بريئة أم مقصودة.. هل تجدد تصريحات سعيد حول حقل البوري الخلاف بين ليبيا وتونس؟

12

طباعة

مشاركة

بعد تسببه في العديد من الأزمات الداخلية والخارجية لبلاده، عاد الرئيس التونسي قيس سعيّد ليثير ضجة كبيرة هذه المرة مع الجارة ليبيا، جراء تصريحاته بخصوص "حقل البوري النفطي" الليبي.

وفي 16 مارس/آذار 2023، قال الرئيس سعيد، خلال زيارة ميدانية إلى مقر المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، إن "بلادنا لم تحصل إلا على الفتات من حقل البوري النفطي".

ويقع حقل البوري في البحر الأبيض المتوسط على بعد 120 كيلومترا شمال الساحل الليبي، وتديره شركة "مليتة" للنفط والغاز بالمشاركة مع شركة "إيني" الإيطالية، واكتُشف عام 1976، وبدأ إنتاجه سنة 1988.

رفض قضائي

وهو يشير بأصبعه إلى حقل البوري النفطي على خريطة للجمهورية التونسية ولما يجاورها من البحر الأبيض المتوسط، قال سعيد: "في الواقع وللتاريخ، فإن النية كانت تتجه سنة 1975 إلى تقسيم هذا الحقل النفطي إلى نصفين، والذي كان يمكن أن يؤمن كل حاجيات تونس وأكثر".

وجدد الرئيس التونسي، التذكير بالمقترح الذي قدمه وزير الخارجية الليبي الأسبق، عبد السلام التريكي، والقاضي بـ"تقسيم الحوض إلى نصفين" بين تونس وليبيا.

وتابع: "للأسف بعد 12 يناير/ كانون الثاني 1974 تاريخ إعلان الوحدة التي لم تدم إلا ساعات، ساءت العلاقات بين البلدين وتم رفض هذا المقترح".

وفي 12 يناير 1974، وقع الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي على "اتفاق جربة" الذي أُعلن فيه عن تأسيس دولة موحدة تجمع بين البلدين سميت بـ"الجمهورية العربية الإسلامية"، غير أن هذه "الوحدة" وئدت في مهدها ولم تدم سوى 24 ساعة.

وأوضح سعيد، أنه "تم بعد ذلك الاتفاق عرض هذا النزاع على محكمة العدل الدولية".

وأردف أن "محكمة العدل الدولية لم تعتمد المقاييس التي كانت تعتمدها سابقا لتحديد الجرف القاري، واعتمدت مقاييس أخرى منها اتفاق ضمني كان قائما بين تونس وليبيا".

وأشار سعيد إلى أن "تونس قامت لاحقا بطلب مراجعة حول النقطة الأعمق في خليج قابس.. لكن للأسف لم تحصل إلا على الفتات بعد صدور قرار المحكمة الدولية عام 1982".

وفي 24 فبراير/شباط 1982 أصدرت محكمة العدل في لاهاي قرارا نهائيا لصالح ليبيا بأغلبية 10 أصوات مقابل 4 أصوات، وهو الذي رسّم وأكد السيادة الكاملة لليبيا على هذا الجرف القاري.

وبعد ذلك، تقدمت تونس لمحكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي الهولندية بطلب إعادة النظر في الحكم قصد تعديله، لكن في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1985 صدر حكم يقضي برفض الدعوى القضائية وتقبلت تونس الحكم للمرة الثانية.

تصريح مستفز

تصريحات الرئيس التونسي أثارت ردود فعل رسمية وشعبية غاضبة في ليبيا، رأى غالبها أن تصريحات سعيد "المستفزة" محاولة لاستغلال الظروف الحالية لبلادهم للحصول على قسط من ثرواتها.

