عام على خديعة "العفو الرئاسي".. ماذا بقي من "بروباغندا" تلميع السيسي أمام العالم؟
في 26 أبريل/نيسان 2022، أعلن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي "إعادة تفعيل عمل "لجنة العفو الرئاسي" التي تم تشكيلها كأحد توصيات المؤتمر الوطني للشباب عام 2016، وأن "توسع قاعدة عملها".
اللجنة "العنصرية"، التي أعلن أعضاؤها اليساريون، استبعاد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من قراراتهم، نشرت استمارة لطلب العفو على الإنترنت، اقتصرت على طلب "الإفراج عن الشباب المحبوسين على ذمة قضايا ولم تصدر بحقهم أي أحكام قضائية".
جاء تحرك السيسي بعد أن قامت الأجهزة الأمنية القوية في البلاد بقمع أي معارضة بلا هوادة منذ الانقلاب العسكري 2013، وسجن عشرات الآلاف وقمع منظمات حقوق الإنسان، ما أثار انتقادات دولية وحرمان أميركا مصر من بعض المساعدات.
حصاد عام
وبعد مرور عام كامل على إنشاء هذه اللجنة الدعائية، دون أن يكون لها أي دور فعلي في إطلاق آلاف المعتقلين، بل وحدث العكس مع اعتقال أضعاف من تم إعلان إطلاقهم، ما أظهر أنها خدعة وبروباغندا سعى لها النظام لتلميع صورته المتدهورة.
لذا يرى مراقبون، أن النظام المصري الذي لم يتخذ أي خطوات جدية لإحداث أي انفراجه في ملف المعتقلين السياسيين، وأصبح الأمر كله دعاية سياسية وإعلامية للتغطية على واقع مأزوم، قد يواجه بتفجر غضب شعبي خاصة مع الأزمة الاقتصادية الحادة.
وأكد تقرير لـ"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" في 19 يوليو/تموز 2022 أن كل مبادرات السيسي حول العفو الرئاسي والحوار الوطني وإستراتيجية حقوق الإنسان "لم تؤد لتخفيف حدة أزمة حقوق الإنسان المتدهورة في مصر".
ولا يزال عشرات الآلاف من السجناء السياسيين يقبعون في السجون (سواء تنفيذا لأحكام قضائية جائرة، أو دون محاكمة أو تحقيق)، وتستمر وقائع الإخفاء القسري، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القانون في ظل تفشي الإفلات من العقاب.
كما يتواصل استهداف المعارضة السلمية والمجتمع المدني المستقل والإعلام الحر، وفق "مركز القاهرة".
وشدد على أنه "رغم إطلاق سراح عدد محدود من السجناء السياسيين تزامنا مع الإعلان عن كل مبادرة، تواصل اعتقال معارضين وصحفيين وحقوقيين جدد بشكل منتظم، ليحلوا محل المفرج عنهم".
ويعود تاريخ أول لجنة عفو رئاسية أنشئت بتعليمات من السيسي إلى عام 2016، عندما أعلن عن تشكيل مجموعة وتكليفها بمراجعة قضايا الشباب المحتجزين على ذمة المحاكمة حتى يتسنى لرئاسة الجمهورية اتخاذ الإجراءات.
وقدمت اللجنة عدة قوائم وتم الإفراج عن بعض الشبان قبل توقف عملها بعد فترة وجيزة، ليعلن السيسي إعادة تفعيلها في أبريل 2022.
لذا، فقبل تدشين "لجنة العفو الرئاسي" الجديدة في أبريل 2022، كانت أعداد من يطلق سراحهم أكبر، ففي مايو/أيار 2018 صدر عفو عن 560 محبوسا من الصادر ضدهم أحكام قضائية تصل إلى المؤبد.
أما اللجنة الحالية للعفو الرئاسي فقد أظهرت بياناتها أنها تصدر قوائم "إفراج" غير منتظمة تضم غالبا 31 معتقلا، وأقصى رقم ضمته كان 70 معتقلا في قائمة واحدة.
بعد ثلاثة أشهر من قرار السيسي بتشكيل لجنة العفو الرئاسي، كان إجمالي المفرج عنهم في "العفو الرئاسي" من القائمة المقدمة من منظمات وأحزاب المجتمع المدني للرئاسة يقدر بـ 2.4 بالمئة فقط، وفق حقوقيين.
وأكدوا لموقع "مدى مصر" في 30 يوليو/تموز 2022، ومعهم سبع منظمات حقوقية من ضمنها "مركز القاهرة" أنه تم إطلاق 56 معتقلا فقط خلال الثلاثة أشهر الأولى من قائمة ضمت أسماء 2418 معتقلا أرسلوها للجنة العفو الرئاسي في مايو 2022.
