"جس نبض".. ما حقيقة حضور وفد موريتاني تدريبا بيئيا في إسرائيل؟
وسط دعوات مستمرة لتقوية صف مناهضة التطبيع بموريتانيا، برزت أنباء عن مشاركة وفد محلي في ورشات تدريب بيئية بـ "إسرائيل"، ما أثار استنكارا وغضبا واسعين.
الخبر الذي أوردته أولا الوكالة المستقلة للأخبار الموريتانية، 27 مارس/آذار 2023، نقلا عن قناة i24news العبرية جاء فيه أن وفدا من موريتانيا شارك إلى جانب وفود من عدة دول إفريقية في برنامج التدريب المعروف بـ"Dezertec".
ويهدف البرنامج إلى مساعدة البلدان الإفريقية على التعامل مع التحدي المتمثل في اتساع نطاق التصحر في منطقة الصحراء، وإنشاء منطقة عازلة خضراء بطول 8000 كم بحلول عام 2030.
وأكدت القناة في تقرير لها أن خبراء من إفريقيا يمثلون عدة دول شاركوا في البرنامج الذي يعد جزءا من مبادرة Great Green Wall التي أطلقت في مؤتمر المناخ الأخير COP 27 في شرم الشيخ نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وحددت من بين المشاركين في البرنامج التدريبي ممثلين عن عدة دول في المنطقة مثل تشاد وجيبوتي، والنيجر، وبوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، وإثيوبيا، وإريتريا، ونيجيريا، والسنغال.
وقال المصدر ذاته، إن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، علق على الأمر بقوله إن "تهديد التصحر يشكل خطرا على العديد من الدول مع تغير المناخ"، مؤكدا أن إسرائيل "تحارب هذا التهديد في الداخل وتسهم بخبرتها وقدراتها لصالح إفريقيا".
وشدد وزير الخارجية أن إسرائيل "ستواصل تعميق وتقوية علاقاتنا مع الدول التي ترغب في ذلك من أجل ازدهار المنطقة واستقرارها".
وأكد كوهين أنه جرى في إطار المبادرة، توجيه الدعوات للحضور إلى إسرائيل لعدد من خبراء الابتكار الزراعي من دول المنطقة، وبعضها لا يقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وكان الهدف المعلن هو "مساعدتهم في تحديد ووضع خرائط التحديات في منطقتهم، وإيجاد حلول تجمع بين المعرفة والتقنيات الإسرائيلية، والتي أثبتت نجاحها في الماضي في مكافحة التصحّر في إسرائيل".
"خيانة صريحة"
رد الشارع الموريتاني لم يتأخر، حيث نظمت المبادرة الطلابية لمناهضة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن القضايا العادلة، وقفة في 28 مارس 2023، أمام وزارة البيئة احتجاجا على مشاركة خبراء بيئة في برنامج تكويني إسرائيلي.
ووفق ما نشرت المبادرة في صفحتها على فيسبوك، رفع المشاركون في الوقفة شعارات رافضة للتطبيع ومطالبة بمحاسبة المشاركين فيه.
وقال نائب رئيس المبادرة الطلابية أحمد ولد طالب بون، إن "أي مشاركة في برنامج صهيوني أو أي اتصال مع العدو خيانة سافرة للأمة، وخروج على إجماع الشعب الموريتاني وثوابته، وتعد طعنا لأهلنا في فلسطين وهم يتعرضون لصنوف الاضطهاد والقتل على يد الصهاينة الغاصبين".
وحذر ولد طالب بون في كلمته خلال الوقفة من أي تطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم، مشددا أن "الشعب الموريتاني وفي مقدمته طلابه سيقف بالمرصاد لكل مطبع خائن لثوابت الأمة ومقدساتها".
كما دعا في كلمته إلى محاسبة كل من ثبتت مشاركته في أي نشاط تطبيعي، مطالبا بسن قانون يجرم كل أشكال التطبيع مع الصهاينة المغتصبين.