الصحفي الليبي إبراهيم بلقاسم، قال في تغريدة عبر تويتر في 17 مارس 2023، إن "الحديث عن حقل البوري البحري الليبي من قبل الرئاسة التونسية وتلميحه إلى أنه حقل تونسي أمر يستفز الليبيين لملف مغلق عن طريق القضاء الدولي منذ أكثر من نصف قرن".

أما الخبير الليبي في قطاع النفط، عيسى رشوان، فيرى أن "تصريحات الرئيس التونسي سياسية مقصودة وموجهة".

وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك في 23 مارس 2023، أن "حقل الجرف القاري أقرب إلى تونس من حقل البوري بمسافة 70 كيلومتر ولم يذكره الرئيس التونسي، وإنما تحدث عن نقطة في داخل وعمق البحار الليبية 90 كيلومترا".

ويرى رشوان، أن "الحقيقة هي أن حقل الجرف القاري مشاركة مع توتال الفرنسية في شركة المبروك الليبية"، في حين أن "حقل البوري مشاركة مع شركة إيني الإيطالية".

وخلص إلى أن "الرسالة الضمنية في التصريح موجه من توتال الفرنسية إلى إيني الإيطالية عبر خطاب الرئيس التونسي ولا علاقة للشعبين التونسي والليبي بها"، مردفا أن "الخلاف في وجهات المصالح خلاف إيطالي فرنسي".

رعونة فارغة

إضافة إلى الغضب الشعبي الليبي من تصريحات الرئيس سعيد، عبر العديد من التونسيين عن استغرابهم من هذه التصريحات المجانية التي تتسبب في اندلاع الأزمات الدبلوماسية دون أي سبب.

وقال الإعلامي التونسي بقناة "الجزيرة" القطرية، محمد كريشان: "أزمة ديبلوماسية جديدة لتونس.. مع ليبيا هذه المرة".

وأضاف في تغريدة عبر تويتر أن "السبب هو تصريح لسعيّد عن خلاف حدودي بحري سبق لمحكمة العدل الدولية أن فصلت فيه لمصلحة طرابلس منذ 1982".

وتابع: "أعجبني تعليق طريف لأحد التونسيين يقول: لم يبق سوى ربنا سبحانه وتعالى لم نختلق معه مشكلة!!"، في إشارة إلى أن الرئيس سعيّد تسبب في العديد من الأزمات السياسية والدبلوماسية سواء داخليا أو خارجيا.

بدوره، عبر وزير خارجية تونس السابق، رفيق عبد السلام، عن رفضه واستنكاره لتصريحات سعيد، مؤكدا أنها "لا تعبر من قريب أو بعيد عن توجهات الشعب التونسي الذي يعاني بدوره من رعونة قيس وكثرة ثرثراته وتهويماته".

وأكد الوزير التونسي السابق، في تدوينة عبر فيسبوك في 19 مارس، أن "الجرف القاري (البوري) ملف حُسم أمره منذ ما يزيد عن أربعة عقود من الزمن بحكم قضائي لصالح ليبيا".

وقال عبد السلام: "لا نملك كتونسيين إلا أن نعتذر لجيراننا وأشقائنا الليبيين بشأن ما بدر عن سعيد من تصريحات طائشة تمس أسس العلاقة بين البلدين بشأن الجرف القاري (حقل البوري)".

وشدد على "عمق صلات الجوار ومتانة العلاقات الاجتماعية والثقافية التي تربط بين قطرين متجاورين هما في الحقيقة يشكلان شعبا واحدا". 

تطاول سيادي

وإضافة إلى الرفض الشعبي بليبيا وتونس لتصريحات الرئيس التونسي بخصوص حقل البوري النفطي، دخلت على الخط عدة شخصيات ليبية رسمية استنكرت تطاول سعيد على السيادة.  

وفي 18 مارس 2023، أكد رئيس لجنة الطاقة بمجلس النواب الليبي، عيسي العربيى، في تصريح لوكالة الأنباء الليبية، أنه "لا يمكن القبول أو السماح بالمساس بثروات ليبيا التي هي ملك للشعب الليبي تحت أية ظروف أو أية مبررات" .

