ضغوط سياسية وفتوى دستورية.. هل يترشح الرئيس السنغالي لولاية جديدة؟
في خطوة لمنع الرئيس السنغالي، ماكي سال، من الترشح لولاية رئاسية ثالثة، أعلن أزيد من 100 حزب سياسي ومنظمة مدنية، تشكيل تحالف مناهض له وتوقيع ميثاق حركة "إف 24" ضد ترشح سال.
ودعا التحالف في بيان صادر عنه في 16 أبريل/نيسان 2023، الرئيس سال إلى احترام الدستور والامتناع عن الترشح لولاية "غير قانونية وغير شرعية" وذلك قبل 10 أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية.
ورغم أن الرئيس سال الذي يتولى السلطة منذ عام 2012 لم يظهر نواياه بعد بخصوص الترشح لولاية ثالثة، إلا أنه عبر أخيرا عن رفضه "المزاعم بأن ترشحه أمر غير دستوري".
بين الدستور والسياسة
وأكد سال أحقيته في الترشح للرئاسيات المقرر إجراؤها في 25 فبراير/شباط 2024، وذلك دون أن يحسم ترشحه لولاية رئاسية ثالثة.
وشدد في حوار مع صحيفة "ليكسبريس" الفرنسية في 20 مارس/آذار 2023، على أن موضوع ترشحه للانتخابات الرئاسية 2024 "لم يعد مسألة قانونية، لأن المشكلة قد تمت تسويتها".
ورأى الرئيس السنغالي، أن الولاية التي استهلها سنة 2012 لم يشملها الإصلاح الدستوري، وهو ما يخول له الترشح لولاية ثالثة.
وفي 2016، أجرى سال استفتاء دستوريا قلص فترة الرئاسة من 7 إلى 5 أعوام خلال ولايته الأولى لمدة 7 أعوام، ليفوز في انتخابات 2019 بولاية ثانية مدتها 5 أعوام.
هذه التصريحات عدها مراقبون تأكيدا على رغبة الرئيس سال الترشح لولاية ثالثة، خاصة أنه يستند إلى استشارة المحكمة الدستورية.
فوفقا لتصريحات سابقة له نشرتها وكالة "بلومبرغ" الدولية، قال إن "المحكمة الدستورية عدت ولايتي الأولى غير محسوبة، وأنها تقع خارج نطاق الإصلاح، لذلك فإن القضية القانونية محسومة. الآن، هل يجب أن أترشح لولاية ثالثة أم لا؟ أعترف أن هذا نقاش سياسي".
ويبقى الرئيس سال، حسب متتبعين للشأن السياسي بالسنغال، أمام تحد كبير في إقناع الشعب بشرعية الترشح لولاية ثالثة، ناهيك عن الرفض التام من قوى المعارضة حيث تعده "غير شرعي وغير دستوري".
كما أنه سبق للرئيس سال أن ناهض الرئيس الأسبق عبد الله واد حين أراد الترشح لولاية ثالثة، وقدم إصلاحات دستورية عام 2016 للحد من فوضى الولاية الثالثة.
فما هي خلفيات الدعوة إلى ولاية ثالثة للرئيس السنغالي الحالي؟ وهل يستطيع إقناع الشعب بشرعية فترة رئاسية جديدة لولاية ثالثة؟
الباحث السنغالي المختص في العلوم السياسية، هارون با، قال إن "العديد من التيارات السياسية دعت إلى ضرورة احترام الوثيقة الدستورية لا سيما ما يتعلق بالولايتين الرئاسيتين لرئاسة البلاد".
وأضاف الباحث في حديث لـ"الاستقلال"، أن "الشعب يطالب اليوم الرئيس الحالي باحتساب الولاية قبل التعديل عبر استفتاء دستوري سنة 2016 والذي قلص فترة الرئاسة من 7 إلى 5 أعوام".
في المقابل، يستند أنصار الرئيس الحالي لشرعنة الولاية الثالثة، حسب با، إلى "تأويل دستوري يقضي بإخراج ولاية الرئيس الأولى من الحساب ليا لأعناق النصوص وتطويعها لصالح الحزب الحاكم للالتفاف على الديمقراطية الناشئة".
وأكد الباحث المختص في العلوم السياسية، أنه "من باب ترسيخ الديمقراطية السنغالية الناشئة الحرص على التناوب على السلطة".
وأشار إلى أنه منذ سنة 2000 والتي عرفت فوز المعارض عبد الله واد على زعيم الحزب الاشتراكي عبدو ضيوف فإنه من المنطقي الالتزام بالولايتين المحددتين في الدستور مسايرة لموقف عدد من الدول من بينهما النيجر ونيجيريا في إخلاء المنتهية ولايته لخلفه.
مرتكزات غير ديمقراطية
وأوضح با، أن من بين مرتكزات سال لإقناع الشعب بأحقيته في الترشح، "أطروحة إكمال المشاريع التنموية".
وتابع أن الرئيس الحالي حقق إنجازات كثيرة على أرض الواقع خصوصا على مستوى البنية التحتية كإنشاء الطرقات وبناء الجسور وتشييد المستشفيات ومحطات توليد الكهرباء ضمن رؤية ما يسمى بـ"السنغال الصاعدة".
