ليندسي غراهام.. سيناتور أميركي دعم السيسي ودعا لاغتيال بوتين ويحوم حول ابن سلمان

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

السيناتور الأميركي المخضرم، ليندسي غراهام، شخصية أسهمت في صياغة السياسة الخارجية لبلاده لعقود من الزمن، ويمثل طرازا مختلفا من الساسة، وفي الوقت ذاته يحمل الفكرة ونقيضها، ويتقلب حسب الحاجة. 

وضمن آخر تحركاته، حل غراهام ضيفا على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بمدينة جدة في 12 أبريل/ نيسان 2023، وذلك في ظل علاقة متوترة بين الرياض وواشنطن.

الزيارة كانت مفاجئة ولم يعلن عن كثير من تفاصيلها، لكن وجود غراهام، أحد أقوى المدافعين الجمهوريين عن الرئيس السابق دونالد ترامب، وصاحب الخبرة بشؤون الشرق الأوسط له مبرراته، خاصة أن السعودية تتقارب بشكل متسارع مع الصين، وفتحت صفحة جديدة مع إيران.

وتنطبق توجهات غراهام السياسية، مع "لعبة الكراسي الموسيقية" في تبدلها وتغيرها، فتارة يناهض الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، وتارة يتقرب من رئيس النظام عبد الفتاح السيسي ويمدحه، مرة يهاجم تركيا ويدعو لتحجيمها، ومرة يشيد برئيسها رجب طيب أردوغان وسياسته. 

ودعا من قبل لعمليات عسكرية داخل المكسيك، وبإرسال قوات أميركية إلى تايوان، بل وطالب باغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبمنع الشرق الأوسط من تصدير البترول إلى الصين بالقوة.

بدايات غراهام

ولد ليندسي أولين غراهام، في 9 يوليو/ تموز 1955، ببلدة "سنترال" التابعة لمقاطعة "بيكنز" في ولاية كارولينا الجنوبية. 

كانت عائلته تنتمي لكنيسة المؤتمر المعمداني الجنوبي، وهي من أكبر الطوائف البروتستانتية في العالم، وثاني أكبر طائفة مسيحية في الولايات المتحدة الأميركية. 

كان والداه يقومان بإدارة مطعم ومتجر لبيع الخمور، لكنهما توفيا وغراهام يبلغ من العمر 21 عاما. 

ثم التحق بجامعة "ساوث كارولينا" ودرس الحقوق وتخرج فيها عام 1977، بعدها حصل على درجة الدكتوراه في "القانون" من نفس الجامعة عام 1981.

عام 1982 بدأ غراهام خدمته العسكرية في القوات الجوية للولايات المتحدة، وفي 1988 شغل منصب أحد أفراد الحرس الوطني الجوي لولاية كارولينا الجنوبية، حتى وصل إلى رتبة عقيد احتياط في سلاح الجو.

عمل غراهام في عام 1992 كمحام في القطاع الخاص قبل انتخابه ليشغل منصبا في مجلس النواب لولاية كارولينا الجنوبية.

وعام 1993 عمل في مجلس النواب الأميركي كممثل عن الدائرة المؤتمرية الثالثة لولاية كارولينا الجنوبية.

ومنذ عام 2003 أصبح غراهام عضو مجلس الشيوخ الأميركي (تحت مظلة الحزب الجمهوري) عن كارولينا الجنوبية، وانتخب لأربع دورات متتالية وتلقى على الأقل 60 بالمئة من الأصوات في كل مرة، ما يدل على قوة شعبيته في الولاية، وثقله في مجلس الشيوخ. 

سيناتور عسكري 

كان غراهام في طليعة الجمهوريين المؤيدين لقرار الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الابن) بغزو العراق في 19 مارس/ آذار 2003، واحتفى بإلقاء القبض على الرئيس (آنذاك) صدام حسين، خلال عملية "الفجر الأحمر"، عندما اعتقلته القوات الأميركية في بلدة "الدور" بمحافظة صلاح الدين. 

دور غراهام لم يقف عند تأييد الغزو والترحيب بإسقاط صدام، ففي عام 2007 خدم كجندي احتياط في العراق، عندما قدم طلبا للحصول على الخدمة العسكرية الفعلية قصيرة الأجل.

وبالفعل ذهب إلى العراق كمحارب، وبقي لمدة أسبوعين، حيث عمل في قضايا المحتجزين العسكريين، فرض وسيادة القانون.

فعل نفس الأمر في أغسطس/ آب 2009، عندما خدم في أفغانستان خلال عطلة مجلس الشيوخ.

ويعد غراهام من أشد معارضي قرار الانسحاب الأميركي من العراق في ديسمبر/ كانون الأول 2019، وعده "خطأ إستراتيجيا بالغا". 

وجاء قرار الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان في 31 أغسطس/ آب 2021، ليثير غضب وحفيظة السيناتور غراهام، ورغم أن من اتخذ القرار في الأساس "صديقه" الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن غراهام اعترض بشدة. 

وقال: "يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن عنيدة للغاية لتغيير مسارها ولم تتعلم شيئا من الانسحاب من العراق والمغامرات السيئة الاخرى، وكما تشاهدون في الوقت الفعلي يتم كتابة فصل آخر في كتاب بايدن عن كوارث السياسة الخارجية.. فصل حزين جدا وخطير".

جدليات غراهام 

مع أن غراهام من كبار ساسة الولايات المتحدة، لكن له آراء بالغة التطرف، ففي 3 مارس/ آذار 2022، وبعد أيام من الاجتياح الروسي لأوكرانيا، دعا خلال برنامج على قناة "فوكس نيوز" الأميركية، إلى اغتيال بوتين.

