قواعد عسكرية وأسلحة صينية.. هل أدارت الإمارات ظهرها لواشنطن؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا تزال وسائل الإعلام الغربية تكشف يوما بعد آخر تفاصيل مهمة تتعلق بمساعي الصين للتواجد العسكري في دولة الإمارات، رغم أن الدولة الخليجية واحدة من أبرز حلفاء الولايات المتحدة الأميركية.

لعل من أبرز التساؤلات حيال الموضوع المطروح هو المبررات التي تدفع دولة الإمارات لتوطيد العلاقة العسكرية مع جمهورية الصين، رغم التحالف الإستراتيجي الطويل الذي يربطها مع غريمها ممثلا بالولايات المتحدة، وكيف كانت ردة فعل الأخيرة حيال ذلك كله؟

مشروع 141

آخر ما نُشر بشأن الأمر، هو ما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" عن وثائق استخبارية مسربة، وصفتها بـ"عالية السرية"، أن أجهزة تجسس أميركية كشفت عن أعمال بناء في منشأة عسكرية صينية مشتبه بها بالإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2022، وذلك بعد عام واحد من إعلان أبوظبي أنها أوقفت المشروع بسبب مخاوف الولايات المتحدة.

وبحسب الصحيفة، فإن الوثائق كشفت عن أنشطة تراقبها المخابرات الأميركية تابعة للجيش الصيني في ميناء بالقرب من أبوظبي، مشيرة إلى أن "الشريك الأمني للولايات المتحدة، منذ مدة طويلة"، يطور علاقات أمنية أوثق مع الصين على حساب المصالح الأميركية.

وطبقا للوثائق المسربة، أثارت مشاهدة أفراد الجيش الصيني حول بناء مواقع حساسة أخرى قلق المسؤولين الأميركيين.

ونقلت الصحيفة عن الوثائق أن جهود بكين في الإمارات تندرج في إطار حملة طموحة من قبل جيش التحرير الشعبي الصيني (PLA) لبناء شبكة عسكرية عالمية، تضم ما لا يقل عن خمس قواعد خارجية و10 مواقع دعم لوجستي بحلول عام 2030.

وتحتوي الوثيقة على خريطة من المرافق الأخرى التي يخطط الجيش الصيني لإنشائها في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وفي جميع أنحاء إفريقيا. وجاء فيها أن المسؤولين العسكريين الصينيين يطلقون على هذه الخطط اسم "المشروع 141".

وأفادت الوثائق المسربة بأن المسؤولين الأميركيين يركزون بشكل خاص على ميناء خليفة الإماراتي، على بعد نحو 50 ميلا شمال العاصمة، حيث يعمل تكتل شحن صيني.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين مطلعين أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قلقة أيضًا من ملاحظة وجود أفراد من الجيش الصيني في قاعدتين عسكريتين لدولة الإمارات داخل البلاد، "حيث يشغل الحليف العربي طائرات من دون طيار وأنظمة دفاع صاروخية باليستية".

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد المسؤولون الأميركيون أن الجيش الصيني شارك في بناء وتوسيع مهبط للطائرات قرب الساحل في أبوظبي.

ويأتي ذلك، رغم أن البعض في الإدارة الأميركية يؤكد أن وجود أفراد جيش التحرير الشعبي في مواقع البناء الصينية لا ينذر بالخطر في حد ذاته، وفقا للصحيفة.

التفاف إماراتي

لم تكن المعلومات المسربة من الوثائق السرية الأميركية هي الأولى من نوعها التي تتحدث عن الموضوع، فسبق أن كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" خلال تقرير لها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 عن بناء الصين منشأة عسكرية في دولة الإمارات.

وكشف تقرير "وول ستريت جورنال" عن إفشال واشنطن السعي الصيني لبناء القاعدة العسكرية في الإمارات، قبل ساعات من بدء وزير الدفاع الأميركي (السابق) لويد أوستن جولة في دول خليجية.

وعلى ضوء ذلك، أعلنت الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2021، أنها أوقفت البناء الصيني في تلك المنشأة بعد أن جادل المسؤولون الأميركيون بأن بكين تعتزم استخدامها لأغراض عسكرية.

وقال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي محمد بن زايد، في حديث لمركز أبحاث بواشنطن: "لقد أوقفنا العمل في المنشآت"، حسبما نقلت وكالة "رويترز" في 9 نوفمبر 2021.

ولكن بعد مرور عام، كانت منشأة جيش التحرير الشعبي الصيني "متصلة على الأرجح بالطاقة والمياه البلدية" و"جرى الانتهاء من بناء محيط مسور لموقع تخزين لوجستي للجيش الصيني"، وفقًا لإحدى وثائق المخابرات الأميركية المسربة التي وصلت إلى "واشنطن بوست".

في حين حذرت وثيقة أخرى من أن "منشأة جيش التحرير الشعبي" هي "جزء رئيس" من خطة بكين لإنشاء قاعدة عسكرية في الإمارات العربية المتحدة.

وقالت الصحيفة إن النشاط المكتشف حديثًا هناك أقنع بعض المسؤولين الأميركيين بأن الإمارات لا تلعب دورا "مباشرا" مع واشنطن. فيما أكد مسؤول في الإدارة الأميركية للصحيفة: "لا أعتقد أنهم ذهبوا إلى الصينيين وقالوا: لقد انتهى الأمر، لن نفعل ذلك".

