"الأكثر تعقيدا".. كيف تدير حركة طالبان الأفغانية سياستها الخارجية؟
استعرض موقع أميركي محددات السياسة الخارجية لحركة "طالبان" الأفغانية، في صعودها الثاني للحكم، بعد سيطرتها على العاصمة، كابول، في 15 أغسطس/ آب 2021.
وذكر موقع "يوراسيا ريفيو" في مقال لـ "مجيب الله" الباحث في العلوم السياسية بجامعة "كراتشي" الباكستانية، أن الظاهرة الأكثر إثارة وتعقيدا بالنسبة لطالبان هي انتهاج سياسة خارجية فعالة.
وأشار إلى أن طالبان كانت دائما في صراع مستمر من أجل الحصول على شرعية دولية، بالرغم من حقيقة أن "الحركة الأصولية الإسلامية حاربت ضد الحكومة المدعومة أميركيا لمدة عقدين من الزمان"، وفق تعبيره.
وأوضح الكاتب أن النظام الذي أسسته طالبان تعرض لانتقادات حادة؛ بسبب عدم مراعاته للمعايير الدولية، حتى يتمكن من الحصول على الاعتراف الدولي كحكومة شرعية.
وشبّه مجيب الله "السياسة الخارجية لأي دولة بالروح بالنسبة لجسم الإنسان"، على اعتبار أن الشؤون الخارجية للدولة هي التي تحدد سيادتها ومصالحها الوطنية.
لذلك، يُنظر إلى السياسة الخارجية على أنها طريقة لإشراك المجتمع الدولي في شؤون دول الجوار التي تعصف بها الفوضى.
وفي هذه الحالة، يكون نهج الدولة هو تأمين المصلحة الوطنية بأفضل طريقة ممكنة، حسب وصف الكاتب.
ميلاد جديد
تاريخيا، كانت طالبان تتبنى نهجا خشنا، عندما امتنعت عن الانخراط في الشؤون العالمية، كما كان ماضيها شنيعا بسبب تفسيرها الأيديولوجي الصارم للشريعة، وحظر تعليم الفتيات، وعلاقاتها مع تنظيم القاعدة ودعمها له، وفق المقال.
ومع ذلك، كان لدى حكومة طالبان نفوذ، جعل عدة دول تعترف بها، كالسعودية والإمارات وباكستان، بينما كانت الدول الأخرى مترددة في الحصول على إعطاء ورقة الشرعية للحركة.
يذكر أن حركة طالبان، في صعودها الأول، سيطرت على العاصمة كابول، في 27 سبتمبر/أيلول 1996، معلنة قيام الإمارة الإسلامية في أفغانستان ونقلت العاصمة إلى قندهار، واستمرت بالحكم حتى 2001.
وبعد انهيار طالبان، قاتلت الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد "المتمردين" والقاعدة، كما بدأت إعادة الإعمار ومشاريع التنمية في أفغانستان، حسب الكاتب.
غير أن هذا النظام المدعوم غربيا تورط في حجم هائل من الفساد، فضلا عن أن جيشه لم يكن احترافيا، ومن ثم، فقد سمح بإعادة إحياء طالبان، ما جعل الولايات المتحدة تغير نهجها باتجاه محادثات السلام مع الحركة الأفغانية.
ويذكر الكاتب أن أول من طرح فكرة التفاوض مع طالبان كان الرئيس الأفغاني السابق، حميد كرزاي، الذي دعا لإجراء محادثات مع ممثلي الحركة في بلد أجنبي، ولكن الفكرة رفضت من إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن.
لكن خلفه في المنصب، باراك أوباما، اتجه نحو الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحركة الأفغانية، ففي عام 2010، بدأت المحادثات بين قيادة طالبان والأمم المتحدة وألمانيا والنرويج، وهذا بدوره كان "بادرة طيبة"، وفق الكاتب.
وفي عام 2012، برزت دولة قطر كمضيف للمفاوضات، معتمدة في ذلك على تميزها بخاصيتين فريدتين، أولهما حيادها تجاه النزاع القائم، والثانية أنها بلد مسلم.
وأورد الكاتب أن باكستان لعبت دورا حاسما في عملية التفاوض، ففي عام 2015، وفي بلدة "موري" الباكستانية، كان لدى إسلام أباد النفوذ لإحضار قيادة طالبان ومسؤول الحكومة الأفغانية إلى طاولة واحدة، بينما حضرت كل من الولايات المتحدة الأميركية والصين بصفة مراقب.
ومع ذلك، فقد دخلت المرحلة المهمة من المفاوضات في عام 2018، عندما انخرطت الإدارة الأميركية بشكل مباشر في المفاوضات مع قيادة طالبان في الدوحة، وكلفت مبعوثها، زلماي خليل زادة، بالتفاهم مع الحركة.
