"نزيف متواصل".. من يتحمل مسؤولية زيادة هجرة الأطباء الجزائريين؟

12

طباعة

مشاركة

تجدد الجدل بشأن هجرة الأطباء الجزائريين إلى الخارج لاسيما إلى فرنسا بالتزامن مع مشروع قانون طرحته حكومة باريس يمنح تسهيلات كبيرة للأطباء الأجانب الراغبين بالعمل في البلاد.

وينص مشروع قانون الهجرة الجديد الفرنسي على تسهيل قدوم الأطباء الأجانب عبر منحهم بطاقات إقامة خاصة إضافة إلى تسهيل إجراءات إقامة الكفاءات المهنية في المجال الطبي والصيدلة.

وطرح وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، مشروع قانون "الهجرة والاندماج وقال إنه يسعى إلى تسهيل إجراءات إقامة الكفاءات المهنية الأجنبية في المجال الطبي والصيدلة، عبر منحهم بطاقة إقامة خاصة بهم.

وذكر في منشور عبر صفحته على فيسبوك، في مطلع فبراير/شباط 2023، أن مشروع قانون "السيطرة على الهجرة وتحسين الإدماج"، الذي عرض في اليوم نفسه في مجلس الوزراء له أربعة أهداف.

وأوضح دارمانان أن الهدف الأول يتمثل في "ضمان الإدماج من خلال العمل واحترام مبادئ وقيم الجمهورية واللغة الفرنسية"، والثاني يتعلق بـ "إبعاد الأجانب الذين يشكلون تهديدا للنظام العام".

وأما الهدف الثالث، وفق المسؤول الفرنسي، فيتمثل في "معاقبة استغلال المهاجرين ومراقبة الحدود"، فيما الهدف الرابع هو "الانخراط في الإصلاح الهيكلي لمنظمة اللجوء في البلاد".

عملية نهب

هذه التسهيلات والإغراءات أثارت مخاوف الجزائريين من عملية "نهب" واسعة لخيرة أطرها الطبية خاصة أنه جرى في فبراير 2022، الإعلان عن نجاح 1200 طبيب جزائري في مسابقة المعادلة للالتحاق بالمستشفيات الفرنسية.

ولهذا، تشكل هجرة الأطباء، مشكلة تهدد القطاع الصحي الجزائري في ظل تزايد أعدادهم بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن المئات من الأطر الصحية يهاجرون سنويا.

ولا تتعلق هجرة الأطباء الجزائريين إلى الخارج، خصوصا نحو فرنسا، بخسارة أطر طبية كفؤة فقط بل أيضا بعدم استفادة البلاد من هذه الأطر التي خُصص لها جزء من الموازنة لتعليمها وتأهيلها، في وقت تستفيد منها دول أخرى.

ورغم أن فرنسا تعتبر البلد الأكثر استقطابا للكوادر الطبية الجزائرية، فإن دولا أخرى، وخاصة كندا، كان لها نصيب في الاستفادة من هؤلاء الأطباء الذين تحملت الجزائر تكاليف تكوينهم ولم تستفد من عطائهم.

ويجمع مراقبون، على تعرض قطاع الصحة بالجزائر إلى نزيف في أطره الصحية بسبب ارتفاع وتيرة الهجرة بحثا عن ظروف اجتماعية ومهنية وأكاديمية أفضل.

رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية في الجزائر، الطبيب إلياس مرابط، قال إن الأطباء الجزائريين الذين غادروا إلى أوروبا وخاصة فرنسا منذ تسعينيات القرن العشرين بلغ نحو 20 ألف طبيب.

وفي 25 فبراير 2023، أكد مرابط في حديث لقناة "العربي" القطرية، أن هجرة الأطباء كانت لظروف اقتصادية وأمنية في الجزائر.

وأضاف مرابط، أن الوجهة الأولى للأطباء المهاجرين كانت فرنسا بسبب التسهيلات القانونية والتحفيزات ووجود أقارب ولأسباب اجتماعية.

 

وأشار إلى أن هذه الظاهرة سلبية بالنسبة للجزائر وخاصة بعد تأهيل الأطباء وتكوينهم، ثم ينتقلون إلى بلدان لم تصرف عليهم دينارا واحدا.

ولفت إلى تسبب انتقال الطواقم الطبية نحو القطاع الخاص لنزيف داخلي بالقطاع الصحي الجزائري.

بدوره، أرجع الصحفي والمعارض الجزائري وليد كبير، ارتفاع هجرة الأطباء الجزائريين إلى الخارج لظروف عملهم غير المناسبة بالمقارنة مع ظروف عمل الأطباء في الدول المتقدمة.

وأضاف كبير، في حديث لـ"الاستقلال"، أن الوجهة الأساسية للأطباء الجزائريين أثناء تفكيرهم في مغادرة الجزائر هي فرنسا لأنها تستقطب عددا كبيرا من الأطباء يقدر بالآلاف.

