أصبحت طرفا فاعلا.. كيف فاقمت إسرائيل الأزمة بين حميدتي والبرهان؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ضوء الأحداث الدامية الأخيرة في السودان، تحلل صحيفة "مينا واتش" الألمانية الأسباب التي أدت إلى وصول البلاد إلى هذه النقطة. وذهبت إلى أن أحد العوامل التي تجعل هذا الصراع بالذات أمرا غير معتاد هو حقيقة أن إسرائيل أصبحت الآن طرفا فاعلا على أرض السودان.

هذا بالإضافة إلى عدم الاستقرار الداخلي للدول الأخرى المرتبطة باتفاقات أبراهام مثل الإمارات والمغرب والبحرين، وفق تقديرها، وتشير الصحيفة إلى دخول ثالث أكبر دولة في إفريقيا في حرب أهلية مريرة بين قائدين عسكريين متنافسين، في 15 أبريل/نيسان 2023.

ومنذ ذلك التاريخ، تشهد ولايات سودانية اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، يتبادل فيها الجانبان الاتهامات بالمسؤولية عن اندلاعها عقب توجّه قوات تابعة لكل منهما للسيطرة على مراكز تابعة للآخر. 

وتذكر الصحيفة أن الحرب خلفت وراءها -حتى الآن- مئات القتلى وآلاف الجرحى وتدفق عشرات الآلاف من اللاجئين عبر حدود البلاد إلى الدول المجاورة.

وترى أن جذور الأزمة الحالية تعود إلى عام 2019، عندما جرى الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، بعد احتجاجات شعبية استمرت شهورا.

ثم توالت الأحداث لاحقا، حيث تولى السلطة مجلس انتقالي، سرعان ما انقُلب عليه في سبتمبر/أيلول 2021، ومن ثم تولى قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قيادة البلاد.

لا حل قريبا

وتقول الصحيفة: "في عهد البرهان، ظل السودان ملتزما اسميا بالتحول الديمقراطي من خلال اتفاق ديسمبر/ كانون الأول 2022".

وأتبعت: "وبموجب هذا الاتفاق، حُدد الأول من أبريل/ نيسان 2023 كموعد نهائي للتوصل إلى تسوية نهائية". 

وبحسب الصحيفة، يتضمن الاتفاق التزاما بدمج قوات الرد السريع، بقيادة اللواء محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في القوات المسلحة الوطنية. 

وتلفت إلى أن "رفض حميدتي الالتزام بهذا الاتفاق ورغبته في تأجيل إنفاذه عشر سنوات، بجانب رفض البرهان التأجيل لأكثر من عامين، مهد الطريق للقتال الدامي الحالي".

وبشأن أسباب الخلاف بين البرهان وحميدتي، تقول الصحيفة: "يمكن إرجاعه إلى أسباب لا أيديولوجية ولا دينية، فمثل العديد من حروب إفريقيا، يدور الأمر في السودان حول السيطرة على الموارد".

وتذكر الصحيفة أن قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي "لا تريد التخلي عن سيطرتها على مناجم الذهب المربحة في إقليم دارفور". 

ونتيجة لكل هذا، ترى "مينا واتش" أن السودان "لا يوجد  فيه شريك ودود للديمقراطيات الغربية، ولا مشروع سياسي معقول يستحق الدعم الدولي".

علاوة على ذلك، تشير الصحيفة إلى أنه "من الصعب تخيل كيف يمكن أن يظهر إجماع عالمي بشأن السودان، بصرف النظر عن الحقيقة الواضحة بأن الدخول في حرب أهلية ليس في مصلحة أحد". 

وأكملت: "فقد أصبح العالم اليوم أكثر انقساما من أي وقت مضى، منذ نهاية الحرب الباردة". وتوضح الصحيفة أنه "لطالما كان لكل من روسيا والصين أهداف اقتصادية وإستراتيجية مستقلة في السودان".

مما يعني أنهما "لن يتعاونا مع الولايات المتحدة أو الدول الغربية الأخرى، لا سيما مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوترات حول تايوان".

ومن زاوية أخرى، تلفت الصحيفة الأنظار إلى عامل خاص يجعل هذا الصراع في السودان بالذات أمرا غير عادي.

إذ ترى الصحيفة أن "الوجود الفعلي لإسرائيل، التي كانت تعد ذات يوم عدوا لا هوادة فيه بالنسبة للخرطوم، على أرض السودان" سببا فاعلا في حدوث الحرب الحالية.

وحدث ذلك بعد أن وقعت إسرائيل اتفاقية تطبيع مع حكومة ما بعد البشير عام 2020، والتي تعد جزءا من اتفاقيات أبراهام التي أُبرمت مع عدد من الدول العربية برعاية الولايات المتحدة.

