رغم تحذيرات إسلاميي المغرب.. هل تمضي حكومة أخنوش نحو "المساواة في الإرث"؟

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يواصل وزير العدل المغربي، عبداللطيف وهبي، رفقة حركات نسائية، تحركاتهم لأجل حشد الدعم للتعديلات المرتقب إدخالها على "مدونة الأسرة" (قانون الأسرة)، بما فيهما نظام الإرث الإسلامي المعمول به حاليا، وسط تحذيرات نشطاء وسياسيين.

وترى أحزاب وهيئات رسمية وغير رسمية "ضرورة إعادة النظر وتعديل قانون الأسرة" المعتمد منذ عام 2004، في حين تدعو أخرى، وخاصة اليسارية والعلمانية إلى "إعادة النظر في الإرث" و"إباحة العلاقات الجنسية الرضائية" و"تجريم تعدد الزواج".

تحد صارخ

وفي هذا الصدد، أصدر حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي والمعارض، بيانا في 28 فبراير/شباط 2023، عقب الاجتماع الاستثنائي الذي عقده برئاسة أمينه العام عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق، وخُصص لمناقشة تحركات الوزير ودعوات تعديل نظام الإرث.

ووصف الحزب في بيان نشره بموقعه الإلكتروني، الدعوات التي بدأت تطلع في الآونة الأخيرة بخصوص قانون الأسرة بـ"الخطيرة" و"الشاردة"، حيث تجرأ بعضها على الدعوة الصريحة إلى المناصفة في الإرث ضد على النص القرآني الصريح المنظم للإرث.

وقال العدالة والتنمية، إن "هذه الدعوات بدأت تتحدث بجرأة غير مسبوقة، وفي تحد صارخ للآيات القرآنية الصريحة للمواريث، وهي كما هو معروف آيات قطعية الثبوت قطعية الدلالة".

ورأى ذلك "خروجا عن الإجماع الوطني والثوابت الجامعة للأمة كما حددها الدستور الذي ينص على أن المملكة دولة إسلامية، وأن الإسلام دين الدولة، وأن الهوية المغربية تتميز بتبوؤ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها".

ونبه الحزب إلى أن هذه الدعوات "تشكل خطوة خطيرة ستؤدي إلى زعزعة نظام الأسرة المغربية، وضرب أحد مرتكزات السلم الاجتماعي والأسري ووضعه على سكة المجهول، وتهديدا للاستقرار الوطني المرتبط بما استقر عليه نظام الإرث في المجتمع المغربي طيلة أزيد من 12 قرنا".

وأكد أن "مثل هذه الدعوات النشاز لا علاقة لها بقناعات وانتظارات المجتمع المغربي المتشبث بدينه وثوابته الوطنية الجامعة، وأنها ليست سوى خطوة يائسة وتطبيق لأجندات خارجية، في تحد صارخ لاستقلال القرار الوطني وانتهاك فج للسيادة الوطنية".

وجاء هذا البيان، عقب التحركات المتواصلة التي يقوم بها وزير العدل بغية حشد الدعم للتغيرات التي يسميها "حداثية" على قانون الأسرة، ومن ذلك اللقاء الذي عقده في 14 فبراير 2023، مع فعاليات نسائية وحقوقية بالرباط، تحت مسمى "التداول والتشاور".

وأيضا اللقاء الصحفي الذي عقده الوزير بمقر وكالة الأنباء الرسمية بالعاصمة في 24 يناير 2023، مع الصحافة المحلية والدولية، فضلا الندوة الدولية التي عقدها في الرباط بعنوان: "المساواة والعدل في الأسرة المغربية"، بمشاركة من الأمم المتحدة في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

كما بعثت "فيدرالية رابطة حقوق النساء"، والتي تضم جمعيات نسائية، مذكرة إلى وزارة العدل، نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022، تدعو إلى تغيير شامل لمدونة الأسرة، اعتمادا على تطبيق مبدأ المساواة، وإدخال تعديلات على جميع الجوانب، سواء تعلق الأمر بالزواج أو الطلاق وحتى الإرث والنسب.

