أصبحت أولوية.. لماذا يزداد الطلب على شركات الحماية الأمنية في لبنان؟
يزداد أكثر فأكثر الطلب على الشركات الأمنية الخاصة التي توفر الحماية للأفراد والمؤسسات والمقرات في لبنان والتي دخلت البلاد منذ تسعينيات القرن العشرين.
ويأتي ذلك، في خضم حالة الانهيار الاقتصادي المتواصلة منذ 2019، ورغبة المصارف اللبنانية في التعاقد مع مثل هذه الشركات واعتبارها أولوية في هذه المرحلة، فضلا عن توسع الرغبة في الحماية الشخصية للأفراد.
وعلى الرغم من أن الشركات الأمنية الخاصة حالة صحية في كثير من الدول مع ازدياد الأبنية التجارية ومقرات المؤسسات والأحزاب والمجمعات السكنية، فإنها تنشط أكثر في حالة الفوضى ووجود حاجة ماسة للاستعانة بخدماتها في بلد مثل لبنان.
شركات أمن جديدة
وفي توجه يكشف مدى حاجة لبنان لمزيد من الشركات الأمنية الخاصة في الوقت الراهن، تعتزم شركة الأمن الفرنسية بيبلوس جروب تنفيذ أعمال تجارية في بيروت، في موطن مالكها سيمون الحويك الذي يعتمد على العميد السابق في الجيش اللبناني سامي الحويك، لإطلاق الفرع الجديد للشركة على الأرض.
وذكرت مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، أن شركة الأمن الفرنسية Byblos Group افتتحت فرعا جديدا في لبنان، باسم B-Guard ME، وهي إحدى مشتقات فرعها B-Guard في فرنسا، وستوفر حراسا مسلحين ووكلاء أمن في بيروت حيث يزداد الطلب على هذا النوع من الخدمات.
وأوضح تقرير المجلة المنشور في 19 أبريل/نيسان 2023، أنه قبل افتتاح هذا الفرع اللبناني، اختارت شركة بيبلوس، الفرنسي اللبناني سيمون الحويك، أحد أفراد العائلة لإدارته.
وسيمون والده سامي الحويك، العميد المتقاعد من القوات المسلحة اللبنانية.
وكان سيمون حتى عام 2022، رئيسا لغرفة الطوارئ في بيروت المكلفة من قبل القوات المسلحة بتنظيم وتنسيق الاستجابة الطارئة بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020.
وشغل الحويك سابقا منصب الملحق العسكري اللبناني في لندن ورئيسا للواء التاسع من 2017 إلى 2018، عندما كان الجيش اللبناني يخوض معارك كبيرة ضد "جبهة النصرة" و"تنظيم الدولة".
واستحوذت خبرة الحويك الأمنية على اهتمام الشركة، وكذلك معرفته بسوريا، كما أدار مخيمات اللاجئين السوريين تحت إشراف الجيش.
تقول المجلة، إنه من المرجح أن تفتح السوق السورية مرة أخرى قريبا، مما يثير لعاب المستثمرين الفرنسيين واللبنانيين، ولا سيما شركة تصنيع الأسلحة CMA CGM.
وتأسست مجموعة بيبلوس عام 1999 وهي ترغب اليوم في التوسع دوليا، فعلى سبيل المثال تدخلت في كييف بعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
ويترأس مدير الدفاع والأمن في الشركة "كريستيان سيجو"، المكتب الفرنسي لشركة Scopa للصناعات. وهذه الأخيرة هي الفرع الدفاعي لمجموعة " عجلان بروس" السعودية.
ويقع مقر بيبلوس في ليسيو بفرنسا بالقرب من مدينة ليون، ويعمل بها ما يقرب من 2000 موظف، حيث تتمتع الشركة بعلاقة وثيقة مع لوران واكيز رئيس منطقة "أوفيرني رون ألب" وصديق حويك.
ومعروف عن الشركات الأمنية الخاصة، أنها توفر عدة خدمات أمنية، أبرزها الحراسة الشخصية، وسترات الوقاية من الرصاص، وتوفير آلات لرصد المواد المتفجرة، ونقل المال النقدي وحماية المؤسسات على اختلاف أنواعها.
بيئة جاذبة
الإطلالة الأولى للشركات الأمنية الخاصة في لبنان، كانت عبر "الشركة اللبنانية ــ السويسرية للأمن والمراقبة" التي تأسست عام 1986، ويقول وزير الداخلية الأسبق بشارة مرهج إن الشركات الأمنية بدأت بالظهور في أوائل تسعينيات القرن العشرين.
