رغم وعود السلطات المتكررة.. لماذا لم تنته أزمة مخيمات النزوح في العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم مضي 5 أعوام على انتهاء الحرب ضد "تنظيم الدولة" في العراق، وتعهد الحكومات المتعاقبة على إعادة النازحين -غالبيتهم من السنة- إلى مناطق سكناهم، لكن لا يزال نحو 1.6 مليون شخص يعيش حالة النزوح في مخيمات غالبيتها بالمناطق الشمالية، ولا سيما في إقليم كردستان.

وفي مارس/آذار 2021، أقرت الحكومة العراقية خطة وطنية لإعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، والتي أعدتها وزارتا التخطيط، والهجرة والمهجرين، حيث أعلنت الأخيرة أواخر عام 2022 خطة لإغلاق المخيمات خلال ستة أشهر، لكن لا مؤشرات بعد على ذلك.

واقع مأساوي

الظروف القاسية التي يعانيها النازحون أعادت قضيتهم إلى الواجهة مجددا، ولا سيما بعد اندلاع حريق كبير في 11 أبريل/ نيسان 2023، بمخيم "كبرتو" جنوبي محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق، ما أدى إلى التهام ثلاث خيام وخلف أضرارا مادية كبيرة، دون وقوع إصابات بشرية.

يضاف إلى ذلك حالة العوز والفقر التي تعيشها العائلات النازحة في مخيمات النزوح، في ظل التنصل الحكومي من إنهاء هذا الملف وضمان عودتهم إلى مناطقهم.

وقال التقرير السنوي لـ"برنامج الغذاء الدولي" الأممي، إن "الوضع الإنساني في العراق قد تأثر على نحو كبير جراء أزمة النزوح المزمنة، وأن معدل عودة النازحين لمناطقهم الأصلية لا تتجاوز 0.2 بالمئة فقط، بسبب الافتقار إلى فرص تحقيق المعيشة وعدم توفر سكن".

وأوضح التقرير في 2 أبريل 2023 أن "الوضع الإنساني تأثر كثيرا في العراق بسبب أزمة النزوح المزمنة وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وتعرض البلاد المتزايد لعوامل التغير المناخي".

ولفت إلى أن "تراجع معدل عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية يعود للافتقار إلى فرص العيش والسكن هناك، وكذلك تحسن ظروف السلامة والأمن في المناطق التي نزحوا إليها".

ورأى التقرير أن "وضع النزوح المزمن يستدعي الاستمرار بجهود مساعدات الإبقاء على الحياة من مساعدات غذائية ومالية وغيرها عبر 38 مخيما للنازحين في ست محافظات عراقية".

وفي 29 مارس 2023، أعلنت دائرة الهجرة والمهجرين في دهوك، تخفيض الأمم المتحدة حجم المساعدات المقدمة للنازحين في مخيمات المحافظة بنسبة 70 بالمئة منذ بداية عام 2023، الأمر الذي أدى إلى إلحاق أضرار كبيرة خاصة في قطاعي الصحة والتربية، إضافة إلى عملية رفع النفايات من داخل المخيمات.

أرقام متباينة

تضاربت الروايات الرسمية وأخرى الصادرة عن مؤسسات دولية بخصوص أعداد النازحين المقيمين في المخيمات، إذ أكد تقرير "برنامج الغذاء" الأممي أن "أكثر من 1.6 مليون شخص يعيش حالة نزوح بعد مرور خمس سنوات على إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة".

من جهته، قال رئيس لجنة الهجرة والمهجرين بالبرلمان، شريف سليمان، إن "عدد النازحين على مستوى العراق، يتجاوز 880 ألف شخص"، مشيرا إلى أن "معظمهم موجودون الآن في إقليم كردستان، ويعيشون داخل وخارج المخيمات، وغالبيتهم داخل مخيمات دهوك البالغ عددها 15".