وقالوا إنهم يتلقون وعودا متكررة بخروج قوائم عفو، لكن لا يخرج إلا عدد قليل، في المقابل تواصل الأجهزة الأمنية القبض على مواطنين جدد بتهم سياسية، بما يتجاوز بكثير أعداد المفرج عنهم.
ورصدت منظمة "كوميتي فور جستس" الدولية في "ورقة موقف" أصدرتها في 16 أغسطس/ آب 2022، أي بعد ثلاثة أشهر من تفعيل لجنة العفو الرئاسي، إطلاق سراح 332 سجينا، في المقابل رصدت 950 انتهاكا ضمن الحرمان من الحرية تعسفيا.
ومن بين الـ 950 انتهاكا 53 جريمة اختفاء قسري، و7 وقائع تعذيب داخل السجون ومقار الاحتجاز، و22 انتهاكا ضمن سوء أوضاع الاحتجاز، و10 حرمان عمدي من الرعاية الصحية، و16 وفاة داخل مقار الاحتجاز.
"معهد التحرير لدراسات الشرق الأوسط" أوضح في دراسة 28 أبريل/نيسان 2023 أنه "خلال عام 2022، تم رصد 1360 قرار إخلاء سبيل مقارنة بـ1616 قرارا خلال عام 2021.
أي أن تدخل لجنة العفو بدلا من أن يزيد وتيرة المخلى سبيلهم، حدث العكس، وانخفضت أعداد المخلى سبيلهم.
وتحدثت تقارير حقوقية ونواب عن خروج نحو 1000 أو 1400 من المعتقلين السياسيين، وفق النائب، عبده أبو عايشة، خلال عام لجنة العفو الرئاسي الأول.
لكن "المفارقة الساخرة" أنه تم اعتقال عدد أكبر من الذين خرجوا، ليضافوا لآلاف المعتقلين منذ سنوات، وبعضهم مسجون منذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.
كمثال، ذكر الحقوقي حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن أعضاء بلجنة العفو الرئاسي أعلنوا في 24 نوفمبر/تشرين ثان 2022 توسطهم لخروج 30 سجين رأي محبوسين احتياطي من محافظات مختلفة.
لكن في نفس اليوم نشر محامون حاضرون في نيابة أمن الدولة العليا أسماء المتهمين السياسيين الجدد الذين تم القبض عليهم وظهروا في النيابة، وكان عددهم 40 سجينا سياسيا جديدا.
وعقب "بهجت" قائلا: "لا نتحرك فقط ببطء شديد في الإفراج عن سجناء الرأي، بل نحن أمام زيادة مستمرة في أعدادهم وليس نقصانا"، مطالبا بـ"إنهاء سياسة الباب الدوار للاعتقال (تدوير المعتقلين)، والا سنستمر في محاولة إفراغ البحر بملعقة"، وفق قوله.
للمرة الألف احنا مش بس بنتحرك ببطء شديد في الافراج عن سجناء الراي لا احنا امام زيادة مستمرة في أعدادهم وليس نقصان
— hossam bahgat حسام بهجت (@hossambahgat) November 25, 2022
للمرة الألف اوقفوا الباب الدوار أولا والا سنستمر في محاولة افراغ البحر بمعلقة.
وكشفت منظمة العفو الدولية أن من يتم الإفراج عنهم عبر لجنة العفو الرئاسية، يتم القبض على أضعاف أضعافهم في نفس الفترة.
وقالت عبر بيان في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إنه عشية انعقاد مؤتمر المناخ، ولتلميع صورة السيسي، أفرجت سلطات النظام عن 766 سجينا، في أعقاب قرار من السيسي بإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، في إبريل/نيسان 2022.
إلا أن المنظمة "وثَّقت خلال الفترة نفسها إلقاء القبض على ضعف ذلك العدد، حيث خضع 1540 شخصا للتحقيق بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها"، في غضون ستة أشهر (من عام 2022).
الأمر الغريب والمحير في مصر ، أن عدد المعتقلين ازداد كثيرا بعد تشكيل لجنة العفو الرئاسي ، منظمة العفو الدولية تقول أن من تم اعتقالهم ضعف من تم الإفراج عنهم ، حيث أفرج عن قرابة 730 معتقلا خلال الستة الأشهر الأخيرة بينما شهدت الفترة ذاتها اعتقال قرابة 1500 آخرين ؟!