وفي السياق ذاته، قال موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي خلال تقرير له نشره في يناير/كانون الثاني 2023 إن "الصين بدأت بناء منشأة عسكرية داخل ميناء يديره الصينيون في الإمارات، لكن توقفت الأشغال فيها بعد بعض الضغوط الأميركية على أبوظبي".

وعلى الصعيد ذاته، قال موقع "جلوبال نيوز" الاستخباراتي الأميركي في 8 مارس 2023 إن الصين تقيم قواعد عسكرية سرية خارجية في كل من الإمارات وكمبوديا وغينيا الاستوائية.

وفي تقريره السنوي لتقييم التهديدات، حدد مجتمع الاستخبارات الأميركي، الإمارات وكمبوديا، وغينيا الاستوائية على أنها مواقع "يقال إن الصين تنشئ قواعد فيها".

دوافع الإمارات

وعن أسباب اندفاع أبوظبي في هذا الجانب، قال المحلل السياسي المغربي، خالد الغرابلي إن "ذهاب الإمارات إلى الصين والابتعاد عن الولايات المتحدة، أمر من المفترض أن يجيب عنه الجانب الأميركي، لأن أبوظبي تقع في قلب منطقة نفوذها بالخليج".

وقال الغرابلي خلال مقابلة تلفزيونية في 28 أبريل 2023 إن "الولايات المتحدة الأميركية إذا بقيت في موقعها كقوة عسكرية واقتصادية أولى بالعالم، وتمارس نفوذها على هذا الأساس، فإنها ستبقى محل اهتمام الإمارات، لأن الأخيرة أصبحت تتعامل وفق المصلحة".

وتابع: "إذا تراجعت القوة العسكرية والاقتصادية الأميركية في العالم، فستحل مكانها الصين، وفي كلا الحالتين تستطيع الإمارات أن تتعامل مع الأخيرة كورقة للضغط على الجانب الأميركي لإعطائها ما تريد، وإذا لم تفعل فإنها ستمضي مع الصينيين".

وكذلك، يضيف الغرابلي، تحاول الإمارات تذكير الأميركيين دائما بأن هناك من يمكن أن يحل مكانها، وبالتالي عليهم الحصول على ما يريدون من الولايات المتحدة.

وأشار إلى أن "الإمارات في قلب منطقة نفوذ أميركية مئة بالمئة، وأن ميناء خليفة لا يبعد كثيرا عن قاعدة الظفرة الجوية التي يتواجد فيها 5 آلاف جندي أميركي وأكثر من 60 طائرة هي من أحدث الطائرات الأميركية في العالم، والبعض منها غير موجود في أي قاعدة خارجية للولايات المتحدة".

وأردف: "أهم ما يوجد في قاعدة الظفرة هو أن ثلث الطائرات فيها تستخدم للاستطلاع والتجسس، بمعنى أنها تمنح معلومات في غاية السرية للإدارة الأميركية لكي تقرر كيف تتعامل مع منطقة نفوذها هذه، لذلك فإن وجود قاعدة صينية سيمثل خطرا على الجانب الأميركي، لأنه قد سيسمح للصينيين بالتجسس على نشاط الولايات المتحدة هناك".

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي الإماراتي القريب من النظام، عبد الخالق عبد الله، لصحيفة "واشنطن بوست" إن الإمارات بدأت في استكشاف شركاء أمنيين آخرين "بعد الرد الأميركي البطيء على الهجمات الصاروخية ضد أبوظبي من الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن".

وفي 31 يناير 2022، أعلنت الإمارات إسقاط صاروخ باليستي أطلقه مسلحو الحوثيين من اليمن، في ثالث هجوم من نوعه خلال الشهر ذاته، فيما قالت المليشيا التي تفرض سيطرتها على صنعاء إنها استهدفت أبوظبي ودبي بصواريخ وطائرات مسيرة.

ووفقا للصحيفة الأميركية، أثرت العلاقات بين الإمارات والصين على خطط بيع طائرات مقاتلة أميركية من طراز "إف 35" وطائرات "ريبر" من دون طيار وأسلحة أميركية أخرى بقيمة 23 مليار دولار.

وكانت شركة صناعة الطيران الصينية "أفيك" (حكومية) قد أعلنت عن توقيع اتفاقية لتصدير طائرات التدريب القتالية المتطورة L-15 إلى الإمارات، وذلك بعد عام من إبداء وزارة الدفاع بالدولة الخليجية رغبتها في شراء الطائرة التي تطورها بكين.

وتكمن أهمية شراء الإمارات للطائرة L-15 في أنها المرة الأولي التي تشتري فيها الدولة الخليجية الحليف التقليدي للولايات المتحدة، طائرة عسكرية صينية ثابتة الجناحين، حسبما أفاد تقرير لموقع "أوراشيان تايمز" المعني بالشؤون الآسيوية في 22 فبراير 2023.

وجرى توقيع العقد بين الجانبين في 21 فبراير خلال معرض آيدكس 2023 في أبوظبي، حيث عرضت الصين أحدث نسخة من طائرة L-15 القادرة على التزود بالوقود في الجو، وكانت مطلية في حينها بألوان القوات الجوية الإماراتية.