قبل أيام من الانتخابات التركية.. حملة إعلامية غربية تستهدف الرئيس أردوغان

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

كما هو معتاد مع كل حدث انتخابي تشهده تركيا على مدار العقدين الأخيرين، أطلقت الدوائر الإعلامية الغربية حملة شرسة ضد الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم العدالة والتنمية. 

وتتجه الأنظار في 14 مايو/ أيار 2023 إلى تركيا، التي تشهد انتخابات رئاسية وبرلمانية مصيرية تشهد تنافسا محموما بين تحالف "الجمهور" بقيادة أردوغان، وتحالف "الأمة" المعارض بقيادة رئيس حزب الشعب الجمهوري "كمال كليتشدار أوغلو".

وفي تلك الأجواء تكتنف الآلة الإعلامية الغربية سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، حالة هجوم متصاعدة ضد أردوغان، على أمل أن يلقى رجل تركيا القوي هزيمة تضع حدا لنجاحاته المتتالية منذ مطلع الألفية الثالثة.

وتأتي هذه الحملة المتوازية في سياق تجد فيه تركيا نفسها مشتبكة مع ملفات عديدة إقليميا ودوليا، ورغم أن أردوغان يسعى منذ شهور لـ"تصفير" المشاكل مع دول المنطقة، لكن يبدو أن الغرب قرر استغلال هذا الأمر للتأثير على الاقتراع الشعبي.

كاريكاتير مسيء 

ومن أبرز الدعاية المضادة التي وجهت إلى أردوغان من قبل الإعلام الغربي وانتشرت على نطاق واسع وتفاعل معها قطاع كبير من الأتراك ما بين الغضب والتأييد، ذلك الكاريكاتير الذي رسمه الأميركي "داريل كاجلا" على موقعه في 28 أبريل/ نيسان 2023. 

والكاريكاتير عبارة عن صورة تحوي تمثالا كبيرا مدمرا لمؤسس الجمهورية التركية العلمانية مصطفى كمال أتاتورك، ويقف داخل أقدامه المهشمة مجسم صغير لأردوغان بملامح غاضبة.

وعلى قاعدة التمثال، تم وضع علامة خطأ (X) باللون الأحمر على كلمة أتاتورك، وأسفلها كتبت كلمة "ديكتاتورك".

ورسمت بخلفية الكاريكاتير  العديد من مآذن وقباب المساجد، في إشارة أن الرئيس التركي هزم العلمانية، وقدم التوجهات الدينية والمحافظة.

وعلق المؤرخ محمد إلهامي على ذلك الكاريكاتير، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، بالقول: "الغربي (المتحضر جدا والصادق جدا!) لن يقولها لك بهذه الصراحة، بل يقولها وهو يضع لافتة (أردوغان ديكتاتور).. ولهذا تراه كتب تحته كلمة "ديكتاتورك"!

وأضاف: "يضحك الغربي على نفسه، وعلى المغفل الذي يصدقه.. ويوحي لك أن أتاتورك كان ديمقراطيا! كأنما جاء إلى السلطة بانتخابات نزيهة، وظل فيها وفقا لنتائج الانتخابات النزيهة، وكأنما كان عصره عصر حرية سياسية ومعارضة حرة وحقوق إنسان!". 

وأوضح: "الطريف أني رأيت هذا الرسم منشورا عند أستاذ في جامعة جون هوبكنز، أي أنه ليس مجرد صحفي مرتزق، بل هو شخصية أكاديمية يتوقع أن يكون عاقلا!". 

أما الشاعر التركي إبراهيم خليل باران، نشر الكاريكاتير على صفحته بتويتر وخاطب محبي أتاتورك من الأتراك قائلا: "مصطفى كمال الجديد ليس كمال كليتشدار أوغلو، بل الطيب أردوغان".

إساءة "إيكونوميست" 

ومن اللافت أن الصحف الغربية في هجومها على أردوغان تتخذ دائما ذريعة الديكتاتورية، رغم أنه لم يأت إلى السلطة إلا عبر انتخابات نزيهة، ولم يبق فيها إلا عبر انتخابات حرة، إضافة إلى أن المعارضة تتمتع في عهده بصحف ومنابر ومؤسسات كثيرة. 

وفي مطلع مايو/ آيار 2023، نشرت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، على غلافها الرئيسي، منشورا عن الانتخابات الرئاسية التركية، ووصفتها بأنها أهم استحقاق انتخابي عام 2023، ونعتت الرئيس أردوغان بـ "الديكتاتور".

اللافت أن المجلة البريطانية دعت صراحة إلى وجوب رحيل أردوغان عن السلطة، وأن الانتخابات ستكون الوسيلة الحاسمة لإزاحته. 

الأمر الذي استدعى وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو للرد، قائلا: "إنهم يتخذون قرارات نيابة عن الشعب التركي، ويحاولون إرشاد الأمة التركية".

وأضاف في 4 مايو 2023، خلال زيارته الغرفة التجارية والصناعية في ولاية أنطاليا: "لماذا يجب أن يرحل الرئيس أردوغان عن السلطة؟ ما الضرر الذي يلحقه أردوغان بكم؟ أو بماذا يضر أردوغان بريطانيا مثلا؟"

وأتبع: "لو لم يكن الرئيس أردوغان موجودا على رأس السلطة في تركيا، لكان العالم سيعاني أزمة غذاء حقيقية، لولا تركيا فإن أمن أوروبا سيكون في خطر، لماذا تتدخلون في السياسة الداخلية لهذا البلد؟".

