عباس علي سليماني.. معمم شيعي إيراني بارز قتله حارس بنك للتنديد بنظام خامنئي

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في حادثة هزت نظام ولاية الفقيه بإيران، لقي رجل الدين البارز آية الله عباس علي سليماني، مصرعه بعدما باغته من الخلف رجل مسلح فجر رأسه برصاصة أردته قتيلا في الحال، وذلك أثناء وجوده بمصرف في مدينة بابلسر بمحافظة مازندران شمالي البلاد.

وبثت وسائل إعلام إيرانية في 26 أبريل/ نيسان 2023، مقطع فيديو وثّق لحظة اغتيال المعمم سليماني (70 عاما) على يد أحد حراس المصرف، إذ يعد أبرز مسؤول ديني يلقى حتفه في إيران خلال هجمات نالت العديد من رجال الدين خلال الفترة الأخيرة.

وكيل خامنئي

وطوال حياته المديدة، شغل المعمم سليماني العديد من المناصب، وكان حتى يوم مقتله عضوا في مجلس خبراء القيادة المؤلف من 88 عضوا، المسؤول عن اختيار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، ولديه سلطة إقالته ولو نظريا.

ويرأس "خبراء القيادة" حاليا رجل الدين البارز أحمد جنتي البالغ من العمر 96 عاما، إذ يُنتخب أعضاء المجلس في اقتراع شعبي، بعد موافقة مجلس صيانة الدستور على ترشحهم.

وأصدر المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي بيانا قدم فيه العزاء لما وصفه بـ"حادثة الاعتداء التي أدت إلى استشهاد سليماني"، مشيرا إلى أنه كان عضوا في مجلس خبراء القيادة وإمام جمعة مدينة "زاهدان وكاشان" لسنوات، وطالما خدم نظام الجمهورية الإسلامية.

وولد سليماني في عام 1947، في أسرة دينية تعيش في مدينة بمازندران شمال طهران، وواصل تعليمه في الكتاتيب، ثم التحق بالحوزة العلمية الشيعية في مدينة قم، وبعد ذلك انتقل إلى مدينة مشهد.

وتقلد مناصب دينية وتعليمية، حيث كان عضوا في مجلسي أمناء جامعة سيستان وبلوشستان، وكلية زاهدان لعلوم القرآن، إضافة إلى أنه إمام صلاة الجمعة في المدينة ذاتها منذ عام 1980، ثم تولى مسؤولية شؤون المسلمين السنة فيها.

وتولى منصب الممثل الشخصي للمرشد الأعلى للبلاد، علي خامنئي، في منطقة سيستان وبلوشستان (عاصمتها زاهدان) ذات الغالبية السنية التي تقع جنوب شرق البلاد، المتاخمة لباكستان وأفغانستان، والتي تعد من أفقر المناطق.

وممثلو خامنئي (الوكلاء) رجال دين ينوبون عنه على مستوى الأقاليم.

وفي عام 2009، انتقد المعمم عباس علي سليماني التعليم الديني في بعض المدارس السنية وادعى أنها تضم طلابا من "الوهابية" وفيها يُدرّس التعليم المنحرف لـ"غسيل الأدمغة".

و"الوهابية"، مصطلح أطلق على حركة إسلامية سنية قامت في منطقة نجد وسط شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، (الثامن عشر ميلادي) على يد رجل الدين محمد بن عبد الوهاب لنشر الدعوة السلفية.

وتحت ذريعة "الوهابية" نفذ وكيل خامنئي خطة لـ"تنظيم مدارس سنية"، أثارت انتقاد الشيخ عبد الحميد مولوي، إمام الجمعة للسنة في زاهدان عاصمة منطقة سيستان وبلوشستان، حسبما ذكر تقرير أورده راديو "فردا" الإيراني المعارض في 26 أبريل 2023 دون الكشف عن تفاصيل "الخطة".

وانتقد وكيل خامنئي البرنامج الطلابي في جامعة سيستان وبلوشستان، وقال: "إذا كانت الجامعة سترقص وترقص، فمن الأفضل أن يتم حظرها"، حسبما أفاد به راديو "فردا" الإيراني.

وكذلك لعب عباس علي سليماني دورا في عزل علي أفتاز هاشمي، الحاكم الإصلاحي لسيستان بلوشستان في الحكومة الأولى للرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، وفقا لـ"فردا".

وانتقد سليماني، عندما كان إمام جمعة كاشان "العمل المختلط بين الرجال والنساء في الهيئات التنفيذية". ودعا حينها إلى فصل موظفي الحكومة، بالقول: "عندما نقول الدولة الإسلامية، يعني أن كل شؤونها وتنظيماتها يجب أن تكون على أساس الإسلام".

