أيهما تفضل إيران لرئاسة تركيا؟.. أردوغان أم كليتشدار أوغلو؟
على مشارف الانتخابات البرلمانية والرئاسية الحاسمة في تركيا، والمزمع إجراؤها في 14 مايو/أيار 2023، وصلت المنافسة بين تحالف الجمهور ومرشحه للرئاسة، الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وتحالف الأمة المعارض، ومرشحه كمال كليتشدار أوغلو، إلى أعلى مستوياتها.
فبعد عقدين من حكم حزب العدالة والتنمية، تأمل أحزاب المعارضة في إنهاء حكم الرئيس أردوغان وحزبه من خلال الانتخابات المقبلة.
ووفقا لتقرير نشره موقع فرارو الإيراني فإن الانتخابات التركية لا تجري متابعتها في الداخل التركي فقط، وإنما تتابعها الدول المجاورة لتركيا أيضا.
وقد حظيت هذه الانتخابات بتغطية واسعة في وسائل الإعلام الإيرانية، وتلقى اهتماما كبيرا لدى الرأي العام الإيراني.
وكان السؤال الأبرز هو: أي الخيارين أفضل بالنسبة لإيران، أردوغان أم كليتشدار أوغلو؟ أو بعبارة أخرى: هل يؤثر استمرار الرئيس الحالي في الحكم أو وصول منافسه إلى السلطة على العلاقات بين طهران وأنقرة؟
للإجابة على هذا السؤال، استطلع موقع فرارو آراء مجموعة من الخبراء في العلاقات الخارجية، وهم رحمن قهرمانبور، وقاسم محب علي، وسيامك كاكايي.
فرص وتحديات
يرى أستاذ العلوم السياسية رحمن قهرمانبور، أنه من منظور السياسة الخارجية فإن سياسة أردوغان الخارجية أدت إلى عواقب سلبية بالنسبة إيران، وزادت من حدة المنافسة الإقليمية مع طهران.
ويدلل قهرمانبور على ذلك بأن أردوغان سعى إلى توسيع دور تركيا ووجودها في المنطقة، وعمل على عسكرة سياسته الخارجية، من خلال التدخل في سوريا، والعراق، والدور المؤثر في منطقة القوقاز والبحر الأبيض المتوسط، وفق قوله.
ثم يقارن قهرمانبور بين موقف تحالف أردوغان ومنافسه كليتشدار في مجال السياسة الخارجية، فيقول إن توجه تحالف الأمة المعارض في السياسة الخارجية هو التوقف عن المغامرات السياسية والعسكرية الخارجية، والتركيز على الداخل، وخفض التوتر مع الدول المجاورة.
ويضيف: إن حزب الشعب الجمهوري الذي يقود المعارضة يؤمن بالمحافظة على ميراث مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، وهو ما يتوافق مع رؤية رئيس حزب "المستقبل" أحمد داوود أوغلو، الذي يشارك حزبه في تحالف كليتشدار أوغلو، ويرى ضرورة تصفير المشاكل مع جيران تركيا.
ويقول قهرمانبور إنه من الناحية الإقليمية فإن أردوغان يريد استمرار الوجود الإقليمي لتركيا، في حين أن معارضيه ومنتقديه في تحالف الأمة ليسوا على استعداد كبير لزيادة الوجود التركي في المناطق المحيطة بهذا البلد.
ومن ناحية العلاقات مع الغرب، يواجه أردوغان بعض التحديات مع القوى الغربية، ويمكنه التعاون مع إيران لتجاوز العقوبات أو زيادة التعاون مع طهران في الشأن السوري وفي مسار أستانا السياسي لحل الأزمة السورية.
وفي المقابل، فإن التحالف المعارض لأردوغان موال للغرب بشكل تقليدي، ويؤيد التقارب بين تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية ولا يقبل الوضع الحالي للعلاقات المشتركة.
ويشير هذا الخبير في الشؤون التركية إلى أنه لو استطاع هذا التحالف، الذي اختار الآن كمال كليتشدار أوغلو مرشحا أصليا ومدعوما له في الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، الفوز في الانتخابات، فمن المتوقع أن يحسن علاقات تركيا مع الغرب بسرعة كبيرة، وهو ما لن يرضي جمهورية إيران الإسلامية.
أما المجالات الأخرى، خاصة قطاع التعاون الاقتصادي، فإنها لن تشهد تغييرا كبيرا في العلاقات بين إيران وتركيا إذا جرى انتخاب أي من المرشحين الرئيسين في الانتخابات الرئاسية التركية.
ويعتقد قهرمانبور أنه من المحتمل أن التحالف المعارض لأردوغان، أي تحالف الأمة، أو المعارضة التركية العلمانية، ستقلص علاقاتها مع إيران قليلا تحت ضغط الغرب.