ولفت سليمان خلال حديث لوكالة "شفق نيوز" المحلية في 22 مارس 2023 إلى أهمية "حل ملف النازحين، لكن حتى الآن ورغم الضغط الدولي، لم يبدأ العراق بخطوات عملية جدية، في حل موضوع النازحين، رغم وجود اتفاق في البرنامج (الحكومي) على حل ملف النازحين".

بدورها، قالت وزيرة الهجرة والمهجرين، إيفان فائق جابرو، إن هناك "ما يقارب 29 مخيما مع عشوائية، وأكثر من 40 ألف عائلة نازحة في داخل المخيمات وخارجها بواقع أكثر من مليون نازح".

ولفتت الوزيرة لوكالة الأنباء العراقية الرسمية في 22 مارس 2023، إلى أن "هناك التزاما بالبرنامج الحكومي بأن يغلق ملف النزوح خلال 6 أشهر، ومن ضمنهم النازحون من (منطقة) جرف الصخر".

وتابعت: "لدينا عودة يومية حتى وإن كانت بأعداد قليلة جدا، والوزارة تشجع هذه العودة لإنهاء ملف النزوح لكن أيضا نحتاج إلى دعم من جميع المؤسسات الحكومية في إعمار منازل العوائل النازحة الموجودة، والإسهام في تعزيز الأمن بمناطقهم وتوفير جميع الخدمات والبنى التحتية، ومعالجة المشاكل العشائرية".

وأفادت جابرو بأنه "إذا لم تحل هذه المشاكل فإن الوزارة لا تستطيع إعادة عائلة واحدة".

أهداف سياسية

معظم مناطق هؤلاء النازحين تسيطر عليها مليشيات شيعية موالية لإيران، وترفض عودة أهلها إليها رغم استتباب الأمن فيها، ولاسيما في مدن جرف الصخر، العوجة، يثرب، عزيز بلد، العويسات، المقدادية، ومكحول، إضافة إلى بلدات أخرى تقع شمالي وغربي البلاد.

وفي هذه النقطة، قال المحلل السياسي، فاضل البدراني، إن "بقاء ملف النازحين وعدم عودتهم إلى مناطقهم ومنازلهم رغم تحرير مناطقهم منذ سنوات طويلة يعد صفحة سوداء في تاريخ القوى السياسية والمجتمع".

وأوضح البدراني لموقع "باسنيوز" العراقي في 12 أبريل 2023 أن "عمليات التدقيق الأمني التي تتذرع بها بعض الجهات السياسية لا يمكن القبول بها، حيث تقول إنها لم تكتمل، وهذا أمر غير واقعي".

وشدد على أن "المسؤولية الوطنية والإنسانية تحتم على الحكومة والقوى السياسية إنهاء هذا الملف وإنقاذ النازحين من الأوضاع الصعبة التي يعيشون فيها".

البدراني أكد أن "الوضع الأمني أصبح مستقرا في العاصمة بغداد وتم رفع معظم السيطرات (النقاط الأمنية) ويكاد الوضع بأن يكون مستقرا أكثر من بقية عواصم الدول الأخرى، لذلك ليس من المنطقي أن نقول إن دولة لديها قوة أمنية كبيرة وهناك استقرار وتعايش سلمي بينما لا تستطيع أن تنهي وتجد الحلول الحاسمة لملف النازحين".

في السياق ذاته، قال وكيل وزارة الهجرة، كريم النوري، إن "المخيمات أغلبها أغلقت في الأراضي العراقية، ولم يبق سوى مخيمين (جدعة1، جدعة2)، لكن المفارقة بقاء 26 مخيما في أراضي إقليم كردستان".

وتساءل النوري، خلال مقابلة تلفزيونية في 13 أبريل 2023، قائلا: "لماذا جرى إغلاق كل المخيمات ما عدا الموجود في الإقليم، ونتمنى من سلطات كردستان العراق التعاون معنا في الإسراع بإغلاقها، لأنها تدار من قبلهم".

