كلاهما يخدم إيران.. ماذا وراء الخلافات بين رئيسي حكومة وبرلمان العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

حالة من التوتر تشهدها الساحة العراقية، وتحديدا بين رأسي السلطتين التنفيذية والتشريعية، رئيسي الوزراء محمد شياع السوداني، والبرلمان محمد الحلبوسي، رغم جهود الوساطة التي قادتها أطراف سياسية لإنهاء الخلافات بينها، والذي رآه البعض بأنه وصل حد "كسر العظم".

وتعد الأزمة الحالية هي الأولى بين الحلبوسي والسوداني منذ تولي الأخير رئاسة الحكومة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بتكليف من الإطار التنسيقي الشيعي الموالي لإيران، والذي حظي بدعم ائتلاف "إدارة الدولة" المكون من غالبية الطوائف والأحزاب.

وتأسس ائتلاف "إدارة الدولة" في 25 سبتمبر/ أيلول 2022، ويمثل الأغلبية التشريعية كونه مشكلا من "الإطار التنسيقي" الشيعي، والحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالف السيادة وعزم السنيين، وحركة بابليون المسيحية.

أسباب الخلاف

وبخصوص أصل الأزمة التي اندلعت بين الطرفين، قال السياسي العراقي صالح المطلك، خلال مقابلة تلفزيونية في 6 أبريل/ نيسان 2023 إن "الخلاف سببه التمدد في القضايا التنفيذية، إذ يفترض على رئيس البرلمان (محمد الحلبوسي) أن تكون قضيته الأساسية التشريع والرقابة".

وأوضح المطلك: "لكن أن يكون رئيس البرلمان بديلا عن المحافظ هذا غير مقبول لكل حكومة تحترم نفسها، ويجب أن يتم وضع حد لهذا الأمر، لأن رئيس الوزراء هو المسؤول التنفيذي وعلاقته مباشرة بالمحافظين ومحاسبتهم تتم من الأخير وليس من غيره، ما لم يستدعوا إلى البرلمان".

بينما قالت قناة "يو تي في" الفضائية العراقية في 6 أبريل إن "الخلاف بين الاثنين سببه يعود إلى الموازنة المالية، لأن رئيس البرلمان لم يوافق على إقرارها لمدة ثلاث سنوات بدلا من سنة واحدة، لأن السوداني إذا ضمِن هذه الموازنات فإنه سيتقوى على البرلمان، ولن يكون خاضعا له".

وأضافت أن "السبب الثاني للخلاف بين الطرفين، يتعلق بالتغييرات في المناصب الأمنية التي يجريها السوداني بين الحين والآخر لشخصيات كبيرة في وزرات الداخلية والأمن الوطني محسوبة على الحلبوسي دون الرجوع إليه واستشارته بالأمر".

وأشارت القناة إلى أن "الأمر الآخر الذي عمق الخلافات بين الطرفين، هو ملف التسجيل العقاري في الأنبار (مسقط رأس الحلبوسي) والذي جرى اعتقال مديره وعدد من الموظفين بتهمة التزوير".

وعن هذه النقطة تحديدا، أكد النائب السابق عن محافظة الأنبار فارس طه الفارس خلال تصريحات نقلتها قناة "آي نيوز" العراقية في 7 أبريل، تورط حزب "تقدم" ورئيسه الحلبوسي في قضية تزوير مئات العقارات في الأنبار.

وأعلنت هيئة النزاهة العراقية، في 5 أبريل، عن تنفيذها عملية "كبرى واستثنائية" بمديرية التسجيل العقاري في الأنبار أسفرت عن القبض على مديرها و5 مسؤولين فيها بتهمة التلاعب والتزوير في أضابير تمليك عشرات الآلاف من الأراضي.

محاولات للصلح

ومنذ اندلاع الأزمة بين الطرفين، وإعطاء الحلبوسي نفسه إجازة من البرلمان لمدة أسبوعين في 30 مارس/ آذار 2023، حصلت أربع محاولات لإجراء مصالحة بين الخصمين بادرت بها أطراف سياسية عراقية، لكن جميعها باءت بالفشل.

وكشفت وسائل إعلام عراقية في 6 أبريل 2023، أن "خميس الخنجر زعيم ائتلاف السيادة السني، استضاف في منزله ببغداد الحلبوسي والسوداني، على مأدبة إفطار لإنهاء الخلاف بينهما".

وأوضحت أن "السوداني أبلغ الحلبوسي خلال اللقاء أنه لا يحق له التدخل في الأمور التنفيذية للدولة، وضرورة الالتزام بحدود رئاسته للبرلمان، وألا يقوم بإصدار توجيهات للوزراء، أو المحافظين في المحافظات المحررة من تنظيم الدولة (الأنبار، نينوى، كركوك، صلاح الدين)".

ولفتت إلى أن "السوداني حذر الحلبوسي من تعطيل قرارات الحكومة بالطريقة التي كان يتبعها في عهد رئيسي الحكومتين السابقتين (عادل عبدالمهدي، ومصطفى الكاظمي)، لا سيما ما يتعلق بتمرير الموازنة المالية، الأمر الذي تسبب في فشل اللقاء بينهما في منزل الخنجر".

وذكرت الصحيفة أن "الحلبوسي اتصل بعد ذلك برئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي فائق زيدان لترتيب لقاء آخر، الذي جرى بالفعل في منزل الأخير، لكن موقف رئيس الوزراء لم يتزحزح بخصوص ربط تمرير الموازنة بملفات أخرى، رغم كل مناورات رئيس البرلمان".