وأكد أنه رغم ذلك فإن "البلاد ليست بحاجة إلى الدخول في صراعات والارتماء في أحضان الفوضى مع دخول السنغال لعهد البترول والغاز المرتقب، لا سيما أن الإرهاب على الأبواب".
وسجل أن الحزب الحاكم "الاتحاد من أجل الجمهورية" يحاول احتواء بعض قيادات الأحزاب الكبرى وكسب ود المعارضين، مشيرا إلى أن أنصار الرئيس الحالي يروجون أن "ترشح الرئيس مطلب شعبي عبر تنصيب الائتلاف الحاكم ماكي سال مرشحا لهم".
وذكّر بأن الرئيس الحالي سبق له أن أكد في مواقف سابقة على أنه ملتزم بمغادرة السلطة بعد انتهاء المأمورية الثانية، ومن ذلك ما أورده في كتابه "السنغال في القلب" الصادر عام 2019 بأن "هذه الولاية الثانية والأخيرة".
لكن مع مطلع العام 2020، يردف الباحث المختص في العلوم السياسية، بدأ الرئيس في زرع الشكوك في أذهان السنغاليين بقوله: "لا لنعم ولا للا حول ترشحه للانتخابات الرئاسية 2024 سواء مع الإعلام المحلي والدولي".
وفي هذا الإطار، تساءل با، عن دور القانوني والأستاذ الجامعي والوزير المقرب من النظام، إسماعيل ماجور فَالْ، في تحويل مسار العملية الديمقراطية بإيحاء إلى زعيم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بإمكانية تمديد فترة رئاسته بعد 2024.
ورأى أن "ماجور فال هو مهندس الولاية الثالثة انطلاقا من آليات قانونية دستورية رغم معارضة أطياف واسعة من المجتمع، وبناء عليه فهو مسؤول مستقبلا عن تداعيات هذا الموقف على عموم الحياة السياسية السنغالية".
ضغط واحتقان
من جهته، رأى المدير العام للمعهد الثقافي العربي الإفريقي التابع لجامعة الدول العربية، محمد سالم الصوفي، في 26 أبريل/ نيسان 2023، أن "الحراك الذي تشهده السنغال لقطع الطريق أمام ترشح الرئيس الحالي لولاية ثالثة يأتي بعد نحو 10 أشهر فقط قبل موعد الانتخابات الرئاسية".
وقال الصوفي، في مقال نشره موقع "مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات"، إنه "بقدر ما تزيد الطبقة السياسية في السنغال من الضغط لمعرفة موقف الرئيس الحالي من الولاية الثالثة بقدر ما يزيد الاحتقان في الشارع مع اقتراب موعد الانتخابات ومثول المعارض عثمان سونكو أمام القضاء في الملفات العالقة".
ويتابع زعيم المعارضة ومؤسس حزب الوطنيين "باستيف" سونكو، على خلفية اتهامه باغتصاب عاملة في صالون تجميل عام 2021، إضافة إلى قضية أخرى يترافع فيها وزير السياحة أليون سار -وهو إحدى قيادات الحزب الحاكم- بتهمة التشهير والسب والتزوير بعد أن اتهمه سونكو باختلاس أموال من مشروع زراعي.
وأشار الصوفي، إلى أن "معارضي الرئيس السنغالي الحالي يتهمونه باستخدام النظام القضائي لمنع خصومه من الترشح للرئاسيات المقبلة".
وسبق لعثمان سونكو أن ترشح لرئاسيات 2019، وحصل على المركز الثالث، كما أعلن نيته الترشح للانتخابات المرتقبة في 2024.
في المقابل، يضيف الصوفي، "يتهم الحزب الحاكم عثمان سونكو بالسعي لإثارة غضب الشارع في محاولة للإفلات من العقاب في الدعاوي المرفوعة ضده أمام القضاء".
وفي ظل محاولات أنصار الرئيس سال شرعنة الولاية الثالثة عبر مختلف الطرق والآليات سواء القانونية أو الشعبية تبقى المعارضة أمام تحديات كبيرة للوقوف في وجه الولاية الثالثة. فهل تستطيع التصدي لمحاولات الرئيس الحالي الترشح لولاية ثالثة؟
الباحث هارون با، قال إن المعارضة ليست موحدة وأقوى جناح فيها هو تحالف "باستيف" الذي يقوده المعارض الأبرز سونكو والذي حاز على الرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية خلال يوليوز/تموز 2022 وحقق فوزا كاسحا في الانتخابات المحلية في يناير/كانون الثاني 2022.
وأضاف أن المعارضة تقاوم بكل السبل المتاحة لمنع الرئيس من الترشح لولاية ثالثة بدءا بالدعوة للالتزام بالدستور وبيان خطورة التغاضي عن القانون وتبعاته السياسية والاجتماعية وبتعبئة الجماهير وتنظيم المظاهرات والاحتجاجات في أرجاء البلاد والدعوة للمقاومة.
وأشار إلى أن موقف المجتمع المدني يبقى هو الممانعة والرفض لأي تجاوز للدستور من خلال جميع آليات العمل المدني المنظم، وهو ما تقوم به مثلا حركة (إف 24) المناهضة لولاية ثالثة في فترة الرئيس السابق واد واللاحق سال".
وخلص الباحث السنغالي المختص في العلوم السياسية إلى أن "الديمقراطية السنغالية تمر بامتحان صعب ليس من السهل التنبؤ بعواقبه".