيطرة على باقي مراكز صنع القرار رغم وجهة النظر التي ترى أن استقالته تأتي بعد عشر سنوات من شغله لمنصبه، وأن بعد هذه المدة عادة ما يتم تغيير أمين المجلس الأعلى للأمن القومي بشكل طبيعي".
وأوضحت أن واحدة من أسباب الاستقالة أيضا، هي موقف شمخاني من سياسات النظام داخليا وخارجيا، إذ يعد الأخير أبرز المعتدلين الباقين في مراكز حساسة في النظام الإيراني، وآخر المعينين في المجالس العليا بالبلاد من الرئيس السابق حسن روحاني".
وأشارت إلى أن شمخاني دعا خلال ختام الملتقى الدولي الذي استضافته جامعة الدفاع الوطني العليا بالعاصمة طهران في مايو 2023، القيادة الإيرانية بشكل غير مباشر إلى استيعاب التطورات الحاصلة على المسرح الدولي.
وكان قد حذر في الوقت نفسه من أن "الافتقار للجاهزية والقوة سيجعل البلاد عرضة لصعوبات لا تريدها، وأن "الظروف الدولية الجديدة خلقت تغييرات وتحولات ضخمة ستستمر، وإيران والمنطقة معرضتان لهذه التغييرات".
كما رأت مكرم في استقالة شمخاني أنها "استمرار في سياسة كبح شعبية السياسيين البارزين، فثمة ملاحظة أساسية لا يمكن التغاضي عنها في تعامل النظام الإيراني وعلى رأسه المرشد الأعلى مع الشخصيات السياسية الإصلاحية والمحافظة على حد سواء، إذا ما حققت إنجازات من شأنها زيادة شعبيتها، وتصاعد نفوذها في الداخل".
وتابعت: "تشير بعض التحليلات إلى أن المرشد الأعلى قد عمد إلى الحد من نجاح شمخاني، لاسيما بعد الرصيد الذي اكتسبه على الساحة الخارجية، والداخلية مع الحديث المتزايد عن أن المملكة العربية السعودية هي التي اقترحت اسمه لمواصلة مفاوضات عودة العلاقات بين البلدين".
المصادر
- موقع "أمواج ميديا" الإيراني: إقالة شمخاني كانت نتيجة دعوته خاتمي لحضور عقد زواج ابنته
- دلالات استقالة على شمخاني
- مهندس العلاقات الإيرانية العربية.. ما أسباب إبعاد شمخاني عن رئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي؟
- "نور نيوز": استقالة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني
- إستقالة شمخاني.. كيف تنعكس على النظام الإيراني وملفه النووي؟
- Iran Ousts Top Security Official Tainted by Spy Scandal