بعدما دخلت في تسوية متقدمة.. هل تعيد الاشتباكات المسلحة ليبيا لنقطة الصفر؟

12

طباعة

مشاركة

مع اندلاع الاشتباكات المسلحة مجددا، تجددت المخاوف بخصوص عودة الوضع إلى "نقطة الصفر" في ليبيا خاصة بعد أن دخلت جهود التسوية مرحلة جديدة.

وشرعت الأطراف العسكرية بالتنسيق لتوفير الظروف المناسبة لتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية العام 2023، عبر توحيد المؤسسات الأمنية لتأمين الاقتراع المنتظر.

وانطلق هذا المسلسل عبر عقد اجتماع بالعاصمة طرابلس في 26 مارس/آذار 2023، بين أعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) وقيادات من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا مع ممثلين لقوات الشرق بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.

تجدد الاشتباكات

غير أن تجدد الاشتباكات المسلحة في مدينة الزاوية غرب طرابلس بين الفينة والأخرى قد يهدد مسار توحيد الجهود الأمنية والعسكرية لضمان الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات قبيل نهاية 2023 خاصة في ظل سقوط ضحايا لهذه المواجهات.

وفي 24 أبريل/نيسان 2023، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي، عن مقتل 4 مواطنين في اشتباكات مسلحة وقعت بمدينة الزاوية، من بينهم شقيقان تعرضا لقذيفة سقطت على منزلهم، أدت إلى إصابات مباشرة ما أدى إلى وفاتهما عقب نقلهما إلى أحد المستشفيات.

وجرت الاشتباكات بالقرب من "مصفاة الزاوية" ثاني أكبر مصفاة لتكرير النفط في ليبيا، بين مجموعات مسلحة تابعة لحكومة الوحدة "المؤقتة" برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على خلفية استهداف أحد قادتها.

هذه المواجهات المسلحة اندلعت بين كتيبة "الإسناد الأولى" التابعة لمديرية أمن مدينة الزاوية، وفرع "جهاز دعم الاستقرار" بالمدينة التابع لوزارة داخلية حكومة الوحدة الوطنية.

ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر أمنية أن أحد الفصيلين هاجم تمركزات تابعة للفصيل الآخر، في مدخل المدينة الشرقي، ثأرا لمقتل أحد أفراده، قبل أن تتوسع دائرة الاشتباكات لتضم كامل الحي السكني بمدخل المدينة.

وأمام هذه الاشتباكات بين جماعات مسلحة تابعة لحكومة الدبيبة، فضلت هذه الأخيرة تجاهل الأمر، حيث لم تصدر بشأنها أي بيان، رغم مطالبة حكماء وأعيان الزاوية لها بـ"التدخل وتحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النار في المدينة".

 

وفي المقابل، نقلت مواقع محلية، أن وساطات اجتماعية وأمنية تمكنت من إيقاف هذه الاشتباكات المسلحة وفتح ممرات آمنة لإخراج الجرحى والأسر العالقة.

ولكن لا يزال مسلسل التحشيد مستمرا من الطرفين، وسط مخاوف من تجدد هذه الاشتباكات في المدينة التي تضم أكبر مصفاة للنفط في البلاد.

وكشف عضو مجلس حكماء مدينة الزاوية عز الدين كشلاف، أن المجلس تمكن من إقناع طرفي الاشتباكات بوقف القتال.

وفي 24 أبريل 2023، أكد كشلاف، أن "اتصالات تجري لإقناع الطرفين بضرورة القبول بصيغة أي حل من أن أجل وقف القتال، وإنهاء حالة التوتر المحيطة بالأحياء السكنية"، وفق موقع "العربي الجديد".

وسبق لمدينة الزاوية أن شهدت عدة اشتباكات مسلحة بين المليشيات المسيطرة عليها التي تتبع لحكومة الوحدة الوطنية بطرابلس، لكنها ترتبط بعلاقات متوترة فيما بينها، وتوجد بينها خلافات وصراعات على مواقع النفوذ.

وتبعا لتجدد هذه المواجهات في كل مرة، ارتفعت العديد من الأصوات المنددة بهذه الاشتباكات التي تسببت في ترويع السكان وتعريض حياتهم وسلامتهم للخطر، وطالبت بضرورة تدخل السلطات لوضع خطة أمنية للتهدئة، لمنع تكرار هذه الأحداث.

أسباب ونتائج

وتشهد العديد من المدن الليبية، خاصة الزاوية، انتشار الآلاف من قطع السلاح الخارجة عن سيطرة السلطات والقوات النظامية، وهو أمر أضحى يؤثر بشكل كبير على الوضع الأمني في ليبيا وعلى العملية السياسية كذلك.

وعدا عن ذلك، تدور اشتباكات بين الفينة والأخرى (متوقفة حاليا) بين حكومتي فتحي باشاغا التي كلفها مجلس النواب وبين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

ومنذ مارس/آذار 2022، تتصارع في ليبيا الحكومتان، إذ يرفض الدبيبة تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.

وبين مايو/أيار وأغسطس/آب 2022، فشل باشاغا في دخول العاصمة طرابلس بقوة السلاح لتمكين حكومته من العمل انطلاقا منها.

فهل يهدد تجدد الاشتباكات مسار التسوية الذي قطع أشواطا مهمة وبالتالي يعود بالوضع إلى نقطة الصفر؟ وكيف يمكن مواجهة تجدد اندلاع الاشتباكات المسلحة بليبيا؟

الباحث في العلاقات الدولية البشير الجويني، قال إن "مدينة الزاوية المتميزة بكونها بوابة إستراتيجية تشهد بين الحين والآخر اشتباكات بين المجموعات المسلحة المنتشرة في المدينة والتي تتميز بتنوع ولائها وانتماءاتها".