وأكدت أن "رئيس الوزراء رفض مناقشة موضوع القبض على مدير وموظفي التسجيل العقاري في الأنبار -مع الحلبوسي- والتي يشتبه في تورط شخصيات قريبة من الأخير فيها، وتزوير عشرات الآلاف من سندات الأراضي في المحافظة، وتلقي رشاوى بمبالغ كبيرة".

وكانت وساطات أخرى قادها هادي العامري زعيم تحالف الفتح، وعمار الحكيم رئيس تيار "الحكمة" الوطني، القياديين في "الإطار التنسيقي" بين السوداني والحلبوسي، لكن لم يكتب لها النجاح في تسوية الخلاف بين الطرفين، حسبما كشفت وكالة "بغداد اليوم" في 7 أبريل.

وكان المكتب الإعلامي لرئيس البرلمان قد نفى عبر بيان مطلع أبريل، ما تداولته بعض وسائل التواصل الاجتماعي حول "وجود وساطات من قيادات سياسية بداعي الصلح بين رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء".

صنيعة إيران

ومع الخلاف الحاد بين السوداني والحلبوسي، شن سياسيون مقربون من الحكومة وتحالف الإطار التنسيقي هجوما لاذعا على الأخير، بتلميحات عن "إمكانية استبدال قيادي آخر به من القوى السنية لمنصب رئيس البرلمان".

وقال أمين حزب "الوطن"، يزن الجبوري، خلال مقابلة تلفزيونية في 7 أبريل، إن "المعطيات السياسية تشير إلى أن رئيس البرلمان لن يبقى في منصبه"، مضيفا أن "مواجهته لرئيس الوزراء الذي يحظى بدعم جميع القوى الشيعية، ستكون معركة خاسرة".

ومثل ذلك، كشف النائب المستقل في البرلمان هادي السلامي عبر تغريدة على "تويتر" في 6 أبريل عن حراك نيابي لاستبدل محمد الحلبوسي، وأن النائب خالد العبيدي هو المرشح لخلافته في المنصب.

لكن رغم ذلك، لا يوجد هناك أي مؤشرات جديدة على الإطاحة بالحلبوسي، الأمر الذي عزاه مراقبون إلى أن الأخير لا يشكل أي تهديد للقوى الحليفة لإيران، وأن الهجوم ضده لا يعود كونه ضغوطات تمارس بحقه لإرغامه على تنفيذ كل ما يطلب منه.

وعلق الناشط السياسي مصطفى الدليمي على تغريدة السلامي بالقول إن "أغلب من في الحراك قد اشتراهم الحلبوسي وعند التصويت يتنصلون عن الوعود، حالهم حال الإطار (التنسيقي) بالعلن ضد الحلبوسي وفي السر حبايب وشركاء وبزنس، ومنهم حتى الفصائل".

وفي السياق ذاته، قالت مصادر سياسية عراقية إن "القوى السياسية الشيعية لن تفرط بالحلبوسي وتطيح به من رئاسة البرلمان كونه مستعدا للتنازل عن أي شيء للبقاء في المنصب، وأن الحديث عن دفاعه على المكون السني ما هو إلا محاولة للحصول على المزيد من المكاسب السياسية".

وأضافت المصادر  لـ"الاستقلال"، طالبة عدم الكشف عن هويتها، إن "الحلبوسي جاءت به إيران وتحديدا قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، في عام 2018 ليتولى المنصب، ذلك لأنه لا يتقاطع مع ما تمليه عليه".

وتابعت: "فهو ليس بالشخصية التي تدافع بالفعل عن حقوق المكون السني، فلماذا لم يكشف حتى اليوم عمن غدر بآلاف المغيبين من أبناء المكون، الذين اقتادتهم المليشيات إلى جهة مجهولة إبان الحرب ضد تنظيم الدولة بين عامي 2014 و2017".

ورأت المصادر أن "الخلاف الحالي بين السوداني والحلبوسي، سيعيد الأخير إلى الالتزام بكل ما يطلبه منه الإطار التنسيقي،  بعد تقليم أظافره بشكل كامل هذه المرة من خلال إبعاد مقربين منه عن مفاصل مهمة في الدولة، وبالتالي سينصاع لهم، ولن يتخلوا عنه حتى يتم امتصاص آخر فلس حصل عليه عن طريق الصفقات، ثم يستبدلونه".

ويتولى الحلبوسي رئاسة البرلمان العراقي (أكبر منصب للسنة) منذ عام 2018، وجدد له لولاية ثانية في 2021، بعد انتخابات مبكرة شهدتها البلاد عقب احتجاجات شعبية اندلعت عام 2019 وأطاحت برئيس الحكومة عادل عبد المهدي، بعدما قتلت قوات الأمن والمليشيات الموالية لإيران نحو 800 من المتظاهرين.

وفي 2020، كشف النائب السابق مشعان الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية أن الذي نصّب الحلبوسي رئيسا للبرلمان، هم أعداء السنة، مشيرا إلى أن قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني السابق، هو من جاء به.

وأوضح الجبوري، أن قاسم سليماني اختار الحلبوسي رئيسا للبرلمان، بعد أن أدى القسم والولاء في بيت أبي مهدي المهندس (نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي) الذي قتل مع سليماني خلال غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.