وتفاعلا مع الأخبار المتداولة، نفت وزارة البيئة والتنمية المستدامة الموريتانية مشاركة أي وفد من الوزارة في التدريب المتحدث عنه بإسرائيل.
جاء ذلك في توضيح نشرته الوزارة عبر صفحتها على فيسبوك، 28 مارس 2023، نفت فيه صحة المقال الصحفي الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، في 26 مارس 2023 في موقع القناة i24news العبرية.
ووصفت الوزارة المقال الذي تحدث عن برنامج تكويني شارك فيه ممثل عن وزارة البيئة والتنمية المستدامة في الجمهورية الإسلامية الموريتانية بالمزعوم، منددة بتضليل الرأي العام بنشر المقالات الكاذبة.
وصف الناشط في مناهضة التطبيع هدو ولد الداه، مشاركة وفد موريتاني رفقة وفود بعض الدول الإفريقية في برنامج تدريبي نظمته وزارة خارجية الكيان بالخطوة التطبيعية البائسة، وأنها "خيانة صريحة لثوابت الأمة ومقدساتها".
وتابع ولد الداه لـ "الاستقلال"، أنه "خرق سافر لإجماع الشعب الموريتاني الأصيل الرافض لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني".
وقال المتحدث ذاته، إن ما يتعرض له أهلنا في فلسطين على يد الكيان الصهيوني المجرم من عدوان واضطهاد، وفي القلب من ذلك ما يتعرض له أهل القدس وزوار المسجد الأقصى من تضييق وهجمة صهيونية شرسة لا سيما في شهر رمضان".
وبين أن "الشهر الكريم، يوجب على المسلمين جميعا والأحرار في أنحاء العالم، وكل ذي نفس شريفة أبية، رفض التطبيع والتنديد به".
كما يستوجب، يردف ولد الداه، "بذل كل الوسع نصرة للمقدسات ودعما للفلسطينيين الذين يمارس عليهم الظلم بشتى أنواعه وأصنافه، لا مثل هذه الزيارات العرجاء التي تتم خلسة للكيان الصهيوني الغاصب والمحتل، الذي أعمل آلة القتل والتدمير بكل عنجهية طيلة عقود ومازال ذلك ديدنه".
ودعا الناشط المناهض للتطبيع، سلطات بلاده، إلى "محاسبة المشاركين في هذا البرنامج الصهيوني على هذه الخيانة، وهذا الارتماء الدنيء في حضن الكيان الغاصب".
كما دعا الشعب الموريتاني وقواه الحية من علماء وساسة وبرلمانيين وإعلاميين وناشطين إلى التحرك ورفع الصوت عاليا، نصرة للأقصى المبارك، ورفضا لكل تطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم.
وبخصوص نفي الوزارة مشاركة وفد منها في البرنامج الصهيوني، رأى ولد الداه أن هذا الأمر "مسألة إيجابية"، متابعا: "نرجو أن تكون صادقة وأن يبقى الموقف الرسمي منسجما مع الموقف الشعبي الرافض للتطبيع كلية".
ولكن، يستدرك المتحدث ذاته، أن هذه الأخبار "تثير الشكوك والهواجس من أن يكون هناك شيء من هذا فعلا، مما يوجب على السلطات الرسمية أن تكون واضحة وحازمة في موقفها الرافض للتطبيع".
محاولات متكررة
وخلال مارس، ذكرت صحيفة "إسرائيل هيوم" أن إسرائيل "تجري محادثات مع 4 دول عربية وإسلامية لتطبيع العلاقات معها، وهي موريتانيا وإندونيسيا والصومال والنيجر".
ومع ما خلفه الخبر من تفاعل واسع بموريتانيا، خرجت الحكومة الموريتانية للرأي العام، لتنفي صحة مسعاها للتطبيع مع إسرائيل.
وبحسب ما نقل موقع "صحراء ميديا" المحلي، 13 مارس 2023، نفى الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية الوزير الناني ولد أشروقه، وجود اتصالات أو علاقات مع إسرائيل.
