دبي تصور والموساد يفضح.. تجسس الإمارات على الساسة والمشاهير يعود إلى الواجهة

12

طباعة

مشاركة

منذ عام 2015، بدأت تنتشر معلومات تفضح تجسس الإمارات على رواد فنادق دبي، خاصة الساسة والإعلاميين والمشاهير، بغرض ممارسة ضغوط وابتزاز لتحقيق مآربها.

وفي مطلع مايو/أيار 2023 دشن ناشطون وسم #سيديهات_فنادق_دبي لإعادة فضح ممارسات الإمارات، ونشر خبراء تقنية فيديوهات تبين كيف يجري كشف والعثور على أجهزة التجسس الإماراتية داخل غرف فنادقهم.

وربط ناشطون الحملة بتهديد الصحفي الإسرائيلي المرتبط بجهاز الموساد إيدي كوهين، للمغرد الكويتي وليد المطيري، بتسريب مقطع فيديو له جرى تسجيله في غرفته بفندق بدبي.

وجاء هذا التهديد بعدما هتف المطيري لصالح القضية الفلسطينية أمام عائلة إسرائيلية في مطار دبي.

واعتبروا تهديد الصحفي الإسرائيلي بمثابة تأكيد للاتهامات التي توجه للإمارات بشأن ممارستها عمليات عبر التجسس، وأن فنادقها وكر تجسس للمخابرات الإسرائيلية.

ولم تنف مصادر رسمية إماراتية أو تكذب صحة الفيديو الذي بث جزء منه كوهين للمطيري، ثم حذفه، ما قد يشير إلى صحة ما قيل عن تجسس الإمارات وإسرائيل على نزلاء فنادقها لابتزازهم.

وكشف رامي عزيز، الباحث ومحلل الشرق الأوسط والشؤون الدولية المقيم في كندا، وأحد الذين فضحوا لوبي الابتزاز الإسرائيلي لاستدراج العرب، أن لديه معلومة مؤكدة أن كوهين يحصل على 10 آلاف دولار من الإمارات، والوسيط هو المطبع الإماراتي "لؤي الشريف"، وفق قوله.

ما علاقة السعودية؟

لوحظ جانب آخر لحملة "سيديهات فنادق دبي" يتعلق بالصراع السعودي الإماراتي، وضغوط أبوظبي على اليمنيين وابتزازهم ليقبلوا بالتعاون معها، لتنفيذ مخططها الخاص بمشروعها الانفصال بجنوب اليمن، عبر ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي".

فقد رصدت "الاستقلال" مشاركة كبيرة في هذه الحملة ضد التجسس الإماراتي على سياسيين ومشاهير، من جانب سعوديين، هاجموا الإمارات بعنف، ما يشير إلى أنها ذات طابع سياسي وانعكاس للخلافات السعودية الإماراتية.

جاء ذلك بعدما بدأت الرياض التحرك لإنهاء حرب اليمن عبر اتفاق سلام مع الحوثيين، على عكس رغبة الإمارات في البقاء لرعاية مصالحها الاقتصادية (النفط) والإستراتيجية (الموانئ).

تحدث المغرد السعودي علي المري، عن "فضيحة كبيرة" تتمثل باستغلال السلطات الأمنية في الإمارات فنادق دبي والسياحة للتجسس على المواطنين والإيقاع ببعضهم خاصة من الكتاب والناشطين والصحافيين.

كما كشف حساب "دبلوماسي قديم" عبر تويتر أن شبابا سعوديين عاطلين ومشاهير وصحفيين يجري تشغيلهم لحساب الحكومة الإماراتية ضد السعودية ومصالحها، من عمارة الكرامة في دبي ومن يرفض يهددوه بهذه السيديهات.

وهاجم سعوديون تجسس الإمارات على نزلاء الفنادق وكتب بعضهم يروي تجربته في التجسس عليه، واتهموا أبوظبي عبر مواقع التواصل، بأنها تسعى لتحقيق مصالحها على حساب اليمنيين والسعودية.

وكان لافتا أن الحملة انعكاس للخلافات السعودية الإماراتية التي تصاعدت أخيرا بسبب الصراعات حول قيادة العالم العربي في ظل اضمحلال قوة مصر.

وفي أوائل فبراير/شباط 2023 اندلع خلاف سعودي إماراتي وتراشق بين كُتاب محسوبين على البلدين حول من الأحق بقيادة محور عربي جديد في المنطقة بعد تراجع الدور المصري. وتبعها معركة سعودية إماراتية أخرى حول "الدين الإبراهيمي" و"البيت الإبراهيمي".

