موقع أميركي: الإمارات تسعى لطرد تركيا خارج منطقة غرب البلقان
سلط موقع أميركي الضوء على "الشراكة الإستراتيجية" بين الإمارات وصربيا، مبرزا مراحل التطور التي مرت بها هذه العلاقة، وأسباب نموها خلال الفترة الأخيرة.
وأوضح موقع "يوراسيا ريفيو" أن "كلا من رئيس وحدة المعلومات المالية في الإمارات، علي فيصل باعلوي، ومدير إدارة الحماية من غسل الأموال في صربيا، زيلجكو رادوفانوفيتش، وقعا في 3 فبراير/ شباط 2023، مذكرة تفاهم بشأن مكافحة غسل الأموال".
وقال نائب رئيس الوزراء الصربي، وزير المالية، سينيشا مالي، إن "الاتفاقية ستمكن مؤسستي البلدين ليس فقط من التعاون بشكل أفضل فيما يخص غسل الأموال، ولكنها أيضا ستعزز علاقاتهما الاقتصادية القوية بالفعل".
وشدد مالي على أن العلاقات بين بلاده والإمارات "وصلت لمستوى غير مسبوق، وأن هناك مجالا للمزيد من التطوير".
حرب البوسنة
وعد الموقع الأميركي أن "هذه الاتفاقية الأخيرة لفتت النظر إلى ارتفاع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بين بلغراد وأبو ظبي إلى مستويات عالية جدا، للدرجة التي يقول فيها الصرب أنفسهم إنهم ينظرون إلى الإمارات حاليا على أنها أقرب صديق لبلادهم في العالم العربي".
وأضافت "وبتعبير أدق، فإن العلاقات بين بلغراد وأبو ظبي متشعبة ومتعددة المجالات لدرجة أنها وصلت إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية".
فإلى جانب فرنسا وإيطاليا وروسيا والصين وأذربيجان، أصبحت الإمارات جزءا من "نخبة البلدان"، التي تربط صربيا معها اتفاقيات شراكة إستراتيجية.
ومع ذلك، لم يكن الأمر كذلك دائما، ففي لحظات معينة كان البلدان على وشك الدخول في حرب دبلوماسية، حسب الموقع الأميركي.
فعلى سبيل المثال، كانت العلاقات تسوء في كثير من الأحيان؛ بسبب علاقات بلغراد مع البوسنة والهرسك وكوسوفو.
فخلال الحرب في البوسنة والهرسك، دعمت أبو ظبي ماليا البوشناق (المسلمين) في الحرب ضد المتمردين الصرب البوسنيين، الذين دعمتهم صربيا.
وذكر التقرير أن "القادة الإماراتيين ساعدوا القوات العسكرية لمسلمي البوسنة بسخاء، حيث تبرع (أول رئيس للدولة) زايد بن سلطان آل نهيان بأكثر من 10 ملايين دولار، بينما خصص وزير الدفاع حينها، محمد بن راشد، قرابة 15 مليون دولار للبوشناق".
وعندما اندلعت حرب مفتوحة في كوسوفو بين قوات الأمن الصربية وجيش تحرير كوسوفو عام 1998، دعمت أبو ظبي حركة الاستقلال الألبانية، مما أغضب الحكومة الصربية مرة أخرى.
كما أنه عندما أعلنت كوسوفو استقلالها عام 2008، كانت الإمارات أول دولة عربية تعترف بها، الأمر الذي أثار غضب صربيا، وأدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية حديثة العهد بين بلغراد وأبو ظبي، التي تشكلت عام 2007.
مرحلة التقارب
وأشار الموقع الأميركي إلى أن "القوة الدافعة الأساسية وراء تحسين العلاقات بين صربيا والإمارات، والتي ستكتسب طابعا إستراتيجيا فيما بعد، هو الرئيس الصربي الحالي، ألكسندر فوتشيتش، الذي تحلى بالحكمة والبراغماتية".
وبالتوازي مع هذه الرغبة الصربية، لا ينبغي إغفال دوافع الإمارة الخليجية، التي كانت مهتمة أيضا بإذابة العلاقات مع بلغراد.
واتخذت العلاقات منعطفا دراماتيكيا عام 2012، بعد وصول "الحزب التقدمي الصربي" إلى السلطة، وزيارة ولي عهد أبوظبي حينها، محمد بن زايد، إلى بلغراد في العام التالي.
في ذلك الوقت، كانت صربيا تعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة، تتمثل في ارتفاع الدين العام وارتفاع معدل البطالة، وتدهور الصناعة.
لذلك، كانت في حاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر على أمل أن يعطي دفعة إيجابية لاقتصادها المتدهور، الذي كان لا يزال يتعافى من العقوبات الدولية في التسعينيات والفساد الداخلي.
في المقابل، كانت الحكومة الإماراتية تبحث عن طرق لتنويع اقتصادها المعتمد على الطاقة، وقدمت صربيا -بدورها- فرصة لذلك، وفق الموقع.
