فرصة نادرة.. ما الأسباب التي دفعت سلطان عُمان لزيارة إيران؟

12

طباعة

مشاركة

وسط تساؤلات متزايدة عن الهدف من هذه الخطوة، وصل سلطان عُمان، هيثم بن طارق آل سعيد، إلى طهران، في 28 مايو/أيار 2023، في زيارة استغرقت يومين، التقى فيها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، والرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي.

وتأتي الزيارة بعد أسابيع من الحديث عنها من جانب وسائل الإعلام والمراقبين السياسيين، ووسط تكهنات كثيرة حول ما سيحمله السلطان معه من رسائل إلى القيادة الإيرانية.

وبحسب موقع فرارو الإيراني، فإن عُمان لعبت في العقدين الماضيين دورَ الوسيط بين إيران والدول الأخرى، واتخذت خطوات في اتجاه إحياء العلاقات بين طهران وعواصم أخرى. 

وكان لسلطنة عُمان دور على سبيل المثال في خطة العمل الشاملة المشتركة، أو الاتفاق النووي، الذي وقع بين إيران والغرب عام 2015.

والآن، تأتي زيارة سلطان عُمان إلى طهران بعد أن لعبت مسقط دورا في تبادل السجناء بين إيران وبلجيكا نهاية مايو 2023. 

فقد أفرجت إيران عن عامل الإغاثة البلجيكي، أوليفييه فانديكاستيل، بعد 15 شهرا على احتجازه بتهمة "التجسس"، وذلك مقابل الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، المحكوم بالسجن بتهم مرتبطة بالإرهاب، في عملية تبادل توسّطت فيها مسقط.

ويطرح التقرير الذي نشره الموقع سؤالا حول التطورات التي يمكن أن تشهدها إيران والمنطقة بعد زيارة سلطان عُمان، وما سيترتب عليها من تأثير على العلاقات بين طهران والغرب.

وللإجابة على هذا التساؤل، حاور الموقع الدبلوماسي السابق ومحلل الشؤون السياسية فريدون مجلسي، ومحلل الشؤون الدولية علي بيكدلي.

ممثل للعرب

حول دور سلطنة عمان في القضايا الإقليمية وطبيعة العلاقة بين إيران ودول المنطقة، يقول فريدون مجلسي إن عُمان تتحدث نيابة عن جميع دول الخليج، وبما يصب في مصلحة السلطنة وجميع البلدان العربية أيضا.

وأضح مجلسي أن كل بلدان المنطقة تسير على طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتريد أن تصبح مثل الدول الأوروبية.

ولتحقيق الأهداف العلمية والثقافية والاجتماعية، يجب على هذه البلدان تجنب أي نوع من أنواع التوتر والحرب وما شابه ذلك من مشاكل، وفق قوله.

ولذلك فإن هذه الدول ترى أن مقاربات إيران خطرة على مستقبلها، لأن أي نوع من الصراع بينها وبين أعدائها القدامى سيؤدي إلى فقدان كل ما حققته خلال نصف قرن مضى من الاستقرار والأمن.

ويعتقد مجلسي أن "سلطان عُمان لا يتحدث باسم بلاده فقط، وإنما يسعى أيضا لإحداث تغييرات جوهرية لدول المنطقة". 

ومن القضايا المهمة للدول العربية أن إيران لديها خلافات جدية مع إسرائيل، وإذا وصلت إلى مرحلة الحرب، فسيكون الأمر مزعجا لجميع دول المنطقة. 

ويُذكّر مجلسي بدور سلطان عُمان الراحل، قابوس بن سعيد، الذي أسس للتعايش السلمي في المنطقة، ولعب دورا في مفاوضات خطة العمل المشتركة الشاملة.

ويرى أنه إذا لم تكن عُمان ستلعب دورا رئيسا في مستقبل العلاقات مع إيران، لما حضر السلطان إلى طهران.

وفيما يخص خطة العمل الشاملة المشتركة، أو الاتفاق النووي، وإمكانية إحيائه مرة أخرى، أشار المحلل إلى أن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، أكد أن هذا الاتفاق مهم وحيوي بالنسبة إلى إيران التي تريد إحياءه.

وذلك على الرغم من أن هذا الاتفاق قد فشل عمليا بسبب العداوات والتحيزات من جانب بعض الفصائل الداخلية والخارجية، وفق تعبيره.

ولكن الوقت تأخر قليلا، وسيكون من الصعب للغاية إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، بسبب فقدان الأمل لدى بعض الأطراف المعنية بالاتفاق. 

وأعرب مجلسي عن أمله في أن تكون زيارة السلطان مقدمة لعودة السلام ووقف الأعمال العدائية، وهو ما يتفق مع رغبة دول المنطقة في السلام والهدوء.

وأضاف أن إيران بحاجة إلى إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة جنبا إلى جنب مع إحياء علاقاتها مع دول المنطقة. 