وبرز خلاف وقتها حول ما سمي "محورا عربيا جديدا" قالت الإمارات إنها ستقوده وسخرت من ذلك الأبواق السعودية الرسمية.

جانب آخر من مشاركة السعودية في الحملة ضد الإمارات كشف عنه المغرد السعودي مشعل القحطاني، حين اتهم ناشطون إماراتيون من الذباب الإلكتروني ولي العهد محمد بن سلمان "بالشذوذ وتعاطي (مخدر) الشبو"، وفق قوله.

تجسس على اليمنيين

أيضا رصدت "الاستقلال" مشاركة واسعة من اليمنيين في الحملة، التي تزامنت مع ضغوط المخابرات الإماراتية عليهم لإقناعهم بفكرة ما يسمى "الحوار الوطني الجنوبي" الذي يرفضونه لأنه يستهدف تقوية ذراعها في اليمن (المجلس الانتقالي الجنوبي).

إذ تسعى أبو ظبي، مع اقتراب توقيع اتفاق سلام سعودي حوثي وإنهاء الحرب والانسحاب، لتعزيز وجودها هناك وإتمام مشروعها "الانفصالي" في جنوب اليمن، الذي يقوده "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وفرض سيطرتها على المحافظات الجنوبية الشرقية، شبوة والمهرة وحضرموت.

وفي 10 مارس/ آذار 2023 رعت الصين اتفاق تطبيع سعودي إيراني هدفه الأول إنهاء حرب اليمن، حيث أعقبته مفاوضات لإنهاء هذا الصراع ولقاءات سعودية يمنية وحوثية، برعاية عمانية وتمديد اتفاق الهدنة طويل تمهيدا لسلام دائم.

وأعلنت مليشيا الحوثي اليمنية، في 9 أبريل/ نيسان 2023، أن "وفدين عمانيا وسعوديا وصلا إلى العاصمة صنعاء في إطار جهود مسقط لإحلال السلام في اليمن".

ومن هنا تحارب الإمارات من يرفض مخططها، وضمن ذلك جاء سلاح "السيديهات" كأحد وسائل الضغط الإماراتية على القيادات اليمنية التي جرى استضافة بعضها في دبي في أوقات سابقة، لتمرير أجنداتها المشبوهة والعابثة في المنطقة.

وفي أبريل 2022 فضح ناشطون ومغردون تجسس الإمارات على رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، وتدخلها العدواني في شؤون اليمن الداخلية ضمن مؤامراتها لكسب النفوذ والتوسع وتقويض مساعي السلام في البلاد.

وتزامن انتشار حملة سيديهات دبي، مع تحذير حساب ضابط المخابرات الإماراتية "منصور خلفان" على حسابه على تويتر من أن: "أي حضرمي يرفض الذهاب الى الحوار الوطني الجنوبي راح نفتح ملفاتهم السوداء فيديوهات جاهزة".

وقد رد عليه الكاتب السياسي السعودي "على العريشي" في تدوينه على تويتر قائلا: "أي تهديد آخر لحضرموت أو لقيادات حضرمية أو محاولة لكسر إرادة الحضارم وحقهم في اتخاذ القرار بحرية كاملة، سيدفعنا لفتح ملفات ‎الاغتيالات والسجون السرية في جنوب ‎اليمن".

وفسرت "البوابة اليمنية للأخبار" في 30 أبريل 2023 هذا الرد السعودي بقولها إن "المملكة تهدد الإمارات بكشف اغتيالاتها في عدن وسجونها السرية".

اعتبرت ذلك تحذيرا سعوديا للإمارات، بفتح ملفات الاغتيالات والسجون السرية لقواتها والانتهاكات التي ارتكبتها في اليمن، وذلك ردا على تدخل أبو ظبي في محافظة حضرموت شرقي البلاد.

وقبل بدء حملة سيديهات فنادق دبي، سعى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، لعقد لقاء تشاوري في عدن للمكونات السياسية الجنوبية في 4 مايو/أيار 2023 في ذكرى إعلان المجلس عام 2017، لطلب ما زعم أنه "تفويض الشعب".

أما الهدف، فهو تمرير ما يسمى "ميثاق الشرف الوطني" تمهيداً لتقديم هذا المجلس الموالي للإمارات كممثل لجنوب اليمن في مفاوضات الحل النهائي، وفق صحيفة "القدس العربي" مطلع مايو 2023.

وذلك ضمن مخطط فرض هذا المجلس المشبوه حاكماً مستقبلياً لما تسمى "دولة الجنوب العربي"، بعدما صارت له فصائل مسلحة (شبوة والعمالقة) ومؤسسات تموله ضمن تهيئة إماراتية استغرقت سنوات.

