مجلة إيطالية: الانقسام الدولي بشأن ميانمار يزيد من سطوة النظام العسكري
رأت مجلة إيطالية أن حكومة ميانمار في المنفى، حققت بعد عامين من الانقلاب العسكري استقرارا حاسما، لكن حالة الانقسام في المواقف الدولية من الأزمة يزيد من أمدها ويعطي ضوءا أخضر للمجلس العسكري في مواصلة قمعه.
وقالت مجلة معهد الأعمال الدولية إن حكومة الوحدة الوطنية، التي ولدت في أبريل/نيسان 2021 لمعارضة ديكتاتورية المجلس العسكري، تمكنت من السيطرة على أجزاء مختلفة من الأراضي بمبادرة عسكرية.
وشهدت المبادرة إنشاء قوة مسلحة حقيقية للدفاع تعد جناحها العسكري، ولكن على الرغم من هذه النتائج، فإن حل الأزمة لا يزال بعيدا عن التوقع، وفق المجلة الإيطالية.
ومطلع فبراير/شباط 2021، نفذ قادة بالجيش في ميانمار انقلابا عسكريا تلاه اعتقال قادة كبار في الدولة، بينهم الرئيس وين مينت، والمستشارة أونغ سان سوتشي، متذرعين بتزوير الانتخابات التي سبقت انقلابهم، لإحكام قبضتهم على مقاليد الحكم.
وأسفرت حملة النظام القمعية عن مقتل ما لا يقل عن 3500 شخص يشتبه في أن لهم صلات بحكومة الوحدة الوطنية أو الحركات المؤيدة للديمقراطية، كما ورد على الموقع الإلكتروني لجمعية مساعدة السجناء السياسيين غير الحكومية.
بينما بلغ عدد الضحايا نتيجة الاشتباكات بين المعارضة وأيضا الفصائل العرقية (كل على حدة) وبين القوات الحكومية، حوالي 33 ألفا على الرغم من صعوبة تحديد عددهم. ووصفت المجلة المناوشات بأنها واحدة من أعنف الحروب الأهلية الجارية حاليا.
وذكرت بأنه منذ النصف الثاني من عام 2022، نفذ المجلس العسكري الحاكم قصفًا عشوائيًا لاستهداف المناطق التي تسيطر عليها حكومة الوحدة الوطنية والمليشيات العرقية التي جرى تجنيدها في الأسابيع الأخيرة على غرار تلك الموجودة في منطقة ساغينغ.
الحرب الأهلية
لعب مجتمع المتدينين من البوذيين والسانغا المؤلفة من الرهبان، تاريخيا دورًا مهما للغاية في النظام الاجتماعي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي في ميانمار.
تحولت هذه التنظيمات من كونها تشكل العمود الفقري للتجارة في مرحلة الاستقلال إلى كونها عنصرا مركزيا لسوق العمل ولها وزن في التطور السياسي للبلد.
في عام 1948، دعمت المنظمات البوذية والسانغا حركات الاستقلال، كما كانت أساسية في "ثورة الزعفران" 2007-2008 التي أدت إلى بطء عملية الدمقرطة قبل أن تبلغ ذروتها في انتخابات 2015 وانتهت بشكل مأساوي مع الانقلاب، تشير المجلة الإيطالية.
فيما شاركت المكونات الأكثر تطرفاً والتي تمثلها أيضًا الجماعات المتطرفة مثل "ما با ثا" وحركة 969 في أعمال العنف ضد الأقلية المسلمة في راخين والولايات الأخرى وارتكبت إبادة جماعية في حقهم.
أدت الأحداث المؤسفة في راخين والعنف ضد مجموعات عرقية معينة من الأقليات التي روج لها الجيش إلى إضعاف مصداقية الحكومة المركزية التي تزعمتها أونغ سان سوتشي قبل الإطاحة بها.
بعد فبراير 2021، أطلق مجتمع المتدينين البوذيين رسائل ضد الديكتاتورية إلا أنها كانت في بعض الأحيان متناقضة، وعلى عكس ما حدث في التاريخ السياسي للبلاد، احتفظت بدور هامشي للغاية، وفق قول المجلة الإيطالية.