وكان العاهل المغربي محمد السادس في خطاب 30 يوليو/تموز 2022، قد فتح النقاش مجددا حول ضرورة مراجعة مضامين مدونة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية) في المملكة، ومعالجة الثغرات التي تضمنتها بنودها بعد حوالي 18 عاما من التطبيق.

"البوز" الإعلامي

في قراءته لتحركات المطالبين بتعديل الإرث، قال رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، إمحمد الهلالي، إن "هذه دعوة هامشية ومتطرفة صادرة عن نخبة مفلسة فكريا تبحث عن البوز (الشو) الإعلامي، بعد أن توارت إلى الخلف، وأصيبت ببوار في سلعتها الأيديولوجية".

وأضاف الهلالي لـ"الاستقلال"، أنه "بدون شك هناك جهات (لم يسمها) اليوم تستفيد من هذه الدعوات المتطرفة وتستغل هذه الأقلية الأيديولوجية، وتستعمل دعواتها للمزايدة وللضغط، للحصول على مكاسب في مجالات أخرى".

وتابع: "هذه الجهات تضغط بالمناصفة في الإرث لتوسيع مطالبها في الإجهاض أو في سن الزواج لما يسمونه القاصرات مثلا".

وأشار إلى أن "هذه اللعبة باتت مكشوفة"، ويرى أن "تكرار نفس المقدمات للحصول على نفس النتائج لم يعد مجديا".

لذلك، يقول الباحث الأكاديمي والناشط السياسي، فإن "الإطار المرجعي للتعديلات المرتقبة أصبح محسوما شعبيا ومحسوما سياسيا من الدولة، وهو بالقطع محسوم من الناحية الدينية وللدستورية".

وحذر الهلالي "القوى السياسية الإصلاحية من الانسياق وراء هذا الدعوات اللاشعبية لتحريف استحقاقات المرحلة، والمتمثلة في المطالب المتنامية شعبيا وفئويا، لمواجهة الافتراس الاقتصادي والسحق الاجتماعي، الذي يمارسه تجمع زواج الثروة والسلطة"، في إشارة إلى حزب "التجمع الوطني للأحرار" ورئيسه عزيز أخنوش.

لكن، يستدرك رئيس المركز البحثي، "ما يتعين التصدي له هو بعض الأصوات المحسوبة على المرجعية وعلى العلماء، والتي تلوي عنق النصوص باسم الاجتهاد، وتساير هوى الحداثيين لدفع تهمة التشدد والغلو، وأيضا لكسب رضا السلطوية".

واسترسل: "هؤلاء الحداثيون المزعومون لا يرون الحداثة إلا في الاستقواء على هوية الشعب، وليس في الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد، ومحاربة الاحتكار والتواطؤ على الأسعار والنزاهة في الصفقات والمباريات".

وشدد الهلالي على أن "المغاربة يرفضون المس بمرجعيتهم وهويتهم وثوابت دينهم ويتمسكون بالنظام الاجتماعي بما فيه الإرث".

المناصفة الآن

لم يتأخر كثيرا رد الجمعيات النسائية على بلاغ حزب العدالة والتنمية، حيث قالت رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، سميرة موحيا، إن الرابطة تطالب بمراجعة منظومة الإرث بما يكفل ملاءمتها مع الفصل 19 من الدستور الذي ينص على المساواة والمناصفة.

وسجلت في تصريح نقله موقع "هسبريس" المحلي، في 2 مارس/آذار 2023، أن هذا المطلب يعود للمواطنين والمواطنات الذين يبحثون عن حل لتفادي ضياع حقوقهم بسبب الإرث، مشيرة إلى أن هناك نفاقا مجتمعيا بخصوص هذا الأمر، لذلك يجب أن يعبر القانون عن الواقع.

وشددت رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء على أن "البنية الاجتماعية والسوسيو-اقتصادية تغيرت، والنساء صرن مُنتِجات ويكونَّ اقتصاد الأسرة، إذ إن نسبة كبيرة منهن معيلات لها، بالتالي يجب أن يكون هناك قانون يراعي هذه التحولات".

وأضافت موحيا أن "بعض البنات يساعدن الأب في اقتناء منزل، لكن ذلك لا تتم مراعاته عند الإرث، إذ لا يحصلن سوى على النصف، أي نصف ما يحصل عليه إخوانهن الذكور".

