"مخاوف مستقبلية".. لماذا قاطعت إيران احتفالا رسميا بكردستان العراق؟
سلط موقع إيراني الضوء على استدعاء طهران، في 13 مايو/أيار 2023، السفير العراقي، لإبلاغه اعتراضها الشديد على وجود الأحزاب الكردية المعارضة للنظام الإيراني في احتفال رسمي أقيم بالعراق، بحضور كبار المسؤولين.
وكان وفد طهران برئاسة القنصل في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، قد غادر فعاليات حفل أقيم في 11 مايو 2023، بمناسبة افتتاح متحف "الملا مصصطفى البرزاني"، أحد زعماء الأكراد المعروفين، احتجاجا على مشاركة أحزاب كردية إيرانية معارضة في هذا الحفل.
وفي هذا الصدد، تحدث موقع "إيران واير" مع عضو وفد الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، محمد صالح قادري، وعضو قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، علي عوني، اللذين شاركا في الحفل.
مغادرة الوفد
وأقيم حفل افتتاح متحف "الملا مصطفى البارزاني" بدعوة من زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، مسعود البارزاني، ونجل الملا مصطفى البارزاني، في منطقة برزان بمدينة أربيل.
وشارك في الاحتفال شخصيات سياسية عراقية رفيعة المستوى، على رأسها رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، بالإضافة إلى عدد من قيادات سنية وشيعية.
وتليت في مراسم الافتتاح رسالة من الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، الذي شارك سفير بلاده لدى بغداد في هذه المراسم.
كما تمّت دعوة ممثلين عن أحزاب الديموقراطي الكردستاني الإيراني، والحرية الكردستاني، والكردستاني الإيراني لحضور هذا الحفل والمشاركة فيه.
ولكن مشاركة أحزاب معارضة لإيران في هذا الحفل الرسمي أدت إلى رد فعل حاد من جانب القنصل العام للحكومة الإيرانية في أربيل، خاصة عندما جلس المسؤول التنفيذي للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، مصطفى هجري، في الصف الأول من الحفل.
وفي هذا الصدد، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير العراقي في طهران، وأبلغه رئيس دائرة الخليج الأولى في وزارة الخارجية، احتجاج إيران الشديد على دعوة أعضاء الجماعات "الانفصالية" واستمرار بعض أنشطة الجماعات "الإرهابية" في منطقة كردستان العراق.
ووصفت الخارجية الإيرانية هذه الإجراءات بأنها "تتعارض مع الاتفاق الأمني الأخير" مع العراق.
وفي 28 مارس/آذار 2023، وقع العراق وإيران وثيقة أمنية، بهدف توفير الأمن الحدودي ضد الأحزاب الكردية المعارضة للحكومة الإيرانية.
وتتهم إيران أحزاب المعارضة المتواجدة في إقليم كردستان العراق بالتحريض على الاحتجاجات، واستخدام الأراضي العراقية ضد إيران بعد اندلاع المظاهرات الاحتجاجية بالبلاد، في أعقاب مقتل الفتاة مهسا أميني في أحد مراكز الاحتجاز، بسبب عدم التزامها بالحجاب الصحيح.
ومنذ ذلك الوقت، يستهدف الحرس الثوري الإيراني بشكل متكرر المعسكرات والمقرات المركزية لهذه الأحزاب في المناطق الواقعة في عمق إقليم كردستان العراق بضربات جوية، كما طالبت إيران حكومة العراق وإقليم كردستان بتفكيك قواعد ومقرات هذه التنظيمات، بالإضافة إلى نزع سلاحها.
رد الأحزاب
وقال محمد صالح قادري، بصفته أحد أعضاء وفد الحزب الديمقراطي المشارك في حفل افتتاح المتحف، إنهم علموا من الهيئة المضيفة أن القنصل العام لإيران قد غادر الحفل مع الوفد المرافق له اعتراضا على وجود ممثلي الأحزاب الكردية الإيرانية.
ووصف قادري مغادرة الوفد مراسم حفل رسمي بسبب وجود المعارضة، وبوجود كبار المسؤولين من سفارات وقنصليات الدول المجاورة، وكذلك وجود سياسيين أجانب، بأنه "سلوك غير دبلوماسي، وغير سياسي، وينتمي إلى العصور الوسطى، ليس هذا فقط، وإنما يجسد أيضا منطق إنكار الأكراد من جانب إيران".
وحول رؤية حزبه لتصرف القنصل الإيراني، قال قادري إن "مغادرة ممثل طهران للحفل يُظهر الطبيعة الحقيقية لهذه الجمهورية، ومنطقها الراسخ حول إنكار القضية الكردية في إيران، وكذلك انزعاجها وكراهيتها للتضامن والوحدة بين الأكراد في جميع أنحاء كردستان، وهو ما تجلى في مغادرة الحفل الرسمي".