وأضاف الجويني مؤلف كتاب "ليبيا العميقة"، في حديث لـ"الاستقلال"، أن اندلاع هذه الاشتباكات بين الفينة والأخرى يرجع لأسباب متنوعة لكنه يؤدي في النهاية إلى ثلاث نتائج موحدة.

النتيجة الأولى، هي "مزيد من التشرذم في قوى المنطقة الغربية"، والثانية تتمثل بـ "تهديد المدن الهشة التي تجمع أطرافا متنافرة".

وتابع أن النتيجة الثالثة هي أن اندلاع الاشتباكات المسلحة "يهدد بشكل جدي العملية السياسية التي تصبح رهينة لتوافقات بين مسلحين متعطشين للسلطة وسياسيين محتاجين بشدة إلى الحماية".

من جهته، يرى الباحث الليبي في العلوم السياسية فرج زيدان، أن تجدد اندلاع الاشتباكات المسلحة بمدينة الزاوية يرجع إلى الصراع بين المليشيات المسلحة حول مناطق النفوذ.

وفي تعليقه على تجدد اندلاع المواجهات المسلحة بالزاوية تحديدا، رأى زيدان في حديث لقناة "الغد"، 2 أبريل 2023، أنه لا يوجد في المدينة نوع من التفاهم والتوافق بين المليشيات حول مناطق النفوذ، بعكس ما هو معمول به مثلا في مدينة طرابلس.  

وبين أن هذه المليشيات تبحث عن تعزيز وضعها في المدينة نظرا لموقعها الإستراتيجي سواء فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية وتهريب الوقود والنفط الخام، مشيرا إلى أن هذا الأمر ينتج عنه "كثرة مسألة تصفية الحسابات بين هذه الميليشيات المسلحة". 

وسجل زيدان، أن حالة الزخم التي أعطيت مؤخرا للمسار العسكري وإدراج قادة من التشكيلات المسلحة بمدينة الزاوية في اللقاءات المتعلقة بتوحيد الجهود الأمنية لضمان تنظيم الانتخابات تؤكد أن "هناك اهتماما بالوضع الأمني بهذه المدينة خاصة لقربها من طرابلس تحديدا وأيضا لموقعها الإستراتيجي المهم".

خطر المرتزقة

وإضافة للأسباب السالفة الذكر التي تتسبب في اندلاع الاشتباكات المسلحة بليبيا، نبه الباحث في العلاقات الدولية البشير الجويني، إلى إشكال تواجد المرتزقة والقوات الأجنبية بالأراضي الليبية.

وأشار إلى "الاضطرابات التي تشهدها الحدود الجنوبية الشرقية في مثلث السارة الواقع على الحدود مع السودان في ظل تقارير تفيد بتعاون ميداني واستخباراتي يجمع قوات الدعم السريع بأطراف متعددة خاصة في المنطقة الشرقية والجنوبية في ليبيا".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية نقلت عن مصادر مطلعة، أن الجنرال الانقلابي خليفة حفتر المدعوم روسيا وإماراتيا، أرسل شحنة ذخيرة، في 17 أبريل 2023 من ليبيا إلى السودان، لتعزيز إمدادات قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

وأضافت الصحيفة أن "حفتر الذي تسيطر قواته على شرق ليبيا، أرسل على الأقل طائرة واحدة من ليبيا إلى السودان، تنقل إمدادات عسكرية إلى قوات الدعم السريع".

ورأى الجويني، أنه في ظل هذا وذاك تضيع مصالح عليا بليبيا وأبرزها تنظيم الانتخابات، مشددا على أن هذا المسار والسبيل المؤدي إليه مهدد بشكل كبير.

وسبق للأمم المتحدة أن أطلقت مبادرة لحل الأزمة الليبية تقضي بتشكيل لجنة من مجلسي النواب والدولة، للتوافق على قاعدة دستورية تقود البلاد لتنظيم انتخابات، لكن ذلك لم يتحقق.

وبعد نحو عام على ذلك، عادت الأمم المتحدة لإطلاق مبادرة جديدة أعلنها المبعوث الأممي عبد الله باتيلي في 27 فبراير/شباط 2023، تهدف للوصول إلى انتخابات ليبية قبل نهاية 2023 وتتضمن "إنشاء لجنة توجيه رفيعة المستوى واعتماد إطار قانوني وجدول زمني ملزم لإجرائها".

وفي إطار المبادرة المدعومة أميركيا، دعا باتيلي، أطراف النزاع المنخرطين في مباحثات توحيد المؤسسة العسكرية إلى تقديم الدعم الجماعي لإجراء الانتخابات الوطنية من أجل إعادة الشرعية للمؤسسات الليبية.

وفي تعليقه على قدرة المبادرات الأممية على التصدي للاشتباكات المسلحة والوصول بليبيا إلى بر الأمان، رأى الجويني، أنها "بغض النظر عن جديتها وقدرتها على حل المشاكل الليبية المتعددة، قد تكون دافعا للحل لكنها ليست العامل الوحيد".

وأكد أن هناك عوامل أخرى مركبة منها العامل الميداني والعلاقات الخارجية والإقليمية التي تكاد تتفق نظريا وفوق الطاولة على أهمية الانتخابات ولكن الواقع والأفعال ليست بالضرورة مطابقة للأقوال.

وخلص الجويني، إلى أن الحل الناجع لمنع تجدد الاشتباكات والخروج بليبيا من عنق الزجاجة، "معقد ويتطلب أكثر من قرار في نفس الوقت"، مستدركا: "لكن مربط الفرس هو الكف عن التدخلات الخارجية لإلهاء الليبيين عن مشاكلهم الحقيقية".