كما أنها تحتاج أيضا إلى العودة إلى الأسواق المزدهرة في أسرع وقت ممكن، وفق تقديره.

وتوقع أن يكون السعي من أجل إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة هو السبب في زيارة السلطان هيثم لإيران.

وتمنى أن يكون تبادل السجناء بوساطة من مسقط مدخلا إيجابيا في علاقات إيران الدولية. وقال إنه في غير هذه الحالة لن يكون لدى السلطان سبب للمجيء بنفسه إلى طهران.

وبشأن الأثر المستقبلي لزيارة سلطان عمان لإيران، قال مجلسي: "يجب أن نكون واقعيين ونلاحظ أن السلطان، بصفته ملكًا لدولة صغيرة في المنطقة، لا يملك سلطة تتجاوز سلطاته". 

ثم يقر بأن إيران لا تملك في الوقت نفسه القدرة على إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة بمفردها.

ولذلك يجب أن يصغي الإيرانيون للعرب، وأن يلتفتوا إلى السياسة العربية، وينسقوا مع دول العالم المختلفة للخروج من الوضع الحالي، وأن تحول طهران دون أي نوع من أنواع التوتر الإقليمي والعالمي.

فرصة مهمة

وعن أهم الأسباب المحتملة لزيارة سلطان عُمان لإيران، يقول علي بيكدلي: "إن أحد أبرزها، استمرار تبادل الأسرى". 

وجدير بالذكر أن هناك سجناء مزدوجي الجنسية في إيران، كما ترغب الدول الغربية في إطلاق سراح مواطنيها في أسرع وقت ممكن. 

وقد أعربت فرنسا أخيرا عن قلقها بشأن وضع سجنائها مزدوجي الجنسية في السجون الإيرانية. 

ثم يذكر بيكدلي سببا آخر، وهو تمهيد الطريق لتحسين العلاقات بين إيران والغرب، لأن طهران تتعرض في الوقت الراهن لضغوط من مجلس محافظي وكالة الطاقة النووية.

وأشار إلى مظهر من مظاهر هذه الضغوط، وهو ما نشرته وكالة أسوشيتيدبرس أخيرا في تقرير لها من مزاعم عن أن إيران حفرت أنفاقا تحت الأرض في قلب الجبال، وتنوي نقل مواقعها النووية إلى هذه الأماكن. 

ويرى بيكدلي أن هذه التوجهات والضغوط الدولية تظهر مدى أهمية زيارة سلطان عُمان لإيران، وأنه يبدو أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، مستعد في النهاية لتوضيح دوره تجاه طهران.

وربط هذا المحلل بين الوضع الراهن للاقتصاد الإيراني وضرورة تحسين العلاقات الدولية في ظل زيارة سلطان عُمان.

كما قال إن إيران تتعرض بشدة لضغوط اقتصادية خانقة، ولا يمكن حل مشاكل اقتصادها المجمد بأي شكل من الأشكال في ظل الوضع الراهن.

وذّكر بيكدلي بما صرح به وزير الخارجية الإيراني، الذي أعرب عن أمله في أن تستثمر السعودية في إيران، وهو الأمر الذي لا يبدو قابلا للتطبيق بشكل كبير في وقت ما زالت تواجه فيه طهران مشكلة مع مجموعة العمل المالي.

والمعروف أنه ثمة مشاكل بين إيران ومجموعة العمل المالي، وهي المنظمة التي تضع المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، كما تقيم مدى التزام الدول بتلك المعايير. 

ثم يؤكد بيكدلي على حقيقة مفادها أن إيران يجب أن تسير في اتجاه إعادة بناء علاقاتها مع الدول الأخرى، خاصة الدول الغربية، لأن الصين وروسيا لا تريدان ولا تستطيعان العمل بإيجابية في مجالات مثل صناعة النفط في طهران. 

وبشأن ضرورة زيادة التعاون بين إيران ودول المنطقة العربية، يقول إن المسؤولين السعوديين أشاروا مرات عديدة وبشكل غير مباشر إلى ضرورة انسحاب طهران من الدول العربية.

ويرى بيكدلي أن الدول العربية تسعى في الآونة الأخيرة إلى التقارب والتوحد في أحلاف، فقد عاد النظام السوري إلى حضن الجامعة العربية، وعزز العراق علاقاته مع حلف شمال الأطلسي "الناتو" والغرب.

ولمواكبة الجيران الذين يخططون للمستقبل، يجب أن تقبل إيران شروط الدول العربية، وهي تخفيف التوتر وإقامة علاقات سلمية، وفق تقديره.

ويختم حديثه بأنه إذا كانت السلطات الإيرانية تريد منع زيادة الهوة بين الشعب الإيراني وحكومته، بسبب الأوضاع الاقتصادية في المقام الأول، فعليها أن تنتهز فرصة مثل زيارة سلطان عُمان بجدية.