"ليس المقصود"

فور مقتل علي سليماني، أمر النائب العام للبلاد محمد جواد منتظري، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بفتح تحقيق في الحادث لمعرفة ملابساته ودوافع ارتكاب المتهم للاغتيال.

وفي اليوم نفسه، أعلن محافظة مازندران، محمود حسيني بور، اعتقال المسلح في موقع الهجوم، وإجراء التحقيقات لمعرفة دوافعه، حسبما نقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية في 26 أبريل 2023.

وقال المحافظ إن المهاجم من سكان المنطقة، وقد هاجمه "اعتباطيا" مستبعدا شبهة "عمل إرهابي". لكن لم يتم التأكد من المعلومات الواردة عن مقتله بشكل مستقل.

وفي اليوم التالي، نشرت وكالة "إرنا" الرسمية ما أسمته "الاعترافات الأولية" لمنفذ عملية اغتيال عضو مجلس خبراء القيادة في إيران عباس علي سليماني.

وكشف المتهم بقتل سليماني، أنه "لم يكن يعرف هوية المُستهدف"، وفق "إرنا".

وبحسب الوكالة الإيرانية، فإن الشخص الذي اغتال سليماني كان من منتسبي إحدى شركات حفظ النظام، وليس من موظفي هذا البنك، وكان مكلفا من قبل الشركة بحفظ النظام لتقديم خدمات للبنك في هذا المجال.

وذكر في اعترافاته: "لم أكن أعرف الضحية، لكنني سمعت من قبل أن مساعد مدير البنك لديه أخ، وعندما دخل الضحية إلى البنك افترضت أنه شقيقه، وكنت في حالة من الغضب الشديد بحيث فقدت السيطرة على نفسي، وقررت قتل الشيخ انتقاما من مساعد المدير".

وقال المتهم إنه "يعاني من وضع اقتصادي سيء وكانت له مشاكل مع مساعد مدير البنك"، وفقا لادعاءات الوكالة الإيرانية.

ضحية الكره

وعلى إثر ذلك، كتب الناشط السياسي الإيراني أحمد زيد آبادي تغريدة على "تويتر" علق فيها على اعترافات المتهم، قائلا: "يجب اعتبار القتل نتيجة غضب المعتدي وقراره المفاجئ. لكن لماذا اتخذ مثل هذا القرار المفاجئ؟".

وتابع: "لا يسع المرء إلا أن يخمن أنه ربما فقد سيطرته تحت ضغط الحياة ويعتقد أن رجال الدين هم سبب مشاكل حياته، من خلال الوصول إلى بندقية، أطلق العنان لغضبه على رجل الدين المشهور الذي صادف وجوده في حياته".

ورأى الناشط الإيراني أن "العديد من الناس يرون أي رجل دين هو سبب مشاكلهم، بغض النظر عن موقفه السياسي والأيديولوجي، وهذا أمر مقلق بما فيه الكفاية، خاصة بالنسبة للذين أبعدوا أنفسهم بطريقة ما عن صراع القوى والسياسة، أو هم من منتقدي الموقف القائم".

من جهته، كتب الصحفي والناشط السياسي محمد جواد أكبرين تغريدة، قال فيها: "محافظ مازندران قال إن الشخص الذي قتل عباس علي سليماني لا يعرفه. فهو على سبيل المثال، يريد تبرير عدم وقوع حادث أمني خاص؛ لكنه لا يفهم أنه يعترف عن غير قصد بأن المجتمع يكره رجال الدين لدرجة أنه إذا رأى بندقية، فسوف يطلق النار على أقرب ملا (شيخ) من حوله".

وبحسب تقرير لوكالة "رويترز" في 26 أبريل 2023، فإن مقتل رجل الدين عباس علي سليماني "يعد أكبر هجوم يستهدف شخصية بهذا الحجم منذ سنوات في إيران".

وطالما لعب رجال الدين الشيعة دورا مهما في إيران، ولا سيما بعد الثورة التي أطاحت بحكم الشاه عام 1979، وأتت بنظام ولاية الفقيه، الذي تزعمه حينها المرشد الراحل روح الله الخميني.

ومع ذلك، فقد ازداد السخط في السنوات الأخيرة على رجال الدين، لاسيما وسط موجات من الاحتجاجات على مستوى البلاد ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية.

وأثناء الاضطرابات الأخيرة في إيران، استهدف متظاهرون رجال الدين، وبثت مقاطع تظهر أشخاصا يركضون خلف رجال الدين في الشوارع ويسقطون عماماتهم.

وتشهد إيران منذ سبتمبر/ أيلول 2022، احتجاجات متواصلة ضد النظام، جراء وفاة الشابة الكردية مهسا أميني بعد تعرضها للضرب على يد "شرطة الآداب" بحجة عدم التزامها بالزي المحتشم.