اضطهاد ديني.. لماذا تهدم حكومة آبي أحمد المساجد وتدنس القرآن في إثيوبيا؟

12

طباعة

مشاركة

منذ بدء شهر رمضان 2023، أي خلال شهرين فقط، هدمت الحكومة الإثيوبية 19 مسجدا في إقليم "أوروميا" ذي الأغلبية المسلمة، بدعوى تطوير المنطقة وبناء مركز تجاري كبير يسمى "شيغر سيتي".

وحين احتج المسلمون عقب صلاة الجمعة في 26 مايو/أيار 2023، أطلقت الشرطة النار عليهم فقتلت اثنين وأصيب العشرات، ووقعت اشتباكات بين المصلين والشرطة، في مسجدي "الأنوار" و"النور العظيم" شمال العاصمة أديس أبابا.

وهذه ليست المرة الأولى التي يجرى فيها الاعتداء على مساجد في إثيوبيا، ففي عام 2019 شنت جماعات مسيحية متطرفة هجمات على مساجد وأحرقت وهدمت بعضها، دون تحرك حكومي.

وإثيوبيا ذات أغلبية مسيحية تعادل قرابة ثلثي السكان وخصوصا الأرثوذكسية، لكن المسلمين يشكلون أغلبية في ثلث البلاد تقريبا.

جرس إنذار

لم يكن تظاهر المسلمين عقب صلاة الجمعة 26 مايو 2023 سوى مجرد جرس إنذار لتنبيه السلطات وتحذيرها من ثورة غضب للمسلمين الذين يشكلون 33 بالمئة من إجمالي سكان البلاد، بمعدل 36 مليونا من 113، وفق الإحصاءات الرسمية.

وما جرى من هدم 19 مسجدا وتدنيس القرآن الكريم في أورومو ذي الأغلبية المسلمة وموطن رئيس الوزراء المسيحي، آبي أحمد، بحجة "التطوير" كما يفعل طغاة العالم، أغضبهم وعدوه استمرارا للعداء لهم.

وكشف المجلس الإثيوبي الأميركي (EADC)، أن المسلمين في أديس أبابا احتجوا على هدم أكثر من 19 مسجدا في أوروميا، وتدنيس القرآن الكريم، وأكد إصابة العديد من المسلمين بالذخيرة الحية.

ولفت المجلس عبر حسابه بموقع "تويتر" في 26 مايو 2023، إلى أنه تم تدمير 19 مسجدا منذ رمضان من قبل حكومة آبي أحمد، ما جعل المسلمين يشعرون بالصدمة بسبب هذا الاضطهاد الديني وأورد جانبا من مظاهراتهم.

من جانيه، أفاد شاهد عيان لوكالة الأنباء الفرنسية في 27 مايو/أيار 2023 بأن المصلين أطلقوا شعارات ضد مشروع مركز كبير يسمى "شيغر سيتي" وللحكومة بعد صلاة الجمعة.

وهتفوا بشعارات تطالب بـ"وقف تدمير مساجدنا"، وحين حاصرتهم قوات أمنية كبيرة أمام أبواب المسجد غضب المصلون وقاموا برشقها بالأحذية، وأطلقت الشرطة عليهم الرصاص والغاز المسيل للدموع.

وانتشرت فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ترصد الاشتباكات التي وقعت بالعاصمة، وتصور المساجد المدمرة وتدنيس المصاحف.

وعام 2022، أطلقت السلطات الفدرالية ومنطقة أوروميا، مشروعا مثيرا للجدل يسمى "شيغر سيتي" ويقضي بدمج ست بلدات تحيط بالعاصمة في قوس غربي واسع، وشرعت في حملة هدم مبانٍ ومساجد بدعوى بنائها بشكل غير قانوني.

وأدان معارضو المشروع هذه العمليات التي يعدونها"تمييزية" وتستند برأيهم إلى معايير "عرقية" ضد السكان الذين لا ينتمون إلى عرقية الأورومو، و"دينية" باستهداف مساجد ومدارس للمسلمين، حسب الوكالة الفرنسية.