وأوضحت أن "المغرب انخرط في المنظومة الأممية، وبالتالي لا يمكن أن نكون نقدم خطابا في المنتظم الدولي ولا نكرسه في الواقع".

وطالبت موحيا بتجديد الفقه وعدم الاعتماد على اجتهاد قديم يعود إلى قرون، قائلة: "آن الأوان (لتجديد الفقه). من غير المعقول أن يحكم فقه قديم، يجب أن يكون هناك اجتهاد يشارك فيه المختصون كافة وليس الفقهاء فقط، وأن يتم تنقيحه وتجديده".

وتجد هذه الأصوات داعمين لها من داخل المؤسسات الدستورية، وعلى رأسهم رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، والتي سبق أن قالت إن "نظام الإرث المعمول به حاليا يحمل تمييزا للرجال ويؤنث الفقر"، وفق ما نقل موقع "العمق المغربي" في 14 يونيو/حزيران 2022.

وشددت بوعياش، على "ضرورة إقرار مبدأ المناصفة في نظام الإرث بالمغرب"، مضيفة أن "أحد صور التمييز المشار إليه هو نظام التعصيب والوصية وقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين".

كما ادعت أن "هذا التمييز يمنع بشكل كبير المرأة من الولوج الأراضي والثروات، ويعرضها للفقر والهشاشة في أحيان كثيرة".

ودعت بوعياش إلى "ضرورة وضع منظومة قانونية عادلة ومنصفة ومتاحة الولوج لكل الأسر المغربية، في ظل التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع، خاصة تطور مكانة المرأة".

فرض أمر الواقع

من جهته، أكد العلامة مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى، وهو أعلى مؤسسة دينية حكومية بالبلاد، أن "الداعين إلى تعديل المدونة، وما يرتبط بنظام الإرث، لا يريدون الحوار والنقاش للوصول إلى التعديل الأمثل، إنما يريدون فرض الأمر الواقع".

وذكر بنحمزة في كلمة له خلال ندوة في مدينة وجدة، شرق المملكة، في 24 فبراير 2023، إن "الذين يطالبون بالحوار في مواضيع المدونة لا يسعون لتغيير أفكارهم، حين يتبين لهم الصواب والأصلح، ولذلك النقاش في المدونة لم يبدأ بعد".

وتابع: "هؤلاء يقولون إن المدونة لا تضمن المساواة، علما أن المساواة هي من مقاصد الشريعة الإسلامية، ونحن نريدها"، مشددا على أنها "كل متكامل وليست أمرا جزئيا". 

وأبرز العلامة المغربي، أن "مقصود دعاة تغيير المدونة والمناداة بالمساواة مقصودهم في ذلك إزالة ما يختص به الرجل وما تختص بها المرأة، لكن، يردف بنحمزة، "هم يتجاهلون أن هذا المطلب يعني تنازل المرأة عن وجوب النفقة على الرجل، وتنازلها عن متعة الطلاق، وتنازلها عن إنفاق الأب على بناته إلى ما بعد السن القانونية الواجبة وغيرها".

وشدد على أن "النساء لو عرض لهن هذا فلن يقبلن به، لأنه ينافي العدالة والإنصاف، ولأنه ليس في صالح المرأة، بل إن رفع يد الرجل ومسؤوليته عن الإنفاق على المرأة، زوجة وأما وأختا وبنتا وغيرها، سيجعل النساء عرضة لمخاطر اجتماعية عدة".

ورأى بنحمزة أن "المطالبين بتغيير أحكام الإرث يريدون شيئا لن يكون من مصلحة المجتمع أن يتحقق، لأنه يهدد سلامة المجتمع وتكامله، ولأنه تعديل يحمل رؤية قاصرة للأسرة، ولأنه يسعى إلى تفكيك الدين".

ونبه المتحدث ذاته أن "تفكيك الدين معناه ذهاب وتخريب المغرب، دولة ومجتمعا، ولذلك وجب حماية الأسرة والمرأة المغربية من هذه الدعوات المشبوهة".

خلفيات دافعة

في تعليقه على خلفيات المطالبين بتغيير الإرث، وإن كانوا موجهين من جهات أجنبية أو خارجية، قال رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، الهلالي، إن "الأجندات الغربية لم تعد هي المشكلة، لأن طروحاتها قابلة للنقض من نفس مرجعيتها".