تؤكد مواقع لبنانية، أن أول من ربط بين السياسة وشركات الحراسة الأمنية إلى لبنان، هو "ماجد حمدان" شقيق القائد السابق للحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان.
إذ كان الأول يدير شركة خدمات توفر عمالا وعاملات لتنظيف المكاتب والمؤسسات، ثم طور خدمات شركته مستفيدا من موقع شقيقه.
فضم شركته إلى شركات الأمن والحماية، وباتت توفر حراسا لبعض الشركات والمكاتب والمؤسسات، وتولت حراسة عدد من الشركات في وسط بيروت، قبل أن تغلق الشركة عام 2005.
وتؤكد صحيفة "الأخبار" اللبنانية، أنه حتى عام 2007 كانت هناك 33 شركة أمنية خاصة لا يقل عدد عناصر 20 منها عن ألف عنصر (لكل واحدة)، في لبنان البالغ عدد سكانه 5 مليون إنسان إضافة إلى 350 ألف لاجئ فلسطيني ومليوني لاجئ سوري.
وغالبية رؤساء هذه الشركات الأمنية الخاصة، هم ضباط متقاعدون، لهم علاقاتهم المدنية والأمنية كونهم قادمين من سلك الجيش وقوى الأمن الداخلي، بما يمكنهم من توفير الزبائن وفريق العمل المنضبط.
وهناك الكثير من الضباط المتقاعدين يعملون في مجال الخدمات الأمنية باعتباره عملا مكملا لمهنتهم وتدخل في نطاق شركات القطاع الخاص، فضلا عن أنها تدر عليهم مكاسب مادية عبر استثمار خبراتهم المتراكمة لصالح مثل هذه الخدمات.
طلب مجتمعي
يشير وزير الداخلية اللبنانية السابق محمد فهمي، إلى أن العنصر المنتسب إلى الشركة الأمنية، يجب أن يكون لبنانيا منذ أكثر من عشر سنوات، متمتعا بحقوقه المدنية كافة وغير محكوم بجناية أو جنحة شائنة أو ملاحق قضائيا.
بينما على مدير عام الشركة أن يتمتع بخبرة أمنية داخل لبنان لا تقل عن 15 سنة (قوى أمن داخلي، جيش لبناني) مع حسن السيرة الذاتية.
وبحسب ما قال إيلي سلامة، صاحب شركة Middle East Security لـ"موقع نداء الوطن" في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2022، فإن شركات الحماية الأمنية الخاصة "تتقاضى حوالى 11 مليون ليرة شهريا بدل تأمين حماية لثماني ساعات ليلية ولسبعة أيام في الأسبوع".
في حين أن شركات أخرى شرعت تتقاضى بالدولار الأميركي بمعدّل 350 إلى 400 دولار شهريا. أما عنصر الحماية الذي كان يتقاضى 900 دولار شهريا كبدل أتعاب، فقد تراجع مدخوله إلى 300 دولار حاليا، وفق قوله.
ويلفت سلامة إلى أن "السياسيين اللبنانيين يمكنهم طلب الحماية من الدولة لكنهم عادة ما يلجؤون إلى الشركات الأمنية الخاصة علما أن حماية الدولة أفضل بكثير".
لكن للأسف الثقة مفقودة ببعض الأجهزة من جهة، ومن ناحية أخرى هناك حاجة للشعور ببعض الخصوصية بعيدا عن مراقبة الدولة لكل ما يقوم به هؤلاء خلال تواجدهم في البلد، بحسب تقديره.
وتنشط في لبنان عمليات الطلب على توفير الحماية للرياضيين، والفنانين، ورجال الأعمال، حيث تؤمن الشركة الأمنية الخاصة السيارة وسائقها وعنصر الحماية الشخصية.
ويطلب أحيانا تسليح العناصر، ما يستدعي الحصول على تراخيص رسمية، كما يجري اللجوء إلى تأمين فرق حراسة من الإناث لشخصيات نسائية معينة.
وتسهم تلك الشركات الأمنية الخاصة في تعزيز منع الجريمة وسلامة المجتمع، في إطار التشريعات الوطنية التي تتيح قوانين تكفي للرقابة عليها والعمل ضمن الخدمات المنصوص عليها في نظام مزاولة الخدمات الأمنية في لبنان.
بحيث تنحصر الخدمات بحراسة المنشآت والمباني، وحماية المقتنيات الثمينة والأموال الخاصة المنقولة وغير المنقولة، وكذلك حماية الأفراد.
وفي المناطق التي يسيطر عليها حزب الله جنوب بيروت يوفر عناصره لحماية القادة فيه، بخلاف باقي الأحزاب التي تستعين بعض شخصياتها بأفراد حماية من شركات أمنية خاصة مرخصة في لبنان.