ويأتي هذا في ظل تواتر الأنباء التي تؤكد اقتراب التسوية النهائية للأزمة اليمنية وتشكيل لجنة تفاوض.

وارتفعت في الشهور الماضية لغة الانتقاد التي توجهها مكونات سياسية يمنية جنوبية للمجلس الانتقالي، وطالبت بمشاركتها في أي حوار يتعلق بمصير الجنوب.

وأعلنت رفضها اعتبار "الانتقالي" ممثلاً لكل مكونات المشهد السياسي الجنوبي، فظهرت حملة ابتزاز إماراتية لبعضهم، فيما أعلنت قوى أخرى عديدة رفضها فكرة فصل الجنوب التي تسعى لها الإمارات والتمسك بالوحدة بين شمال وجنوب اليمن.

تاريخ الابتزاز الإماراتي

قضية تجسس الإمارات على النزلاء خاصة المشاهير والسياسيين والإعلاميين وتسجيل مقاطع فيديو لهم داخل الغرف، ليست جديدة، وسبق الكشف عنها عدة مرات.

أبرزها في أبريل 2015 حين كشف سائح سعودي، لا يعرف اسمه، عن وجود كاميرا مراقبة مسلَّطة على السرير، تتجسس عليه في الفندق، لكن حكومة دبي نفت وقالت إنه جهاز بث فضائي حديث لا تجسس.

ولأنه شهر بها، اعتقلته السلطات الإماراتية، ثم أطلقت سراحه فرفع دعوى قضائية في محكمة "دبي"، يطالب فيها بتعويض مالي، يصل إلى خمسة ملايين ريال نظير الضرر الذي لحق به، ولا يعرف مصير القضية، وفق موقع "سبق" السعودي 16 يناير 2017.

وكرر سائح سعودي آخر في يوليو 2021 الكشف بالفيديو عن وجود كاميرا سرية داخل غرفته في أحد فنادق دبي الفاخرة وكيف تستغل السلطات الأمنية الفنادق للإيقاع بالناس عن طريق تصويرهم بأوضاع مخلة أو تصوير محارمهم في غرف النوم.

وقد كشف وجود كاميرا سرية في غرفته، وكيف جرى وضعها بدقة كبيرة بحيث يصعب على أي شخص أن يلاحظها، لكنه حذف الفيديو والتغريدة عبر حسابه لاحقا بعد تهديدات مجهولة له.

وقال الناشط السعودي مشاري الفهمي، في فيديو على تويتر، إن سفارة الرياض في أبو ظبي اعترفت بوجود فيديوهات وتسجيلات بعد شكوى تقدم بها مواطن سعودي ضد أحد فنادق الإمارات، دون تفاصيل.

وتابع: تبين وجود كاميرات مراقبة داخل غرف النوم وعلى ضوء ذلك طالب السائح السعودي بتعويض قدره 5 مليون ريال.

وسبق أن كشفت حسابات خليجية شهيرة عن تفاصيل صادمة لأساليب النظام الإماراتي في إسقاط سياسيين وإعلاميين عرب في وحل التجسس عبر الابتزاز، بحسب موقع "إمارات ليكس" 7 أبريل 2021.

إذ أبرزت تلك الحسابات فضائح كبيرة عن كاميرات فنادق وحمامات أبو ظبي ودبي وكيف يجري ابتزاز كل سياسي وإعلامي زائر للعمل مع النظام الإماراتي.

وأوردت أن الكثير من السياسيين والإعلاميين يسقطون أمام إغراءات جنسية ومشروبات كحولية ولهذا استخدمته أبوظبي كسلاح للابتزاز.

إمارة التجسس!

ويؤكد تقرير لصحيفة "الشرق" القطرية 27 يوليو 2019 أن "هواجس نظام أبوظبي في التجسس لا تخص المواطنين فقط بل تمتد لتصل عيونها إلى كل من تدب قدميه أرض الإمارات بداية من المطارات نهاية بغرف نوم الفنادق".

ذكر أنه "من جهازك الهاتفي ربما سيخرج لك يوماً ضابط مخابراتي إماراتي إن كنت تعيش في بلد يحكمه ولي عهد أبو ظبي (سابقا، والرئيس الحالي) محمد بن زايد، وربما الجهاز الأمني الذي يراقب هاتفك هو ذاته من سيصورك في غرفة نومك بأحد فنادق دبي".

أضاف أن "الإمارات لمعت في عالم الجاسوسية، قبل أن تصبح سيدة التجسس الإلكتروني في المنطقة".

