بعد تدخل أنقرة وباكو.. ماذا يعني اعتماد العراق "التركمانية" لغة رسمية في كركوك؟
سلط "مركز دراسات الشرق الأوسط" التركي (أورسام) الضوء على الجدل الذي شهده العراق في الأسابيع الأخيرة، حول اعتماد التركمانية لغة رسمية في محافظة كركوك (شمال).
ومطلع مارس/ آذار 2023، وجه رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، باعتماد التركمانية لغةً ثالثة في المخاطبات الرسمية ضمن الحدود الإدارية لمحافظة كركوك.
وذلك استنادا إلى "قانون اللغات الرسمية الذي صوت عليه البرلمان عام 2014، ووفقاً للمادة 9 من القانون، التي تنصّ على أنّ اللغتين التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان في الوحدات الإدارية التي يشكل التركمان أو السريان فيها كثافة سكانية".
وجاء قرار السوداني بعدما دعت تركيا وأذربيجان، السلطات العراقية إلى إعادة النظر بـ"شكل سريع" في قرارها تقييد الاستخدام الرسمي للغة التركمانية في كركوك.
وأكدت الخارجية التركية في بيان، أن القرار العراقي بتقييد التركمانية "ينتهك الحقوق الأساسية للتركمان الذين يعدون عنصرا مؤسسا وأصيلا في العراق، ويتعارض بشكل واضح مع أحكام الدستور العراقي".
وقبل ذلك بأيام، بعثت الأمانة العامة لرئاسة الوزراء العراقية برسالة إلى محافظة كركوك لاستخدام اللغة العربية والكردية فقط في المراسلات الرسمية في كركوك، ما أثار استياءً من التركمان القاطنين بكثافة في كركوك. فيما طالب المكتب السياسي للجبهة التركمانية العراقية رئيس الوزراء بإلغاء القرار.
ويتوزع التركمان في المناطق الشمالية والوسطى من العراق، حيث ينتشرون في محافظات نينوى وأربيل وكركوك وديالى وصلاح الدين وفي بعض أحياء العاصمة بغداد.
ويعد التركمان ثالث أكبر مجموعة عرقية في العراق بعد العرب والأكراد، وتقدّر بعض المصادر عددهم بين مليونين إلى 2.5 مليون نسمة من أصل 43 مليونا.
ولهم ثقافة خاصة بهم متأثرة بشكل كبير بتراث الأتراك وكذلك عاداتهم وتقاليدهم، حيث يتشاركون في علاقات ثقافية ولغوية متينة مع تركيا.
ولا يزال تركمان العراق يحتفظون بلغتهم التي تعرف بـ"التركمانية"، ويتحدث معظمهم بها، وهي لهجة قريبة من اللهجة المحلية للمحافظات التركية الجنوبية الشرقية مثل ديار بكر وأورفة.
حق دستوري
وقال المركز التركي إن المادة رقم 125 من الدستور العراقي تحمي الحقوق الإدارية والثقافية لجميع من يُكوّن العراق.
وفي 7 يناير/ كانون الثاني 2014، سن البرلمان العراقي قانون اللغات المكون من ثماني عشرة مادة. ودخل القانون حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية في يوم 24 فبراير 2014.
ونصت المادة العاشرة من القانون على أن تكون التركمانية اللغة الرسمية في الوحدات الإدارية التي تشكل الكثافة السكانية الأكبر للتركمان. ومن بين مواد القانون، كان هناك أيضًا بند بأن القانون سيدخل حيز التنفيذ في غضون 90 يومًا من إعلانه.
وساهم النواب التركمان بشكل كبير في سن القانون، لكن ظهور تنظيم الدولة في العديد من محافظات العراق في الفترة بين 2014-2017، والأزمة الاقتصادية في البلاد آنذاك تسببت في تعطيل تنفيذ هذا القانون.
وكان السوداني، عندما تولى منصبه أواخر 2022، قد أمر بتشكيل لجان بشأن تطبيق القوانين التي سُنَّت في الماضي.