وشدد وزير الخارجية التركي: "نحن لا نتعامل مع من يتدخل في الشؤون الداخلية لتركيا. هؤلاء سيتلقون الجواب المناسب من شعبنا يوم 14 مايو".

وفي 4 مايو 2023 نشر حساب ناشط تركي باسم "تون هون" على "تويتر"، صور أغلفة مجموعة من الصحف والمجلات الغربية "إنجليزية وألمانية وفرنسية ويونانية" تهاجم أردوغان بأساليب مختلفة.

وغرد قائلا: "بصفتي مناهضا قويا لأردوغان، بعد رؤية هذه العناوين، غيرت رأيي تماما وقررت دعم السيد أردوغان في الانتخابات".

وأتبع: "كل هذه السنوات لم أكن أقدر ذلك.. بعد كل شيء، إن القائد الذي لا تريده أوروبا يعني أنه قد قام بعمل جيد للغاية من أجل بلاده".

احتفالات "الشمبانيا"

وقبل ذلك، كتب الصحفي الإنجليزي ديفيد هيرست مقالة لموقع "ميدل إيست آي" في 22 أبريل/ نيسان 2023 عن انحياز الإعلام الغربى ضد أردوغان لصالح كليتشدار أوغلو.

وقال فيها: "ما من شك في أن إزاحة أردوغان من منصبه سوف تقابل بترحيب شديد وباحتساء الشمبانيا في العواصم الغربية من برلين إلى واشنطن، وهذا أمر واضح". 

وتساءل: "لكن هل سيعود غيابه من الساحة الإقليمية بالخير على تركيا أو حتى على الشرق الأوسط؟". 

وفي 30 أبريل، كتب موقع "الحرة" الأميركي أن الانتخابات التركية ستكون بين حزب العدالة والتنمية "الإسلامي المحافظ" برئاسة أردوغان، وحزب الشعب الجمهوري العلماني الذي يمثله كليتشدار أوغلو.

وأضاف: "في هذه الانتخابات سيختار 64 مليون ناخب تركي بين ممارسة سلطوية متزايدة للسلطة تترافق مع تدين، أو وعد بتحول ديمقراطي". 

وفي 30 أبريل أيضا نشر موقع "دويتشه فيله" الألماني تقريرا هاجم فيه الرئيس أردوغان، عندما تحدث عن إصابته بفيروس معوي.

وقال: "إنه مصمم على البقاء 5 سنوات إضافية على رأس هذا البلد الذي تعداده 85 مليون نسمة والذي قام بتغييره بشكل عميق". 

واعتبر الموقع الألماني أن الانتخابات القادمة ستكون بمثابة استفتاء حاسم حول أردوغان. 

وفي 16 أبريل 2023، كتب الصحفي التركي "إحسان أقطاش" مقالة على موقع صحيفة "ديلي صباح التركية" يتحدث عن الانحياز الغربي ضد أردوغان، بسبب سياسته الاستقلالية غير التابعة للغرب.

وقال: "الشعب التركي يقف الآن عند مفترق طرق، فإما أن يدعم أردوغان الذي يؤيد الاستقلال التام والوحدة الوطنية والتضامن مع أمته، أو أن يستسلم للسياسات الموالية للغرب والسعي لتحقيق مصالحه، كما كان الحال قبل 40-50 عاما". 

واختتم: "ما من شك أن الأمة التركية ستقرر ما هو الأفضل لها وستتخذ القرار الصحيح". 

الكيل بمكيالين 

وتعليقا على هذه الحملة الغربية، قال الباحث الإعلامي المقيم في بريطانيا طارق محمد، إن "تكالب الإعلام الغربي ضد حكم أردوغان وحزب العدالة والتنمية، نابع من اتجاهات مختلفة أخطرها اليمين المتطرف، وكذلك الحكومات الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا والنمسا".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "جميعهم اتفقوا على إسقاط أردوغان بأي طريقة، ولا شك أن التجربة التركية وانتقالها من طور الضعف إلى القوة والفاعلية الدولية أزعجتهم بشكل واضح".

وأكد محمد أن "كيل أوروبا والولايات المتحدة بمكيالين حيال الانتخابات والوضع العام في تركيا، هو من باب القضاء على تجربتها، كما يحدث في بقية الدول الإسلامية مثل مصر وباكستان، وتظل لتركيا وضعيتها الخاصة لأنها جارة أوروبا، وفي زمام أمنها الإستراتيجي والقومي". 

الباحث الإعلامي قال أيضا "لا شك أن قوة تركيا وتدخلها في ملفات مثل شرق المتوسط وسوريا والعراق وليبيا، إضافة إلى صناعة المسيرات التي حسمت الصراع في كثير من الحروب مثل قره باغ وليبيا، مقابل انكماش الدور الأوروبي، جعلت من التمدد التركي مبعث قلق لتلك الأنظمة، التي شكلت أيضا دعما ولو إعلاميا للانقلاب العسكري في 15 يوليو/ تموز 2016".

ومضى يقول: "تركيا تواجه تحديات كبيرة، هذه المرة خاصة أن تعبئة الإعلام الغربي غير مسبوقة، وتصور للمتابعين أن الانتخابات ستحسم لصالح المعارضة".

لذلك يجب على الأتراك أن يبقوا على أهبة الاستعداد لأن حقيقة الأمر أن خصومهم يدسون السم في الدعاية ويتربصون بهم، ولن يتركوا فرصة للإيقاع بهم في أزمات طاحنة حتى يفعلوها، لتعود تركيا كسابق عهدها مجرد تابع ضعيف لهم، يختم محمد.