ومطلع أبريل/نيسان 2023، أدانت اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان (EHRC) عمليات الهدم والإخلاء القسري على نطاق واسع في مدينة شيغر التي تم تشكيلها حديثا.

واتهمت اللجنة إدارة أوروميا بإجراء عمليات إخلاء قسري وهدم غير قانونية تنتهك القوانين الفيدرالية وحكومات إقليم أوروميا التي سنتها وتتعارض مع القوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان، بحسب موقع "التقرير" الإثيوبي.

وقال الناشط الإثيوبي يوري تاديسي، إن "الاستفزاز الديني للحكومة وتدمير الممتلكات وراء احتجاجات المسلمين المستمرة".

وأكد عبر حسابه على تويتر في 26 مايو 2023 أن "هدم العديد من المساجد في أوروميا وتدنيس القرآن الكريم يضربان في صميم الهوية الدينية والثقافية للمسلمين الإثيوبيين".

وأشار تاديسي إلى أن "احتجاجات المسلمين الإثيوبيين تسلط الضوء على مخاوفهم المتزايدة بشأن سياسات وإجراءات نظام آبي أحمد ضد المؤسسات الدينية".

وأصدر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في أديس أبابا بيانا من 11 نقطة يدين عمليات هدم المساجد ومقتل مسلمين خلال دفاعهم عنها في 27 مايو 2023.

ودعا المجلس أن "يتقبل الله الأبرياء المسلمين الذين فقدوا أرواحهم في الهجوم الذي وقع في 26 مايو حول مسجدي الأنوار ونور  في أديس أبابا من الشهداء".

وطالب بتشكيل لجنة تحقيق مستقل من الحكومة ومجلس الشؤون الإسلامية للتحقيق في الهجوم على المسجدين.

كما دعا المجلس حكومة إقليم أوروميا للتوقف عن هدم المساجد في "شيغر" وتبني بدلا مما هدمته، ووصفها بأنها "لا تحترم الإسلام والمسلمين".

وكان ملفتا أن بيان المجلس ألمح إلى مسؤولية "مناهضين للإسلام في مختلف مناطق هيكل الحكومة لخلق صراع بين الشعب والحكومة"، لذا دعا السلطات إلى "اتخاذ الإجراءات المناسبة لتنظيف وتطهير الهيكل الحكومي".

اعتداءات سابقة

وسبق أن وقعت اشتباكات عنيفة بين المسلمين والمسيحيين الأرثوذكس في مدينة جوندر بمنطقة أمهرة الشمالية ذات الغالبية المسيحية في 26 أبريل/نيسان 2022، قُتل فيها 30 شخصا وأصيب 100 بجروح، بعد هجوم على مقبرة إسلامية.

وكتب مسلمون إثيوبيون على منصات التواصل الاجتماعي يؤكدون أن هذه الاشتباكات التي بدأت بهجوم مسيحيين على مقبرة للمسلمين، نتج عنها وفاة أكثر من 14 مسلما وإصابة العشرات، وحرق 5 مساجد و21 منزلا للمسلمين في مدينة جوندر.

وأعلن "مجلس الشؤون الإسلامية" بأمهرة في 27 أبريل/نيسان 2022 أن أكثر من 20 شخصا قُتلوا في هجوم استهدف مسلمين بمدينة جوندر شمال إثيوبيا، أثناء جنازة مسلم كبير السن، بحسب "وكالة الأنباء الفرنسية".

ووصف المجلس الهجوم بـ"المذبحة"، وحمَّل مسؤولية ارتكابها إلى من سماهم بـ"متطرفين مسيحيين مدججين بالسلاح"، أطلقوا وابلا من الرشاشات الثقيلة والقنابل اليدوية على المشيعين، وفق قوله.