— جمال سلطان (@GamalSultan1) November 16, 2022
أيضا انتقد عضو لجنة العفو الرئاسي، كمال أبو عيطة، غياب أسماء من رموز الحركات السياسية والمدنية ونشطاء مستقلين عن قوائم العفو الرئاسي وإخلاء السبيل، حسبما نقل عنه موقع "المنصة" في 2 مارس/آذار 2023.
ووصف أبو عيطة عدد المفرج عنهم بأنه "لا يفي بالأعداد الكبيرة التي تتبناها لجنة العفو الرئاسي وتطالب بخروجها، سواء من المحبوسين احتياطيا عن طريق إخلاء سبيلها أم المحكوم عليهم عن طريق صدور عفو رئاسي عنها".
ومنذ إعادة إطلاق لجنة العفو، صدرت أيضا أحكام قاسية ضد شخصيات سياسية ومحامين حقوقيين بارزين، مثل قضية العاملين في التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، الذين حُكم عليهم بالسجن لمدة خمس سنوات مؤبدا في أوائل مارس 2023.
دعاية وتلميع
رغم تكثيف البروباغندا الإعلامية وترويجها لمرحلة "انفتاح سياسي" في قبل بدء ما يسمى "الحوار الوطني" عام 2022، ارتفع عدد المقبوض عليهم، وعدد من تعرضوا لممارسات تعسفية صارخة، مثل الحبس الاحتياطي المطول والتدوير في قضايا جديدة.
"معهد التحرير لدراسات الشرق الأوسط" أوضح في دراسة 28 أبريل/نيسان 2023 أن زيادة أعداد المعتقلين الجدد مقارنة بمن يتم إطلاقهم بدعوى العفو الرئاسي، يؤكد أن "دور هذه اللجنة إعلامي، ولتلميع وجه النظام.
وأوضح أنها "مجرد دعاية لا تقابلها أي تغييرات في الواقع بخروج أعداد أكبر من المحبوسين".
وقال إنه: "من غير المفهوم الدعوة إلى حوار وطني في ظل هذه الأوضاع والممارسات التي تقضي على أي فرصة للحوار قبل أن يحدث".
مؤسسة "فير بلانيت" المدعومة من الاتحاد الأوروبي، أكدت أيضا في دراسة عن هذا العفو الرئاسي في 26 أبريل/نيسان 2023 أن "اللجنة الوهمية المصرية للعفو عن السجناء السياسيين"، كما أسمتها، "تسيطر عيلها الأجهزة الأمنية".
وأكدت أنه "بعد عام من إعادة تنشيطها بأمر من السيسي، تم احتواء الجهاز بالكامل ومن قبل الأجهزة الأمنية، وشهدت مصر تضاعف عدد حالات الاعتقال التي تم الإفراج عنها".
ونقلت المؤسسة عن الحقوقي بهي الدين حسن، مدير "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، تأكيده أن "لجنة العفو الرئاسية ليست أكثر من واجهة للعلاقات العامة مع الغرب".
وقال عضو اللجنة، كمال أبو عيطة، لموقع "فير بلانيت" إنه "بعد فترة وجيزة من إعادة تنشيط اللجنة، بدأ عمل اللجنة يتباطأ، لدرجة أنه منذ نهاية صيف 2022 تم احتواء العملية من قبل الأجهزة الأمنية وتم تقليص اللجنة إلى واجهة بلا محتوى".
وقال: "أنا شخصيا عملت في اللجنة 24 ساعة في اليوم، وكنت أرسل أسماء المعتقلين المطلوب الإفراج عنهم، "لكن التماساتنا لم تتلق أي رد، بدءا من أغسطس/ آب 2022، وبدأ الأمن يخرج أشخاص من السجون غير الذين نطالب بهم".
واعترف أبو عيطة: "تخيلت أنني سأشارك في لجنة عفو عام عن جميع السجناء، لكن اكتشفت في النهاية سيطرة الأجهزة الأمنية على عمليات الإفراج، وهم من يقرر من يغادر ومن لا يقرر، وليس اللجنة".
ويرى مراقبون أن "طنطنة وسائل إعلام السيسي والدعاية المكثفة لما يسمي (العفو الرئاسي) الذي تضمن العفو عن يساريين وعلمانيين من تيار جبهة الإنقاذ التي تحالف مع الانقلاب العسكري، كان هدفها لعب دور مسرحي لتبريد الغضب الشعبي".