يعتمد هذا السلوك على حقيقة أن حكومة الوحدة الوطنية قد شرعت في مسار يتسم بالتمرد العسكري الذي قد لا يتوافق تمامًا مع المثل البوذية، على حد زعم المجلة.
أو على الأرجح، وفق تحليلها، لأنه من خلال حملة التبرع والتضامن الديني شرع الحكام العسكريون، يتقدمهم الجنرال مين أونغ هلاينغ الرجل القوي في البلاد، في تنمية العلاقات مع هذه المنظمات الدينية.
قمع وعنف
أشارت المجلة الإيطالية إلى أن مسألة القمع ضد الحركات المؤيدة للديمقراطية، والتي تمثل الغارات الجوية أوضح صورها، جرى التعبير عنها في سلسلة من الانتهاكات القانونية ضد أعضاء الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية.
وذكرت أن الأحكام الصادرة ضد زعيمة الحزب أونغ سان سوتشي من قبل القضاء في النظام العسكري وصلت إلى ما مجموعه 33 عامًا وكان آخرها في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022.
بحسب المجلة، الاتهامات الموجهة ضد السياسية المسنة متنوعة وأحيانا كانت قريبة من السريالية، كما كان الحال بالنسبة لإدانة العديد من القادة والمسؤولين الآخرين في الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية.
من جانبه، ادعى المجلس العسكري بأن ما يفعله ليس قمعا يهدف إلى إقصاء وهزيمة المنافسين الانتخابيين.
إلا أن القرار الأخير بحل وحظر الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية والعديد من الأحزاب الأخرى لا يترك مجالا للشك، تعلق المجلة الإيطالية.
وتشرح أن السيطرة على بانوراما الحزب أمر أساسي للحكومة العسكرية التي تُعرف نفسها على أنها "الوصي على البلاد".
وتضيف بأنه يبدو واضحًا أن المجلس العسكري الحاكم يحاول الحفاظ على نظام الحكم إلى غاية السيطرة غير المشروطة على المشهد السياسي وذلك بالنظر إلى قرار تمديد حالة الطوارئ في فبراير التي تسمح للجيش بتعليق العملية الانتخابية.
السياسة الدولية
أشارت المجلة الإيطالية إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا أدانتا علانية موقف التأجيل المستمر للجولة الانتخابية وفرضتا بعض العقوبات.
ونقلت موقف معلقين مختلفين بأنه يمكن لحكومة الرئيس الأميركي جو بايدن أن تفعل المزيد فيما يتعلق بالعزلة الدولية لتشويه صورة حكومة ميانمار العسكرية.
من جهته، حافظ الاتحاد الأوروبي على موقف إدانة أكثر حزما إلى جانب فرض العقوبات التي جرى تجديدها باستمرار وكان أخرها في فبراير 2023.
كان الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات على عدة شخصيات وهيئات في ميانمار ثبُت تورطها في عمليات القمع ضد المتظاهرين المدنيين في أعقاب انقلاب فبراير 2021 وكذلك على من انخرطوا في انتهاكات وجرائم ضد أقلية الروهينغا المسلمة.
فيما صادقت دول الآسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا) على خطة تسمى "توافق النقاط الخمس" والتي تضمنت نداءً لوقف العنف في البلاد، إلا أنها لم تفرض نفسها في مواجهة عدم امتثال الأطراف المتنازعة.
أما روسيا، تذكر المجلة، أنها منحت دعمًا غير مشروط للنظام العسكري مقابل دعم دبلوماسي دولي، وكذلك الصين التي تحافظ، بعد برودة أولية تجاه النظام العسكري، على مستوى من اللامبالاة حتى لا تقوض علاقاتها مع الآسيان.
وبذلك يستنتج معهد الأعمال الدولية أن "البانوراما الدولية مجزأة بلا ريب ولا عجب في أن هذا الوضع يمكن أن يضمن حرية تصرف مؤقتة للديكتاتورية العسكرية".