من جانبه، قال "المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في أديس أبابا"، في بيان 27 أبريل/نيسان 2022، إن عدد القتلى في جوندر ارتفع إلى 21.

ووصف الهجوم بأنه "كان مذبحة مخطط لها"، وتم خلاله حرق المساجد والمصاحف واغتصاب النساء وتدمير ممتلكات المسلمين في المدينة، بحسب صحيفة "إثيوبيا إستاندار" في 27 أبريل/نيسان 2022.

وزعم جهاز الأمن والاستخبارات والشرطة والجيش الإثيوبي، حينئذ أنه تم اعتقال 280 مشتبها بهم بسبب تورطهم في تلك الأحداث.

وذكر أن "هناك قوى تعمل بغطاء ديني لزعزعة استقرار البلاد وتفكيكها"، دون تحديد ماهيتها، رغم تلميح صحف إثيوبية لأطراف مسيحية من أمهرة الرافضين لتولي آبي أحمد السلطة وهو من أوروميا.

وعقب المواجهات الدينية بين المسيحيين والمسلمين عام 2022 بسبب اعتداءات على مساجد من قبل متطرفين مسيحيين إثيوبيين، أصدر المقرر العام للأمم المتحدة المعني بحرية الدين بيانا يوم 7 مايو/أيار 2022 ينتقد "الاشتباكات بين الأديان".

وقال: "وردنا أن مسجدين حرِقا واثنين آخرين دمِّرا جزئيا في جوندر، وفي الهجمات الانتقامية التي أعقبت ذلك، تم حرق رجلين مسيحيين وأُحرقت خمس كنائس في منطقة سلتي، جنوب غربي البلاد"، ولم يذكر البيان الأممي أن "21 مسلما قتلوا!".

ومع اندلاع النزاع المسلح في إقليم تيغراي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بين حكومة الإقليم بقيادة جبهة تحرير تيغراي الشعبية، والجيش الإثيوبي بدأ الحديث عن عنصر "ديني" للصراع بخلاف العنصر العرقي بين "الأمهرة" و"الأورومو".

وتردد أن ما حدث في جوندر دخل فيه العامل الديني، حيث اتهمت السلطة الإقليمية في أمهرة حينئذ جبهة تحرير تيغراي بدعم "حركة قيمانت العرقية القومية" من خلال توفير السلاح والمال وتحريضها بغرض المطالبة بحكم ذاتي وكلاهما ذو توجه ديني مسيحي متطرف.

وعام 2019، نشب نزاع مماثل في منطقة ديسي شمال شرقي أديس أبابا حول أرض حاول مسيحيون بناء كنيسة عليها، بينما قال مسلمون إنها تابعة لهم، ما أسفر عن مقتل عدد منهم.

وتم اعتقال خمسة أشخاص قاموا بإحراق أربعة مساجد في "ديسي" نفسها، ما أدى إلى موجة عنف ديني، بحسب إعلام محلي.

قصف "النجاشي"

وخلال هجومها على إقليم تيغراي، قصفت القوات الإثيوبية مسجد "النجاشي" في ديسمبر/كانون الأول 2020 وهو أول مسجد في إفريقيا، على اسم ملكها الذي استقبل المهاجرين المسلمين وأحسن معاملتهم، حيث شُيد على أول أرض إفريقية عرفت الإسلام، وتعرض لأضرار بفعل القصف.

وقالت شبكة "بي بي سي" البريطانية" في 5 يناير/ كانون الثاني 2021، نقلا عن منظمة "برنامج أوروبا الخارجي مع إفريقيا"، تأكيدها أن مسجد النجاشي "تعرض للقصف أولا ثم نهبته القوات الإثيوبية والإريترية"، وتم قتل مسلمين حاولوا حمايته.

وأظهرت صور مئذنة المسجد مدمرة وقبتها تحطمت جزئيا وواجهتها مدمرة وتناثر الركام داخل المسجد.