وتلميع صورة قائد الانقلاب خشية أن يتحول مؤتمر المناخ الذي عُقد في نوفمبر 2022 لتظاهرة حقوقية ضده، وقد انتهت مناسبة الإعلان عن اللجنة والحوار الوطني بانتهاء المؤتمر، لذا من الطبيعي أن يتراجع النظام وتظهر حقيقة نواياه.
الغريب أن أعضاء لجنة العفو أنفسهم لا يعرفون أعداد من أفرجوا عنهم، فحين سألت صحيفة "العين" الإماراتية في 10 أبريل/نيسان 2023 عضو اللجنة، طارق الخولي، حول أعداد المفرج عنهم بموجب عفو رئاسي خلال عامها الأول، قال إنه "لا يعرف".
الخولي قال إنه "ليس هناك حصر دقيق للأعداد، لكن ومع نهاية عمل اللجنة سيكون لدينا حصر دقيق بأعداد الحالات التي وردت إلينا، والتي انطبقت عليها المعايير، وحصلت بالفعل على عفو رئاسي".
وهو ما يؤكد ما ذكره حقوقيون ونشطاء حول أن لجنة العفو ليس لها دور في الإفراج عن المعتقلين سوى نشر الأسماء التي ترسلها لهم الجهات الأمنية، ثم ينسبون إطلاق سراحهم لأنفسهم.
مجرمون وقتلة
لم تفشل لجنة العفو الرئاسي، التي اتهمها سياسيون بأنها لا تفعل شيئا سوى إصدار بيانات أجهزة الأمن عن المعتقلي، ولكنها ارتكبت جريمة بالإفراج عن مجرمين وقتلة، أخرجتهم للحرية، في حين تركت سجناء الرأي وراء الأسوار.
الضابط السابق والقاتل المأجور، محسن السكري، قاتل المطربة سودان تميم، كان أحد من خرجوا من السجن بعفو رئاسي من السيسي، ورجل الأعمال طلعت مصطفى الذي كلف "السكري" بقتل المطربة، خرج أيضا بعفو رئاسي.
حتى البلطجي الشهير، صبري نخنوخ، خرج بعفو من السيسي، في حين بقي عصام سلطان وعبد المنعم أبو الفتوح وباسم عودة وزياد العليمي وغيرهم في المعتقلات.
واشتهر صبري نخنوخ بالبلطجة والظهور ممسكا بمدفع رشاش، واعتقلته وزارة الداخلية في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي ووصفته بأنه "أحد أباطرة البلطجة وبحوزته أسلحة ومخدرات و5 أسود"، وفق "المصري اليوم" في 24 أغسطس/آب 2012.
واستغل السيسي وأركان حكمه تمثيلية العفو لإطلاق مجرمين وفاسدين آخرين مثل الممثل طارق النهري الذي كان متهما في قضايا جنائية واشتهر بصورته وهو يحمل مسدسا يقتل به الإخوان في ميدان التحرير، وعاد ليجرى تلميعه في مسلسلات رمضان 2023 التي رعتها شركات المخابرات الفنية.
بالمقابل، سعت لجنة العفو الرئاسي لإقصاء المعتقلين الأعضاء أو المتعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين المعارضة، "والذين يُقال إن مصيرهم يُدار على أعلى مستوى بطريقة منفصلة تماما عن مصير السجناء السياسيين الآخرين"، وفق موقع fair planet.
وقالت إن "بعض السجناء السياسيين الأكثر شهرة في البلاد الذين أدينوا بالفعل، مثل الناشط علاء عبد الفتاح والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، وقادة الإخوان، يتم التعامل معهم بشكل منفصل وبعيد عن متناول اللجنة".
وقال النائب وعضو لجنة العفو الرئاسي لجنة العفو، طارق الخولي، إن اللجنة اتخذت قرارا بعدم إطلاق سراح أي من معتقلي جماعة الإخوان المسلمين، بدعوى أنها "جماعة إرهابية" وفقا لقرارات حكومية وقضائية.
ورأى الخولي لصحيفة "العين الإخبارية" في 23 يونيو/حزيران 2022 أن "الحديث عن أن بعض الاخوان لم يرتكبوا عنف، ونعطى لهم فرصة أخرى بالخروج، لا يعني اللجنة التي لا تفرق بين دور الشخص فى هذه الجماعة، ومجرد الانتماء للجماعة نعده إرهابيا".
وزعم الخولي الذي كان أحد أعضاء حركة "تمرد" التي مهدت لانقلاب 3 يوليو 2013 أن "خروج أي عنصر ينتمي لأي تنظيم إرهابي أو جماعة الإخوان من السجون خطر على المجتمع".