ووفقا لتقرير نشره موقع "أكسيوس" الإخباري الأميركي، فإن العملية التي جرى التفاوض عليها بين إسرائيل والسودان على مدى السنوات الثلاث الماضية، أعطت الإسرائيليين "نظرة ثاقبة فريدة عن عقلية كل من البرهان وحميدتي، ومعها ما يمكن أن يؤثر على القائدين العسكريين المتنافسين". 

وبحسب ما ورد، تريد إسرائيل إنهاء القتال في أقرب وقت ممكن، خشية أن "تنتهي الحرب بتشكيل حكومة مدنية تعرض اتفاقية أبراهام للخطر".

وفي هذا السياق، تنوه الصحيفة أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي تواجه احتجاجات غير مسبوقة في الداخل وانتقادات متجددة لسياساتها تجاه الفلسطينيين في الخارج، تعتبر توقيع أي دولة عربية لاتفاق سلام معها بمثابة "إعلان دعم".

وبصفته عضوا قديما في جامعة الدول العربية، ومصيره مرتبط ارتباطا وثيقا بمصير جاره المصري في الشمال، تلفت "مينا واتش" إلى أن توقيع السودان سيكون، كما يصفه حميدتي، "ذهبيا".

عدم الاستقرار

بالإضافة إلى أن الوجود الإسرائيلي سبب في الحرب، تشير الصحيفة إلى مشكلة أخرى، وهي أن الدول المرتبطة باتفاقات أبراهام، الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب، منقسمة أيضا بشأن استقرارها الداخلي. 

وتؤكد الصحيفة أنه "لا يوجد بلد ديمقراطي بين هذه البلدان"، وعلى الرغم من أن بعضها أكثر استقرارا من البعض الآخر، فإنها جميعها لديها "سجلات مؤسفة في مجال حقوق الإنسان". 

ومن الجدير بالذكر أن السودان غير مستقر بشكل جذري وشهد انقلابات أكثر من أي دولة أخرى في إفريقيا، منذ حصوله على الاستقلال.

وبالإضافة إلى كونها دولة فاشلة، توضح الصحيفة أن السودان منذ فترة طويلة كان يُسمى بـ"الدولة المارقة"، والتي قدمت نفسها حتى عام 1993 كقاعدة لزعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن. 

عند زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين الخرطوم في فبراير/ شباط 2023، أصدر حزب المؤتمر الشعبي والكتلة الإسلامية بيانا حذر فيها البرهان من "أنه ليس لديه تفويض لصنع السلام مع إسرائيل". 

ولعدد من الأسباب، تشير "مينا واتش" الألمانية إلى أنه "من الحماقة تقديم السلام بين إسرائيل والسودان -بتعبير أدق، بين تل أبيب والجيش السوداني المتخاصم- على أنه دائم بالفعل".

لكن رغم ذلك، أشاد كوهين خلال زيارته للخرطوم بـ"اتفاق السلام التاريخي مع دولة عربية ومسلمة ذات أهمية إستراتيجية".

وشدد على أن "اتفاق السلام بين إسرائيل والسودان سيعزز الاستقرار الإقليمي ويسهم في أمننا القومي".

من وجهة نظر الصحيفة، مثل هذه التصريحات ليس مكانها في بلد لا يزال فيه القوة تأتي من فوهة البندقية، وليس صندوق الاقتراع.

وفي نهاية التقرير، خلصت الصحيفة إلى أن القضية في السودان ليست "ما إذا كان ينبغي للبرهان أو حميدتي أن يحكموا"، وإنما "ما إذا كان يمكن اعتبار أي منهما زعيما شرعيا من الأساس".

فمن ناحية، يُنسب إلى البرهان مذبحة يونيو/حزيران 2019 بحق المتظاهرين السلميين في الخرطوم، والتي قُتل فيها المئات وعُذبوا واغتصبوا، وهناك تقارير تتحدث عن إلقاء جثث في النيل. 

ومن ناحية أخرى، انبثق حميدتي من واحدة من أكثر المليشيات شبه العسكرية وحشية في هذا القرن، "الجنجويد"، والذين شنوا إبادة جماعية في منطقة دارفور من 2003 إلى 2020، وفقا للصحيفة.

وبالتالي، ترى "مينا واتش" أن "الرجلين، الغريبين تماما عن المفاهيم السامية للمصلحة الوطنية، يرى كل منهما أن السلطة السياسية -في المقام الأول- فرصة لتعزيز ثروته الشخصية والقضاء على منافسيه".