وقال ولد أشروقه خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي للحكومة في رده على سؤال حول الموضوع "لا علم لنا بعلاقات جديدة مع اسرائيل ووسائل إعلامنا لم تتحدث عنها وكذلك حكومتنا". وأضاف الناطق باسم الحكومة في رده "لا نستطيع منع أحد من نشر ما يريد".
وتعد موريتانيا ثالث دولة عربية بعد مصر والأردن تقيم علاقات مع إسرائيل على المستوى الدبلوماسي عام 1999، لكنها علقت العلاقات عام 2009 بعد الحرب على غزة.
وفي العام 2010 قطعت موريتانيا علاقاتها رسميا مع إسرائيل وطردت سفيرها من نواكشوط ومنحت مهلة 48 ساعة لمغادرة الدبلوماسيين الإسرائيليين أراضيها.
في المقابل، يؤدي المجتمع المدني والأهلي بموريتانيا دورا كبيرا في مناهضة التطبيع.
ومن ذلك الفتوى التي وقعها عدد كبير من علماء موريتانيا، القاضية بحرمة إقامة علاقات مع الكيان الغاصب لأرض فلسطين.
وبحسب ما نقل موقع "القدس العربي"، أول فبراير/شباط 2021، فقد أكد العلماء الذين تصدرهم العالم الموريتاني الشيخ محمد الحسن الددو، أن "التطبيع الذي يروج له المروجون يعني إقرار الغاصبين المحتلين على تدنيس المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى".
وأيضا إقرار بـ"تلويث الأرض المباركة أرض الأنبياء ومهبط الرسالات وأرض الجهاد والرباط بفجورهم وفسوقهم وجرائمهم وإفسادهم".
وأوضح العلماء أن "حرمة العلاقة مع إسرائيل تعود لأسباب، منها أن التطبيع مع هؤلاء الصهاينة المحتلين إقرار لهم على الاستمرار في احتلال بلاد المسلمين، وتخلٍّ عن فريضة الجهاد، وتعاون مع من قاتلنا وأخرجنا من ديارنا وظاهر على إخراجنا".
وأضافوا: "وهو، في الوقت نفسه، خذلان لإخواننا المسلمين في فلسطين، وانضمام إلى صفوف العدو المحاربين، وركون إلى الظالمين، وهو تشجيع لليهود على ما يقومون به من إفساد، وموافقةٌ على تدنيس المسجد الأقصى وتلويث الأرض المبارك؛ فهذا التطبيع حرام من أعظم المحرمات".
وأكد المصدر ذاته أن "حقيقة هذا التطبيع هو مساندة ودعم كامل للصهاينة الغاصبين على كافة ما يقومون به من حصار وقتل وتدمير، ولا يمت إلى الصلح بصلة".
وجزمت الفتوى في سردها لأسباب حرمة التطبيع "بأن العلاقة مع العدو الغاصب اعتراف للعدو بأرض فلسطين، واعتراف لهم بأحقيتهم في القدس، وهو إقرار لهم بالسيطرة على بيت المقدس وبأنه لا حق للفلسطينيين، فضلاً عن سائر المسلمين في هذه الأرض".
"كما يعد من أكبر الوسائل لتعزيز وجود الصهاينة ومدهم بأسباب القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وهذا واقع لا ينكره إلا مكابر".
وتابع العلماء: "هذا العدو المحتل مستمر في عدوانه واغتصابه للأراضي وتوسيع رقعته المغصوبة، هو سرطان في بلاد المسلمين يتمدد باستمرار، والتطبيع معه معاونة له على الإثم والعدوان ومظاهرة له وموالاة له من دون المؤمنين".
واقع ملتبس
قبل واقعة مشاركة الوفد الموريتاني، احتج الشارع المحلي على انتشار تمور في الأسواق الموريتانية من مصدر إسرائيلي.
ونظم طلاب موريتانيون وقفة احتجاجية أمام مجمع "ابريم مارت" التجاري بالعاصمة نواكشوط، في 12 يناير/كانون الثاني 2023، احتجاجا على استيراده وبيعه لمنتج إسرائيلي.