وبتعبير أدق، رأى الإماراتيون في صربيا فرصة لوضع موطئ قدم قوي لهم في السوق الأوروبية، والوصول إلى الصناعة العسكرية القوية التي كانت تحظى باحترام دولي إبان عهد يوغوسلافيا.
فمن جهة، احتاجت الصناعة العسكرية في صربيا إلى استثمارات من أجل تحديث قدراتها، ومن جهة أخرى، لم يمثل ذلك مشكلة بالنسبة لشيوخ الإمارات، وبذلك أدرك البلدان سريعا الفوائد الملموسة لعلاقاتهما الثنائية.
وفي فترة زمنية قصيرة نسبيا، توسعت الشراكة المتنامية بين بلغراد وأبو ظبي لتشمل النقل الجوي والبناء (الحضري) والزراعة والصناعة العسكرية والسياحة.
كما زاد الاستثمار الأجنبي المباشر الإماراتي في صربيا من 300 ألف يورو في 2010، إلى 180 مليون يورو في 2018، حسب التقرير.
طرف مهيمن
وفي عام 2013، وقعت حكومتا البلدين اتفاقا بشأن التعاون في مجال الدفاع، وحماية الاستثمارات، وفي العام التالي، وقعا اتفاقية تضمن إلغاء التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والرسمية، وكذلك اتفاقية بشأن الحركة الجوية.
وفي 1 أغسطس/ آب 2013، دخلت الخطوط الجوية الصربية "جات" وشركة "الاتحاد للطيران" الإماراتية، في شراكة إستراتيجية لإنشاء شركة طيران وطنية صربية جديدة، سميت "طيران صربيا".
وتبع ذلك، توقيع شركة "الإمارات للأبحاث والتكنولوجيا المتقدمة القابضة" (إيرث) عقدا بقيمة 267 مليون دولار مع أكبر شركة عسكرية صربية (Yugoimport SDPR) لتطوير نظام صاروخي طويل المدى متعدد الأغراض ومضاد للدروع.
وأكد "يوراسيا ريفيو" أن الإمارات تشتري كميات كبيرة من الأسلحة الصربية، وأن الأمر قد انتهى ببعض تلك الأسلحة المنتجة في حربي سوريا واليمن.
وشدد على أن "صربيا تستفيد بشكل جيد من بيع أسلحتها إلى سوق الشرق الأوسط، حيث تشتري الإمارات بعض تلك الأسلحة وتمنحها لحلفائها في مختلف النزاعات الإقليمية".
وذكر الموقع الأميركي أن الصرب صدّروا أسلحة إلى الإمارات عام 2020 فقط بقيمة 61.5 مليون دولار.
وأشار إلى أن "الدافع الرئيس الذي يقود السياسة الخارجية لصربيا، وبالتالي موقفها حيال الإمارات، هو تبنيها سياسة عدم الانحياز، والمناورة بين الغرب والشرق".
فبالنسبة لصربيا، تعد الشراكات مع القوى غير الغربية - أو القوى الشرقية بشكل عام مثل الصين وروسيا والهند وتركيا والإمارات- جزءا لا يتجزأ من السياسة الخارجية، وهو جزء ضروري للغاية من أجل خلق توازن مستدام في السياسة الخارجية واستقرار سياسي واقتصادي.
علاوة على ذلك، تؤمّن صربيا نفسها من خلال الشراكة مع أبو ظبي وأنقرة والمنامة وقوى أخرى في الشرق الأوسط، كتدبير استباقي حال قطع الغرب قنوات الاستثمار أو فرض عقوبات عليها بسبب علاقاتها مع جيرانها، يشير الموقع.
ومن ناحية أخرى، يستفيد الإماراتيون جيوسياسيا من الشراكة الإستراتيجية مع بلغراد، حيث يهدفون إلى دفع نفوذ تركيا خارج صربيا ومنطقة غرب البلقان بشكل عام، بحسب الموقع الأميركي.
وأوضح أن "الإمارات تسعى إلى استخدام علاقاتها الوثيقة واستثماراتها الإستراتيجية في صربيا لمنع خصمها (تركيا) من وضع موطئ قدم لها، توسع من خلاله نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي في المنطقة".
ونوّه "يوراسيا ريفيو" بأن "القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية بين مناطق غرب البلقان والشرق الأوسط تتسم بالتشابك والتداخل".
ولفت إلى أن "الإمارات تعتقد أن بإمكانها أن تكون طرفا مهيمنا في منطقة غرب البلقان، كما تؤمن بقدراتها على كبح جماح منافسيها الآخرين، ولذلك، فهي تقيم علاقات ثنائية قوية مع دول المنطقة، كعلاقاتها الحالية مع صربيا".
وختم الموقع بالتأكيد على أن "نتاج هذه السياسات هو خلق حقائق جيوسياسية جديدة، تزيد من تعقيد العلاقات في المنطقة".