وكان من بين هذه القوانين قانون اللغات، حيث أنشأ الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي لجنة تنفيذ قانون اللغات.
فزارَ وفد من اللجنة التي تم تشكيلها كركوكَ في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2022 والتقى بالجبهة التركمانية العراقية.
وقدمت الجبهة التركمانية العراقية طلبات إلى الوفد بخصوص استخدام اللغة التركمانية، أهمها منح التركمان حق العضوية في معهد اللغة العراقي، وبناء دار الثقافة التركمانية، وتحديد يوم خاص للاحتفال بالتركمان.
وكذلك إشراك عضو تركماني في الهيئة العليا المشكلة لتنفيذ قانون اللغات، والمشاركة في إعداد المناهج التي تدرس في المدارس التي تقدم التعليم التركماني.
واستكملت اللجنة مهامها وقدمت مطالب التركمان والتوصيات التي رفعتها اللجنة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء. وأرسلت التوصيات الخمسة التي نظمتها اللجنة والمتعلقة بالتركمان إلى محافظة كركوك في 20 فبراير/ شباط 2023 لتنفيذها.
جدل كبير
وأوضح المركز التركي أن أول مادتين والمادة الخامسة من هذه التوصيات موضع اهتمام التركمان.
وتضمنت هذه المواد؛ كتابة لافتات وإشارات المرور للمكاتب العامة بأربع لغات بما في ذلك التركمانية، وطباعة الكتب المدرسية للمدارس التي تقدم التعليم باللغة التركمانية من قبل وزارة التربية والتعليم العراقية كما يطالب التركمان.
ورحَّب التركمان بأول مادّتين، لكن المادة الخامسة من التوصيات أثارت ردود فعل من التركمان.
وتسبب قرار عدم إدراج التركمانية في المراسلات الرسمية، في غضب المجتمع التركماني واتخذت الجبهة التركمانية العراقية مبادرات في هذا الصدد.
فجاءت المادة الخامسة تنتهك الحقوق الأساسية للتركمان، الذين هم أحد العناصر التأسيسية والأساسية للعراق، وتتعارض بشكل واضح مع أحكام الدستور العراقي.
وفي الواقع فإن المادة الرابعة من الدستور العراقي تنص على أن اللغة التركمانية هي اللغة الرسمية في الوحدات الإدارية التي يتركز فيها أغلبية السكان من التركمان.
وبالمثل، فإن المادة 125 من الدستور العراقي تؤكد على أن الدستور يضمن الحقوق الإدارية والثقافية لجميع الفئات التي يتألف منها العراق.
تدخل السوداني
وسمح قرار السوداني بجعل التركمانية اللغة الرسمية الثالثة في كركوك، بتقديم التركمان خطابات الالتماس باللغة التركمانية في الدوائر الرسمية في كركوك.
كذلك أصبح من الممكن توفير فرص عمل لعدد كبير من الخريجين الذين تخرجوا من قسم اللغة التركية في جامعة كركوك، الذي تأسس عام 2005، وينتظرون التعيين في القطاع الحكومي.
ولن يكون من الخطأ القول إن توفير فرص عمل في القطاع العام لخريجي قسم اللغة التركية، بالتعاون مع إداريين ونواب تركمان، سيوفر أيضًا فرصًا لاستقدام المزيد من الطلاب في الأقسام التركية بالمدارس التركمانية والجامعات العراقية.
كما أنه من الممكن القيام بمبادرات لإدراج اللغة التركمانية في مناهج التعليم الابتدائي والثانوي، إلى جانب المدارس التي توفر التعليم التركماني في جميع أنحاء كركوك.
ومن أجل إحياء ثقافة التركمان في المناطق التي يعيشون فيها في العراق، سيكون من المناسب أن تكون المراسلات بين المؤسسات والمنظمات التركمانية باللغة التركمانية.
ومن المهم أيضا أن تعطي المؤسسات والمنظمات بكركوك أهمية أكبر للمراسلات بالتركمانية حتى على وسائل التواصل الاجتماعي.