وقال الأمين العام لمنتدى المستهلك الموريتاني، الخليل خيري، لـ "الاستقلال" إن بلاده "أصبحت سوقا مفتوحة، بفعل العولمة، ولذلك تستورد أكثر من 90 بالمئة من حاجاتها الغذائية والدوائية وغيرها، لكن لا توجد رقابة على المستوى المطلوب لرصد منشأ ما يتم استيراده".
وأوضح خيري أنه تظهر أحيانا بين الفينة والأخرى بعض السلع والمنتجات، التي تَرد من بلاد العدو أو ما يسمى بـ"إسرائيل"، مشددا على أن "هذا النوع من المنتجات دائما تتم مقاومته من قبل ناشطين مناهضة التطبيع".
وذكر أنه "قبل فترة تم اكتشاف وجود تمور ذات منشأ إسرائيلي، جابهها ناشطون عبر حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي".
وأردف "في منتدى المستهلك عملنا على تنبيه المواطن إلى ضرورة ووجوب رفض استهلاك أي منتج يأتي من الأراضي المحتلة".
ويرى أن "هذا التوجه يجب تكريسه، وأنه أقل ما يمكن القيام به تجاه القضية الفلسطينية وتجاه أراضينا المحتلة".
وبخصوص مشاركة الوفد في التدريب بالأراضي المحتلة، قال الإعلامي والمحلل السياسي وليد كبير، إن مثل هذه اللقاءات وفي خضم عدم وجود علاقات رسمية بين الجانبين، تعطي إشارة بأنه من الممكن في المستقبل الوصول إلى التطبيع.
وأوضح كبير في مقطع فيديو نشره على حسابه في يوتيوب، 28 مارس 2023، أنه سبق أن حذر من اتجاه الجانب الموريتاني إلى التطبيع مع إسرائيل، بناء على وقائع متكررة، رغم النفي الرسمي للأمر إلى الآن.
ولمواجهة أي مد تطبيعي يمكن أن يدنس أرض شنقيط، قال الناشط في مناهضة التطبيع هدو ولد الداه لـ "الاستقلال"، إن المبادرة الطلابية لمناهضة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن القضايا العادلة، طالبت باستمرار بسن قانون يجرم التطبيع.
وشدد أن هذا المطلب تدفع به كذلك العديد من القوى السياسية، فضلا عن وجود فتوى للعلماء بتجريم التطبيع، موقعة من أغلب علماء موريتانيا.
وأشار إلى أن بعض نواب البرلمان سبق أن تقدموا بمقترح بهذا القانون، غير أن الحكومة لم تستجب له حتى الآن، رغم ما تعلنه من مواقف إيجابية تجاه القضية الفلسطينية. وأكد أن تجريم التطبيع هو مطلب كل الموريتانيين، بجميع قواه الحية والوطنية.
من جانب آخر، لم ينف الناشط المناهض للتطبيع "وجود ضغوط مستمرة منذ عقد اتفاقات أبراهام (التطبيعية مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) المشؤومة من أجل إدخال موريتانيا فيه".
ولفت إلى وجود ضغوط تقودها الامارات "ضمن حلف الليكود العربي المعروف"، مشيرا إلى أن هناك حديث مؤخرا عن جهود لبعض السفراء الغربيين في البلاد في هذا الصدد.
غير أنه نفى تأثير هذه الضغوط على موريتانيا، قائلا إن الاجماع الشعبي متحقق على مناهضة التطبيع، وأن موقف كل القوى من أحزاب سياسية ومنظمات مدنية يجعل من أي تطبيع هو جريمة وخيانة بالنسبة للشعب الموريتاني.
واعتبر ولد الداه أن "أي أحد سولت له نفسه خرق هذا الإجماع لن يجني غير غضب الشعب ونبذه، لذلك يعتبر رفض الشعب المبدئي لكل أشكال التطبيع واستعداده الدائم للنضال والتضحية من أجل إسقاط أي مشروع تطبيعي هو العاصم الأول -بإذن الله- من التطبيع".