وقال: "إنه الحل الوحيد لإنهاء الأزمة (الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022) قبل أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة".

ثم عبر عن تمنيه وجود شخصية تنفذ مهمة الاغتيال مثل "بروتس"، أحد الذين اغتالوا يوليوس قيصر، أو مثل الضابط الألماني "كلاوس فون شتاوفنبرغ" الذي دبر محاولة فاشلة لاغتيال أدولف هتلر عام 1944.

وفي 7 مارس 2023، طلب غراهام بشن تشريع لتصنيف بعض عصابات المخدرات المكسيكية "منظمات إرهابية"، تمهيدا لشن حملة عسكرية على المكسيك. 

وهو الأمر الذي أدى لانتقاد الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، ذلك المقترح، الذي يمهد لغزو البلاد. 

وخلال مؤتمر صحفي، قال أوبرادور ردا على غراهام: "لن نسمح لأي حكومة أجنبية بالتدخل، ناهيك بالقوات المسلحة التابعة لحكومة أجنبية".

وأضاف: "لسنا محمية للولايات المتحدة، ولا مستعمرة لها.. المكسيك دولة حرة ومستقلة وذات سيادة". 

سياسات الشرق الأوسط

اهتمام غراهام بالشرق الأوسط تجاوز العراق إلى عدد من الأقطار الأخرى على رأسهم تركيا، وكانت سياسته متذبذبة ومتناقضة تجاه قيادتها السياسية. 

ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قام بتحريك دعوة في الكونغرس من أجل فرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، بسبب إعلان الرئيس التركي أردوغان، عملية "نبع السلام" العسكرية في الشمال السوري.

بعدها في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، سافر إلى تركيا والتقى أردوغان، ليتحول موقفه إلى النقيض تماما، عندما عرقل تمرير قرار في الكونغرس يعد أحداث عام 1915 "إبادة جماعية للأرمن".

وبرر غراهام موقفه من أنقرة، أنه قال معلقا على قرار ترامب سحب القوة العسكرية الأميركية من الشمال السوري، بـ"أننا سنكون اختلقنا كابوسا لتركيا".

وأضاف "خاصة أن (الرئيس الأسبق، باراك) أوباما أحدث كابوسا لتركيا عبر تسليح قوات سوريا الديمقراطية، وينبغي على ترامب أن يكون حذرا في الانسحاب، وألا يترك هذه المشكلة في أحضان تركيا".

ومع ذلك عاد مرة أخرى وشدد على دعمه للأكراد في سوريا والعراق، وأنه يجب على واشنطن ألا تسمح لتركيا بمهاجمتهم. 

ويعد غراهام من أكثر النواب الأميركيين المؤيدين لإسرائيل، وفي 15 فبراير/ شباط 2022، شدد على دعم دولة الاحتلال في مواجهة إيران، قائلا: "لن أقترح أبدا أن أي اتفاق دفاعي يحد من قدرة إسرائيل على التصرف بمفردها" 

وأضاف "أريد إرسال رسالة واضحة في القرن الحادي والعشرين، مفادها أن تدمير الدولة اليهودية يعني الحرب مع الولايات المتحدة". 

ويتخذ غراهام موقفا متشددا ضد طهران، وفي 14 سبتمبر/ أيلول 2019، طلب من إدارة ترامب، توجيه ضربة عسكرية لمصافي النفط الإيرانية.

وقال في تغريدة عبر تويتر: "حان الوقت لقصم ظهر النظام الإيراني". 

غراهام ومصر 

في مصر كان لغراهام دور لافت في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري، الذي قاده وزير الدفاع (آنذاك) عبد الفتاح السيسي، في 3 يوليو/ تموز 2013.

وتوجه غراهام إلى القاهرة رفقة النائب الجمهوري جون ماكين، في إطار التحركات الدبلوماسية حينها لتقريب وجهات النظر بين قادة الانقلاب وأنصار الرئيس محمد مرسي، الذي كان معتقلا. 

وفي 6 أغسطس 2013، التقى غراهام بالسيسي ورئيس الوزراء حازم الببلاوي، وقال إن "الديمقراطية هي الطريق الوحيد للاستقرار"، ثم دعا إلى "عملية سياسية تشمل الجميع ويشارك فيها كل المصريين".

وبعد ذلك اللقاء خرج غراهام وأدلى بتصريحات عنيفة ضد "الانقلابيين"، واستخدم وصف "الانقلاب العسكري" في عزل الجيش للرئيس مرسي. 

وقال: "من في الحكم ليسوا منتخبين ومن تم انتخابهم حاليا في السجن"، مطالبا بالإفراج عن مرسي وقادة جماعة "الإخوان المسلمين" المعتقلين. 

وشدد على أنه "في النظم الديمقراطية يجب أن نتحدث مع بعضنا البعض، من المستحيل أن تتحدث مع شخص في السجن" اعتراضا منه على عملية احتجاز الرئيس المنتخب. 

لكن المثير أن غراهام بعد سنوات من الانقلاب العسكري، والعقوبات الأميركية التي فرضت على النظام المصري، عاد وتقرب من السيسي. 

وفي 25 يونيو 2016، زار القاهرة مرة أخرى، ضمن وفد من الكونغرس، والتقى بالسيسي ووزير خارجيته، سامح شكري. 

وخلال مؤتمر صحفي، قال غراهام إن "السيسي هو الرجل المناسب في الوقت المناسب لقيادة مصر، وإنه يشترك معه في الرغبة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي لمصر، وإن أفعال السيسي تتحدث أكثر من أية كلمات".

هذه التصريحات أوضحت كمية التقلبات في المواقف للسيناتور الأميركي، الذي دأب على ذلك النهج على طول مسيرته.