وأكدت الصحيفة القطرية أن الإمارات لجأت إلى "تقنين التجسس"، حيث أطلقت الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية مبادرة جديدة للترحيب بزوار الدولة في 5 يوليو 2019.

كشف أن المبادرة الإماراتية كانت تتضمن تقديم شريحة جوال لكل زائر فيها مكالمات مجانية وإمكانية الوصول لشبكة الإنترنت من دون مقابل، وذلك تحت شعار مدنية آمنة وذكية "وهي في الحقيقة أداة للمراقبة والتتبع ضمن نظام عين الصقر للتجسس الإماراتي المقنن على كل فرد".

وأشار تقرير "الشرق" القطرية إلى أن "جهاز أمن الدولة الإماراتي ألزم الفنادق بتركيب كاميرات في غرف النوم للتجسس على المقيمين ومتابعة نشاطاتهم، والسياح والزوار، لهوس نظام أبو ظبي بالجاسوسية"، وهو ما أكدته تقارير صحفية واستخباراتية.

في 21 ديسمبر/كانون أول 2017 كتبت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا بعنوان "الإمارات تدفع لضباط سابقين في سي آي ايه (وكالة المخابرات المركزية الأميركية) لبناء إمبراطورية تجسس في الخليج".

كشف تجسسهم على الجميع عبر هؤلاء العملاء مقابل دفع ألف دولار لكل منهم، والعيش في فيلا، أو في فندق 5 نجوم في أبو ظبي، حسبما قال أحد الضباط السابقين للمجلة.

وقالت "فورين بوليسي": لا تتوقف الإمارات عند التجسس على مواطنيها ووافديها، بل تتعدى ذلك لعمليات جمع المعلومات حدود الدولة لتنفذ مهام أخرى في الخارج.

أكدت أنه بين عامي 2007 و2015، أسست أبو ظبي نظام AGT، وهو أحد أنظمة المراقبة الأكثر تكاملًا في العالم، يحوي آلاف الكاميرات وأجهزة الاستشعار الممتدة على طول 620 ميلًا على كامل الحدود الإماراتية.

بينما تصب المعلومات التي يجري جمعها في قاعدة بيانات تُدار من خلال إحدى أكبر شركاته في قلب إسرائيل، يرأس مجلس إدارتها رئيس سابق جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، لم تذكر اسمه.

أوضحت أن نظام المراقبة الشامل هذا أسسه شخص إسرائيلي يدعا كوتشافي في الإمارات معروف باسم عين الصقر Falcon Eye، ويعتقد أنه جرى تفعيله بشكل كامل منتصف العام 2022، لإحكام الرقابة الصارمة والمخيفة على جميع أشكال الاتصالات في البلاد.

وأنه بموجب هذا النظام تستطيع أبوظبي اليوم تحليل ملايين المنشورات التي تحوي فكرة أو كلمة معينة تبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقياس مدى تأثيرها وتقديم تحليل طيفي لهذا التأثير، بل وإعادة هندسة الرأي العام حسب أهوائها.

في 30 يناير/كانون ثان 2019، انفردت وكالة "رويترز" البريطانية بنشر تقرير عنوانه: الإمارات استخدمت سلاحا إلكترونيا فائقا للتجسس على هواتف آيفون خصومها.

ونقلت عن خمسة ضباط سابقين ووثائق برمجية اطلعت عليها رويترز أن أداة التجسس سمحت للإمارات بمراقبة مئات الأهداف بدءا من عام 2016، منهم مسؤول تركي رفيع المستوى والناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل، توكل كرمان.

بعدها بأسابيع عادت الوكالة لتكتب تقريرا حصريا آخر بعنوان "برنامج تجسس إماراتي استهدف رئيس شبكة الجزيرة والإعلامية جيزيل خوري"، وهي مقدمة برنامج في تلفزيون (بي.بي.سي) العربي.

كما جرى التجسس على رئيس شبكة الجزيرة "حمد بن ثامر بن محمد آل ثاني"، وشخصيات إعلامية عربية بارزة أخرى، مثل المذيع فيصل القاسم، والكاتب "عزمي بشارة".

وبحسب الرسائل المسربة، فإن الإماراتيين طلبوا أيضا اعتراض مكالمات رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري، والمعارض الإماراتي أحمد منصور، أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان والذي جرى اعتقاله فيما بعد.

في الحالتين استخدم عملاء الإمارات أداة تجسس متطورة تسمى كارما   Karma، في حملة تظهر كيف أن الأسلحة الإلكترونية فائقة الفاعلية بدأت تتسرب خارج القوى الكبرى وتصل إلى أيدي دول أصغر، حسب تعبير "رويترز".