لماذا اتخذت واشنطن ودول أوروبية خطوات منسقة ضد "تيك توك" الصيني؟
سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على اتخاذ الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية خطوات متزامنة ضد تطبيق "تيك توك" الصيني.
فبدءا من منتصف مارس/آذار 2023، لن يتمكن الموظفون والمسؤولون المنتخبون في البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية من استخدام "تيك توك" على أجهزتهم.
وفي كندا، حظرت الحكومة بالفعل التطبيق ذائع الصيت من الأجهزة المحمولة التي توفرها لموظفيها.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد حظر قانون صُدِّق عليه في بداية يناير/كانون الثاني 2023 تحميل واستخدام "تيك توك" على أجهزة مسؤولي الولايات الفيدرالية، في حين أن مشروع القانون المقدم إلى الكونغرس قد يؤدي إلى حظره بشكل كامل.
كما أن منصة "تيك توك" أثارت قلق فرنسا أيضا، حيث شكل أعضاء مجلس الشيوخ في الأول من مارس 2023، لجنة تحقيق في التطبيق المملوك لشركة "بايت دانس" الصينية.
وتتلخص مخاوف الدول في إمكانية أن تتمكن الحكومة الصينية من الوصول إلى بيانات مواطنيها والتجسس عليهم.
كما تعد منصة تيك توك بالفعل واحدة من عدد قليل من عمالقة المنصات الاجتماعية الذين لم يُبرمجوا في "وادي السيليكون" الأميركي.
وحسب التقرير، فإن تيك توك- الذي بدأ في الصين عام 2016- له مكاتب في عدة مدن حول العالم، بما في ذلك باريس، لكن المقر الرئيس لشركة بايت دانس "الأم" لا يزال في بكين.
وأشار إلى أن هناك عدة أسباب لقلق هذه الدول من التطبيق الصيني الذي انتشر انتشارا واسعا خلال الفترة الأخيرة.
أداة للقوة الناعمة
فوفقا لدراسة حديثة أجراها تطبيق كوستديو، المتخصص في الرقابة الأبوية، يقضي القاصرون في المتوسط ساعة و47 دقيقة يوميا على تيك توك، ويتنقلون فيه بين مقاطع الفيديو المقترحة.
وأكد التقرير أن "تيك توك" يخزن معلومات مستخدميه، إذ أوضحت الشبكة الاجتماعية، عام 2020، أنها تعتمد على تفاعلات المستخدمين (الإعجابات، المشاركات، الرسائل،...إلخ) والبيانات الوصفية للفيديو مثل التسميات التوضيحية وعلامات التصنيف والأغاني المستخدمة.
ويأخذ التطبيق أيضا في الحسبان المعاملات المحفوظة لدى مستخدميه، مثل لغة الاستخدام أو البلدان التي يوجدون فيها.
وفي الآونة الأخيرة، أعلن "تيك توك" عن نشر تحذير للقاصرين بعد مرور ساعة واحدة من استخدامهم التطبيق بشكل يومي.
وأكدت "لوموند" الفرنسية أن الشكوك لا تحوم فقط حول أن المنصة تصيب بالإدمان، بل إن الانتقادات طالت شفافيتها خلال الأشهر الأخيرة.
إذ أشارت العديد من التقارير الصادرة عن مراكز أبحاث أو شركات متخصصة في المعلومات المضللة إلى السهولة التي يمكن أن يجد بها المستخدمون أنفسهم في مواجهة معلومات خاطئة أو مضللة حول الانتخابات أو وباء كورونا.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، أظهر تقرير صادر عن مؤسسة "مكافحة خطاب الكراهية على الإنترنت" في الولايات المتحدة، كيف أن خوارزميات "تيك توك" رشحت محتوى ضارا للمستخدمين صغار السن، مثل المقاطع المتعلقة بإيذاء النفس وسوء استخدام الأطعمة.
وبالفعل وجهت شكاوى مماثلة ضد منصات أخرى، بما في ذلك فيسبوك ويوتيوب وإنستغرام، ومع ذلك، فإن شركة "بايت دانس" الصينية نشرت نسختين متمايزتين من تطبيقها، إحداهما للسوق الصيني حصرا، والأخرى لبقية العالم، ما يعزز الشكوك والريبة حول التطبيق.
بيانات المستخدمين
ووفق "لوموند"، فإن "تيك توك" يطلب إذن الوصول إلى العديد من بيانات المستخدمين، وذلك لعرض الإعلانات المستهدفة أو مقاطع الفيديو ذات الصلة.