وحول السبب في دعوة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وأحزاب كردية إيرانية أخرى لحضور حفل افتتاح المتحف، أشار قادري إلى أن أهداف إقامة هذا الحفل "غير سياسية".
وقال إن "إعادة افتتاح متحف الملا مصطفى البارزاني، وإقامة هذه المراسم الاحتفالية، لم يكن سياسيا على الإطلاق، بل هو حفل تكريم وذكرى لنضالات الأكراد التاريخية، وخاصة نضالات الملا مصطفى البارزاني، كواحد من قادتهم المعروفين".
وأضاف قادري أنه من ناحية أخرى، يرتبط جزء من هذا المتحف بالدور التاريخي لعائلة البرزاني، بقيادة المرحوم الملا مصطفى، في جمهورية كردستان، برئاسة القاضي محمد، مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وأن "هذا هو السبب الرئيس في إيلاء اهتمام خاص للحزب الديمقراطي في هذا الحفل".
وجمهورية كردستان، أو جمهورية مهاباد، هي الجمهورية التي تأسست عام 1945 في مدينة مهاباد، إحدى مدن غرب أذربيجان، وأدى القاضي محمد اليمين القانونية كرئيس لها.
واستمرت هذه الجمهورية مدة 11 شهرا، وأعدم القاضي محمد ورفاقه من قبل حكومة الملك الإيراني رضا شاه.
وتأسس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني بعد يوم واحد من إعلان جمهورية كردستان، وهو أحد أكثر الأحزاب الكردية فاعلية في كردستان منذ إنشائه.
وبحسب هذا العضو المشارك في وفد الحزب الديمقراطي، فإن الحزب لم يُظهر أي حساسية تجاه حضور الوفد الإيراني، احتراما للمضيف، والتزاما بالبروتكولات الدبلوماسية.
ضيق شديد
وفي تعليقه على رد فعل طهران على حضور الأحزاب المعارضة للحكومة الإيرانية في الحفل، قال عضو قيادة "الديمقراطي الكردستاني العراقي"، علي عوني، والذي شارك أيضا في المراسم، إن "رئيس وفد إيران تساءل عن سبب دعوة الجماعات الإرهابية للحفل، وخرج مع رفاقه منذ الدقائق الأولى"، معربا عن شعوره بـ"الضيق الشديد".
وأوضح عوني أنهم قاموا بدعوة الحكومة الإيرانية بوصفها إحدى الدول الصديقة والمجاورة لبلادهم، "مثلها مثل باقي الممثلين والضيوف الأجانب الآخرين، وأرادوا أن تكون إيران حاضرة إلى جانبهم حتى نهاية الحفل، ولكنهم لم يستطيعوا تجاهل جزء من الأمة الكردية في كردستان الإيرانية".
وبعد أن أشار إلى الهجمات الصاروخية والعمليات التي تقوم بها الطائرات المسيرة التابعة للحرس الثوري الإيراني ضد مواقع الأحزاب الكردية في أعماق إقليم كردستان العراق، أكد عوني على أنهم أخبروا إيران مرارا بأن "مقرات هذه الأحزاب بعيدة جدا عن الحدود الإيرانية، ولا تشكل خطرا عليها".
وأضاف عوني أن مقرات هذه الأحزاب ومعسكراتها هي أيضا مساكن للاجئين وعائلاتهم، وكذلك للمعارضين الإيرانيين، وأنه رغم أن لديهم أعدادا محدودة من الأسلحة الخفيفة فإن هذه الأسلحة للحفاظ على أمنهم، وليست لمحاربة الحكومة الإيرانية.
ووفقا لهذا القيادي في الحزب الديمقراطي لكردستان العراق، فإن أحزاب المعارضة الإيرانية تتمركز في هذه المخيمات مع اللاجئين السياسيين وعائلاتهم منذ أكثر من 30 عاما، وخلال هذه السنوات، لم يستغلوا أراضي إقليم كردستان ضد إيران، بل حافظوا على أمن المنطقة واستقرارها، التزاما منهم بتعهدهم الجدي بمصالح حكومة كردستان العراق.
ولكن إيران – بحسب هذا القيادي الكردي – تظلم إقليم كردستان العراق، وكذلك اللاجئين السياسيين وعائلاتهم ممن يعيشون في المعسكرات، من خلال هجماتها المتكررة بالصواريخ والطائرات المسيرة على مواقع المعارضة في الأشهر القليلة الماضية.
وحول وجود معارضي طهران في المنطقة الكردية بالعراق، رأى عوني أن "وجود ناشطين سياسيين ولاجئين هذه المخيمات مع عائلاتهم وأطفالهم، هو نتيجة لسياسات الجمهورية تجاه الأكراد".
وقال عوني إنه "يعتقد أنه لو استجابت إيران بطريقة سلمية لمطالب الأكراد وتحدثت مع معارضيها من أجل حل القضية الكردية في كردستان الإيرانية، لانتهى بلا أدنى شك الكثير من المشاكل والتوترات".