وقال ممثل الرابطة الإقليمية الدولية للمسلمين في تيغراي، أحمد سراج، إن منظمته سجلت مقتل عدة مسلمين على أيدي مقاتلين في أعقاب التدمير الجزئي للمسجد.

وأوضح لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 13 يناير 2021: "لقد حددنا من مصادرنا أن عددا من الأبرياء، بينهم أب لأربعة أطفال، قتلوا على أيدي جنود إريتريين لمجرد احتجاجهم على نهب المسجد في 26 نوفمبر 2020".

وأضاف سراج أن "عددا من القطع الأثرية سُرقت من المسجد، بما في ذلك مخطوطات دينية وكتب وخطابات تعود إلى القرن السابع، بينما كان هناك أيضا ضريح يعتقد أنه يحتوي على رفات بعض أتباع النبي محمد، تعرض لأضرار".

فيما انتقد موقع "ذا كونفرزيشن" الأسترالي في 29 مارس/آذار 2022 ما أسماه "مخاطرة حرب إثيوبيا في تيغري بمحو قرون من تاريخ العالم"، مؤكدا أنه تم استهداف المواقع التراثية في المنطقة عمدا من بينها هذا المسجد التاريخي، وكنائس.

وأكد أن "حضارة مملكة أكسوم، إحدى الحضارات الأربع المعروفة التي تأسست في القرن الأول الميلادي (بالإضافة إلى روما وبلاد فارس والصين)، وسط تيغراي عانت من هذه الحرب".

ولفت إلى "استهداف القوات الإثيوبية الغازية العديد من المواقع التراثية في تيغراي، حيث تضم المنطقة آلاف الكنائس والأديرة والمساجد والمدن الإسلامية الرمزية والمواقع الأثرية والمتاحف".

وقالت: "تم تفجير مسجد النجاشي، رمز أول دخول للإسلام في إفريقيا، وحرق مخطوطات ثمينة من العصور الوسطى وتخريبها، ونهب وتهريب آلاف القطع الأثرية".

يصل الأمر في بعض المدن الإثيوبية، مثل "أكسوم" القديمة، لمنع المسيحيين الأرثوذوكس إقامة مساجد بها، بزعم أنها "مدينة مقدسة"، وفق شبكة "بي بي سي" في 25 يونيو/حزيران 2019.

وسبب منع بناء المساجد هناك، بالنسبة للمسيحيين الأرثوذوكس الإثيوبيين، هو زعمهم أن "أكسوم" هي مدينة ملكة سبأ، و"تابوت العهد" الذي يحوي الوصايا العشر التي أرسلها الله للنبي موسى.

ومملكة "أكسوم" عرفت بتسامحها الديني، ووصلها المسلمون للمرة الأولى في فجر الإسلام، حوالي عام 600 الميلادي هربا من الاضطهاد الديني لقبيلة قريش، ورحب الملك المسيحي بهم وسهل أول وجود إسلامي هناك.

وحاول المسلمون الذين يشكلون 10 بالمئة من سكان أكسوم ويبلغ عددهم 73 ألف نسمة، مقابل 85 بالمئة من المسيحيين الأرثوذوكس، تنظيم حملات من أجل بناء مسجد في المدينة، وهو ما رفضه الزعماء المسيحيون بشدة.

"غوديفا ميرها"، وهو أحد كبار رجال الدين المسيحيين قال لشبكة "بي بي سي" إن "أكسوم بالنسبة لنا مثل مكة بالنسبة للمسلمين، فكما يحظر بناء الكنائس في مكة يحظر بناء المساجد في أسكوم، ونفضل الموت على أن يحدث ذلك!|.

ومع أن مسلمين تظاهروا عدة مرات رافعين شعار "العدالة لمسلمي أكسوم" مطالبين بحق بناء مسجد ورفع الأذان فيها باستخدام مكبرات الصوت، إلا أن المنع دفعهم لاستئجار منازل للصلاة فيها، بدون مكبرات صوت في صلاة الجمعة.