وألمح وكيل الوزارة إلى استخدام هذه المخيمات لأغراض سياسية، بالقول إنه "العراق أصبح فيه كل شيء- وحتى الملف الإنساني- يستغل سياسيا، لكن هذا يعد ظلما، على حساب مأساة ومعاناة النازحين".

ومن أبرز المدن التي تحاول القوى السنية إعادة أهلها النازحين إليها هي جرف الصخر في شمال محافظة بابل، التي تستولي عليها مليشيات شيعية تابعة لإيران منذ عام 2014، وتمنع عودة السكان إليها.

وجرى تهجير سكان جرف الصخر التي يقدر عددهم بـ(140 ألف نسمة) منذ استعادتها من "تنظيم الدولة" عام 2014، وذلك بقرار من المليشيات الشيعية المسلحة التابعة لإيران، بعدما فرضت سيطرتها على البلدة وحولتها إلى ثكنة عسكرية.

ثقافة التسامح

وكان رئيس الوزراء العراقي الأسبق، إياد علاوي، قد كشف خلال مقابلة تلفزيونية في 16 أبريل 2021، أن "جرف الصخر أصبحت منطقة مستقلة فيها مصانع بعد تهجير 60 ألف عائلة من أهالي المنطقة".

وأضاف أن "نائب رئيس الحشد الشعبي السابق، أبو مهدي المهندس، قال لي إنه لن يعيد جرف الصخر لأي أحد، وأبلغني أيضا بأنهم الآن يصنعون فيها طائرات مسيرة ولديهم مصانع لذلك".

وكشف علاوي أن "المهندس نصح شيخ عشيرة الجنابيين في جرف الصخر النائب السابق عدنان الجنابي، بأن يذهب إلى إيران لحل موضوع المنطقة، وعندما ذهب الأخير أبلغه المسؤولون في طهران بأن موضوعها عند حزب الله اللبناني، وبعدما ذهب إلى لبنان لم يحصل أي شيء".

وعلى الصعيد ذاته، قال عضو تحالف "السيادة" (السني)، النائب العراقي، يوسف السبعاوي، إن "الاتفاق الذي وقعه ائتلاف إدارة الدولة تضمن نقطة تنص على إعادة كل النازحين إلى مناطقهم دون شرط أو قيد، وأعتقد أن الحكومة والقوى السياسية جادون في تنفيذ ذلك".

وتأسس ائتلاف "إدارة الدولة" الذي تبنى تشكيل الحكومة في 25 سبتمبر/ أيلول 2022، ويمثل الأغلبية التشريعية كونه مشكلا من "الإطار التنسيقي" الشيعي، والحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالف السيادة وعزم السنيين، وحركة بابليون المسيحية.

وأوضح السبعاوي لـ"الاستقلال" أن "الاتفاق ليس من السهولة الإسراع في تنفيذه، وإنما يتطلب وقتا لإنجازه وهناك جدية في إعادة النازحين إلى مناطقهم لأنه أصبح من المعيب أن يعيش أحد في المخيمات بالعراق، أو حتى يسكن في أماكن هي ليست منطقته التي يود الرجوع إليها والاستقرار فيها".

وأكد أن "العقبات التي تحول دون رجوع النازحين إلى مناطقهم هي أمنية وسياسية، والأخيرة أكثر من غيرها، لأنه لو كان من في المخيم من ينتمي إلى تنظيم الدولة لكان مكانه السجون، وإذا كان أحد ينتمي إلى التنظيم ذاته، فما ذنب الآخرين من أفراد عائلته حتى يبقوا يعيشون في المخيمات".

وأردف: "لو كان من يقطن في المخيمات ينتمي إلى تنظيم الدولة فمن المستحيل أن تسكت الحكومة عنه حتى الآن، لذلك فإن ما يجرى يشير إلى وجود خلل في الدولة".

وختم السبعاوي حديثه بالقول: "نحن اليوم بحاجة إلى ثقافة تسامح وترك كل هذه المشكلات خلف الظهور والانطلاق من نقطة جديدة لإنهاء هذا الملف".