ويرى المقال أن الثقة بين الطرفين تعززت عندما أعلنت طالبان وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام خلال العيد، ثم تطورت المفاوضات لتنتهي عملية التفاوض بإبرام صفقة الدوحة بين الحركة والولايات المتحدة.
محددات طالبان
وإزاء ذلك، يمكن القول إن الاهتمامات والأهداف الأساسية لسياسة طالبان الخارجية تدور حول ثلاث مساحات أساسية ورئيسة، هي: بقاء نظامها، واكتساب الشرعية الدولية، وتحقيق الازدهار الاقتصادي.
وأكد المقال أن بقاء نظام طالبان هو الهدف الأساسي للسياسة الخارجية للحركة، ونظرا لأن النظام الدولي قائم على خدمة أعضائه فقط، فإن الهدف الأساسي للدول يتمثل في البقاء داخل هذا النظام.
وبالنسبة لطالبان، فهي تواجه مشكلات وجودية على جبهتين، داخلية وخارجية، حسب مجيب الله. فداخليا، تواجه الحركة كلا من "تنظيم الدولة - ولاية خراسان"، فضلا عن "جبهة المقاومة الوطنية".
وجبهة المقاومة الوطنية في أفغانستان هي تحالف عسكري مناهض لطالبان، شُكّل بعد هجومها عام 2021، تحت قيادة السياسي الأفغاني، أحمد مسعود، وأول نائب رئيس في أفغانستان، أمر الله صالح.
وأكد المقال أن جبهة المقاومة الوطنية هي تهديد مباشر لطالبان، إذ أوضحت الصحفية والكاتبة في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، لين أودونيل، أن قادة الجبهة لا يرون خيارا للتعامل مع الحركة سوى الحرب.
أما تنظيم الدولة فهو مصدر قلق كبير، بسبب نشاطه عبر الحدود، ويتزايد هذا القلق بالنظر إلى اتفاق الدوحة، الذي ينص على ضرورة مواصلة الحرب ضد تنظيم الدولة، ومنعه من استخدام الأراضي الأفغانية في "أنشطة إرهابية".
وبالنظر للتحدي الخارجي، تحتاج طالبان إلى التركيز على الانخراط في المجتمع الدولي، وحشد التأييد لها عالميا، فضلا عن تصدير سردية مقبولة عنها.
وأكد الكاتب أن التحدي الذي يواجه طالبان هو شرعية حكومتها، لكن اجتياز هذا التحدي يتطلب تبنيها مقاربة معتدلة.
وبينما تطالب الدول الفاعلة حول العالم طالبان بوضع هيكل سياسي شامل، فإن الحركة مترددة منذ فترة في فعل ذلك، في وقت تُعد فيه حقوق المرأة وتعليم الفتيات مثارا للقلق.
وفي الآونة الأخيرة، أضيف إلى ذلك استهداف وقتل العسكريين السابقين والصحفيين، كحاجز إضافي بين طالبان واكتساب الشرعية الدولية.
تحديات اقتصادية
أما التحدي الآخر الذي تواجهه طالبان فهو رغبتها في تحقيق الازدهار الاقتصادي، في وقت ينهار فيه السوق المحلي، وتتصاعد فيه نسبة الفقر يوما بعد آخر.
ولفت الكاتب إلى تزايد نسبة البطالة، حيث إن الغالبية العظمى من الشباب تحتاج إلى العمل منذ سقوط كابول.
وفي تقرير صدر أخيرا عن الأمم المتحدة، فإن هناك 500 ألف شخص عاطلين عن العمل في أفغانستان.
وألمح الكاتب إلى ارتباط معضلة الشرعية بالأزمة الاقتصادية، قائلا إن "الشرعية هي العائق أمام عدم وجود تجارة ثنائية بين أفغانستان وباقي دول العالم".
"وباختصار، فإن الهدف الأساسي للإمارة الإسلامية في سياستها الخارجية يحتاج إلى إصلاح النظام السياسي في أفغانستان"، يضيف مجيب الله.
ونوه الكاتب إلى أن لدى الفاعلين العالميين مجموعة من الأعراف والقيم الدولية، وأن على طالبان الالتزام بها إذا ما أرادت أن تشارك في المحافل الدولية.
ومع الأخذ في الحسبان مصالح طالبان الأوسع في بقاء النظام داخليا، فإن كلا من الشرعية والازدهار الاقتصادي يتطلبان دورا خارجيا.
"ولن يتأتى ذلك إلا بتأسيس طالبان لنسخة مصقولة من الهياكل السياسية، وإلا فإنها ستصبح مرة أخرى من بقايا الماضي، ولن يدوم حكمها لأفغانستان"، يختم الكاتب.