كما أن هناك شركات أمنية خاصة مرخصة تتبع لتيارات سياسية وأحزاب توفر الحماية لمسؤوليها والشركات الاقتصادية التابعة لها، وغالبية أفرادها من مناصري تلك الأحزاب ومناطق نفوذها في لبنان ويتلقون رواتب شهرية كذلك.
وتنشط عمليات التعاقد بين الشركات والمحلات التجارية لتأمين نقل الأموال منها إلى المصارف اللبنانية لإيداعها، وذلك خشية عمليات سطو محتملة خلال النقل.
إذ يجري نقل الأموال في سيارة مصفحة، حيث توضع العملة بأكياس مغلقة داخل حقيبة ملصق عليها قائمة بالتفاصيل (كاسم الفرع والمبلغ والتاريخ) ومزودة بقفل مع شيفرة.
سوق مطلوبة
ومنذ أكثر من عامين يعاني لبنان أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990) أدت إلى انهيار مالي، فضلا عن خسائر مادية كبيرة تكبدها الجهاز المصرفي تقدرها الحكومة بنحو 69 مليار دولار.
كما أن تدهور الأمن المجتمعي بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد، سيوازيه بالمقابل اتساع في نطاق ورقعة اعتماد منطق "الأمن الذاتي" في العديد من المناطق اللبنانية.
وهذا ما دفع لتشكيل مجموعات في هذا الإطار، ومنها مجموعة "جنود الرب" التي تأسست عام 2019 على يد أنطون صحناوي صاحب مصرف "سوسيتيه جنرال"، وتوظيف معظم عناصرها الذين يتراوح عددهم بـ 300 شخص كعناصر أمن لحماية فروع المصرف، ويتقاضون رواتب شهرية على ذلك.
وتعاني المصارف في لبنان من تكرار عمليات اقتحام مسلح من قبل المودعين بهدف تحصيل أموالهم، الأمر الذي يدفعها إلى تنفيذ إضرابات لأيام، وسط مخاوف من انتشار الفوضى وانهيار الأمن المترنح.
وضمن هذه الجزئية، كشف موقع "جنوبية" المحلي، أن الدوائر المصرفية تدرس التعاقد مع شركات أمنية خاصة لحمايتها.
ونقل الموقع في 20 سبتمبر/أيلول 2022 عن مصدر مصرفي قوله: "المصارف بدأت وضع الخطط الأمنية لحماية فريقها، وتتلقى العروض من الشركات الأمنية المحلية والدولية بالتنسيق مع الأجهزة المختصة لضمان سلامة أمنها وأمن مودعيها".
وأضاف قائلا: "الأمن يضاهي حقوق المودعين لأن الروح أغلى من المال. والسلاح المتفلت يهين كرامة الموظفين ويؤثر على نشاطهم وإنتاجيتهم.. من هنا لا بد من وضع الحلول سريعا لخدمة المصارف والمودعين والبلد".
اللافت أن عملية الإقبال على العمل في الشركات الأمنية الخاصة واسعة بين شريحة الشباب العاطلين عن العمل كونها تعطي رواتبها بالدولار في ظل انهيار الليرة اللبنانية.
ويؤكد مراقبون في الشأن اللبناني أنه في "ظل عمليات السطو على البنوك وعدم ضمان سحب الأموال منها من قبل المودعين تجد بعض الشخصيات من رجال الأعمال والتجار الكبار حاجة لدفع مبالغ مالية لتأمين الحماية لها في لبنان".
ويضيف هؤلاء أن "وجود مجموعات قادرة على الخطف والابتزاز المادي موجودة في لبنان رغم محاربة الجيش لها، إلا أنها تبقى حاجة ملحقة في ظل ما يمر به البلد".
وكانت "بروسيك" وهي شركة أمنية خاصة مقيدة في السجل التجاري في بعبدا، نظرت إليها المدعية العامة في جبل لبنان، القاضية غادة عون، في مايو/أيار 2021، على أنها بمثابة "الصندوق الأسود" لتحويل مليارات الدولارات خارج البلاد بعدما فتح تحقيق حولها.
وشركة بروسيك، أسسها في فبراير/شباط 1998، الضابط المتقاعد بيار حجي جورجيو لتقديم خدمات حراسة أمنية، والذي تخرج من الكلية الحربية اللبنانية عام 1976، وخدم في دوائر المخابرات ومكافحة الإرهاب والتجسس.
وعام 2001 جرى توسيع نطاق عملها لتشمل مهمة نقل الأموال والأشياء الثمينة، كما طورت أيضا فرقا خاصة بالحماية عام 2002.