بدوره، شدد وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية، محمد عون، على أن "القضية تم الفصل فيها بحكم من محكمة العدل الدولية".

وأوضح عون، خلال تصريح صحفي في 18 مارس، أن "الحكم جاء بناء على اتفاق ليبي - تونسي، وقد قَبِل الطرفان بالحكم، وأن الحدود البحرية بين ليبيا وتونس مُحددة".

أما عضو المجلس الأعلى للدولة الليبي، إبراهيم صهد، فعد تصريحات الرئيس التونسي "تطاولا على السيادة الليبية وحقوقها".

ولفت صهد، حسب موقع "ليبيا الأحرار" المحلي في 18 مارس 2023، إلى أن محاولات وتصريحات سعيد "يجب أن تؤخذ على محمل الجد في التعامل معها".

وسجل أنه إذا لم تتخذ سلطات ليبيا "إجراءات رادعة وأخرى احترازية لحماية الجرف، فإن تمادي سعيد سيتطور وتدعمه في ذلك بعض الدول الوالغة (المتورطة) في الأزمة الليبية"، حسب تعبيره.

تأثير سلبي

ومقابل الرفض الشعبي والرسمي بليبيا وتونس لتصريحات سعيد بخصوص "حقل البوري"، حذر محللون اقتصاديون وسياسيون من التأثير السلبي لمحاولات إعادة فتح ملفات نزاعات الثروة النفطية على التعاون الاقتصادي المشترك بين ليبيا وتونس.

المحلل الاقتصادي، أبو بكر الهادي، أكد أن هذه "التصريحات السياسية ستضر التعاون الليبي التونسي المشترك".

وفي 19 مارس 2023، أبرز الهادي، في تصريح لموقع "العربي الجديد" (مقره الدوحة)، أن "ليبيا تعتمد على استيراد المنتجات الزراعية والغذائية من تونس، فضلا عن السياحة العلاجية، وفي المقابل، تعول تونس على توظيف العمالة في ليبيا".

من جهته، شدد الباحث التونسي في العلاقات الدولية، البشير الجويني، على أن العلاقات بين تونس وليبيا "ليست مجرد علاقة بين بلدين، بل هي أعمق بكثير وفيها جوانب اجتماعية وثقافية ووحدة مصير إضافة إلى التعاون الاقتصادي الوثيق". 

وأضاف الجويني، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "كل شكل من أشكال التعرض لهذه العلاقات بسوء بشكل أو بآخر هو أمر مرفوض من الجانبين ومن الشعبين كائنا من كان من يتدخل في هذه المسائل، سواء كان في الحكومة أو في معارضة البلدين معا". 

ورأى أن "الشعبين في تونس وليبيا يميزون بشكل جيد بين من يخدم المصالح العليا للبلدين وبين كل الجهات التي تحاول توظيف هذا التاريخ وهذه العلاقات بشكل أو بآخر لمصالح أخرى".

وأشار الجويني، إلى أن "القصة التاريخية لحقل البوري النفطي مرت عليها أزيد من أربعة عقود"، مؤكدا أن هذه "المسألة تم الفصل فيها قانونيا وفقا لقرارات محكمة العدل الدولية".  

وأبرز أن العلاقات التونسية الليبية تقوم على ثلاثة مبادئ رئيسة، هي "المصلحة المشتركة والمنفعة المتبادلة وسيادة كل دولة على إقليمها في إطار الاحترام المتبادل بعيدا عن الشعبوية والشوفينية"، ويرى أن "هذه المسائل واضحة بالتاريخ والجغرافيا وبكل المقاييس".

وخلص الجويني، إلى أن "المطلوب اليوم هو أن تبتعد الأطراف المعنية عن كل أشكال التصعيد بين البلدين عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي للرقي بعلاقات التعاون بين البلدين بعيدا عن كل أشكال التوظيف من أي جانب كان".