بوادر مصالحة بين الصدر والمالكي.. هل ينتهي الخصام داخل "البيت الشيعي" بالعراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

إعلان رئيس ائتلاف "دولة القانون" في العراق، نوري المالكي، قرب "انتهاء العداء والخلاف" مع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أثار تساؤلا ملحّا بخصوص مدى إمكانية حدوث التصالح بين "أكبر خصمين لدودين" داخل البيت السياسي الشيعي.

وتمثل الشخصيتان في الوقت الحالي، قطبي القوى السياسية الشيعية، فالمالكي يُعد بمثابة زعيم قوى "الإطار التنسيقي" المشكّل للحكومة، بينما يقود الصدر التيار الصدري الشيعي المعارض، وذلك بعد توجيه كتلته بالانسحاب من البرلمان في يونيو/ حزيران 2022.

"بداية النهاية"

وخلال مقابلة مصوّرة مع إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية في 20 فبراير/ شباط 2023، قال المالكي: "قريبا سينتهي الخلاف مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر"، مؤكدا أن "هناك تواصل على نية إنهاء هذا الخلاف من قبله ومن قبلنا".

لكن حديث المالكي الذي سبق أن ترأس الحكومة لمدة ثماني سنوات (2006 - 2014) لم يتبعه أي تعليق رسمي من التيار الصدري حتى 27 فبراير 2023، لتأكيد أو نفي ما ورد على لسان الغريم الأول للصدر، من وجود تواصل بينهما لإنهاء الخلاف قريبا.

ورغم غياب الموقف الصدري الرسمي، لكن ذلك لم يمنع أعضاء في التيار من التعليق على تصريحات المالكي، ونفي موضوع المصالحة بين الجانبين جملة وتفصيلا، بل وصفها البعض منهم بأنها "أضغاث أحلام".

وقال عضو التيار الصدري، أحمد الربيعي، عبر تغريدة على "تويتر" في 21 فبراير 2023 إنه "لا يوجد أي مصالحة ولا أي تفاوض ولا أي لقاء لغرض المصالحة ولا من أجل أي غرض آخر".

ومثل ذلك، كتب عضو التيار صفاء الأسدي على "تويتر" في 21 فبراير 2023، قائلا: "الرجل (المالكي) يتحدث من وحي الخيال أو أنها أماني… كلام لا يمت إلى الواقع بصلة، لا يوجد أي تفاهم ولا أي لقاء نقطة رأس سطر. أضغاث أحلام".

وفي السياق ذاته، قال النائب السابق وعضو التيار الصدري، فتاح الشيخ، خلال مقابلة تلفزيونية في 23 فبراير 2023 إن "الصدر لن يغادر برنامجه الذي طرحه بشدة وكلفنا 48 شهيدا في ليلة الثلاثين من أغسطس/ آب 2022، لذلك لا يمكن أن يلتقي بكبير الفاسدين".

ورفض الصدر مشاركة الإطار التنسيقي في تشكيل الحكومة، بعدما أخفق في تشكيل حكومة أغلبية سياسية يقودها التيار الصدري مع قوى كردية وسنية، ووجه كتلته البرلمانية التي فازت بأعلى عدد مقاعد في البرلمان (73 مقعدا من أصل 329) بتقديم استقالتها في يونيو 2022.

وعلى ضوء ذلك، خرج التيار الصدري باحتجاجات شعبية، بلغت ذروتها في اقتحام المنطقة الخضراء والسيطرة على مبنى البرلمان في أغسطس/ آب 2022، لمدة 30 يوما حتى أقدمت قوات "الحشد الشعبي" على إخراج الصدريين بالقوة ما أدى إلى سقوط نحو 48 قتيلا من أتباع الصدر.

تدخل السيستاني

في المقابل، كشف المحلل السياسي العراقي، حيدر الموسوي، القريب من قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي، أن "اجتماع محمد رضا السيستاني (نجل المرجع الشيعي في النجف) والسيد مقتدي الصدر قبل أسبوعين أحد ثماره إنهاء الخلاف بين الأخير والمالكي".

وأكد الموسوي خلال سلسلة تغريدات على "تويتر" في 21 فبراير 2023 أن ما يتحدث به هو "معلومة" وأنه "لا يوجد شيء غير ممكن في عالم السياسة، هذا عند الناس العاديين ومن باب العاطفة".

وأشار إلى أن "المرجعية (الشيعية) ليست راضية على أداء كل الطبقة السياسية، لكن نجل السيد (السيستاني) يرى أن ثمة مصلحة بإنهاء الخصومة وتداعياتها على الشارع من باب إصلاح ذات البين".

وفيما إذا كان ذلك يعني أن المالكي هو من أرسل نجل السيستاني للصدر، قال الموسوي: "لا طبعا. محمد رضا أكبر من هذا الشيء، وإن الأخير أعطى رأيا من أجل إنهاء الاحتقان الشيعي- الشيعي، وإن الموضوع ليس وساطة للمالكي بقدر ما هو موضوع مصالحة خصوم".

وعن تصريحات بعض أعضاء التيار الصدري التي نفت أي لقاءات أو موضوع مصالحة بين الطرفين، رأى الموسوي بأنهم "لا يمثلون رأي المكتب الخاص للصدر، فإذا كان كذلك فعلى الأخير أن ينفي".

من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي، حامد العبيدي، إن "طرح المالكي لموضوع المصالحة ربما يكون جس نبض للتيار الصدري ولزعيمه مقتدى الصدر تحديدا، بخصوص ما إذا كان بالإمكان إنهاء الخلافات بينهما".