فعلى الموقع الإلكتروني لمؤسسة "توسدر"، التي تبسط وتحلل الشروط العامة لاستخدام التطبيقات والخدمات المختلفة، حقق تيك توك درجة E، وهي أسوأ درجة في الترتيب.
ومع ذلك، فإن شروطه وأحكامه مشابهة إلى حد بعيد لمنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، ففيما يتعلق بأدوات التتبع المضمنة في تيك توك، فهي ذات الأدوات تقريبا التي تستخدمها منصات أخرى شهيرة.
فمن جانبها، أشارت مؤسسة "أكسودوس" التي تحلل تطبيقات أندرويد، إلى أن تيك توك يطلب عددا كبيرا من الأذونات من المستخدم.
من ذلك إذن الوصول إلى ميكروفون الجهاز، وجهات الاتصال، والكاميرا، وذاكرة التخزين، وحتى بيانات تحديد الموقع الجغرافي.
ووفق التقرير، فإن التطبيق الصيني يطلب أكثر من 76 إذنا من مستخدميه للتشغيل على جهاز الأندرويد.
وبعضها، من الناحية النظرية، يسمح لـ"تيك توك" بالتجسس على جميع ضغطات المفاتيح التي يكتبها المستخدم، وهي ميزة أقرت الشركة الصينية المبرمجة بوجودها.
وللمقارنة، يتطلب أيضا تطبيق أندرويد الخاص بـ"إنستغرام" 46 إذنا على هاتف المستخدم، وكذلك تويتر، بينما يتطلب سناب شات 60 إذنا.
وأضافت الصحيفة أنه لا يزال من الصعب تقدير المدى الدقيق للبيانات التي جمعها "تيك توك" على وجه اليقين.
ووفقا للباحثين الأمنيين، يستخدم تيك توك العديد من التقنيات التي تحد من مخاطر التجسس، ولكنها في الواقع تجعل من الممكن أيضا إخفاء النطاق الدقيق لجمع البيانات، وهذا ما جذب انتباه سلطات حماية البيانات، وفق الصحيفة الفرنسية.
ففي فرنسا، عوقبت بايت دانس- الشركة الأم لـ"تيك توك"- لعدم احترامها القواعد المتعلقة بإيداع ملفات تعريف الارتباط على موقعها على الويب (وليس التطبيق).
وبالتوازي مع ذلك، فتحت هيئة حماية البيانات الأيرلندية تحقيقا عام 2021 لتحديد إذا ما كانت "تيك توك" تنقل بيانات المستخدمين الشخصية إلى الصين، وهو ما اعترفت به المنصة أخيرا في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
هذا الاعتراف جاء بعد أن ضغطت عدة تحقيقات من الصحافة الأميركية على "تيك توك". ومع ذلك، تؤكد الشركة أن البيانات آمنة وأن عددا قليلا فقط من الموظفين يمكنهم الوصول إليها.
التجسس في بكين
وفي ديسمبر 2022، اعترفت تيك توك أن العديد من موظفيها قد تجسسوا على الصحفيين بفضل تحديد الموقع الجغرافي الذي يتيحه التطبيق.
وبعد اعتراف تيك توك بخطئها، فُصِل الموظفون المسؤولون عن عمليات التجسس، لكن هذه الحادثة عززت انعدام الثقة في التطبيق، وفق التقرير.
وفي عام 2020، أراد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، حظر التطبيق في الولايات المتحدة، واتهمه بالتجسس نيابة عن بكين، دون تقديم أي دليل مع ذلك.
ووصفت "لوموند" الفرنسية الأمر بأنه كان حساسا للغاية، لأن شركة "بايت دانس" تخضع للقانون الصيني لعام 2017 بشأن الاستخبارات.
وقد حدد هذا القانون، الذي دفعت شركة هواوي ثمنه بالفعل، أن الشركات والمؤسسات الصينية ملزمة بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات في الدولة عندما تطلبها.
ويمتد هذا الإجراء أيضا إلى الشركات الصينية العاملة خارج الأراضي الوطنية، وبالتالي يمكن تطبيقه نظريا على البيانات التي جمعها تيك توك.
وفي سياق العلاقات الدولية المتوترة مع بكين، من المفهوم أن الحذر يؤثر على قرارات المؤسسات الأوروبية.
ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن الولايات المتحدة لديها ترسانة تشريعية مماثلة إلى حد ما منذ عام 2018"، تضيف الصحيفة.
فهناك قانون "السحابة الإلكترونية" الذي يسمح للمخابرات في الولايات المتحدة بالوصول إلى البيانات التي تخزنها الشركات الأميركية مثل مايكروسوفت وأمازون.