ولذلك فإن فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية سيعود بالفائدة على إيران في بعض المجالات، وسيكون فوز أحزاب المعارضة مفيدا لطهران في مجالات أخرى، بحسب تقديره.
مضطرتان للتعاون
أما السفير قاسم محب علي، الدبلوماسي الإيراني السابق، ومدير إدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإيرانية، فيقول إن ملاحظة العلاقات الإيرانية التركية في العقود الأخيرة تظهر أن طهران وأنقرة مضطرتان للتعاون مع بعضهما البعض.
ولمزيد من التوضيح، يقول محب علي إنه لا شك في أن البلدين يختلفان أحدهما مع الآخر في بعض المجالات، ويتبعان سياسات مختلفة، بل ويتنافسان أيضًا، ولكنهما يضطران رغم ذلك إلى التفاهم والتعاون في مجالات مثل التجارة والتواصل الإقليمي، وبالطبع في القضايا المتعلقة بالسياحة.
وأردف أن "معارضة أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية، والتي تجمعت الآن، واحتشدت خلف كمال كليتشدار أوغلو، لها توجهات قومية (وليست دينية) وهذا يشير إلى أنهم يستطيعون إقامة علاقات أفضل مع الغرب، ولديهم أسس مواتية للترويج لسياسات القومية التركية".
ويتابع أن المعارضة تعارض وجهة نظر أردوغان في طريقة الحكم المحلي لتركيا، ووجهة النظر الأيديولوجية، وكذلك التدخلات العسكرية التركية بالإقليم، في بلدان مثل سوريا والعراق، ومن المحتمل أن تتبنى مقاربة مختلفة مع القضية الكردية.
ويخلص من ذلك إلى أن رؤية المعارضة للسياسة الإقليمية التركية ستؤثر على دولة مثل إيران، في عدة أمور منها مثلا تقليص التدخل التركي في ملف مثل القضية الكردية.
ويحذر الدبلوماسي السابق من أن توجه المعارضة إلى الغرب سيخل بالتوازن في المنطقة إلى حد كبير، لأن تركيا دولة تتمتع بموقع مهم وإستراتيجي من الناحية الجيوسياسية، والتغيير في سياسة هذا البلد الخارجية سيؤثر في المنطقة بشكل ملحوظ.
ويضيف سفير إيران السابق لدى اليونان وماليزيا أن "أي شخص يأتي للعمل في تركيا يجب أن يكون في حسبانه بعض الاعتبارات في العلاقات مع إيران".
فالعلاقات التجارية والسياسية والأمنية بين طهران وأنقرة على المستوى الإقليمي يمكن أن تواجه تقلبات شديدة، لأن طبيعة السياسة في تركيا معقدة.
ويرى محب علي أن أردوغان ارتكب بعض الأخطاء في تركيا، ولكنه يمتلك ما يؤهله لتداركها وتلافيها، وهو ما أبقاه في الحكم حتى الآن.
ويختم تعليقه على الانتخابات التركية فيقول إنه "إذا فاز التحالف المناهض لأردوغان بالانتخابات الرئاسية في هذا البلد، فمن غير المرجح أن تكون قضية التدخل العسكري خارج حدود تركيا على جدول أعماله، وستكون المعارضة أكثر تركيزا على الداخل".
وحول تأثير الانتخابات الرئاسية التركية القادمة على الدول المجاورة، مثل إيران، يعتقد الخبير في الشؤون التركية سياماك كاكايي، أن العلاقات التركية الإيرانية تتبع معيارين رئيسين ومحوريين، بغض النظر عن الشخص أو التيار الذي سيفوز في الانتخابات المقبلة.
ويشرح كاكايي هذه الثوابت والمتغيرات فيقول إن هناك ثوابت في العلاقات، وهي أن إيران وتركيا، كدولتين جارتين، وقوتين إقليميتين، يسيران في مسار ثابت بسبب مقتضيات الجوار، ولا يمكن أن يتغير هذا المسار كثيرا.
أو بعبارة أبسط، فإن المعايير الثابتة في العلاقات الاقتصادية والسياسية لن تتغير بانتخاب أردوغان أو كليتشدار أوغلو.
أما المعايير الأخرى، وهي المتغيرة، فيقول عنها كاكايي إنها تغيير الأولويات والمواقف، لأن أردوغان يسعى على سبيل المثال لتوسيع نفوذ تركيا الإقليمي، وهو ما يؤثر بلا شك على دول المنطقة، ومن بينها إيران.
ويعتقد كاكايي أنه إذا فاز الفصيل المنافس لأردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية، وهو تحالف الأمة، فإن هذا البلد سيتجه نحو الغرب أكثر من أي وقت مضى، وسيبتعد عن جهات فاعلة مثل روسيا وإيران، وهو أمر يثير الشكوك والريبة.