وأضاف العبيدي لـ"الاستقلال" أن "الخلافات عميقة بين الطرفين، ووصلت إلى حد التهديدات بالقتل، لذلك من ينظر إليها يجدها من الصعوبة بمكان أن تتم المصالحة بين الطرفين، خصوصا أن الصدر فضل عدم تشكيل الحكومة على أن يشارك فيها المالكي".

لكن الباحث أكد أنه "من الممكن حصول كل شيء بالعراق، وخصوصا في حالة تتعلق بزعيم التيار الصدري المعروف بتقلباته السياسية الكثيرة، فبعدما رفض دعا الإطار التنسيقي إلى إبعاد المالكي من صفوفه، عاد واتصل به لأخذ رأيه بترشيح جعفر الصدر (سفير بغداد في لندن) إلى رئاسة الحكومة".

عداوة مستمرة

الخلافات بين المالكي والصدر تعود إلى العام 2008، عندما أطلق الأول بدعم أميركي وكان حينها رئيسا للحكومة، عملية عسكرية واسعة في البصرة ومحافظات جنوبية أخرى سميت "صولة الفرسان"، قتل واعتقل فيها المئات من الصدريين خلال مواجهات واسعة استمرت لأسابيع عدة.

لكن عقب الانتخابات البرلمانية عام 2010، رفص الصدر بشدة تولي المالكي ولاية ثانية، إلا أن الضغوط الإيرانية التي مورست على زعيم التيار الصدري (الذي كان موجودا في طهران حينها) وعلى قوى سياسية أخرى، أدت إلى تمرير حكومة "زعيم ائتلاف دولة القانون" الثانية، والتي استمر خلالها الشد والجذب بينهما.

وعام 2011، عاد الصدر إلى منزله في منطقة الحنانة بالنجف جنوبي العراق، بعد أربع سنوات قضاها في إيران لدراسة العلوم الدينية، ليبدأ فصلا جديدا من الخلافات بعد مشاركة نواب من كتلة "الأحرار" الصدرية في حراك لاستجواب وإقالة المالكي عام 2012 بتهم فساد وسوء استخدام السلطة.

وفي عام 2014 بعد سقوط الموصل ومدن أخرى بيد "تنظيم الدولة"، وجه الصدريون في البرلمان اتهامات للمالكي بالتسبب بسيطرة التنظيم على ثلث الأراضي العراقية، والتي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتهجير نحو 5 ملايين من مناطق سكنهم.

الصدر كان من أشد المؤيدين لتولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة التي تشكلت عام 2014، ما أثار غضب المالكي الذي كان يبحث عن ولاية ثالثة، فكانت هذه بداية إبعاد الأخير عن منصب رئيس الوزراء.

وفي 2018 وبعد تصدر كتلة "سائرون" التابعة للصدر في الانتخابات البرلمانية، وضع زعيم التيار شروطا وصفت بـ"التعجيزية" على المالكي للمشاركة في الحكومة التي تشكلت من دون "ائتلاف دولة القانون".

وطالما طالب الصدر من رؤساء الحكومات (حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، مصطفى الكاظمي) التي أعقبت مرحلة المالكي، بمحاسبة الأخير عما لحق بالعراق نتيجة حكمه، من طائفية وقتل وتهجير وفساد مالي وإداري، إضافة إلى تكاثر المليشيات، لكن لم ينفذ أحد منهم ذلك.

وفي انتخابات عام 2021، فازت كتلة التيار الصدري بالمرتبة الأولى، والتي اشترط فيها الصدر على قوى الإطار التنسيقي إبعاد المالكي من صفوفه مقابل تحالفه معهم، لكن شركاء زعيم ائتلاف دولة القانون رفضوا ذلك، واستمر الانسداد السياسي بالبلاد حتى إعلان زعيم التيار الصدري اعتزال العملية السياسية في 29 أغسطس 2022.

وقبل ذلك بشهر واحد، نشر الناشط العراقي المقيم في الولايات المتحدة علي فاضل، ثلاثة مقاطع صوتية في يوليو/ تموز 2022، وقال إنها تسريبات من اجتماع للمالكي مع مليشيا عراقية تدعى "أمة البقيع" مدته ساعة كاملة، أظهرت تحريض الأخير على قتل الصدر.

واتهم المالكي في التسريبات مقتدى الصدر بـ"الخيانة"، وتلقي أتباعه التدريبات من بريطانيا، وأنه لا بد من التصدي لهذا المشروع سياسيا وعسكريا. 

ووصف أتباع الصدر بأنهم "جبناء"، وسبق أن انتصر عليهم وحده بإمكانيات ضعيفة للدولة في وقت كانت إيران تدعم الصدر بالصواريخ، لأنها كانت تريده أن يكون مثل حسن نصر الله (زعيم حزب الله اللبناني)، رغم أنه "جاهل".

وعلى ضوء ذلك، تقدم التيار الصدري في 7 سبتمبر/ أيلول 2022 بدعوى ضد المالكي، من أجل محاكمته وفقا لقانون "مكافحة الإرهاب" العراقي، إذ اتهمت الدعوى رئيس الوزراء الأسبق، بالتحضير لمخططات واضحة لتهديد السلم والأمن في البلاد.

لكن مصير الدعوى القضائية للتيار الصدري ضد المالكي، انتهت بخروج الأخير بكفالة مالية بعد مثوله أمام القضاء في محكمة الكرخ ببغداد، حسبما كشف عضو التيار الصدري فتاح الشيخ خلال مقابلته التلفزيونية في 23 فبراير 2023.