وأضاف الهلالي لـ"الاستقلال"، وذلك لكون هذه المرجعيات تستند إلى ما يسمى بالقيم الكونية والحريات الفردية، وهذه قابلة للرد، اعتمادا على قيم كونية تفوقها أو تعادلها في القيمة الإنسانية، وفي خدمتها لصالح الانسان وجلب سعادته.

لكن، يستدرك المتحدث ذاته، الإشكال الأكبر أصبح مع المتغربين الذي أصبحوا يزايدون على الغرب في تغريبه، ويرى أن "هذا المشكل ليس له دواء فكري أو معرفي".

وأردف: "الغرب عندما يتجرأ على نظام الإرث في الديانة اليهودية والهندوسية ويستطيع أن يفرض المناصفة والمساواة بين الولد والبنت، عندها نحن على استعداد لنناقشه في مزاعمه، وننظر كيف يمكن التعاطي مع هذه المزاعم".

ولفت إلى أن "العاهل المغربي جدد التذكير في الخطاب المشار إليه سابقا، بأنه لن يعارض النصوص القطعية في موضوع تعديل المدونة، وقال كلمته المشهورة: لن أحل حراما ولن أحرم حلالا".

غير أن القوى المطالبة بتعديل الإرث، لا تقيم وزنا لكلام الملك، وفي تفسيره لهذا الموقف، قال إمحمد الهلالي، إن "هؤلاء في الحقيقة يزايدون على الملكية وعلى الدين الإسلامي وعلى الوطن أي على الثوابت الجامعة في مجموعها".

واستطرد: "هؤلاء كانوا بالأمس ضدها بطرق فجة ومباشرة، واليوم أصبحوا يتذاكون في السعي إلى تقويضها بطرق ملتوية عبر قراءات ملتوية للمرجعية الإسلامية بدعوى الاجتهاد".

وأيضا، يقول الهلالي، "عبر الوثائق الدولية، بممارسة الانتقاء واختيار النمط المتطرف في النموذج التطبيقي، أي النموذج الفرنسي الغبي"، مشددا أن "الثوابت الجامعة التي يتبوأ الدين الإسلامي مكانة الصدارة منها هي كل لا يتجزأ، وأن إمارة المؤمنين ليست تحفة تراثية نستنجد بها حينا ونتركها في أحايين كثيرة".

ورأى أن هؤلاء الذين وصفهم بالمفلسين إيديولوجيا، "يعتقدون أن الفرصة أضحت مواتية لهم اليوم، طالما أن بعض أصدقائهم يوجدون في مواقع المسؤولية وفي الوزارات، وأن بعضهم يعلن أنه سيعتمد تعديلات حداثية، مع أنه لا يمارس من الحداثة إلا نقائضها ونواقضها معا في جميع الملفات التي فتحها".

وفي العمق، يقول الهلالي، "يكشف هؤلاء عن هشاشة في قناعتهم الديموقراطية وفي احترامهم للإرادة الشعبية، التي حُسمت عبر قرون وتكرست في مختلف الدساتير بتأكيد أن الإسلام هو المرجعية العليا للدولة والمجتمع، وأن أحكامه غير قابلة للتعديل، سواء في الدستور أو في القوانين المتفرعة عنه".

ورأى أن "هذا السلوك الذي أبانوا عنه، يؤكد أنهم يتعاملون مع الديمقراطية بطريقة نفعية واستعمالية، لأنهم هم أنفسهم بالأمس عندما كانت الأغلبية في غير صالحهم كانوا يقولون إن القضايا الكبرى لا تخضع للأغلبية العددية أو للعبة أكثرية وأقلية، وإنما تستوجب التوافق والحسم عن طريق الديموقراطية التشاركية".

وأردف الهلالي "لكنهم اليوم انقلبوا عن هذا الخطاب، ويريدون انتهاز فرصة كونهم في الأغلبية للانقلاب على الثوابت الدينية والقيمية، رغم أن هذه الأغلبية قيل فيها ما قيل وهم في مواقعهم ليس بناء على كدهم، وإنما بفعل فاعل غير ديموقراطي ومعاد للديموقراطية والحداثة معا".