ورأى كبير، أن الحوافز الاجتماعية هي التي تدفع الأطباء الجزائريين إلى التوجه إلى بلدان متقدمة حيث يحصلون على رواتب أفضل بكثير من الراتب الذي يحصل عليه الطبيب الجزائري عند مزاولته مهنة الطب في الجزائر. 

ويصل راتب الأطباء من أصحاب الخبرة المهنية بفرنسا إلى ما يعادل 173 ألف يورو سنويا، بينما يبلغ متوسط راتب طبيب ممارس عام مبتدئ إلى حدود 33 ألف يورو بحسب موقع "ماد وارك" المتخصص في توظيف الأطباء في فرنسا. 

أما الطبيب في الجزائر فيجد نفسه يعاني من وضع مالي صعب، إذ لا يتخطى راتبه 350 دولارا شهريا، ناهيك عن المضايقات التي تعترضه خلال مساره المهني.

إرادة الإصلاح

وأمام ارتفاع هجرة الكوادر الطبية، أكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ضرورة العمل على تسهيل عودة الكفاءات المهاجرة للجزائر.

وفي 5 فبراير/شباط 2023، أمر تبون خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس الوزراء، باعتماد إجراء جديد لتسهيل عودة الكفاءات المهاجرة للجزائر عبر إطلاق "بطاقة مرجعية" للتخصصات العلمية لمعادلة شهادات الجامعات الأجنبية بصفة آلية لحامليها من الجزائريين.

وكان الرئيس الجزائري قد تعهد بعد وصوله إلى سدة الحكم بتحسين ظروف الأطباء وتعديل القوانين في قطاع الصحة، مع وضع قوانين لحمايتهم من اعتداء المواطنين اللفظي والجسدي فضلا عن إعادة النظر في سلم الأجور.

وفي ظل الصعوبات المالية والمهنية التي يعانيها الأطباء من جهة والإغراءات والتسهيلات التي أعلنتها فرنسا من جهة أخرى تبقى الجزائر مهددة بهجرة جماعية لأطبائها مما قد يزيد من تقليل فرص الجزائريين في الحصول على العلاج.

ولإيقاف هذا النزيف الطبي الحاد، شدد رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية في الجزائر "إلياس مرابط"، على ضرورة اقتراح آليات لتحسين ظروف العمل والأجور وتوفير امتيازات في البحث العلمي، كي لا تتفاقم ظاهرة هجرة الأطباء.

واعتبر مرابط، أن مواجهة استفحال هذه الظاهرة يتطلب إقناع الأطباء بعدم الهجرة وتقديم التطمينات لهم، إضافة إلى حث من هم في الخارج على إجراء تواصل مع الجزائر للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم إذا لم يرغبوا في العودة، وفق حديثه لقناة العربي.

أما الصحفي وليد كبير، فيرى أن إيقاف النزيف المتواصل للأطباء يتطلب إصلاحا عميقا للمنظومة الصحية وإعطاء القيمة الحقيقية لمهنة الطب بالجزائر.

وأكد أن الشروع في إصلاح للمنظومة الصحية يتطلب إرادة حقيقية للدولة، معربا عن أسفه لغياب إرادة حقيقية لحد الساعة من أجل إصلاح هذا القطاع. 

وربط كبير، الفشل الذريع للسلطات الجزائرية في إصلاح هذا المجال وقطاعات أخرى بالمشكل السياسي بالدرجة الأولى.

ومضى موضحا، أنه طالما لم يجر حل المشكلة على المستوى السياسي فلن يكون هناك أي إصلاح في باقي القطاعات وأهمها الصحة.

وتشكو مختلف القطاعات في الجزائر من هجرة الكفاءات، خصوصا في مجالات الصحة والتعليم والتخطيط والبحث العلمي.

وهو الأمر الذي يفوت على البلاد عقول وكفاءات وطاقات علمية وإنتاجية لصالح البلدان المتقدمة. 

وأشار كبير، إلى أن الميزانية المخصصة لقطاع الصحة تبقى أقل من ميزانية الدفاع رغم أن عدد السكان في تزايد كبير حيث يتجاوز حاليا 45 مليون نسمة.

وبين أن الجزائر بحاجة إلى ميزانية أكبر من الميزانية الحالية التي يجرى تخصيصها لقطاع الصحة. 

وتصدرت ميزانية وزارة الدفاع قائمة الاعتمادات المعتمدة من طرف الحكومة الجزائرية، لسنة 2023، بـ22.7 مليار دولار، في حين جرى تخصيص 4.2 مليارات دولار لقطاع الصحة في موازنة عام 2023.

واعتبر كبير، أن النظام الجزائري فشل في بناء مستشفيات عصرية ذات مرافق متطورة، مبينا أن معاناة المواطن الجزائري مازالت مستمرة بالنسبة لقطاع الصحة من حيث الخدمات والتطبيب.

وخلص إلى أن ظروف اشتغال الأطباء والأوضاع الاجتماعية إضافة إلى التسهيلات والحوافز المالية التي تخصصها الدول المتقدمة تدفع الأطباء لمغادرة الجزائر.